[center]تأليف
صدر الإسلام، الأصولي ، العالم، المتفنن
عبد القاهر بن طاهر بن محمد البغدادي،
الإسفرائني ، التميمي المتوفى
في عام 429 هـ بسم الله الرحمن الرحيم الحمد
لله فاطر الخلق وموجده ومظهر الحق ومنجده الذي جعل الحق وزرا لمن اعتقده
وعمرا لمن اعتمده وجعل الباطل مزلا لمن ابتغاه ومذلا لمن اقتضاه والصلاة
والسلام على الصفوة الصافية والقدوة الهادية محمد وآله خيار الورى ومنار
الهدى. سألتم أسعدكم الله مطلوبكم شرح معنى الخبر المأثور عن النبي في
افتراق الامة ثلاثا وسبعين فرقة منها واحدة ناجية تصير الى جنة عاليه
وبواقيها عادية تصير الى الهاوية والنار الحامية وطلبتم الفرق بين الفرقة
الناجية التي لا يزل بها القدم ولا تزول عنها النعم وبين فرق الضلال الذين
يرون ظلام الظلم نورا واعتقاد الحق ثبورا وسيصلون سعيرا ولا يجدون من الله
نصيرا.
فرأيت
إسعافكم بمطلوبكم من الواجب في إبانة الدين القويم والصراط المستقيم
وتمييزها من الأهواء المنكوسة والآراء المعكوسة ليهلك من هلك عن بينة
ويحيا من يحيا عن بينة فأودعت مطلوبكم مضمون هذا الكتاب وقسمت مضمونه خمسة
ابواب هذه ترجمتها:
باب في بيان الحديث المأثور في افتراق الأمة ثلاثا وسبعين فرقة
(1) باب في بيان فرق الأمة على الجملة ومن ليس منها على الجملة
(2) باب في بيان فضائح كل فرقة من فرق الاهواء الضالة
(3) باب في بيان الفرق التي انتسبت الى الاسلام وليست منها
(4) باب
في بيان الفرقة الناجية وتحقيق نجاتها وبيان محاسن دينه فهذه جملة ابواب
هذا الكتاب وسنذكر في كل باب منها مقتضاه على شرطه إن شاء الله تعالى.
في بيان الحديث المأثور في افتراق الأمة أخبرنا
أبو سهل بشر بن أحمد بن بشار الإسفراءينى قال أخبرنا عبد الله بن ناجية
قال حدثنا وهب بن بقية عن خالد ابن عبد الله عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة
عن أبي هريرة قال قال رسول الله {افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة
وتفرقت النصارى على اثنتين وسبعين فرقة وتفترق أمتى على ثلاث وسبعين فرقة}.
أخبرنا
أبو محمد عبد الله بن محمد بن على بن زياد السميذى العدل الثقة قال أخبرنا
أحمد بن الحسن بن عبد الجبار قال حدثنا الهيثم بن خارجة قال حدثنا إسماعيل
بن عباس عن عبد الرحمن بن زياد بن أنعم عن عبد الله بن يزيد عن عبد الله
بن عمرو قال قال رسول الله {ليأتين على أمتى ما أتى على بنى إسرائيل تفرق
بنو اسرائيل على اثنتين وسبعين ملة وستفترق امتى على ثلاث وسبعين ملة تزيد
عليهم ملة كلهم في النار الا ملة واحدة قالوا يا رسول الله من الملة
الواحدة التي تنقلب قال ما أنا عليه وأصحابي}.
أخبرنا
القاضي أبو محمد عبد الله بن عمر المالكي قال حدثنا أبي عن أبيه قال حدثنا
الوليد بن مسلمة قال حدثنا الاوزاعي قال حدثنا قتادة عن انس عن النبي قال
{إن بنى إسرائيل افترقت على إحدى وسبعين فرقة وإن امتى ستفترق على ثنتين
وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة وهى الجماعة}.
