[center] القناعة والعفاف والاقتصاد
في المعيشة والإنفاق وذم السؤال من غير ضرورة
قال اللَّه تعالى: { وما من دابة في الأرض إلا على اللَّه رزقها } .
وقال تعالى: {
للفقراء الذين أحصروا في سبيل اللَّه لا يستطيعون ضرباً في الأرض يحسبهم
الجاهل أغنياء من التعفف تعرفهم بسيماهم لا يسألون الناس إلحافاً } .
وقال تعالى (: { والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا، وكان بين ذلك قواماً } .
وقال تعالى: { وما خلقت الإنس والجن إلا ليعبدون، ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون } .
وأما الأحاديث فتقدم معظمها في البابين السابقين. ومما لم يتقدم :
522- عن أبي هُرَيْرَةَ رضي اللَّه عنه عن النبي صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قال : « لَيس الغِنَي عَن كثْرَةِ العَرضِ ، وَلكِنَّ الغنِيَ غِنَي النَّفسِ » متفقٌ عليه .
« العَرَضُ » بفتح العين والراءِ : هُوَ المَالُ .
523- وعن عبد اللَّه بن عمرو رضي اللَّه عنهما أَن رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قال : « قَدْ أَفلَحَ مَنْ أَسَلَمَ ، وَرُزِقَ كَفَافاً ، وَقَنَّعَهُ اللَّه بما آتَاهُ » رواه مسلم .
524- وعن حَكيم بن حِزَام رضي اللَّه عنه قال : سَأَلْتُ رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم فَأَعطَاني ، ثم سَأَلْتُهُ فَأَعطَاني ، ثم سَأَلْتُهُ فَأَعطَاني ، ثم قال : «
يا حَكيمُ ، إِنَّ هذا المَالَ خَضِرٌ حُلْوٌ، فَمن أَخَذَهُ بِسَخَاوَةِ
نَفس بُوركَ لَهُ فِيه ، وَمَن أَخَذَهُ بِإِشرَافِ نَفْسٍ لَم يُبَارَكْ
لهُ فيهِ ، وكَانَ كَالَّذِي يَأْكُلُ ولا يَشْبَعُ ، واليدُ العُلَيا
خَيرٌ مِنَ اليَدِ السُّفلَى »
قال حَكيمٌ فقلتُ : يا رسول اللَّه وَالَّذِي بَعثَكَ بالحَقِّ لا
أَرْزَأُ أَحداً بَعدَكَ شَيْئاً حَتَّى أُفَارِقَ الدُّنيَا ، فَكَانَ
أَبُو بكرٍ رضي اللَّه عنه يَدْعُو حَكيماً لِيُعطيَهُ العَطَاءَ ،
فَيَأْبَى أن يَقْبَلَ مِنْهُ شَيْئاً . ثُمَّ إِنَّ عُمر رضي اللَّه عنه
دَعَاهُ لِيُعطيهُ ، فَأَبَى أَن يَقْبلَهُ . فقال : يا مَعشَرَ
المُسْلمينَ ، أُشْهِدُكُم عَلى حَكيمٍ أَنِي أَعْرضُ عَلَيه حَقَّهُ
الَّذِي قَسَمَهُ اللَّه لَهُ في هذا الْفيءِ ، فيَأْبَى أَن يَأْخُذَهُ .
فَلَمْ يَرْزَأْ حَكيمُ أَحداً مِنَ النَّاسِ بَعْدَ النَّبِيِّ صَلّى
اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم حَتَّى تُوُفي . متفقٌ عليه .
« يرْزَأُ »
براءٍ ثم زاي ثم همزةٍ ، أي لم يأْخُذْ مِن أَحدٍ شَيْئاً ، وأَصلُ
الرُّزْءِ : النُّقصَانُ ، أَي لَم ينْقُصْ أَحَداً شَيئاً بالأَخذِ
مِنْهُ . و « إِشْرَافُ النَّفسِ » : تَطَلُّعُها وطَمعُهَا بالشَّيءِ . و « سَخَاوَةُ النَّفْسِ » : هيَ عدمُ الإِشَرَاف إِلى الشَّيءِ ، والطَّمَع فيه ، والمُبالاةِ بِهِ والشَّرهِ .
