باسم الله الرحمـان الرحيـم .. و الصلاة و السلام على أشــرف المــرسليـن ..
السـلام علــيـكـم و رحمـة الله تعـالى و بــركـاتـه
تمضي الأيـام .. لكن الذكرى تبقــى الماضــي مضـى .. و المضارع يمضي
لذلك فلنطـوي صفحـة الماضـي و لنبــدأ بصفحات بيضــاء جديــدة
و لنــجعل من من الذكريات الــوانا في كتابنا و لنــملئ صــفاحتنا البيــضاء بســطور ذهبية
تعــكس جمالها على منتــدانا هذا ..
الحمـد لله وحده نحمده و نشكره و نستعـينه و نستـغفره و نعـود بالله
مـن شـرور أنـفسنا و من سيـئات أعمالنا ..
من يـهده الله فلا مظل لـه و مـن يظـلل فلن تـجد له ولياً مرشدا ..
و أشـهد ألا إلاه إلا الله وحده لا شريك له و أن محــمداً عبده و رسـوله صــلى الله عليه و
سلم و على آله و صحبه أجمعين و من تبعهم بإحسـان إلى يوم الدين ..
ربنا لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الـخـبــيـر ..
ربـنـا لا فــهم لـنا إلا ما فهــمتنا إنــك أنـت الجــواد الـكـريـم .
الأمْثالُ في القرْآن الكَريم
ابْن قيّم الجوزيّة
محمد بن ابي بكر بن ايوب بن سعد بن حريز الزرعي الدمشقي
نسأل الله تعالى أن ينفعَنا بِها!؟
المَثَلُ الثَّالِثُ العَاشِر!؟
مثل الكلمة الخبيثة
فصل
ثم
ذكر سبحانه مثل الكلمة الخبيثة فشبهها بالشجرة الخبيثة التي اجتثت من فوق
الأرض ما لها من قرار فلا عرق ثابت ولا فرع عال ولا ثمرة زاكية ولا ظل ولا
جنى ولا ساق قائم ولا عرق في الأرض ثابت مغدق ولا أعلاها مونق ولا جنى لها
ولا تعلو بلى تعلى!
و
إذا تأمل اللبيب أكثر كلام هذا الخلق في خطابهم وكتبهم وجده كذلك فالخسران
كل الخسران الوقوف معه والاشتغال به عن أفضل الكلام وأنفعه قال الضحاك ضرب
الله مثلا للكافر بشجرة اجتثت من فوق الأرض ما لها من قرار يقول ليس لها
أصل ولا فرع وليس لها ثمرة و لا فيها منفعة كذلك الكافر ليس يعمل خيرا ولا
يقوله ولا يجعل الله فيه بركة ولا منفعة وقال ابن عباس:
"و مثل كلمة خبيثة وهي الشرك كشجرة خبيثة يعني الكافر اجتثت من فوق الأرض ما لها من قرار" يقول
الشرك ليس له أصل يأخذ به الكافر ولا برهان و لا يقبل الله عمل المشرك ولا
يصعد إلى الله فليس له أصل ثابت في الأرض ولا فرع في السماء يقول ليس له
عمل صالح في السماء ولا في الآخرة وقال الربيع بن أنس مثل
الشجرة الخبيثة مثل الكافر ليس لقوله ولا لعمله أصل ولا فرع ولا يستقر
قوله ولا عمله على الأرض ولا يصعد إلى السماء وقال سعيد عن قتادة في هذه
الآية إن رجلا لقي رجلا من أهل العلم فقال له ما تقول في الكلمة الخبيثة
قال لا اعلم لها في الأرض مستقرا ولا في السماء مصعدا إلا أن تلزم عنق
صاحبها حتى يوافي بها يوم القيامة وقوله اجتثت أي استؤصلت من فوق الأرض!!