قال
عبد القاهر للحديث الوارد في افتراق الامة أسانيد كثيرة وقد رواه عن النبي
جماعة من الصحابة كأنس بن مالك وأبي هريرة وأبي الدرداء وجابر وأبي سعيد
الخدري وأبي بن كعب وعبد الله بن عمرو بن العاص وأبي امامة ووائله بن
الاسقع وغيرهم.
ما روي عن الصحابة من ذم بعض الفرق وقد
روى عن الخلفاء الراشدين أنهم ذكروا افتراق الامة بعدهم فرقا وذكروا أن
الفرقة الناجية منها فرقة واحدة وسائرها على الضلال في الدنيا والبوار في
الآخرة.
وروى عن النبي ذم القدرية وأنهم مجوس هذه الامة وروى عنه ذم المرجئة مع القدرية وروى عنه أيضا ذم المارقين وهم الخوارج.
وروى
عن أعلام الصحابة ذم القدرية والمرجئة والخوارج المارقة وقد ذكرهم على رضى
الله عنه في خطبته المعروفة بالزهراء وبرىء فيها من اهل النهراوان.
وقد
علم كل ذي عقل من أصحاب المقالات المنسوبة الى أن النبي عليه السلام لم
يرد بالفرق المذمومة التي أهل النار فرق الفقهاء الذين اختلفوا في فروع
الفقه مع اتفاقهم على اصول الدين لان المسلمين فيما اختلفوا فيه من فروع
الحلال والحرام على قولين:
أحدهما قول من يرى تصويب المجتهدين كلهم في فروع الفقه وفرق الفقه كلها عندهم مصيبون.
والثاني قول من يرى في كل فرع تصويب واحد من المتخلفين فيه وتخطئة الباقين من غير تضليل منه للمخطىء فيه.
بيان مراد الرسول من ذكر الفرق المذمومة وإنما
فصل النبي عليه السلام بذكر الفرق المذمومة فرق أصحاب الأهواء الضالة
الذين خالفوا الفرقة الناجية في ابواب العدل والتوحيد أو في الوعد والوعيد
أو في بابى القدر والاستطاعة أو في تقدير الخير والشر أو في باب الهداية
والضلالة أو في باب الإرادة والمشيئة أو في باب الروية والإدراك أو في باب
صفات لله عز وجل وأسمائه وأوصافه أو في باب من أبواب التعديل والتجويز أو
في باب من أبواب النبوة وشروطها ونحوها من الابواب التي اتفق عليها أهل
السنة والجماعة من فريقى الرأى والحديث على أصل واحد خالفهم فيها أهل
الأهواء الضالة من القدرية والخوارج والروافض والنجارية والجهمية والمجسمة
والمشبهة ومن جرى من فرق الضلال فان المختلفين في العدل والتوحيد والقبور
والاسلاف متحدو الروية والصفات والتعديل والتجويز وفى شروط النبوة
والإمامة يكفر بعضهم بعضا.
فصح تأويل الحديث المروى في افتراق
الأمة ثلاثا وسبعين فرقة الى هذا النوع من الاختلاف دون الانواع التي
اختلفت فيها ائمة الفقه من فروع الاحكام في أبواب الحلال والحرام أو ليس
فيما بينهم تكفير ولا تضليل فيما اختلفوا فيه من احكام الفروع.
وسنذكر الفرق التي رجع اليهم تأويل الخبر المروى في افتراق الامة في الباب الذي يلى ما نحن فيه إن شاء الله عز وجل.
{الباب الثاني من أبواب هذا الكتاب}:
في كيفية افتراق الامة ثلاثا وسبعين
وفى ضمنه بيان الفرق الذين يجمعهم اسم ملة الاسلام في الجملة. ويقع في هذا الباب فصلان:
أحدهما في بيان المعنى الجامع للفرق المختلفة في اسم ملة الاسلام في الجملة والفصل.