525- وعن أبي بُردَةَ عن أبي موسى الأشعَريِّ رضي اللّه عنه قال :
خَرَجْنَا مَعَ رَسُول اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم في غَزوَةٍ ،
ونحْن سِتَّةُ نَفَرٍ بيْنَنَا بَعِير نَعْتَقِبهُ ، فَنَقِبتْ أَقدامُنا
، وَنَقِبَتْ قَدَمِي ، وَسَقَطَتْ أَظْفاري ، فَكُنَّا نَلُفُّ عَلى
أَرْجُلِنا الخِرَقَ ، فَسُميت غَزوَةَ ذَاتِ الرِّقاعِ لِما كُنَّا
نَعْصِبُ عَلى أَرْجُلِنَا الخِرَقَ ، قالَ أَبو بُردَةَ : فَحَدَّثَ أَبو
مُوسَى بِهَذا الحَدِيثِ ، ثُمَّ كَرِهَ ذلكَ، وقالَ : ما كنْتُ أَصْنَعُ
بِأَنْ أَذْكُرهُ ، قالَ : كَأَنَّهُ كَرِهَ أَنْ يَكُونَ شَيْئاً مِنْ
عَمَلِهِ أَفْشاهُ . متفقٌ عليه .
526-
وعن عمرو بن تَغْلِب بفتح التاءِ المثناةِ فوقَ وإِسكان الغين المعجمة
وكسر الَّلام رضي اللّه عنه ، أَنَّ رَسُولَ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ
وسَلَّم أُتِيَ بمالٍ أَوْ سبي فَقسَّمهُ ، فَأَعْطَى رجالاً ، وتَرَكَ
رِجالاً ، فَبَلَغَهُ أَنَّ الَّذِينَ تَرَكَ عَتبُوا ، فَحَمِدَ اللَّه ،
ثُمَّ أَثْنَى عَلَيهِ ، ثُمَّ قال : «
أَمَا بَعدُ ، فَوَاللَّه إِنِّي لأُعْطِي الرَّجُلَ وَأَدَعُ الرَّجُلَ ،
والَّذِي أَدَعُ أَحَبُّ إليَّ مِنَ الَّذِي أُعْطِي ، وَلكِنِّي إِنَّمَا
أُعْطِي أَقوَاماً لِما أَرى في قُلُوبِهِمْ مِن الجَزعِ والهَلَعِ ،
وَأَكِلُ أَقْواماً إِلى ما جعَلَ اللَّه في قُلُوبِهِمْ مِنَ الغِني
والخَيْرِ ، مِنْهُمْ عَمْروُ بنُ تَغلِبَ »
قال عمرُو بنُ تَغْلِبَ : فَواللَّهِ ما أُحِبُّ أَن لي بِكلِمةِ رَسُولِ
اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم حُمْرَ النَّعَمِ . رواه البخاري .
« الهلَعُ » : هُو أَشَدُّ الجَزَعِ ، وقِيل : الضَّجرُ .
527- وعن حَكيمِ بن حِزامٍ رضي اللَّه عنه أَنَّ النَّبِيَّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قالَ : «
اليدُ العُليا خَيْرُ مِنَ اليَدِ السُّفْلى ، وابْدَأ بمنْ تَعُولُ ،
وَخَيْرُ الصَّدَقَةِ ما كان عنْ ظَهْرِ غِني ، ومَنْ يَسْتعْففْ يُعفُّهُ
اللَّه ، ومَنْ يَسْتغْن يُغْنِهِ اللَّه » متفقٌ عليه . وهذا لفظ البخاري ، ولفظ مسلم أَخصر.
