الحمد لله الذي
خلّص قلوب عباده المتقين من ظُلْم الشهوات ، وأخلص عقولهم عن ظُلَم
الشبهات
أحمده
حمد من رأى آيات قدرته الباهرة ، وبراهين عظمته القاهرة ، وأشكره شكر من
اعترف بمجده وكماله
واغترف
من بحر جوده وأفضاله وأشهد أن لا إله إلا الله فاطر الأرضين والسماوات ،
شهادة تقود قائلها إلى الجنات
وأشهد
أن سيدنا محمدا عبده ورسوله ، وحبيبه وخليله ، والمبعوث إلى كافة البريات ،
بالآيات المعجزات
والمنعوت
بأشرف الخلال الزاكيات صلى الله عليه وعلى آله الأئمة الهداة ، وأصحابه
الفضلاء الثقات
وعلى
أتباعهم بإحسان ، وسلم كثيرا
أما
بعد :
فإن
اصدق الحديث كتاب الله ، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم ، وشر
الأمور محدثاتها،
وكل
محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار
ــــ
أعاذنا الله وإياكم من النار ــــ
ثم أما بعد :
تحية
طيبة لكل الإخوة مشرفين وأعضاء ورواد منتديات ستار تايمز وبالأخص منتدانا
الحبيب
~
منتدى القرآن الكريم ~
بسم
الله الرحمن الرحيم
(
ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين ( 118 )
إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم
وتمت كلمة ربك لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين ( 119 ) )
سورة هود
يخبر تعالى أنه قادر على جعل الناس كلهم
أمة واحدة ، من إيمان أو كفران كما قال تعالى :
(
ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا ) [ يونس : 99 ] .
وقوله : (
ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك )
أي :
ولا يزال الخلف بين الناس في أديانهم واعتقادات مللهم ونحلهم ومذاهبهم
وآرائهم .
قال عكرمة :
( مختلفين ) في الهدى .
وقال
الحسن البصري : ( مختلفين ) في الرزق ، يسخر بعضهم بعضا ، والمشهور الصحيح
الأول .
وقوله : (
إلا من رحم ربك )
أي : إلا المرحومين من أتباع الرسل ، الذين
تمسكوا بما أمروا به من الدين . أخبرتهم به رسل الله إليهم ، ولم
يزل
ذلك دأبهم ، حتى كان النبي - صلى الله عليه وسلم - الأمي خاتم الرسل
والأنبياء ، فاتبعوه وصدقوه
، ونصروه ووازروه ، ففازوا
بسعادة
الدنيا والآخرة; لأنهم الفرقة الناجية ، كما جاء في الحديث المروي في المسانيد والسنن ،
من طرق يشد بعضها بعضا : " إن اليهود
افترقت على [ ص: 362 ] إحدى وسبعين فرقة ، وإن النصارى افترقوا على
ثنتين وسبعين فرقة ، وستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة ،
كلها في النار إلا فرقة واحدة " . قالوا : ومن
هم يا رسول الله ؟ قال : " ما أنا عليه وأصحابي " .
رواه
الحاكم في مستدركه بهذه الزيادة
وقال عطاء : (
ولا يزالون مختلفين ) يعني : اليهود والنصارى والمجوس (
إلا من رحم ربك ) يعني : الحنيفية .
وقال قتادة : أهل رحمة
الله أهل الجماعة ،
وإن تفرقت ديارهم وأبدانهم ، وأهل معصيته أهل فرقة ، وإن اجتمعت ديارهم
وأبدانهم .
وقوله :
( ولذلك خلقهم ) قال
الحسن البصري في رواية عنه : وللاختلاف خلقهم .
وقال علي بن أبي
طلحة ، عن ابن عباس : خلقهم
فريقين ، كقوله : (
فمنهم شقي وسعيد ) [ هود : 105 ] .
وقيل : للرحمة خلقهم . قال ابن وهب : أخبرني
مسلم بن خالد ، عن ابن أبي نجيح ، عن طاوس; أن رجلين اختصما إليه فأكثرا فقال
طاوس
: اختلفتما فأكثرتما ! فقال أحد الرجلين : لذلك خلقنا . فقال طاوس : كذبت . فقال : أليس الله يقول :
(
ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم ) قال : لم يخلقهم ليختلفوا ، ولكن خلقهم للجماعة
والرحمة . كما قال الحكم بن
أبان ، عن عكرمة ، عن ابن عباس
قال :
للرحمة خلقهم ولم يخلقهم للعذاب . وكذا قال مجاهد والضحاك وقتادة .
ويرجع معنى هذا القول إلى
قوله
تعالى : (
وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون )
[ الذاريات : 56 ] .
وقيل : بل المراد : وللرحمة والاختلاف خلقهم ،
كما قال
الحسن البصري في رواية عنه في قوله :
(
ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم )
قال : الناس
مختلفون على أديان شتى ، (
إلا من رحم ربك ) فمن رحم ربك غير مختلف . قيل له : فلذلك خلقهم ؟
[ قال ] خلق هؤلاء
لجنته
، وخلق هؤلاء لناره ، وخلق هؤلاء لرحمته ، وخلق هؤلاء لعذابه .
وكذا قال عطاء بن أبي
رباح ،
والأعمش .
وقال ابن وهب : سألت
مالكا عن قوله تعالى :
(
ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم )
قال : فريق في الجنة وفريق في السعير . [ ص:
363 ]
وقد اختار هذا
القول ابن جرير ، وأبو عبيدة والفراء .
وعن
مالك فيما رويناه عنه في التفسير : ( ولذلك خلقهم ) قال : للرحمة ،
وقال قوم : للاختلاف .
وقوله : (
وتمت
كلمة ربك لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين )
يخبر تعالى أنه قد سبق في قضائه وقدره ، لعلمه
التام وحكمته النافذة
أن
ممن خلقه من يستحق الجنة ،
ومنهم من يستحق النار ، وأنه لا بد أن يملأ جهنم من هذين الثقلين الجن
والإنس ، وله الحجة البالغة
والحكمة
التامة . وفي الصحيحين عن
أبي هريرة ، رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله ، صلى
الله عليه وسلم : " اختصمت الجنة والنار ،
فقالت الجنة : ما لي لا يدخلني إلا ضعفة الناس وسقطهم ؟ وقالت النار : أوثرت بالمتكبرين
والمتجبرين . فقال الله عز وجل للجنة ، أنت
رحمتي أرحم بك من أشاء . وقال للنار : أنت عذابي ، أنتقم بك ممن أشاء ،
ولكل واحدة منكما ملؤها . فأما الجنة فلا يزال فيها فضل ، حتى
ينشئ الله لها خلقا يسكن فضل الجنة ، وأما النار
فلا تزال تقول : هل من مزيد ؟ حتى يضع عليه رب العزة قدمه ، فتقول : قط قط ، وعزتك
المصدر : تفسير ابن كثير " .