التثبيت بالقول الصالح
ثم
أخبر سبحانه عن فصله وعدله في الفريقين أصحاب الكلم الطيب والكلم الخبيث
فأخبر أنه يثبت الذين آمنوا بالقول الثابت أحوج ما يكونون إليه في الدنيا
والآخرة وأنه يضل الظالمين وهم المشركون عن القول الثابت فأضل هؤلاء بعدله
لظلمهم وثبت المؤمنين بفضله لإيمانهم وتحت قوله يثبت الله الذين آمنوا
بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة كنز عظيم من وقف عليه لظنته
وأحسن استخراجه واقتناءه وأنفق منه فقد غنم ومن حرمه فقد حرم وذلك أن
العبد لا يستغني عن تثبيت الله طرفة عين فإن لم يثبته وإلا زالت سماء
إيمانه وأرضه عن مكانهما وقد قال تعالى لأكرم خلقه عليه عبده ورسوله ولولا
أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئا قليلا وقال تعالى إذ يوحي ربك إلى
الملائكة أني معكم فثبتوا الذين آمنوا وفي الصحيحين من حديث البجلي قال
وهو يسألهم ويثبتهم وقال تعالى لرسوله وكلا نقص عليك من أنباء الرسل ما
نثبت به فؤادك!
كيفية التثبيت
فالخلق
كلهم قسمان موفق بالتثبيت ومخذول بترك التثبيت ومادة التثبيت وأصله ومنشأه
من القول الثابت وفعل ما أمر به العبد فيهما يثبت الله عبده فكل ما كان
أثبت قولا وأحسن فعلا كان أعظم تثبتا قال تعالى ولو أنهم فعلوا ما يوعظون
به لكان خيرا لهم وأشد تثبيتا فأثبت الناس قلبا أثبتهم قولا والقول الثابت
هو القول الحق والصدق وهو ضد القول الباطل الكذب فالقول نوعان ثابت له
حقيقة وباطل لا حقيقة له وأثبت القول كلمة التوحيد ولوازمها فهي أعظم ما
يثبت الله بها عباده في الدنيا والآخرة ولهذا ترى الصادق من أثبت الناس
وأشجعهم قلبا والكاذب من أمهن الناس وأخبثهم وأكثرهم تلويا وأقلهم ثباتا
وأهل الفراسة يعرفون صدق الصادق من ثبات قلبه وقت الاختبار وشجاعته
ومهابته ويعرفون كذب الكاذب بضد ذلك ولا يخفى ذلك إلا على ضعيف البصيرة
وسئل بعضهم عن كلام سمعه من متكلم به فقال والله ما فهمت منه شيئا الا أني
سمعت لكلامه صولة ليست بصولة مبطل فما منح العبد منحة أفضل من منحة القول
الثابت ويجد أهل القول الثابت ثمرته أحوج ما يكونون إليه في قبورهم ويوم
معادهم كما في صحيح مسلم من حديث البراء بن عازب عن النبي أن هذه الآية
نزلت في عذاب القبر وقد جاء هذا مبينا في أحاديث صحاح فمنها ما في المسند
من حديث داود بن أبي هند عن أبي نضرة عن أبي سعيد قال كنا مع النبي في
جنازة فقال: " يا أيها الناس إن هذه الأمة تبتلى في قبورها فإذا الإنسان دفن وتفرق عنه "
سؤال
القبر أصحابه جاءه ملك بيده مطراق فأقعده فقال ما تقول في هذا الرجل فإن
كان مؤمنا قال أشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده
ورسوله فيقول له صدقت فيفتح له باب إلى النار فيقال له هذا منزلك لو كفرت
بربك فأما إذ آمنت فإن الله أبدلك به هذا ثم يفتح له باب إلى الجنة فيريد
أن ينهض له اسكن ثم يفسح له في قبره وأما الكافر والمنافق فيقال له ما
تقول في هذا الرجل فيقول لا أدري فيقال لا دريت ولا اهتديت ثم يفتح له باب
إلى الجنة فيقال له هذا منزلك لو آمنت بربك فأما إذ كفرت فإن الله أبدلك
به هذا ثم يفتح له باب إلى النار ثم يقمعه الملك بالمطراق قمعة يسمعه خلق
الله كلهم إلا الثقلين قال بعض أصحابه يا رسول الله ما منا من أحد يقوم
على رأسه ملك بيده مطراق إلا هيل عند ذلك فقال رسول الله :
" يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ويضل الله الظالمين ويفعل الله ما يشاء "
و في
المسند من حديث البراء بن عازب وروى المنهال عن عمرو وعن زاذان عن البراء
قال قال رسول الله وذكر قبض روح المؤمن فقال يأتيه آت يعني في قبره فيقول
من ربك وما دينك ومن نبيك فيقول ربي الله وديني الإسلام ونبي محمد قال
فيقول له ما ربك وما دينك وهي آخر فتنة تعرض على المؤمن فذلك حين يقول
الله يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة
فيقول ربي الله وديني الإسلام ونبيي محمد فيقال له صدقت وهذا حديث صحيح.