الثاني في بيان كيفية اختلاف الامة وتحصيل عدد فرقها الثلاث وسبعين وسنذكر في كل واحد من هذين الفصلين مقتضاه ان شاء الله عز وجل
في بيان المعنى الجامع للفرق المختلفة في اسم ملة الاسلام اختلف المنتسبون الى الاسلام في الذين يدخلون بالاسم العام في ملة الاسلام.
فزعم
أبو القاسم الكعبى في مقالاته أن قول القائل امة الاسلام تقع على كل مقر
بنبوة محمد وان كل ما جاء به حق كائنا قوله بعد ذلك ما كان.
وزعم
قوم أن أمة الإسلام كل من يرى وجوب الصلاة الى جهة الكعبة وزعمت الكرامية
مجسمة خراسان أن امة الاسلام جامعة لكل من أقر بشهادتي الاسلام لفظا
وقالوا كل من قال لا اله الا الله محمد رسول الله فهو مؤمن حقا وهو من أهل
ملة الاسلام سواء كان مخلصا فيه أو منافقا مضمر الكفر فيه والزندقة ولهذا
زعموا أن المنافقين في عهد رسول الله كانوا مؤمنين حقا وكان ايمانهم
كايمان جبريل وميكاءيل والانبياء والملائكة مع اعتقادهم النفاق وإظهار
الشهادتين.
وهذا
القول مع قول الكعبى في تفسيراته الاسلام ينتقض بقول العيسوية من يهود
أصبهان فانهم يقرون بنبوة نبينا محمد وبأن كل ما جاء به حق ولكنهم زعموا
انه بعث الى العرب لا الى بنى اسرائيل وقالوا ايضا محمد رسول الله وما هم
معدودين في فرق الاسلام وقوم من موشكانية اليهود حكوا عن زعيمهم المعروف
بشاركان أنه قال أن محمدا رسول الله الى العرب والى سائر الناس ما خلا
اليهود وأنه قال أن القرآن حق وكل الاذان والإقامة والصلوات الخمس وصيام
شهر رمضان وحج الكعبة كل ذلك حق غير أنه مشروع للمسلمين دون اليهود وربما
فعل ذلك بعض الشاركانية قد أقروا بشهادتي أن لا اله الا الله وأن محمدا
رسول الله واقروا بأن دينه حق وما هم مع ذلك من أمة الاسلام لقولهم بان
شريعة الاسلام لا تلزمهم.
وأما
قول من قال ان اسم ملة الاسلام امر واقع على كل من يرى وجوب الصلاة الى
الكعبة المنصوبة بمكة فقد رضى بعض فقهاء الحجاز هذا القول وأنكره أصحاب
الرأى لما روى عن أبي حنيفة أن صحح إيمان من أقر بوجوب الصلاة الى الكعبة
وشك في موضعها وأصحاب الحديث لا يصححون إيمان من شك في موضع الكعبة كما لا
يصححون إيمان من شك في وجوب الصلاة الى الكعبة.
والصحيح
عندنا أن أمة الاسلام تجمع المقرين بحدوث العالم وتوحيد صانعه وقدمه
وصفاته وعدله وحكمته ونفى التشبيه عنه وبنبوة محمد ورسالته الى الكافة
وبتأييد شريعته وبأن كل ما جاء به حق وبأن القرآن منبع أحكام الشريعة وأن
الكعبة هي القبلة التي تجب الصلاة اليها فكل من أقر بذلك كله ولم يشبه
ببدعة تؤدى الى الكفر فهو السنى الموحد.
وأن
ضم الى الاقوال بما ذكرناه بدعة شنعاء نظر: فإن كان على بدعة الباطنية أو
البيانية أو المغيرة او الخطابية الذين يعتقدون إلهية الائمة او إلهية بعض
الأئمة او كان على مذاهب الحلول أو على بعض مذاهب اهل التناسخ او على مذهب
الميمونية من الخوارج الذين أباحوا نكاح بنات البنات وبنات البنين أو على
مذهب اليزيدية من الاباضية في قولها بان شريعة الاسلام تنسخ في آخر الزمان
أو أباح ما نص القرآن على تحريمه أو حرم ما أباحه القرآن نصا لا يحتمل
التأويل فليس هو من أمة الاسلام ولا كرامة له.
