الإعجاز الرياضي وعالم الفلك
سورة
المدثر من أوائل ما نزل من القرآن الكريم، وفيها تفصيل حول العدد (19)،
وقد ناقشنا ذلك في رسالة سابقة، ولفت انتباهنا القَسَم الذي أقسمه سبحانه
وتعالى عند الحديث عن العدد (19) : "كلا والقمر والليل إذ أدبر، والصبح
إذا أسفر، إنـها لإحدى الكبر…." والليل والنهار ينتجان عن علاقة الشمس
بالأرض، فما علاقة الشمس والقمر والأرض بالعدد (19)؟! الرجوع إلى كتب
الفلك يتبيّن لنا أنّ هناك عدة علاقات بين الشمس والأرض والقمر تقوم على
أساس العدد (19). وقد فصّلنا ذلك في كتاب : " إعجاز الرقم 19 في القرآن
الكريم مقدمات تنتظر النتائج". ونحن هنا معنيون بإعطاء بعض الأمثلة
المتعلقة بالقرآن الكريم وعالم الفلك، بغض النظر عن علاقة ذلك بالعدد (19)
أو غيره:
1-
السنة الشمسية هي ( 365,2422 ) يوما، والسنة القمرية هي(354,367) يوما،
وعليه يكون الفرق بين السنة الشمسية والقمرية هو(10,8752) يوماً. وبعد
(33,58) سنة شمسية يكون مجموع هذه الفروق سنة شمسية كاملة(1).
أي أن السنة القمرية تعود لتلتقي مع السنة الشمسية في نقطة البداية نفسها
بعد (33,58) سنة شمسية.ويمكن اعتبار كل نقطة عودة إلى البداية "دورة"
مقدارها (33,58) سنة. وعلى ضوء ذلك لو تساءلنا: في أي سنوات من التاريخ
الميلادي كانت الدورة ال"19"؟ فسنجد أن الدورة "19" بدأت سنة (604)م،
وانتهت سنة (638)م، ومن اللافت للانتباه أنه بعد بداية الدورة بـ (6)
سنوات كانت السنة (610)م، وهي السنة التي بعث فيها الرسول عليه الصلاة
والسلام. وقبل نـهاية الدورة بـ (6) سنوات كانت السنة (632)م. وهي السنة
التي توفي فيها الرسول عليه الصلاة والسلام، وهذا يعني أن فترة الرسالة
كانت بؤرة الدورة "19" من التاريخ الميلادي.
2-
عندما تدور الأرض دورة واحدة حول الشمس، تكون قد دارت حول نفسها (365)
دورة، ويكون القمر قد دار حول الأرض (12) دورة. فالدورة الواحدة للأرض حول
الشمس تضمنت (365) دورة حول النفس، و(12) دورة للقمر حول الأرض وحول نفسه
أيضاً. ومن هنا قال العلماء إنّ السنة شمسية والشهر قمري. وبالرجوع إلى "
المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم" لمحمد فؤاد عبد الباقي نجد أن كلمة
(يوم، يوماً) مفردة تكررت (365) مرة. مع ملاحظة أن هناك كلمة (يوم) في
المعجم سقطت خطأ، ونُصّ عليها في مقدمة المعجم. كذلك نجد أن كلمة (شهر،
شهراً) مفردة تكررت في القرآن الكريم (12) مرة فقط. أمّا لماذا تم إحصاء
كلمة (يوم)، وكلمة (شهر) مفردة ؟ فنرى أن ذلك يرجع إلى أمرين: الأمر الأول
أن السنة هي (365) يوماً وليس أياما، وكذلك هي (12) شهرا، وليس أشهراً.
أما الأمر الثاني فيرجع إلى أن السنة هي دورة واحدة للأرض حول الشمس ينتج
عنها (365) دورة للأرض حول نفسها، و(12) دورة للقمر حول الأرض وحول نفسه
أيضا. وقد اعترض البعض على الأستاذ " عبد الرزاق نوفل"(2)لأنه
لم يحص (يومئذ، يومهم، يومكم) وهذا الاعتراض له وجاهته عندما لا يكون هناك
قواعد محددة يتم الإحصاء على أساسها. فهنا نحصي كلمة (يوم، يوماً) عندما
لا تكون متصلة رسماً بما بعدها؛ فلو كانت كلمة (يومئذٍ) مرسومة (يوم إذٍ)
لأحصيناها. على ضوء ذلك فإننا نحصي كلمة (يوم، يوماً) ولا نحصي كلمة
(يومئذ، يومهم، يومكم) على اعتبار أننا نتعامل في العد القرآني مع الرسم
وليس مع المعنى. ومع ذلك يجدر أن نلفت الانتباه إلى أن تكرار كلمة (يوم،
يوما، أيام، يومين، يومئذ، يومكم، يومهم…) تكررت في القرآن الكريم (475)
مرة، وهذا هو عدد أيام الأرض في (19) يوماً من أيام الشمس(3).
