طالعنا مركز غالوب للدراسات الاسلامية الامريكي بدراسة حديثة مفادها أن 43 % من الامريكيين لا يعرفون سوى القليل أو لايعرفون شيئا عن الاسلام.. وقد تبدو الدراسة للوهلة الأولى غريبة وغير متوقعة، أولا: نظرا لكم الوسائط المنتشرة في كل شبر من هذا الكوكب وفي سمائه، والتي حولت العالم الى شبه غرفة كبيرة، إذا عطس أحد في أحد أركانها يصاب من يقبع في الركن الآخر بالزكام.. و ثانيا، لإن الاسلام ديانة عمرها أكثر من 1400 سنة وعدد المسلمين في العالم يقدر بمليار و570 مليون نسمة، أي حوالي ربع سكان الأرض، موزعين على كل قارات الكوكب.
غير أن للشعب الأمريكي وغيره من الشعوب الحق كل الحق في جهله بالاسلام وبالمسلمين، لأننا كمسلمين مقصرون بشكل مشين في نقل كل ما يتعلق بالاسلام وبنا كمسلمين الى الجهة الآخرى من العالم وتعريف الشعوب الغربية وسواها بديننا وتقاليدنا ومفاهيمنا..
في زمن الوسائط المتعددة التي تجعل المواطن البسيط في واغادوغو يعرف الوجبة التي تناولها الرئيس الامريكي على مائدة الغداء، مايزال العرب والمسلمون نكرة لدى الشعوب الأخرى إلا من صفة الارهابيين والقتلة، والسبب في ذلك ليس في نقص هذه الوسائط ولكن في طبيعة عملها والرسالة التي تؤديها، ففضائياتنا الناطقة باللغة العربية غير موجهة الى العالم الغربي الناطق بغير العربية، وعليه لجأ أصحاب الأفكار اللامعة الى استحداث فضائيات عربية ناطقة بلغات أجنبية، كما هو حال مجموعة ال أم.بي.سي وقناة دبي وان التابعة لمؤسسة دبي للاعلام، وغيرها من القنوات العربية المتشابهة الى درجة التطابق مع بعضها البعض.. والمهزلة في هذه القنوات هي أنه بدلا من أن تنقل صورة المجتمع العربي والاسلامي المشرفة، قامت بالعكس، وأصبحت ترمينا بكل ما تنتجه القنوات الغربية من أفلام ومسلسلات وبرامج منوعة ومسابقات.. الخ، حتى إننا إذا ما فتحنا على إحداها ووجدنا مثلا برنامجا يدور حول صناعة السينما في هوليوود، يكون نفس البرنامج على القنوات العربية الأخرى، لدرجة بتنا معها نحفظ أسماء كل الممثلين والمخرجين في هوليوود أكثر من حفظنا لأسماء أساتذتنا ومدرسينا أصحاب الفضل علينا فيما بلغناه من علم..
وعليه أطرح سؤالا كبيرا أرجو أن أجد له جوابا: ماهي فائدة هذه القنوات إذا كانت تبث نفس البرامج التي تبثها القنوات الامريكية والبريطانية والفرنسية وغيرها؟ ماهي الفائدة التي تعود على المشاهد العربي بمتابعته برامج لا تمت لطبيعة مجتمعه ولا تتناول بيئته ولاهمومه ولاقضاياه؟ هل هو مجبر على متابعة برامج ناطقة بلغة أجنبية ومترجمة الى لغة عربية ركيكة؟ أو ربما مدبلجة الى لهجة محلية ليست لهجته.. والأدهى حين نسمع الاعلان: أفلام مدبلجة الى اللغة العربية!!!
لماذا لا تقوم هذه القنوات على دبلجة برامج عربية من وحي بيئتنا وحياتنا وتبثها للمشاهد الغربي الذي يجهل كل شيئ عنا.. حتى مطبخنا ظل حبيس بيوتنا ومطاعمنا في حين أن أكثر من قناة تنقل لنا مطابخ من كل العالم وكأننا شعوب تسكنها الأمية في كل شيء.. والمشكلة الأكبر أن برامجنا التي تقدمها فضائياتنا العربية هي نسخ معربة من برامج أجنبية، مثل : "من سيربح المليون"، " تاراتاتا"، " ستار أكاديمي"، " سوبر ستار"، " الرابح الأكبر"، والقائمة طويلة ومذلة..
هل على المشاهد العربي أن يبقى دائما على ذات الحال؟ تابعا غير متبوع؟ مستعمرا غير حر؟ سجين الآخرين غير فريد؟
هل علينا أن نعرف كل شيء عن الآخرين، في حين أن الآخرين لا يعرفون شيئا عنا؟ هل لزاما على المواطن العربي أن يبقى نكرة في عيون العالم إلا من صفات المتخلف والارهابي والمجرم الأمي؟
متى نوظف قدراتنا بالشكل الصحيح؟ ومتى تكون مقدراتنا باب خير علينا وليس العكس؟ متى تكون إداراتنا متوافقة مع إراداتنا؟ ومتى يأتي اليوم الذي نصنع فيه إعلاما يتحدث عنا ويكشف عن حقائقنا ويصوب الصور الخاطئة عنا وليس إعلاما نمدح فيه غيرنا ونثني فيه على أفكارهم وإبداعاتهم ونقدم لهم المديح تلو المديح عن نبوغهم وتوفيقهم.. مديح هم ليسوا بحاجة إليه ولا ينتظرونه من شعوب وأمة لا يرون فيها أكثر من أمة أمية لاتحسن سوى حمل السلاح وتهديد الأرواح.... ودمتم