وان
كانت بدعته من جنس بدع المعتزلة أو الخوارج أو الرافضة الامامية أو
الزيدية أو من بدع البخارية أو الجهمية أو الضرارية أو المجسمة فهو من
الامة في بعض الاحكام وهو جواز دفنه في مقابر المسلمين وفى ألا يمنع حظه
من الفىء والغنيمة ان غزا مع المسلمين وفي ألا يمنع من الصلاة في المساجد
وليس من الامة في احكام سواها وذلك ألا تجوز الصلاة عليه ولا خلفه ولا تحل
ذبيحته ولا نكاحه لامرأة سنية ولا يحل للسنى أن يتزوج المرأة منهم اذا
كانت على اعتقادهم وقد قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه للخوارج علينا
ثلاث لا نبدؤكم بقتال ولا نمنعكم مساجد الله أن تذكروا فيها اسم الله ولا
نمنعكم من الفىء ما دامت أيديكم مع أيدينا والله أعلم.
{الفصل الثاني من هذا الباب}:
في بيان كيفية اختلاف الامة وتحصيل عدد فرقها الثلاث والسبعين كان المسلمون عند وفاة رسول الله على منهاج واحد في اصول الدين وفروعه غير من أظهر وفاقا وأضمر نفاقا.
وأول
خلاف وقع منهم اختلافهم في موت النبي عليه السلام فزعم قوم منهم أنه لم
يمت وإنما أراد الله تعالى رفعه اليه كما رفع عيسى بن مريم اليه وزال هذا
الخلاف وأقر الجميع بموته حين تلا عليهم أبو بكر الصديق قول الله لرسوله
عليه السلام {إنك ميت وإنهم ميتون} وقال لهم من كان يعبد محمدا فان محمدا
قد مات ومن كان يعبد رب محمد فانه حي لا يموت.
ثم
اختلفوا بعد ذلك في موضع دفن النبي فأراد أهل مكة رده الى مكة لانها مولده
ومبعثه وقبلته وموضع نسله وبها قبر جده إسماعيل عليه السلام وأراد أهل
المدينة دفنه بها لأنها دار هجرته ودار أنصاره وقال آخرون بنقله الى أرض
القدس ودفنه ببيت المقدس عند قبر جده إبراهيم الخليل عليه السلام وزال هذا الخلاف بأن روى لهم أبو بكر الصديق عن النبي صلى الله عليه وسلم: {إن الأنبياء يدفنون حيث يقبضون} فدفنوه في حجرته بالمدينة.
ثم
اختلفوا بعد ذلك في الامامة وأذعنت الانصار الى البيعة لسعد بن عبادة
الخزرجي وقالت قريش ان الإمامة لا تكون الا في قريش ثم أذعنت الانصار
لقريش لما روى لهم قول النبي الأئمة من قريش وهذا الخلاف باق الى اليوم
لان ضرارا او الخوارج قالوا بجواز الإمامة في غير قريش.
ثم
اختلفوا بعد ذلك في شأن فدك وفى توريث التركات عن الانبياء عليهم السلام
ثم نفذ في ذلك قضاء ابي بكر بروايته عن النبي عليه الصلاة والسلام {ان الانبياء لا يورثون}.
ثم اختلفوا بعد ذلك في ما نعى وجوب الزكاة ثم اتفقوا على رأي أبي بكر في وجوب قتالهم.
ثم
اشتغلوا بعد ذلك بقتال طليحة حين تبنى وارتد حتى انهزم الى الشام ثم رجع
في أيام عمر الى الاسلام وشهد مع سعد بن أبي وقاص حرب القادسية وشهد بعد
ذلك حرب نهاوند وقتل بها شهيدا.