فعندما تدور الشمس دورة واحدة حول نفسها تكون الأرض قد دارت (25) مرة حول
نفسها، وبالتالي عندما تدور الشمس (19) دورة، تكون الأرض قد دارت (25×19)
=(475) مرة.
عندما
تدور الأرض دورة واحدة حول الشمس تكون قد دارت حول نفسها (365) دورة،
ويكون القمر قد دار حول نفسه وحول الأرض (12) دورة، وهذه الدورة تسمى
(سنة). فالسنة إذن هي عودة الأرض إلى النقطة نفسها التي كانت فيها في
مدارها حول الشمس، وعندما تحصل هذه العودة للأرض لا يكون القمر قد عاد إلى
النقطة نفسها التي كان فيها عند بداية الدورة. ومن هنا تكون (السنة) تعني
عودة الأرض إلى النقطة نفسها وليس القمر. أمّا متى يرجع الأرض والقمر معاً
إلى النقطة نفسها، أي إلى الإحداثية نفسها؟ إنّ العلماء يقولون إنّ ذلك
يحصل مرة كل (19) سنة. أي أنه يحصل عندما تدور الأرض حول الشمس (19) مرة،
ويدور القمر حول الأرض (235) مرة، ويسمي علماء الفلك هذه الدورة بـ (
الدورة الخسوفية)، وقد استخدمت هذه الدورة علمياً للتوفيق بين السنة
الشمسية والسنة القمرية. ومن هنا لا تخلو كتب التقاويم من إشارة إلى هذه
الدورة والعدد (19).
كل
(19) سنة إذن يتكون لدينا دورة للشمس والقمر معا، فيعودان إلى الإحداثية
نفسها. وقد تكررت كلمة (سنة) في القرآن الكريم (7) مرات، وتكررت كلمة
(سنين) في القرآن (12) مرة. وعليه يكون مجموع تكرار (سنة وسنين) =(19)
مرة. ومن الجدير بالذكر أنّ كل (19) سنة قمرية فيها (7) سنين كبيسة أيامها
(355)، و(12) سنة بسيطة أيامها (354).
إذن
عندما تدور الأرض ومعها القمر دورة واحدة حول الشمس، ينتج عن ذلك (365)
دورة للأرض حول النفس، و(12) دورة للقمر حول الأرض وحول نفسه. فهي إذن
دورة تضمنت دورات. كذلك الدورة الخسوفية والتي هي (واحدة) فقد تضمنت (19)
دورة للأرض حول الشمس، وتسمى كل دورة (سنة)، وهي تعادل ما يقارب (19,58)
سنة قمرية. ومن هنا تكررت (سنة وسنين) في القرآن (19)مرة. ويمكننا أن نوضح
المسألة بطريقة أخرى فنقول: عندما تكررت (يوم، يوما) في القرآن الكريم
(365) مرة، كان ذلك إشارة إلى دورة واحدة للأرض حول الشمس، وكذلك عندما
تكررت (شهر، شهراً) (12) مرة، كان ذلك أيضاً إشارة إلى دورة واحدة للأرض
حول الشمس، وهذه الدورة تسمى (سنة). أمّا عندما تكررت كلمة (سنة، سنين)
(19) مرة، فهذه إشارة إلى دورة أكثر تعقيداً لا تتعلق بالأرض فقط، بل
بالأرض والقمر معاً. وإذا كان مفهوم (اليوم) منضبطاً بالنسبة للأرض
وعلاقتها بالشمس، فإن مفهوم (السنة) متعدد؛ فهناك السنة النجمية، والسنة
المدارية، وسنة الحضيض، وسنة الكسوف…. ويختلف مقدار هذه السنوات، ومن هنا
فهناك (سنين) وليس فقط (سنة). ويلحظ أنّ (سنين) تكررت كما قلنا (12) مرة
في القرآن الكريم. وهذا العدد الزوجي (12) هو تكرار السنين الزوجية ذات ال
(354) يوماً كل (19) سنة قمرية. أما (سنة) فقد تكررت (7) مرات في القرآن
الكريم، وهذا الرقم الفردي (7) هو تكرار السنين الفردية ذات ال (355)
يوماً.
3- يقول سبحانه وتعالى في سورة العنكبوت في حق نوح عليه السلام :"فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاماً".
إذا كان المقصود من هذه الآية الكريمة القول إن (نوحاً) عليه السلام قد
لبث في قومه (950) سنة، أفلا يتم المعنى عند قوله تعالى"…إلا خمسين…"؟!
