< tr>
قال الله تعالى:
(إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا،لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ) (الفتح:8،9)
فأوجب عز
وجل تعزيره وتوقيره صلى الله عليه وسلم، وألزم إكرامه وتعظيمه، قال
المبرد:( وَتُعَزِّرُوهُ): ((تبالغوا في تعظيمه))، ونهى عن
التقدم بين يديه بالقول وسوء الأدب بسبقه بالكلام، فقال عز وجل: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ) في إهمال
حقه، وتضييع حرمته (إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ).
وقال جل وعلا:
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ
صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ
لِبَعْضٍ أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنتُمْ لَا
تَشْعُرُونَ،
إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِندَ رَسُولِ اللَّهِ
أُوْلَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُم
مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ، إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِن وَرَاء
الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ) (الحجرات:1-4)
إلى غير ذلك من آيات الذكر الحكيم الآمرة بالأدب العالي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم،
وقد امتثل
الصحابة رضوان الله عليهم تلك الأوامر الإلهية، فحفظوا حقوق سيد البرية،
وتأدبوا معه صلى الله عليه وسلم بما يليق بمقامه الشريف،
وفضله المنيف.
ففي قصة صلح الحديبية أن عروة بن مسعود (جعل يرمق أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بعينيه، قال ((فو الله! ما تنخم رسول الله
صلى الله عليه وسلم نخامة إلا وقعت في كف رجل منهم، فدلك بها وجهه وجلده، وإذا أمرهم ابتدروا أمره، وإذا توضأ كادوا يقتتلون على
وَضوئه،
وإذا تكلم خفضوا أصواتهم عنده، وما يُحِدُّون إليه النظر تعظيمًا له))،
فرجع عروة إلى أصحابه، فقال: ((أي قوم! والله! لقد وفدت
على الملوك؛ وفدت على قيصر وكسرى والنجاشي، والله! إن رأيت ملِكًا قط يعظمه أصحابه ما يعظم أصحاب محمد محمدًا) الحديث.رواه
البخاري (5/330- فتح)، وأبو داود (2765)، وأحمد (4/323-331)،وانظر: ((فتح الباري))(5/341).
وفي نفس القصة أن عروة بن مسعود دخل على النبي صلى الله عليه وسلم، فجعل يحدثه، ويشير بيده إليه، حتى تمسَّ لحيته، والمغيرة بن شعبة
واقف على رأس رسول الله صلى عليه وسلم بيده السيف، فقال له:
((اقبض يدك عن لحية رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن لا ترجع إليك!))
فقبض يده عروةُ.
رواه البخاري (5/330- فتح)، وأبو داود (2765)، وأحمد (4/323-331)،وانظر: ((فتح الباري))(5/341).
وُروي أن عمر عمد إلى ميزابٍ للعباس على ممر الناس، فقلعه، فقال له:
((أشهد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الذي وضعه في مكانه))، فأقسم عمر: ((لتصعدنَّ على ظهري، ولتضعنه موضعه)).أخرجه أحمد (1/210)، وابن سعد (4/20)، وضعفه الشيخ أحمد
شاكر لانقطاعه، رقم (1790) تحقيق ((المسند)).
وعن أبي رزين قال: قيل للعباس))أنت أكبرُ أو النبي صلى الله عليه وسلم؟)) قال))هو أكبر، وأنا ولدتُ قبله)).عزاه الهيثمي في
((المجمع))(9/270)إلى الطبري، وقال))رجاله رجال الصحيح)).