ثم اشتغلوا بعد ذلك بقتال مسيلمة الكذاب الى أن كفى الله تعالى امره وأمر سجاح المتنبية وأمر الاسود بن زيد العنسى.
ثم اشتغلوا بعد ذلك بقتل سائر المرتدين الى أن كفى الله تعالى أمرهم.
ثم
اشتغلوا بعد ذلك بقتال الروم والعجم وفتح الله تعالى لهم الفتوح وهم في
اثناء ذلك كله على كلمة واحدة في أبواب العدل والتوحيد والوعد والوعيد وفى
سائر اصول الدين وانما كانوا يختلفون في فروع الفقه كميراث الجد مع الاخوة
والأخوات مع الأب والأم او مع الأب وكمسائل العدل والكلالة والرد وتعصيب
الأخوات من الأب والأم او من الأب مع البنت او بنت الابن وكاختلافهم في جر
الولا وفى مسئلة الحرام ونحوها مما لم يورث اختلافهم فيه تضليلا ولا
تفسيقا وكانوا على هذه الجملة في ايام أبي بكر وعمر وست سنين من خلافة
عثمان.
ثم اختلفوا بعد ذلك في أمر عثمان لأشياء نقموها منه حتى أقدم لاجلها ظالموه على قتله.
ثم اختلفوا بعد قتله في قاتليه وخاذليه اختلافا باقيا الى يومنا هذا.
ثم
اختلفوا بعد ذلك في شأن على واصحاب الجمل وفي شأن معاوية واهل صفين وفي
حكم الحكمين أبي موسى الأشعري وعمرو بن العاص اختلافا باقيا الى اليوم.
ثم
حدث في زمان المتأخرين من الصحابة خلاف القدرية فى القدر والاستطاعة من
معبد الجهنى وغيلان الدمشقي والجعد بن درهم وتبرأ منهم المتأخرون من
الصحابة كعبد الله بن عمر وجابر بن عبد الله وأبي هريرة وابن عباس وأنس بن
مالك وعبد الله ابن ابى اوفى وعقبة بن عامر الجهني وأقرانهم واوصوا
اخلافهم بأن لا يسلموا على القدرية ولا يصلوا على جنائزهم ولا يعودوا
مرضاهم.
ثم اختلفت الخوارج بعد ذلك فيما بينها فصارت مقدار عشرين فرقة كل واحدة تكفر سائرها.
ثم
حدث في ايام الحسن البصري خلاف واصل بن عطا الغزال في القدر وفى المنزلة
بين المنزلتين وانضم اليه عمرو بن عبيد بن باب في بدعته فطردهما الحسن عن
مجلسه فاعتزلا عن سارية من سواري مسجد البصرة فقيل لهما ولاتباعهما معتزلة
لاعتزالهم قول الامة في دعواها ان الفاسق من امة الإسلام لا مؤمن ولا
كافر.
واما
الروافض فان السبابية منهم اظهروا بدعتهم في زمان على رضي الله عنه فقال
بعضهم لعلى انت الامة فاحرق علي قوما منهم ونفى ابن سبأ الى ساباط المدائن
وهذه الفرقة ليست من فرق امة الاسلام لتسميتهم عليا الها.
ثم
افترقت الرافضة بعد زمان علي رضي الله عنه اربعة اصناف زيدية وإمامية
وكيسانية وغلاة وافترقت الزيدية فرقا والامامية فرقا والغلاة فرقا كل فرقة
منها تكفر سائرها وجميع فرق الغلاة منهم خارجون عن فرق الإسلام. فاما فرق
الزيدية وفرق الامامية فمعدودون في فرق الامة.
وافترقت النجارية بناحية الري بعد الزعفراني فرقا يكفر بعضها بعضا.
وظهر
خلاف البكرية من بكر من اخت عبد الواحد بن زياد وخلاف الضرارية من ضرار بن
عمرو وخلاف الجهمية من جهم بن صفوان وكان ظهور جهم وبكر وضرار في ايام
ظهور واصل بن عطا في ضلالته.