فلماذا قال :"إلا خمسين عاماً"، في حين قال"ألف سنة"؟! ألا يدل ذلك على
أنّ مفهوم (السنة) يختلف عن مفهوم (العام)؟!
إذا
رجعنا إلى القرآن الكريم نجد أنّ هناك آيات تدل بوضوح على أن كلمة (عام)
تطلق على السنة القمرية، مثل قوله تعالى في سورة التوبة:"فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا" ومعلوم أن الآية تتحدث عن الحج وهو مرتبط بالسنة القمرية، وكذلك في قوله تعالى :"إنما النسيء زيادة في الكفر يضل به الذين كفروا يحلونه عاما ويحرمونه عاما…
" ومعلوم أن الآية تتحدث عن تلاعب المشركين بترتيب الأشهر الحرم وهي أشهر
في السنة القمرية.في المقابل لا توجد في القرآن كلمة (سنة ) تدل بوضوح على
السنة القمرية، ولا توجد كلمة (عام) تدل بوضوح على السنة الشمسية. ولا
يعني هذا أن مفهوم السنة لا يشمل السنة القمرية. ويلحظ أن القرآن الكريم
عندما يُكَثِّر يستعمل كلمة (سنة) كقوله تعالى :"ولبثت فينا من عمرك سنين"، وقوله تعالى:"وإنّ يوماً عند ربّك كألف سنة مما تعدُّون".ومعلوم
أن السنة الشمسية أطول من السنة القمرية. وفي الآية التي نحن بصدد فهمها
جاءت ال (1000)سنة لتدل على طول المدة التي لبثها نوح عليه السلام. وجاءت
ال(50)عاما لتقلل من المستثنى. وعلى أية حال ليس بإمكاننا أن نعكس المفهوم
فنجعل (السنة) تدل على القمرية و(العام) يدل على الشمسية. وبما أن هذه
الآية ذكرت السنة والعام، فيرجح أن تكون السنة شمسية والعام قمرياً.
يقسم
علماء الفلك السنة الشمسية إلى سنة (نجمّية) ومقدارها (365,25636) يوما.
وسنة (مدارّية)مقدارها (365,2422) يوما. وإذا أخذنا متوسط السنة النّجمية
والمداريّة، يكون عدد أيام ال (1000)سنة هو (365249) يوماً.ويقسّم علماء
الفلك السنة القمرية أيضا إلى (نجميّة) مقدارها (327,85992) يوما، وسنة
(مدارية)مقدارها(354,36707) يوماً.وإذا أخذنا متوسط السنة النجمية
والمدارية يكون عدد أيام ال (50)عاما هو (17056) يوماً. الآن بإمكاننا أن
نطرح (365249-17056)=348193 يوما. وهذا يساوي (953,3) سنة مدارية.
و(953,28) سنة نجمية. وبـهذا يتبين لنا أن مدة لبثه عليه السلام (953)
سنة، وليس (950) سنة كما هو متبادر للوهلة الأولى.
هل يوجد لدينا دليل عددي على هذه النتيجة التي توصلنا إليها ؟
أ
- السورة رقم (71) في القرآن الكريم هي سورة (نوح)، فما علاقة هذه السورة
بمدة لبثه عليه السلام، وبالنتيجة التي توصلنا إليها آنفاً ؟ يُفاجأ
القارئ عند إحصائه لعدد أحرف سورة (نوح) أنـها (953) حرفا، أي مساوية لمدة
لبثه عليه السلام عند التحقق فلكياً كما أشرنا.
ب - تكررت الأحرف الهجائية في سورة نوح على الصورة الآتية:
الحرف
ا+ء
ب
ت
ث
ج
ح
خ
د
ذ
ر
ز
س
ش
ص
التكرار
192
27
34
6
19
3
10
25
10
60
4
20
2
4
الحرف
ض
ط
ظ
ع
غ
ف
ق
ك
ل
م
ن
هـ
و
ي
التكرار
6
5
2
25
8
18
21
32
106
77
60
34
88
55
953
عند
تفحص تكرارات الأحرف في سورة نوح، وجدنا أن الحرف (ح) تكرر (3) مرات فقط.
وكان يمكن أن لا يتكرر أي حرف من الأحرف (3) مرات. واللافت للانتباه أن
الرقم (3) هو الفرق بين مدة لبث (نوح) عليه السلام التي تتبادر إلى الذهن
قبل التدقيق الفلكي أي (950)، ومدة لبثه التي توصلنا إليها بعد التحقيق
وهي (953). ويصبح الأمر مدهشاً عندما نعلم أن هذا الحرف (ح) قد ورد فقط في
الكلمات التالية: (نوحا، نوح، نوح). أليس غريباً ومدهشاً أن تخلو سورة
(نوح) من حرف (ح) ويتكرر فقط في كلمة (نوح)؟! فهل المقصود لفت الانتباه
إلى الفرق بين مدة لبثه عليه السلام الحقيقية، ومدة لبثه المتبادرة لأول
وهلة، أم أنّ هناك أسراراً أخرى تتعلق بعالم الفلك أو غيره؟!
