( كونوا دُعاةً إلى الله وأنتم صامتون )..
نعم معاشر المؤمنين،
كونوا دعاةً، لأنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: (( بَلِّغُوا عَنِّي
وَلَو ْآيَةً )) قال العلماء: (بلِّغوا ) تكليف، و( عنِّي ) تشريف، و(
لوآية ) تخفيف.
( وأنتم صامتون ) فإذا
عجز المسلم عن الكلام، والأمر بالخير والنّهي عن المعاصي والآثام، فعليه
أن يكون داعيةً إلى الله وهو صامت ساكت .. أي: دون أمر ولا نهي .. وهذا
يستطيعه كلّ أحد .. فكيف ذلك ؟
سؤال طرحه بعضهم على عمر بن عبد العزيز رحمه الله عندما قال:
كونوا دعاة إلى الله وأنتم صامتون،
فقالوا: وكيف ذاك ؟
قال: بأخلاقكم.
وصدق رحمة الله عليه،
لأنّ التحلّي بالأخلاق الحميدة، والآداب الرّشيدة من أعظم الطّرق للدّعوة
إلى الله، وممّا يجعل الضالّ يقبل عائدا إلى مولاه، ويؤكّد ذلك أمران:
أوّلا:
أنّ الأخلاق الحسنة من أعظم ما يدفع الشّبهة عن الدّين،
فكثير من النّاس أعرض
عن ربّه بسبب جفاء أهل الحقّ عليه، وعدم الالتفات إليه، وقد علّمنا المولى
أن ندعُوَه متضرّعين:{رَبَّنَا لا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ
كَفَرُوا وَاغْفِرْ لَنَا رَبَّنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}
[الممتحنة:5] فهذه الآية تحتمل الدّعاء بأن لا يُسلّط الله على المؤمنين
من يعذّبهم ويفتنهم، وتحتمل الدّعاء بأن لا يجعل الله المؤمنين فتنة تصدّ
الكافرين عن الدّين، فإذا كان هذا واجبنا مع الكافرين، فكيف مع المسلمين
؟!.
لذلك خاطب الله نبيّه
صلّى الله عليه وسلّم الذي وصفه بأحسن الصّفات، وهو ينبّهه قائلا:{فَبِمَا
رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ
الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} [آل عمران: من الآية159].
ثانيا:
قف عند الحديث الّذي رواه أبو داود عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رضي الله عنه قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ
صلّى الله عليه وسلّم: (( زَيِّنُوا الْقُرْآنَ بِأَصْوَاتِكُمْ )) واسأل
نفسك هذا السّؤال: وهل القرآن الّذي هو كلام الله قبيح حتّى يحتاج إلى
تزيين ؟ الجواب: لا، ولكنّ الله يأمر دوما بالأحسن، والأحسن هو تحسينه
بالصّوت حتّى يكون أعظم أثرا في النّفوس والقلوب. فإذا كان هذا هو حال
كلام الله تعالى، فكيف بحال كلامنا ودعوتنا، وأمرنا ونهينا ؟!