الحمد لله الذي خلّص قلوب عباده المتقين من ظُلْم الشهوات ، وأخلص عقولهم عن ظُلَم الشبهات
أحمده حمد من رأى آيات قدرته الباهرة ، وبراهين عظمته القاهرة ، وأشكره شكر من اعترف بمجده وكماله
واغترف من بحر جوده وأفضاله وأشهد أن لا إله إلا الله فاطر الأرضين والسماوات ، شهادة تقود قائلها إلى الجنات
وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله ، وحبيبه وخليله ، والمبعوث إلى كافة البريات ، بالآيات المعجزات
والمنعوت بأشرف الخلال الزاكيات صلى الله عليه وعلى آله الأئمة الهداة ، وأصحابه الفضلاء الثقات
وعلى أتباعهم بإحسان ، وسلم كثيرا
أما بعد :
فإن اصدق الحديث كتاب الله ، وأحسن الهدي هدي
محمد صلى الله عليه وسلم ، وشر الأمور محدثاتها،
وكل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار
ــــ أعاذنا الله وإياكم من النار ـ
يقول الله تعالى:
شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ ۚ
﴿البقرة: ١٨٥﴾
فكل مسلم ولله الحمد يزداد إقباله على تلاوة كتاب الله تعالى وتدبر آياته
بعد أن صفدت الشياطين وسلسلت
تاركة للعقل والقلب فرصة فهم المعاني وتدبر المقاصد
وهذه نعمة ومنة من الله على عباده وأوليائه...
فالمسلم يمر على آيات وآيات
ولعل اللبيب يفطن إلى أن لكل آية خطاب موجه مباشرة إلى قارئها
يحثه إما على اغتنام الفرص والتزود من الصالحات ليوم المعاد...
أو تحذير من مواقعة الذنوب واجتراح الخطايا والآثام...
أو دعوة للتدبر في ملكوت الله وعظمته وكبريائه...
فعلى القارئ الذي يريد أن ينتفع من تلاوات الآيات الكريمة
أن يتمعن جيدا في هذا الخطاب ويعلم أنه هو المقصود به
وليس أحد سواه...
فيسعى مباشرة إلى العمل بما جاء فيه.
وبذلك يكتسب نور الآية وضياءَها
ويسبح في خيراتها وينعم ويتلذذ بتكرارها
أما إذا لم يعمل بما جاء في خطاب الآية
أصابه من نارها وعذابها
*أعاذنا الله وإياكم من ذلك*
فالعمل بما جاء في الآيات نور يتلألأ
وترك العمل بما جاء فيها نار تتقد وتتوهج.
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
" من قرأ القرآن وعمل بما فيه أُلبس والداه تاجا يوم القيامة ضوءه أحسن من ضوء الشمس في بيوت الدنيا
لو كانت فيكم . فما ظنكم بالذي عمل بهذا " .
رواه أبو داوود
عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
" من قرأ القرآن واستظهره فأحل حلاله وحرم حرامه أدخله الله به الجنة وشفعه في عشرة من أهل بيته كلهم وجبت له النار "
رواه الترمذي
قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه:( لا يغرنكم مَنْ قرأ القرآن ، فإنما هو كلام يتكلم به ، ولكن انظروا من يعمل به )( صحيح الترغيب والترهيب ص ( 58 ))
وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال:( هتف العلم بالعمل فإن أجابه وإلا ارتحل)
قال معاذ بن جبل رضي الله عنه :( اعلموا ما شئتم أن تعلموا ، فلن يأجركم الله بعلمه حتى تعملوا )
قال الخطيب البغدادي - رحمه الله - :(
ثم إني موصيك يا طالب العلم! بإخلاص النية في طلبه ، وإجهاد النفس على
العمل بموجبه ، فإن العلم شجرة ، والعمل ثمرة ، وليس يعد عالماً من لم يكن
بعلمه عاملاً)