4- يقول سبحانه وتعالى في سورة الكهف :" ولبثوا في كهفهم ثلاث مائة سنين
وازدادوا تسعا، قل الله أعلم بما لبثوا ….".
مدة
لبث أصحاب الكهف كما تنص هذه الآية (309)سنة. وفي الوقت الذي لم يُصَرِّح
فيه القرآن الكريم بعدد أصحاب الكهف، صرح بمدة لبثهم في الكهف، ثم عقب
بقوله تعالى:"قل الله أعلم بما لبثوا…" فهل المقصود بـهذا التعقيب التأكيد
على صِدْقِيَّة هذا العدد في الوقت الذي تكثر فيه الآراء والادعاءات؟ أم
المقصود شيء آخر؟ تؤول أقوال جماهير المفسرين إلى القول الأول، ولكن ألا
يحتمل النص أن يكون المراد بقوله تعالى:" قل الله أعلم بما لبثوا" أن الله
أعلم بحقيقية هذا العدد (309)، ومدلولاته، وأسراره، وحكمة لبث أصحاب الكهف
هذه المدة؟!
يذهب الكثير من أهل التفسير قديماً وحديثاً إلى القول بأن ال (300) سنة شمسية هي (309) سنة قمرية مما يعني عندهم أن قوله تعالى:"وازدادوا تسعاً" يقصد به تبيان الزيادة التي تحصل عند تحويل ال (300) سنة شمسية إلى قمرية :
(300×
365,2422 )÷ (354,367)=(309,2). وعندما نتكلم بلغة السنين لا يكون هناك
وزن للأعشار القليلة التي تزيد عن (9) سنوات. ويمكن اعتبار قول المفسرين
هذا مما يحتمله النص القرآني. ولنا في "مركز نون" الملاحظات الآتية:
1-
ال (300) سنة شمسية هي (109572,66) يوما، في حين أن ال (300) سنة قمرية هي
(106310,1) يوما، وهذا يعني أن الفرق هو: (3262,56) يوماً. وهذا العدد من
الأيام أقرب إلى أن يكون (9) سنوات شمسية، وليس (9) سنوات قمرية، مما يعني
أن أصحاب الكهف لبثوا(300) سنة شمسية. أي (300) سنة قمرية مضافاً إليها
(9) سنوات شمسية.فالعدد (300)هو هو، وتأتي الزيادة عن اختلاف مفهوم السنة
الشمسية والقمرية وتكون هذه الزيادة عندها (9) سنوات شمسية.
2-
يقول تعالى في حق (نوح) عليه السلام:"فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاماً"
وقد قلنا إن مفهوم السنة هنا يختلف عن مفهوم العام. وقادنا التحقيق كما
لاحظنا إلى أن مدة لبثه عليه السلام كانت (953) سنة شمسية. وفي مدة
(اللبث) هذه تمت عملية(طرح). أمّا في مدة (لبث) أصحاب الكهف، فتمت عملية
(جمع) تتعلق أيضا بالشمسي والقمري، وقادنا التحقيق هنا أيضا إلى القول أن
مدة اللبث هي (300) سنة شمسية، أي (300)سنة قمرية يضاف إليها الفرق وهو
(9) سنوات شمسية. وقد يشير إلى هذا الفرق قوله تعالى (تسعاً) أي من
السنين. ولو قال (تسعة) لكان المقصود (من الأعوام). وقد تعزز هذه الملاحظة
ملاحظاتنا السابقة حول هذا الموضوع.
3- يدل اسم سورة الكهف على أهمية قصة (أصحاب الكهف) في السورة. وتبدأ القصة بالآية (9): "أم حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم..". أما مدة لبثهم فنجدها في الآية (25) :"ولبثوا في كهفهم ثلاث مائة سنين وازدادوا تسعا". وبلغة الأعداد نقول: إذا بدأنا العد من بداية القصة:"أم حسبت أن… " فسنجد أن رقم الكلمة التي تأتي بعد عبارة:"ولبثوا في كهفهم" هو (309) فتأمّل!!
(1)365,2422 ÷ 10,584=33,584
(2)في كتاب الإعجاز العددي في القرآن الكريم.
(3)يوم أي نجم أو كوكب هو دورته مرة واحدة حول نفسه. ويوم الشمس يعادل (25) يوماً من أيام الأرض
منقول