و
قال حماد بن سلمة عن محمد بن عمر وعن أبي سلمة عن أبي هريرة قال قال رسول
الله يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة
قال إذا قيل له في القبر من ربك وما دينك فيقول ربي الله وديني الاسلام
ونبي محمد جاء بالبينات من عند الله فآمنت وصدقت فيقال له صدقت على هذا
عشت وعليه مت وعليه تبعث وقال الأعمش عن المنهال بن عمرو عن زاذان عن
البراء بن عازب قال قال رسول الله وذكر قبض روح المؤمن قال فترجع روحه في
جسده ويبعث إليه ملكان شديدان فيجلسانه وينهرانه ويقولان من ربك فيقول
الله وما دينك فيقول الإسلام فيقولان ما هذا الرجل الذي بعث فيكم فيقول
محمد رسول الله قال فيقولان له وما يدريك قال يقول قرأت كتاب الله فآمنت
به وصدقت وذلك قول الله تبارك وتعالى يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت
في الحياة الدنيا وفي الآخرة رواه ابن حبان في صحيحه وأحمد وفي صحيحه أيضا
من حديث أبي هريرة يرفعه قال إن الميت ليسمع خفق نعالهم يولون عنه مدبرين
فإذا كان مؤمنا كانت الصلاة عند رأسه والزكاة عن يمينه وكان الصيام عن
يساره وكان فعل الخيرات من الصدقة والصلة والمعروف والإحسان إلى الناس عند
رجليه فيؤتى من عند رأسه فتقول الصلاة ما قبلي مدخل فيؤتى عن يمينه فتقول
الزكاة ما قبلي مدخل فيؤتي عن يساره فيقول الصيام ما قبلي مدخلى فيؤتى من
عند رجليه فتقول فعل الخيرات من الصدقة والصلة والمعروف و الإحسان إلى
الناس ما قبلي مدخل فيقال له اجلس فيجلس قد مثلت له الشمس قد قدمت للغروب
فيقال له أخبرنا عما نسألك عنه فيقول وعم تسألوني فيقول دعوني حتى أصلي
فيقال إنك ستفعل فأخبرنا عما نسألك فيقول وعم تسألون فيقال له أرأيت هذا
الرجل الذي بعث فيكم ماذا تقول فيه وماذا تشهد به عليه فيقول محمد فيقولون
نعم فيقول أشهد أنه رسول الله وأنه جاءنا بالبينات من عند الله فصدقناه
فيقال له على ذلك حييت وعلى ذلك مت وعلى ذلك تبعث إن شاء الله ثم يفسح له
في قبره سبعون ذراعا وينور له فيه ثم يفتح له باب إلى الجنة فيقال انظر
إلى ما أعد الله لك فيها فيزداد غبطة وسرورا ثم يجعل نسمته في النسم
الطيبة وهي طير خضر تعلق بشجر الجنة فيعاد الجسد إلى ما بدا منه من التراب
وذلك قول الله يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي
الآخرة ولا تستطل هذا الفصل المعترض فالمفتي والشاهد والحاكم بل وكل مسلم
أشد ضرورة إليه من الطعام والشراب والنفس!
وبالله التوفيق.