حتى الإبداع لدينا شكل ثان

حتى الإبداع لدينا شكل ثان

وليد الأصفر

من عجائب الأمور وغرائبها أن يشعر الشخص وكأن الإعلام العربي قد اعتمد
كلمة إبداع، وما يشتق منها، لتكون محصورة في مجالات الأدب والفن والرياضة.
إذ تستخدم هذه الكلمات كما هي من دون أي توضيح إضافي في عناوين المقالات
التي تتكلم عن هذه النوعية من الإبداعات. كأن تقرأ عنوانا من قبيل
«الوزارة الفلانية تقيم حفلا لتكريم المبدعين» أو «محطة التلفاز الفلانية
ستبث لكم الليلة برنامجا عن تكريم نجوم فلانيون في سماء الابداع سيشمل حفل
عشاء غنائي يبث على الهواء مباشرة» وفلانيون هنا نسبة إلى البلد الفلاني
من دون تخصيص. أو الحكومة الفلانية تقيم مسابقة للمبدعين في المدارس
الثانوية»، وغيرها من عناوين مثيرة. أما القارئ العربي فعليه أن لا يظن
بأي حال من الأحوال أن المقصود قد يكون تكريما للمبدعين في مجالات العلوم
والكومبيوتر وتقنية المعلومات أو الاختراعات وما إلى ذلك من الأمور. بل هو
من دون أي نقاش أو مزيد من التفكير متعلق بمطرب فازت أغنيته بمسابقة أو
ممثلين فازت مسرحيتهم بمهرجان، أو إنجاز تعلق برسم أو شعر أو قصة أو فيلم
أو تسريحة شعر. ولا أريد هنا أن يظن أحد أنني أقلل من شأن أي موهبة مهما
كان نوعها، وإن كنت أستطيع مناقشة أثرها في مستقبل الأمة، ولكن ما يثير
أعصابي هنا اعتبار أن هذه المواهب هي فقط ما يستحق أن يوصف بالإبداع
ويستحق التكريم بمهرجانات وميداليات وجوائز سخية. وكأن هناك من يريد أن
يؤكد أن على العرب أن يكونوا مبدعين في كل شيء غير علمي حتى يستحقوا
التكريم ولفت الانتباه.
صحيح أننا نسمع من حين لآخر في الكثير من
البلدان العربية عن تكريم يركز على أهل العلوم التقنية والتطبيقية، ولكن
حجم هذا التكريم وعدد مرات حدوثه قليلة جدا، بل ومحدودة مقارنة بالأمور
غير العلمية، والأقل من ذلك كله التركيز الإعلامي عليها. هل في كلامي
مبالغة أو تجن؟ حسنا ما تظنون أنه سيكون من الأسهل معرفته، عدد المهرجانات
التي يتم فيها تكريم المبدعين في مجالات العلم في العالم العربي، أم عدد
المهرجانات المسرحية والغنائية؟ لا شك بأن معرفة عدد الثانية أسهل، ومعرفة
عدد الأولى أقرب للمستحيل؟ لأنها إن حدثت فلن يعرف بها أحد إلا أصحابها.

أحلم بأن أرى مهرجانات سنوية تقام في كل دولة عربية لتقديم جوائز
للموهوبين والمبدعين في التقنيات، وأن يستقبل حكام الدول هؤلاء المتفوقين
ويصافحونهم كما يصافحون أعضاء المنتخبات الرياضية، والأهم من ذلك أن يبث
ذلك كله على الهواء مباشرة على جميع القنوات الأرضية والفضائية
والإنترنتية، وأن تفرغ له ملاحق كاملة في جميع المطبوعات الورقية، وأن
يقام آخر كل عامين على مستوى العالم العربي بشرط أن يكون التحكيم فيه من
لجنة غير عربية، حتى يكون معيار اختيار الفائزين علميا وليس "وطنيا"
محليا، فمن المعيب والمخجل أن تحدد جنسية أعضاء لجان التحكيم جنسية
الفائزين، كما يحصل في كثير من الأحيان في عالمنا العربي عندما يصر عضو
لجنة في مسابقة ما على أن يكون الفائز من بلده حتى ولو كان هناك من هو
أفضل منه، ليظهر «لشعبه» كم هو مخلص.

نختاما أقول إن من يظن أنه لا يوجد في كل بلد عربي عدد كاف من الذين
يستحقون التكريم، أدعوهم إلى البدء بهذه المشاريع المقترحة، وسيتفاجأون
خلال ثلاث سنوات فقط بالعدد الضخم من المبدعين، المدفونين بالحياة كما
يقول المثل العامي.