أسرار الصَّلاة
و الفَرق و الموازنَة بين ذَوق الصَّلاة و السَّماع
للإمَام العلامَة أبي عَبد الله محمَّد بن أبي بَكر بن أيُّوب الزَّرعي الدِّمشقي
الشَّهير بابن قيِّم الجَوزيَّة
العَدَدُ الرَّابِع
الكلام عن الوضوء فبالوضوء يتطَّهر من الأوساخ ، و يُقدم على ربِّه متطهرا ، و الوضوء له ظاهر و باطن:
فظاهره: طهارة البدن، و أعضاء العبادة.
و باطنه و سرّه: طهارة القلب من أوساخ الذنوب و المعاصي و أدرانه بالتوبة؛ و لهذا يقرن تعالى بين التوبة و الطهارة في قوله تعالى:
{ إن الله يحب التَّوابين و يحب المتظهرين } [ البقرة : 222] و شرع النبي صلى الله عليه و سلم للمتطهِّر أن يقول بعد فراغه من الوضوء أن يتشهد ثم
يقول: " اللهم اجعلني من التوّابين ، و اجعلني من المتطهرين ".
فكمَّل
له مراتب العبدية و الطهارة ، باطنا و ظاهرا ، فإنه بالشهادة يتطهر من
الشرك ، و بالتوبة يتطهر من الذنوب ، و بالماء يتطهر من الأوساخ الظاهرة.
فشرع
له أكمل مراتب الطهارة قبل الدخول على الله عز و جل، و الوقوف بين يديه ،
فلما طهر ظاهرا و باطنا ، أذن له بالدخول عليه بالقيام بين يديه و بذلك
يخلص من الإباق.
و
بمجيئه إلى داره ، و محل عبوديته يصير من جملة خدمه ، و لهذا كان المجيء
إلى المسجد من تمام عبودية الصلاة الواجبة عند قوم و المستحبة عند آخرين.
من تمام العبودية الذهاب للمسجد:و
العبد في حال غفلته كالآبق من ربه ، قد عطّل جوارحه و قلبه عن الخدمة التي
خُلق لها فإذا جاء إليه فقد رجع من إباقه ، فإذا وقف بين يديه موقف و
التذلل و الانكسار ، فقد استدعى عطف سيِّده عليه ، و إقباله عليه بعد الإعراض عنه.