ليس المقصود بالثقافة الغربية تلك المعرفة الدقيقة والمتخصصة التي تنتج عن تطبيقات العلوم, وما له صلة بالمناهج والنظريات العلمية والتجريبية, أو مايمكن ان يفهم من كلمة ثقافة بمعناها المعرفي والمعلوماتي, وهذا هو المجال الذي تحققت فيه إنجازات عليمة هائلة قد يصفها بعضهم بالمعجزات, ولكن المقصود منها تلك الأفكار ,والعادات, والقيم الاجتماعية, وما يتصل بالسلوك وأنماط المعيشة.
وهذه الثقافة بأبعادها السلوكية والاجتماعية هي الخطر الذي كان يسميه مالك الأفكار المميتة أو القاتلة, ذلك ان الثقافة الغربية بهذا المفهوم لا تقتصر على أنماط الحياة الفكرية الجديدة التي يتعودها الشباب المسلم شيئاً فشيئاً ,بل انها تمس ايضاً, وبطريقة غامضة, مايتصل بالفكر, ومايتصل بالنفس والسلوك, وفي كلمة واحدة, مايتصل بالحياة الروحية.
فالثقافة الغربية – كما هو ملاحظ اليوم – تستحوذ بقوة على عقول الشباب وقلوبهم, وهي تحد كبير للهوية الثقافية ,والخصوصية الحضارية للأجيال القادمة, وهذه المرحلة الخطيرة هي نتاج سنوات من الجهود والأعمال عن طريق مؤسسات الاستشراق وغيرها من المؤسسات التي تعمل بفاعلية ونشاط ,للهيمنة على العالم الاسلامي ثقافيا, بعد ان هيمنت عيله سياسيا.
يقول محمود شاكر موضحا هذه الحقيقة :" لم تكن المعركة الجديدة بين العالم الاوروبي والعالم الاسلامي, معركة في ميدان واحد, بل كانت معركة في ميدانين: ميدان الحرب, وميدان الثقافة, ولم يلبث العالم الاسلامي أن القى السلاح في ميدان الحرب لأسباب معروفة, أما ميدان الثقافة ,فقد بقيت المعارك فيه متتابعة جيلا بعد جيل, بل عاما بعد عام, بل يوماً بعد يوم, وكانت هذه المعركة أخطر المعركتين, وأبعدها أثرا,وأشدهما تقويضاً للحياة الاسلامية والعقل الإسلامي..
وميادين معركة الثقافة والعقل, ميادين لاتعد, بل تشمل المجتمع كله في حياته, وفي تربيته, وفي معايشه, وفي تفكيره, وفي عقائده, وفي آدابه, وفي فنونه, وفي سياسته..
والاساليب التي يتخذها العدو للقتال في معركة الثقافة أساليب لاتعد ولاتحصى,لأنها تتغير وتتبدل وتتجدد على اختلاف الميادين ورحابتها وكثرتها, واسلحة القتال فيها أخفى الاسلحة, لأن عقل المثقف يتكون يوماً بعد يومو بل ساعة بعد ساعة وهو يتقبل بالتربية والتعليم والاجتماع أشياء يسلم بها بالإلف الطويل, وبالعرض المتواصل ,وبالمكر الخفي,وغيرها.
فالتطور الثقافي الجديد المتجسد في تأثير الثقافة الغربية في عقول الشباب, فضلا عن الضعف الحاصل في التمسك بقيم الثقافة الذاتية, وقلة الاطلاع على مصادرالتراث, وتراجع المستوى المعرفي, كل ذلك اصبح يشكل عائقاً امام المسلم المعاصر في فهم الدين, وتفسير القرآن ,وتذوق الإعجاز الخالد
DJ