وظهرت دعوة الباطنية في ايام المأمون من حمران قومط ومن عبد الله بن ميمون
القداح وليست الباطنية من فرق ملة الاسلام بل هي من فرق المجوس على ما
نبينه بعد هذا وظهروا في ايام محمد بن طاهر بن عبد الله بن طاهر بخراسان
خلاف الكرامية المجسمة.
فاما
الزيدية من الرافضة فمطمعها ثلاث فرق وهى الجارودية والسليمانية وقد يقال
الحريرية ايضا والبترية وهذه الفرق الثلاث يجمعها القول بإمامة زيد بن على
بن الحسين بن على بن ابى طالب في ايام خروجه وكان ذلك في زمان هشام بن عبد
الملك.
والكيسانية منهم فرق كثيرة ترجع عن التحصيل الى فرقتين إحداهما تزعم ان محمد بن الحنفية هي
لم يمت وهم على انتظاره ويزعمون انه المهدى المنتظر والفرقة الثانية منهم
مقرون باماميته في وقته وبموته وينقلون الإمامة بعد موته الى غيره
ويختلفون بعد ذلك في المنقول اليه.
واما
الامامية المفارقة للزيدية والكسائية والغلاة فانها خمس عشرة فرقة وهن
المحمدية والباقرية والناوسية والشميطية والعمارية والاسماعيلية
والمباركية والموسوية والقطعية والاثنى عشرية والهشامية من اتباع هشام بن
الحكم او من اتباع هشام بن سالم الجواليقى والزرارية من اتباع زرارة بن
أعين واليونسية من اتباع يونس القمى والشيطانية من اتباع شيطان الطاق
والكاملية من اتباع أبي كامل وهو أفحشهم قولا فى على وفى سائر الصحابة رضى
الله عنهم.
فهذه عشرون فرقة من فرق الروافض منها ثلاث زيدية وفرقتان من الكيسانية وخمس عشرة فرقة من الإمامية.
فاما
غلاتهم الذين قالوا بإلهية الائمة واباحوا محرمات الشريعة واسقطوا وجوب
فرائض الشريعة كالبيانية والمغيرية والجناحية والمنصورية والخطابية
والحلولية ومن جرى مجراهم فما هم من فرق الاسلام وان كانوا منتسبين اليه
وسنذكرها في باب مفرد بعد هذا الباب.
وأما الخوارج فانها لما اختلفت صارت عشرين فرقة وهذه أسماؤها المحكمة الاولى والازارقة ثم النجدات ثم الصفرية ثم العجاردة.
وقد
افترقت العجاردة فيما بينها فرقا كثيرة منها الخازمية والشعيبية
والمعلومية والمجهولية والمعبدية والرشيدية والمكرمية والحمزية
والابراهيمية والواقفة.
وافترقت الأباضية منها فرقا حفصية وحارثية ويزيدية واصحاب طاعة لا يراد الله بها.
واليزيدية منهم اتباع ابن يزيد بن أنيس ليست من فرق الاسلام لقولها بان شريعة الاسلام تنسخ في آخر الزمان بنبى يبعث من العجم.
وكذلك
في جملة العجاردة فرقة يقال لها الميمونية ليست من فرق الاسلام لانها
أباحت نكاح بنات البنات وبنات البنين كما أباحته المجوس وسنذكر اليزيدية
والميمونية في جملة الذين انتسبوا الى الاسلام وما هم منهم ولا من فرقهم.
واما
القدرية المعتزلة عن الحق فقد افترقت عشرين فرقة كل فرقة منها تكفر سائرها
وهذه اسماء فرقها واصلية وعمرية والهذيلية والنظامية والاموارية والعمرية
والثمامية والجاحظية والحايطية والحمارية والخياطية والسحامية واصحاب صالح
قبة والمويسية والكعبية والجبائية والبهشيمية المنسوبة الى أبي هاشم ابن
الجبائى فهي ثنتان وعشرون فرقة ثنتان منها ليستا من فرق الاسلام وهما
الحايطية والحمارية وسنذكرهما في الفرق التي انتسبت الى الاسلام وليست
منها.
