لا
يختلف أحد على أن العبء الملقى على كاهل الأمة الإسلامية عموما وعلى
القائمين على أمر الإعلام الإسلامي خصوصا، كبير جدا؛ من أجل تحسين الصورة
الذهنية السلبية عن الإسلام والمسلمين لدى غير المسلمين، لا سيما في ظل
المتغيرات الدولية والمحلية التي تفرض نفسها على الساحة والتي تزيد في
مسئوليتهم الدقيقة ومهامهم الصعبة.
وهذا الأمر يتطلب منا الدقة
المتناهية والإخلاص الكامل والتفاني في خدمة الإعلام الإسلامي؛ لأنه هو
الطريق الأمثل لإعلام الجميع بحقائق هذا الدين الحنيف وأسسه التي قام
عليها والتي جعلته صالحا لكل زمان ومكان من خلال الكلمة الطيبة التي تصنع
إعلاما ناجحا في حياة الناس وتشغل جانبا لا يستهان به في مساحة الزمن
اليومي للأفراد.
والحق أن هناك تفريطا كبيرا وخللا واضحا في استخدام
الإعلام كعنصر فاعل في الدعوة إلى الله ونشر هذه الدعوة عالميا، ومقارعة
الإعلام الغربي الذي نجح في إيصال رسالة شديدة السلبية لدى المواطن
الغربي.. يظهر هذا التفريط بوضوح إذا عقدنا مقارنة من خلال الأرقام بين ما
نمتلكه كمسلمين من تكنولوجيا في مجال الإعلام وبين ما يمتلكه الغرب.
وقد
أظهر هذا الفارق الدكتور رشدي شحاته في دراسة بعنوان (مسؤولية الإعلام
الإسلامي في ظل النظام العالمي الجديد) ذكر فيها هذه الإحصائيات:
على
صعيد الإعلام المرئي تتحدث إحدى الدراسات عن حاجة القنوات العربية لبث
أكثر من 300 ألف ساعة سنويًا، في حين أن الإنتاج التليفزيوني والسينمائي
بمختلف أشكاله من الرياضة إلى البرامج الدينية مرورًا بالأعمال الدرامية
لا يغطي أكثر من 25% فقط، وهذه التغطية شبه منفصلة عن البحث العلمي بل
وتساهم في تكريس التوجه الاستهلاكي للإنسان العربي والمسلم.
وتؤكد بعض
بحوث اليونسكو أن التلفزات العربية تستورد من أمريكا وبريطانيا وفرنسا
وألمانيا بحدود 60 % من مجموع البرامج، ويبقى 90% من هذه البرامج التي
تعرض عبر الفضائيات العربية لتجسيد موضوعات تتعلق بالعنف والإدمان على
المخدرات والشذوذ الجنسي وطمس التاريخ وعولمة القيم الخاطئة، وتقدر نسبة
البرامج المخصصة للشباب والأطفال تحديدا بـ52,3% في المتوسط، ولا يتعدى
مؤشر مجموع البرامج الثقافية من 10 إلى 15 %.
وعلى صعيد الإعلام
المسموع فالدول الصناعية الكبرى تتحكم في 90% من الموجات الإذاعية في
العالم، كما توجد أربع وكالات فحسب تبث 80% من أخبار العالم هي
الأسوشيتدبرس(17 مليون) كلمة يومياً واليونايتد برس (11مليون كلمة) وهما
أمريكيتان، وأيضا رويتر البريطانية (مليونا ونصف) وفرنس برس (3,351000
كلمة).
.. وتخصص جميع هذه الوكالات العملاقة ما معدله 20% فقط للعالم
النامي كله. بينما وكالة أنباء الشرق الأوسط التي تعد من أقدم الوكالات
العربية فهي لا تبث أكر من 158 ألف كلمة فقط، لكنه رقم غير زهيد أمام
وكالة الأنباء الإسلامية العالمية (أنبا) التي لا يتعدى بثها 20 صفحة
يومياً تترجم للإنجليزية والفرنسية.
وفي عهد النظام العالمي الجديد
يتصدر إذاعة صوت أمريكا بأكثر من ألف ساعة أسبوعيا بـ42 لغة في العالم،
بينما تبث إذاعة الفاتيكان على 6 موجات بـ 30 لغة منذ عام 1931 ولها تعاون
مع 40 إذاعة تنصيرية تبث في مجموعها أكثر من 1000 ساعة في الأسبوع.
وفي الإعلام المقروء يمتلك اليهود والحركة
الصهيونية العالمية أكثر من 954 صحيفة ومجلة تصدر في 77 دولة، منها 344 في
الولايات المتحدة و348 في أوربا و118 في أمريكا اللاتينية و 42 في أفريقيا
و53 في كندا و5 في تركيا و3 في الهند، بينما تبث صوت إسرائيل عبر محطات 15
موجة و 16 لغة بمعدل 300 ساعة أسبوعياً.
وبعد ذكر هذه الحقائق فإن
العالم الإسلامي مطالب بأن ينهض بإعلامه الديني ويصل به إلى العالمية،
ويرتقي به لمستوى يمكنه من مقارعة الإعلام المناوئ والمغرض والمعادي.
إن
أمتنا الإسلامية اليوم في أمس الحاجة ـ وخاصة في ظل البث المباشر وما
تحمله الأقمار الصناعية من برامج وافدة لا يتفق محتوى أكثرها مع عاداتنا ـ
إلى وسيلة نعبر من خلالها عن ثقافة أمتنا ونبل شخصيتنا الحضارية وتلقي
الضوء على إنجازاتنا والتصدي لما يشوه صورة ديننا الحنيف عن جهل أو عن
قصد.
ومثل هذا الأمر يحتاج إلى التنسيق بين مختلف الأجهزة التي تتحمل
مسئولية الدعوة لعمل خطط علمية وعملية متوازنة ومدروسة تحقق الانسجام
والاتزان والتوافق لتحقيق الهدف المشترك.
وبانتشار الإنترنت تزداد
الحاجة إلى هذا التعاون الفضائي بين دول العالم الإسلامي الذي أصبح أكثر
ضرورة من ذي قبل لمواجهة مستجدات ثورة الاتصال التي يشهدها العالم، حيث
تتعرض أمتنا الإسلامية لاختبار شاق في ظل التطور التكنولوجي السريع
والمتلاحق، فلا خيار لأمتنا الإسلامية غير التقدم ومواكبة العصر حتى لا
نكون أسرى مفاهيم تقليدية لم تعد صالحة لزماننا ونحن نعيش في القرن الواحد
والعشرين.