علوم القرآن الكريم
تعريف المكي والمدني
للعلماء في معنى المكي والمدني اصطلاحات ثلاثة : ـ
الأول :
وهو
أشهرها ـ أن المكي ما نزل قبل الهجرة ، والمدني ما نزل بعد الهجرة ، سواء
نزل بالمدينة أم بمكة أم بسفر من الأسفار ـ أخرج عثمان بن سعيد الرازي
بسنده إلى يحيي بن سلام قال : ما نزل بمكة وما نزل في طريق المدينة ، قبل
أن يبلغ النبي صلى الله عليه وسلم فهو من المكي .
وهذا الاصطلاح لوحظ فيه الزمان ، وهو تقسيم صحيح ؛
لأنه
ضابط حاصر ومطرد . وعليه فآية " اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي
ورضيت لكم الإسلام دينا " مدنية وإن كانت نازلة في يوم عرفة عام حجة
الوداع . وآية " إن الله يأمركم أن تؤادوا الأمانات إلى أهلها " مدنية مع
أنها نزلت في جوف الكعبة عام الفتح.
الثاني :
أن
المكي ما نزل بمكة ولو بعد الهجرة ، والمدني ما نزل بالمدينة ويدخل في مكة
ضواحيها كمنى وعرفات والحديبية ، ويدخل في المدينة ضواحيها كبدر وأحد ـ
وهذا التعريف لوحظ فيه المكان ، وعليه فسورة الفتح مكية لأنها نزلت
بالحديبية أو منصرفة منها.
ويرد على هذا التعريف أنه غير حاصر ؛
لأنه يثبت الواسطة ، وهذا غير مغتفر في التقسيم ، لأن شرطه أن يكون ضابطا حاصرا.
والثالث :
أن المكي ما وقع خطابا لأهل مكة ،
وأن المدني ما وقع خطابا لأهل المدينة ـ
وعليه
يحمل قول ابن مسعود " كل شئ نزل فيه (يأيها الناس) فهو بمكة ، وكل شئ نزل
فيه ( يأيها الذين آمنوا) فهو بالمدينة " وذلك لأن أهل مكة يغلب عليهم
الكفر ، فخوطبوا بيأيها الذين آمنوا ، وإن كان غيرهم داخلا فيهم (11) ولنا
أن نقول إن كلام ابن مسعود على هذا القول لا يصح ، لأن كلامه في صيغتين
خاصتين من صيغ الخطاب ، لا في مطلق خطاب كما هو صريح هذا القول ، فكيف
يكون الأخص عين الأعم ، فهو يجعل الضابط مطلب خطاب فلا يكون ما نسب إليه
مع اختصاصه بهاتين الصيغتين هو نفس هذا القول لأنه أعم منه ، بل يكون
ضابطا جزئيا مقصورا على هاتين الصيغتين إن وجد دل على كون السورة مكية أو
مدنية وإلا فلا ، بخلاف هذا القول فإنه عام في صيغ الخطاب كلها.
وهذا القول في ذاته غير صحيح ،
ويرد
عليه أن هناك آيات مدنية صدرت بـ ( يأيها الناس ) وهناك آيات مكية صدرت بـ
( يأيها الذين آمنوا ) ـ وأيضا فهناك سور تخاطب الرسول كالكوثر والمعوذتين
وغيرها ، فتكون هذه السور خارجة عن هذا الضابط .
ومما سبق من النقد الوارد على القول الثاني والثالث ،
يتبين أنهما غير حاصرين لجميع أجزاء القرآن ، ولا ريب أن عدم الحصر في
التقسيم يترك واسطة لا تدخل في أحد التقسيمين ، وهذا يخل بالمقصود الأول
من التقاسيم وهو الضبط والحصر . ويبقى التعرف الأول وهو حاصر لجميع
الأجزاء ، فيكون هو الصحيح ، وهو الذي يوافق ما كان يقصده الصحابة بهذين
اللفظين ، من نحو قولهم نزلت سورة كذا بمكة وسورة كذا بالمدينة ، أو نزل
كذا من السور بالمدينة وكذا من السور بمكة ـ وقصدهم من هذا أن ما نزل بمكة
نزل والنبي صلى الله عليه وسلم مقيم بها قبل الرحيل عنها ، وأن ما نزل
بالمدينة نزل والنبي صلى الله عليه وسلم مقيم بها .
==============
موقع هدي الإسلام