ولما
قدم رسول الله المدينة، نزل على أبي أيوب، فنزل رسول الله صلى الله عليه
وسلم السفل، ونزل أبو أيوب العلو، فلما أمسى، وبات؛ جعل أبو
أيوب يذكر
أنه على ظهر بيتٍ رسول الله صلى الله عليه وسلم أسفل منه، وهو بينه وبين
الوحي، فجعل أبو أيوب لا ينام يحاذر أن يتناثر عليه
الغبار،
ويتحرك فيؤذيه، فلما أصبح غدا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال:
((يارسول الله! ما جعلت الليلة فيها غمضًا أنا ولا أم أيوب))،
فقال: " ومم ذاك يا أبا أيوب؟ " قال: ((ذكرت أني على ظهر بيتٍ أنت أسفل مني، فأتحرك، فيتنار عليك الغبار، ويؤذيك تحركي، وأنا بينك
وبين الوحي)) الحديث.رواه أحمد (5/415)، ومسلم (2053)، والطبراني في ((الكبير))(3986)، والحاكم (3/460-461)،
وصححه على شرط مسلم(!)، ووافقه الذهبي(!).
وعن أبي أيوب رضي الله عنه قال: ( لما نزل عليَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت: ((بأبي وأمي إني أكره أن أكون فوقك، وتكون أسفل
مني))، فقال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن أرفق بنا أن نكون في السُّفل لما
يغشانا من الناس "، فلقد رأيت جرَّة لنا انكسرت، فأهريق
ماؤها، فقمت
أنا وأم أيوب بقطيفة (القطيفة: كساء له خمل) لنا، وما لنا لحاف غيرها ننشف
بها الماء فـَرَقـَـًا (الفَرَق: الخوف) من أن يصل
إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم منا شئ يؤذيه)الحديث.رواه مسلم (2053)، والطبراني في ((الكبير)) رقم (3855)، واللفظ له.
وعن
عمرو بن العاص رضي الله عنه قال: ((.. وما كان أحدٌ أحب إليَّ من رسول
الله صلى الله عليه وسلم، ولا أجلَّ في عينيَّ منه، وما كنت
أطيق أن أملأ عينيَّ منه إجلالاً له، ولو سُئلت أن أصفه ما أطقتُ، لأني لم أكن أملأ عينيَّ منه)).رواه مسلم رقم (121)(1/112).
ولما
أذنت قريش لعثمان في الطواف بالبيت حين وجَّهه النبي صلى الله عليه وسلم
إليهم في القضية أبى، وقال: ((ما كنت لأفعل حتى يطوف به
رسول الله صلى الله عليه وسلم)).انظر:) (سير أعلام النبلاء))( 3ك290-291).
وفي حديث قـَيْلَة: ((فلما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم جالسًا القرفصاء أرْعِدتُ من الفـَرَق، وذلك هيبةَ له وتعظيماً)).
انظر: ((الإصابة))( 8/83-87).
وعن البراء بن عازب رضي الله عنه قال:
((إن كان ليأتي عليَّ السنةُ، أريد أن أسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شئ، فأتهيَّبُ منه،
وإن كنا لنتمنى الأعراب)).
عزاه الحافظ في ((المطالب العالية))( 3/325) إلى أبي يعلى، وسكت عليه البوصيري في ((مختصر إتحاف
السادة المهرة))(1/28).
عن أنس بن
مالك رضي الله عنه قال: ((كانت أبواب النبي صلى الله عليه وسلم تـُقـْرعُ
بالأظافير)).رواه البخاري في ((الأدب المفرد)) رقم
(1080)، وصححه الألباني في ((الصحيحة)) رقم (2092).
وعن أبي حازم عن سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه: (أنه كان في مجلس قومه وهو يحدثهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم،
وبعضهم يقبل على بعض يتحدثون، فغضب، ثم قال: (انظر إليهم أحدثهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعضهم يقبل على بعض؟! أما
والله، لأخرجن من بين أظهركم، ولا أرجع إليكم أبداً، فقلت له: ((أين تذهب؟))، قال: ((أذهب فأجاهد في سبيل الله)).
رواه الطبراني في ((الكبير))(6/5656،5866).
كتاب: ((حرمة أهل العلم))، للشيخ الدكتور: محمد أحمد إسماعيل المقدم _عفا الله عنه
أدبُ الصحابةِ رضيَ اللهُ عنهم مع النبي صلى الله عليه وسلم