وأما المرجئة فثلاثة اصناف:
صنف
منهم قالوا بالإرجاء في الايمان وبالقدر على مذاهب القدرية فهم معدودون في
القدرية والمرجئة كأبي شمر المرجىء ومحمد بن شبيب البصرى والخالدى.
وصنف منهم قالوا بالإرجاء في الايمان ومالوا الى قول جهم في الاعمال والاكساب فهم من جملة الجهمية والمرجئة.
وصنف منهم خالصة في الإرجاء من غير قدروهم خمس فرق يونسية وغسانية وثوبانية وتومنية ومريسية.
وأما النجارية فانها اليوم بالري اكثر من عشر فرق ومرجعها في الأصل الى ثلاث فرق برغونية زغفرانية ومستدركة.
وأما البكرية والضرارية فكل واحدة منها فرقة واحدة ليس لها تبع كثير والجهمية ايضا فرقة واحدة.
والكرامية بخراسان ثلاث فرق حقاقية وطرايقية واسحافية لكن هذه الغرق الثلاث منها لا يكفر بعضها بعضا فعددناها كلها فرقة واحدة.
فهذه
الجملة التي ذكرناها تشتمل على ثنتين وسبعين فرقة منها عشرون روافض وعشرون
خوارج وعشرون قدرية وعشر مرجئة وثلاث نجارية وبكرية وضرارية وجهمية
وكرامية فهذه ثنتان وسبعون فرقة.
فاما
الفرقة الثالثة والسبعون فهي أهل السنة والجماعة من فريقى الرأي والحديث
دون من يشترى لهو الحديث وفقهاء هذين الفريقين وقراؤهم ومحدثوهم ومتكلمو أهل
الحديث منهم كلهم متفقون على مقالة واحدة في توحيد الصانع وصفاته وعدله
وحكمته وفي اسمائه وصفاته وفى ابواب النبوة والإمامة وفى احكام العقبى وفى
سائر اصول الدين وانما يختلفون في الحلال والحرام من فروع الاحكام وليس
بينهم فيما اختلفوا فيه منها تضليل ولا تفسيق وهم الفرقة الناجية ويجمعها
الاقرار بتوحيد الصانع وقدمه وقدم صفاته الأزلية واجازة رؤيته من غير
تشبيه ولا تعطيل مع الاقرار بكتب الله ورسله وبتأييد شريعة الاسلام واباحة
ما أباحه القرآن وتحريم ما حرمه القرآن مع قيود ما صح من سنة رسول الله
واعتقاد الحشر والنشر وسؤال الملكين في القبر والاقرار بالحوض والميزان.
فمن
قال بهذه الجهة التي ذكرناها ولم يخلط ايمانه بها بشيء من بدع الخوارج
والروافض والقدرية وسائر اهل الاهواء فهو من جملة الفرقة الناجية ان ختم
الله له بها وقد دخل في هذه الجملة جمهور الامة وسوادها الأعظم من اصحاب مالك والشافعي وأبى حنيفة والأوزاعى والثورى وأهل الظاهر.
فهذا
بيان ما اردنا بيانه في هذا الباب ونذكر في الباب الذي يليه تفصيل مقالة
كل فرقة من فرق الاهواء الذين ذكرناهم ان شاء الله عز وجل.
{الباب الثالث من أبواب هذا الكتاب}:
في بيان تفصيل مقالات فرق الاهواء وبيان فضائح كل فرقة منها على التفصيل
هذا باب يشتمل على فصول ثمانية وهذه ترجمتها:
فصل في بيان مقالات فرق الرقض
يتبع بإذن الولى الحق
[/center]