من الكتاتيب..إلى عالم الحواسيب!!

من الكتاتيب..إلى عالم الحواسيب!!


يوسف الكويليت

أضع نفسي نصف أميّ في مجتمع المعرفة، لأن الرهبة التي أريد
تجاوزها، واللحاق بأصغر أبنائي، جعلتني أتسلح بإرادة ذئب لاجتياز حاجز هذا
العالم الذي غيّر العلاقات البشرية، وجعلها تتراص وتتمازج، ومجتمعنا الذي
خرج من الكتاتيب إلى الحواسيب، أدى بنا إلى ضرورة بناء هذا المجتمع الجديد
بسلاح المعرفة..

فقد بدأت التقنية الأولى في «اللاسلكي» لغايات تجسسية وعسكرية ثم
لحقتها (الرادارات)، وتقدم العالم إلى أن تجاوز العقود والقرون الماضية،
واختزلها في السنوات والأشهر، وطالما نحن مجتمع نامٍ، ومتطلع لأنْ يتواصل
مع المنتج الحضاري الجديد، فلابد من إدراك الحاجة، حتى البسيط منها،
للإلمام بهذا المعاصر، والمتجدد..

فلم تعد المبادلات في الشؤون الشخصية، مثل تسديد (فواتير) وتبادل
الرسائل، والاطلاع على الأخبار، والتعليقات، وفهم عالم اللحظة التي أنت
فيها، تتم إلا بالاستعانة بهذا السلاح الذي فرض وجوده على العالم كله،
وبصرف النظر عن قصور بعضنا في فهم هذه التكنولوجيا، إلا أنها أصبحت
المهيمن على إدارة أعقد الحسابات والمصانع، والآلات الدقيقة، وهو ما خلق
حرب المعلومات التي تحولت من الجماعات إلى الأفراد باختراق أدق الأسرار
المحمية بقوانين المعرفة..

فالتحوّلات الجديدة فرضت مكافحة أمية جديدة، ليست لمن لا يقرأ ويكتب
فحسب ، بل لمن هو على قمة الثقافة والوعي، فإذا لم ندرك حاجة هذا المنتج
والاندماج مع عوالمه، واكتساب كلّ المهارات، فإن الفاصل الزمني بيننا وبين
الأجيال، سيكون كبيراً، وهي مشكلة ستعاني منها المجتمعات، ومثلما تحدث
الفيلسوف الألماني «نيتشه» عن وصول (السوبرمان) الذي سيغيّر العالم، فإن
الآلة جاءت البديل لصناعة هذا الكائن المسلح بمعرفة مسبوقة، وبعوالم
تتسابق على الاستفادة من عامل الزمن في التطوير والإنتاج..

فإذا كانت أدبياتنا باتت تتحرك نحو اكتساب هذه المعرفة وتوطينها،
فالعامل الأساسي يأتي من التعليم، وأعني المعطى التقني الحديث بكل ما
تعنيه الكلمة، وحتى نختزل المسافة مع البلدان المتطورة، فلابد أن نبادر
بصناعة الثروة البشرية التي هي منطلق ومؤسس هذه الاتجاهات، ولعل الذين
يحاولون حبسنا في «قمقم» الماضي بأي اسم، سواء الاعتراض على التوسع في
التعليم، أو البعثات الخارجية، والنظر إلى المرأة بعيون ما قبل إزالة
الأمية، فإننا بذلك سنفقد أخطر الأسلحة مع مؤسسي الحضارة الحديثة، ومع أن
الحاجز انكسر بفعل لاإرادي عندما انفجرت المعلومات، فإن ما سنواجهه لا
يؤخذ بالتسهيل والتبسيط، بل بإدراك أننا في عالم عولمته طرق جديدة، لايمكن
غلقها بأي تصرف آخر..

ما أريد قوله، هو أن الزمن لا يقف ولا يرحم، وبالتالي إذا كنا على ثقة
بقدراتنا، فعلينا أن نسخرها بالانتقال إلى هذا العالم، وبلا مخاوف، لأن
الطريق يبدأ بخطوة، طالما لا توجد فوارق في العقول، ولا في البيئات..