528- وعن سفيانَ صَخْرِ بنِ حَرْبٍ رضي اللَّه عنه قال : قال رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : «
لا تُلْحِفُوا في المسأَلَةِ ، فوَاللَّه لا يَسْأَلُني أَحَدٌ مِنْكُمْ
شَيْئاً، فَتُخرِجَ لَهُ مَسْأَلَتُهُ مِنِّي شَيْئاً وَأَنا لَهُ كارِهٌ
، فَيُبَارَكَ لَهُ فيما أَعْطَيْتُهُ » رواه مسلم .
529 وعن أبي عبدِ الرحمنِ عَوف بن مالك الأَشْجَعِيِّ رضي اللَّه عنه قالَ : كُنَّا عِنْدَ رسُولِ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم تِسَعْةً أَوْ ثمانيةً أَوْ سَبْعَةً ، فَقَال : أَلاَ تُبَايِعُونَ رَسُولَ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم وكُنَّا حَدِيثي عَهْدٍ بِبيْعَةٍ ، فَقُلْنا : قَدْ بايعْناكَ يا رسُولَ اللَّهِ ، ثم قال : « ألا تبايعون رسول الله ؟ » فبسطنا أيدينا وقلنا قد بايعناك يا رسول الله فَعَلاَم نَبَايِعُكَ ؟ قال : « على أَنْ تَعْبُدُوا اللَّه ولا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً ، والصَّلَوَاتِ الخَمْس وَتِطيعُوا » وَأَسرَّ كلمَة خَفِيةً : « وَلاَ تَسْأَلُوا النَّاسِ شَيْئاً » فَلَقَدْ رَأَيتُ بَعْضَ أُولِئكَ النَّفَرِ يَسْقُطُ سَوْطُ أَحدِهِمْ فَما يَسْأَلُ أَحَداً يُنَاوِلُهُ إِيَّاهُ رواه مسلم .
530- وعن ابن عمر رضي اللَّه عنهما أَنَّ النبيَّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قال : « لاَ تَزَالُ المَسأَلَةُ بِأَحَدِكُمْ حَتى يَلْقى اللَّه تعالى ولَيْسَ في وَجْهِهِ مُزْعةُ لَحْمٍ » متفقٌ عليه .
« المُزْعَةُ » بضم الميمِ وإِسكانِ الزاي وبالعينِ المهملة : القِطْعَة .
531-
وعنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قال وهو على
المِنبرِ ، وَذَكَرَ الصَّدقَةَ والتَّعَفُّفَ عَنِ المسأَلَةِ : « اليَد العلْيا خَيْرٌ مِنَ اليَدِ السُّفْلى » وَاليَد العُليا هِيَ المُنْفِقة ، والسُّفْلَى هِيَ السَّائِلَة. متفقٌ عليه .
532- وعن أبي هُريرة رضي اللَّه عنه قال : قال رسُولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : « مَنْ سَأَلَ النَّاس تَكَثُّراً فَإِنَّمَا يَسْأَلُ جَمْراً ، فَلْيسْتَقِلَّ أَوْ لِيَسْتَكْثِرْ » رواه مسلم .
533- وعن سمُرَةَ بنِ جُنْدبٍ رضي اللَّه عنه قال : قال رسُولُ اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسَلَّم : « إِنَّ المَسأَلَةَ كَدُّ يكُدُّ بها الرَّجُلُ وجْهَهُ ، إِلاَّ أَنْ يَسأَلَ الرَّجُلُ سُلْطاناً أَوْ في أَمْر لابُدَّ مِنْهُ » رواهُ الترمذي وقال : حديث حسن صحيح « الكَدُّ » : الخَدشُ وَنحوُهُ .
534- وعن ابن مسعودٍ رضيَ اللَّه عنه قال : قال رسُولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : «
مَنْ أَصابَتْهُ فَاقَةٌ فَأَنْزَلَهَا بِالنَّاسِ لَمْ تُسَدَّ فاقَتُهُ
، وَمَنْ أَنْزَلها باللَّه ، فَيُوشِكُ اللَّه لَهُ بِرِزقٍ عاجِلٍ أَوْ
آجِلِ » رواهُ أبو داود ، والترمذي وقال : حديث حسن .
