تأخر
ظهور الصحافة في تونس نسبيا بالمقارنة مع جهات أخرى في العالم. ولا يمكن
تحليل أسباب هذا التأخير دون ربط السلطة السياسية في تونس بالسلطنة
العثمانية التي خضعت لتنظيمها والتي أبدت احترازا إزاء تقنيات الإعلام
الحديث. وكان لهذا الاحتراز تأثيره في عرقلة بروز الصحافة بصفة مبكرة في
مختلف أرجاء العالم الإسلامي.
ويؤكد
مؤرخو الصحافة التونسية أن جريدة "الرائد التونسي" هي أول جريدة تونسية
ظهرت في البلاد. وقد صدر العدد الأول منها يوم 22 جويلية 1860، أي قبل
انتصاب الحماية الفرنسية بتونس بعشرين سنة تقريبا. وتعتبر هذه الجريدة
واحدة من آليات التحديث التي أدخلها المصلحون التونسيون على البلاد، على
غرار إنشاء المطبعة الرسمية وإدخال التلغراف وإحداث المدرسة الحربية
وهيكلة الإدارات التونسية...
وانطلاقا
من مقاربة سياسية قانونية لتاريخ الصحافة في تونس في مرحلة التأسيس، عرفت
الصحافة التونسية في علاقتها بالسلطة عدة محطات. تميزت المرحلة الأولى
بالتحول من نظام منع الصحافة والطباعة إلى نظام الاحتكار. فقد بقيت تونس
حتى النصف الأول من القرن التاسع عشر تخضع لنظام منع إصدار الصحف وإنشاء
المطابع، غير أنه بعد أن أنشأ الإنجليزي "ريشار هولت" المطبعة الرسمية،
شرع في شهر أفريل 1860 في إصدار الجريدة الرسمية باللغة الإيطالية ثم ظهرت
جريدة الرائد التونسي باللغة العربية.
أما
المرحلة الثانية في تاريخ الصحافة التونسية، فتميزت بالتحول من نظام
الاحتكار إلى نظام الترخيص المسبق في إصدار الصحف. وخضعت الصحافة في مرحلة
ثالثة إلى نظام الحرية، إلا أن هذه الحرية كانت مقيدة بضمان مالي فرضته
السلطة كشرط أولي لإصدار الصحف. وفي مرحلة رابعة سعت السلطة إلى رفع هذا
القيد المالي. وبفضل رفع الضمان المالي سنة 1887، صدرت أولى الجرائد
التونسية الخاصة الناطقة باللغة العربية، من أهمها "نتائج الأخبار"
و"الحاضرة" و"القصبة" (1888). وبإلغاء نظام الضمان المالي نهائيا، في
مرحلة خامسة، فتحت الآفاق واسعة لنمو الصحافة الصادرة باللغة العربية التي
حققت رقما قياسيا سنة 1910، إذ بلغت 11 عنوانا. وعموما فقد صدرت 54 دورية
ناطقة باللغة العربية بين 1904 و1911. كما عرفت الصحافة الإيطالية
والفرنسية أخصب فترة لها في تاريخ صدورها في تونس.