الحمد لله الذي خلّص قلوب عباده المتقين من ظُلْم الشهوات ، وأخلص عقولهم عن ظُلَم الشبهات
أحمده حمد من رأى آيات قدرته الباهرة ، وبراهين عظمته القاهرة ، وأشكره شكر من اعترف بمجده وكماله
واغترف من بحر جوده وأفضاله وأشهد أن لا إله إلا الله فاطر الأرضين والسماوات ، شهادة تقود قائلها إلى الجنات
وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله ، وحبيبه وخليله ، والمبعوث إلى كافة البريات ، بالآيات المعجزات
والمنعوت بأشرف الخلال الزاكيات صلى الله عليه وعلى آله الأئمة الهداة ، وأصحابه الفضلاء الثقات
وعلى أتباعهم بإحسان ، وسلم كثيرا
أما بعد :
فإن اصدق الحديث كتاب الله ، وأحسن الهدي هدي
محمد صلى الله عليه وسلم ، وشر الأمور محدثاتها،
وكل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار
ــــ أعاذنا الله وإياكم من النار ــــ
إذا
حاولنا أن نخرج من حياتنا الرتيبة لننظر إلى أنفسنا ومحيطنا الصغير
والعالم الكبير من حولنا نظرة جديدة فإننا سنكتشف أن ذلك كله ليس من الأمور
العادية في شيء، بل هو من الخوارق والمعجزات التي تظهر فيها بجلاء نعمة
الله على الخلق. والحقيقة أن كل أمر من أمور الكون يعد من الخوارق. ولكن
لأن الألفة والتكرار والعادة تعمي عيوننا، فإننا لا نستطيع التطلع إلى
الحوادث الجارية حولنا بنظرة صحيحة تقيِّمها التقييم الصحيح.
لو
تفكر الإنسان في لقمة الخبز التي يضعها في فهمه وبحث عن حصته في المراحل
التي يُصنع فيها الخبز لظهرت الحقيقة من ذاتها. صحيح أن الإنسان هو الذي
زرع وحصد وطحن وخبَز، ولكن لو لم يخلق الله الأرض والتراب والشمس ولم يرسل
المطر، إلى غير ذلك من عناصر الطبيعة... أكان بمقدور الإنسان أكل الخبز؟
ويلفت القرآن نظرنا إلى هذه الحقيقة التي تكاد تغفل عنها العيون، ويدعونا
إلى رؤيتها من جديد: "أفرأيتم ما تحرثون أأنتم تزرعونه أم نحن الزارعون".
ثم بعد صنع الخبز، لو لم يعط الله للإنسان يدا وفما وأسنانا... ، أكان
بمقدور الإنسان أن يأكله؟ إن هذا مثال واحد فقط عن واحدة من النعم المبثوثة
في الكون، نخلص منه إلى أن كل شيء حولنا نعمة، وأن إحصاء أوجُه النعمة في
شيء واحد من تلك الأشياء أمر بعيد المنال.
إن النظر إلى كل شيء في
الكون من هذا المنظار هو الذي يتيح لنا أن نرى يد الله وبديع صنعه في
الخلق، وأن نتذوق طعم الإيمان في هذه الرؤية. وإن ملاحظة النعمة ومشاهدتها
في صغير الأمور وكبيرها يفضي إلى الفرح بها كلما وُجدت، وإلى تجدُد الفرح
بها كلما تجددت. ولما كان الفرح مفتاحا للسعادة فإنك كلما نظرت أكثر، تعرفت
على نِعم أكثر، فكانت سعادتك أكبر.
فاللهم اجعلنا ممن نظر إلى نعمك فعرفها، وشكرك عليها فزادته إيمانا وسعادة، ولا تجعلنا ممن غفل عن نعمك ونكرها فازداد حسرة وشقاء.