هَذِهِ
الْقِصَّةُ ذَكَرَهَا اللَّهُ ، تَعَالَى فِي سُورَةِ " الْبَقَرَةِ "
وَفِي أَوَّلِ " الْأَعْرَافِ " وَفِي سُورَةِ " الْحِجْرِ " وَ [ فِي ]
سُبْحَانَ " وَ " الْكَهْفِ " ، وَ هَاهُنَا وَهِيَ أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ أَعْلَمَ الْمَلَائِكَةَ
قَبْلَ خَلْقِ آدَمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِأَنَّهُ سَيَخْلُقُ بَشَرًا مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَأٍ مَسْنُونٍ وَتَقَدَّمَ إِلَيْهِمْ بِالْأَمْرِ مَتَى فَرَغَ مِنْ خَلْقِهِ وَتَسْوِيَتِهِ فَلْيَسْجُدُوا لَهُ إِكْرَامًا وَإِعْظَامًا وَاحْتِرَامًا وَامْتِثَالًا
لِأَمْرِ اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - . فَامْتَثَلَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ ذَلِكَ سِوَى
إِبْلِيسَ وَلَمْ يَكُنْ مِنْهُمْ جِنْسًا كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَخَانَهُ
طَبْعُهُ وَجِبِلَّتُهُ أَحْوَجَ مَا كَانَ إِلَيْهِ فَاسْتَنْكَفَ عَنِ
السُّجُودِ لِآدَمَ
وَخَاصَمَ رَبَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - فِيهِ وَادَّعَى أَنَّهُ خَيْرٌ مِنْ آدَمَ فَإِنَّهُ مَخْلُوقٌ [ ص: 82 ] مِنْ نَارٍ وَآدَمُ خُلِقَ مِنْ طِينٍ وَالنَّارُ خَيْرٌ مِنَ الطِّينِ فِي زَعْمِهِ . وَقَدْ أَخْطَأَ فِي ذَلِكَ وَخَالَفَ أَمْرَ اللَّهِ ،
وَكَفَرَ بِذَلِكَ فَأَبْعَدَهُ اللَّهُ وَأَرْغَمَ أَنْفَهُ
وَطَرَدَهَ عَنْ بَابِ رَحْمَتِهِ وَمَحَلِّ أُنْسِهِ وَحَضْرَةِ قُدْسِهِ
وَسَمَّاهُ " إِبْلِيسَ " إِعْلَامًا لَهُ بِأَنَّهُ قَدْ أَبْلَسَ مِنَ
الرَّحْمَةِ وَأَنْزَلَهُ مِنَ السَّمَاءِ مَذْمُومًا مَدْحُورًا إِلَى الْأَرْضِ
فَسَأَلَ اللَّهَ النَّظِرَةَ إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ فَأَنْظَرَهُ الْحَلِيمُ الَّذِي لَا يَعْجَلُ عَلَى مَنْ عَصَاهُ . فَلَمَّا أَمِنَ الْهَلَاكَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ تَمَرَّدَ وَطَغَى وَقَالَ :
(
لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ . إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ ) كَمَا قَالَ : (
أَرَأَيْتَكَ
هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ
الْقِيَامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا ) [ الْإِسْرَاءِ : 62 ]
وَهَؤُلَاءِ هُمُ الْمُسْتَثْنَوْنَ فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى وَهِيَ قَوْلُهُ تَعَالَى : (
إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ وَكَفَى بِرَبِّكَ وَكِيلًا ) [ الْإِسْرَاءِ : 65 ]
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]وَقَوْلُهُ : (
قَالَ فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ . أَقُولُ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ ) قَرَأَ ذَلِكَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ مُجَاهِدٌ بِرَفْعِ " الْحَقُّ " الْأَوْلَى وَفَسَّرَهُ مُجَاهِدٌ بِأَنَّ مَعْنَاهُ : أَنَا الْحَقُّ ، وَالْحَقُّ أَقُولُ وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهُ : الْحَقُّ مِنِّي ، وَأَقُولُ الْحَقَّ .
وَقَرَأَ آخَرُونَ بِنَصْبِهِمَا .
قَالَ
السُّدِّيُّ : هُوَ قَسَمٌ أَقْسَمَ اللَّهُ بِهِ .
قُلْتُ : وَهَذِهِ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى : (
وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ ) [ السَّجْدَةِ : 13 ] وَكَقَوْلِهِ تَعَالَى : (
قَالَ اذْهَبْ فَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَاؤُكُمْ جَزَاءً مَوْفُورًا ) [ الْإِسْرَاءِ : 63 ]
( من تفسير ابن كثير )
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]قَالَ تَعَالَى : (
قَالَ فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ ( 84 ) ) .
قَوْلُهُ
تَعَالَى : ( فَالْحَقُّ ) فِي نَصْبِهِ وَجْهَانِ ؛ أَحَدُهُمَا :
مَفْعُولٌ لِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ ؛ أَيْ فَأَحِقَّ الْحَقَّ ، أَوْ فَاذْكُرِ
الْحَقَّ . وَالثَّانِي : عَلَى تَقْدِيرِ حَذْفِ الْقَسَمِ ؛ أَيْ فَبِالْحَقِّ لَأَمْلَأَنَّ .
(
وَالْحَقَّ أَقُولُ ) : مُعْتَرِضٌ بَيْنَهُمَا .
وَسِيبَوَيْهِ يَدْفَعُ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ حَذْفُهُ إِلَّا مَعَ اسْمِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ .
وَيُقْرَأُ بِالرَّفْعِ ؛ أَيْ فَأَنَا الْحَقُّ ، أَوْ فَالْحَقُّ مِنِّي .
وَأَمَّا " الْحَقُّ " الثَّانِي فَنَصْبُهُ بِأَقُولُ ؛ وَيُقْرَأُ عَلَى تَقْدِيرِ تَكْرِيرِ الْمَرْفُوعِ قَبْلَهُ ، أَوْ عَلَى إِضْمَارِ مُبْتَدَأٍ ؛ أَيْ قَوْلِي الْحَقُّ ؛ وَيَكُونُ " أَقُولُ " عَلَى هَذَا مُسْتَأْنَفًا مَوْصُولًا بِمَا بَعْدَهُ ؛ أَيْ أَقُولُ لَأَمْلَأَنَّ .
وَقِيلَ : يَكُونُ " أَقُولُ " خَبَرًا عَنْهُ وَالْهَاءُ مَحْذُوفَةٌ ؛ أَيْ أَقُولُهُ . وَفِيهِ بُعْدٌ .
( التبيان في إعراب القرآن ) للعكبري