« يُوشكُ » بكسر الشين : أَي يُسرِعُ .
535- وعَنْ ثَوْبانَ رضيَ اللَّه عنه قال : قال رسُولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : « مَنْ تَكَفَّلَ لي أَن لا يسْأَلَ النَّاسَ شَيْئاً ، وَأَتَكَفَّلُ له بالجَنَّة ؟ » فقلتُ : أَنا ، فَكَانَ لاَ يسْأَلُ أَحَداً شَيْئاً ، رواه أبو داود بإِسنادٍ صحيح .
536- وعن أبي بِشْرٍ قَبِيصَةَ بن المُخَارِقِ رضي اللَّه عنه قال : تَحمَّلْت حمَالَةً فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم أَسْأَلُهُ فيها ، فقال : « أَقِمْ حَتَّى تَأْتِينَا الصَّدَقَةُ فَنأْمُرَ لكَ بِها » ثُمَّ قال : «ياَ
قَبِيصَةُ إِنَّ المَسأَلَةَ لا تَحِلُّ إِلاَّ لأَحَدِ ثَلاثَةٍ : رَجُلٌ
تَحَمَّلَ حمالَةً ، فَحَلَّتْ لَهُ المَسْأَلَةُ حَتَّى يُصيبَها ، ثُمَّ
يُمْسِكُ . ورجُلٌ أَصابَتْهُ جائِحَةٌ اجْتَاحَتْ مالَهُ ، فَحَلَّتْ لهُ
المَسأَلَةُ حَتَّى يُصِيبَ قِوَاماً مِنْ عيْشٍ ، أَوْ قال : سِداداً
مِنْ عَيْشٍ ، ورَجُلٌ أَصابَتْهُ فاقَة ، حَتى يقُولَ ثلاثَةٌ مِنْ ذَوي
الحِجَى مِنْ قَوْمِهِ : لَقَدْ أَصَابَتْ فُلاناً فَاقَةٌ ، فحلَّتْ لَهُ
المسْأَلةُ حتَّى يُصِيبَ قِواماً مِنْ عَيْشٍ ، أَوْ قالَ: سِداداً مِنْ
عَيْشٍ . فَمَا سِواهُنَّ مِنَ المَسأَلَةِ يا قَبِيصَةُ سُحْتٌ ،
يأَكُلُها صاحِبُها سُحْتاً » رواهُ مسلم .
« الحمالَةُ »
بفتح الحاءِ : أَنْ يَقَعَ قِتَالٌ وَنحوُهُ بَين فَرِيقَينِ ، فَيُصلحُ
إِنْسَانٌ بيْنهمْ عَلى مالٍ يَتَحَمَّلُهُ ويلْتَزِمُهُ عَلى نفسه . و « الجائِحَةُ » : الآفَةُ تُصِيبُ مالَ الإِنْسانِ . و « القَوامُ» بكسر القاف وفتحها : هوَ ما يقومُ بِهِ أَمْرُ الإِنْسانِ مِنْ مَالٍ ونحوِهِ و « السِّدادُ » بكسر السين : مَا يَســُــدُّ حاجةَ المُعْوِزِ ويَكْفِيهِ ، و « الفَاقَةُ » : الفَقْرُ . و « الحِجَى » : العقلُ.
537- وعن أبي هريرة رضيَ اللَّه عنه أَنَّ رسُولَ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قال : «
لَيْسِ المِسْكِينُ الَّذِي يطُوفُ عَلى النَّاسِ تَرُدُّهُ اللُّقْمَةُ
واللُّقْمَتانِ ، وَالتَّمْرَةُ والتَّمْرتَانِ ، وَلَكِنَّ المِسْكِينَ
الَّذِي لا يجِـدُ غِنًى يُغنِيهِ ، وَلاَ يُفْطَنُ لَهُ ، فَيُتَصدَّقَ
عَلَيْهِ ، وَلاَ يَقُومُ فَيسْأَلَ النَّاسَ » متفقٌ عليه .
من كتاب رياض الصالحين
[/center]