[center]
البيان بما جاء في شهر شعبان الحَمْدَ للهِ؛ نَحْمَدُهُ ونَسْتَعِينُهُ ونَسْتَغْفِرُهُ، ونَعوذُ باللهِ مِنْشُرُورِ أَنْفُسِنَا ومِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا ؛ مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلا هَادِيَ لَه وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ -وَحْدَهُ لاشَرِيْكَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ ورَسُوْلُهُ:
أَمَّا بَعْدُ:
فَإِنَّ مِنَ المقرّر عند أَهلِ السنَّةوالجماعةِ أَنَّ العملَ الصالح لا يتقبَّلهُ اللهُ -جلَّ وعلا- إِلاَّ بشرطينِ اثنينِ:
أَوَّلُهُمَا: أَنْ تكونَ النِّيَّةُ خالِصَةً لوجههِ الكريمِ ؛ لقولِه -تعالى-: (( وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعبُدوا اللهَ مُخلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ)).
ثَانِيهمَا: أَن تَكون العبَادةُ وَفْقَ مَا شَرَعَ اللهُ -سبحانه- في كتابه ، أو بيّنَهُ نبيُّهُ -صلى الله عليه وسلم- في سنَّتِهِ؛ لقَولِهِ -تعالى-: (( فَمَن كانَ يرجُو لِقَاء رَبِّه فليعْمَلْ عمَلاً صَالِحًا ولايُشْرِك بِعِبَادَةِ ربِّهِ أَحدًا )).
قالَ الحافِظُ ابنُ كثيرٍ: (( وهذانِ ركنا العملِ المتقَبَّلِ، لا بُدَّ أن يكون خالصًا للهِ، صوابًا على شريعةِ رسولِ الله -صلى الله عليه وسلم-، ورُوي مثل هذا عن الفُضيل بن عِيَاض -رحمه الله- وغيره)).
وقال سماحةُ الشيخِ العلاَّمَةِ: عبد العزيزِ بن بازٍ -رحمه الله- فيرسالتهِ: [التحذير مِن البدع]:((... أكملَ اللهُ لهذه الأمة دينَها، وأتمَّ عليها نعمتَه، ولم يتوفَّ نبيَّه -عليه الصلاة والسلام- إلاَّ بعدما بلّغَ البلاغَ المبينَ، وبيَّنَ للأمة كلَّ ما شرَعَهُ اللهُ لها مِنْ أَقوالٍ وأعمالٍ، وأوضحَ -صلى الله عليه وسلم- أنَّ كلَّ ما يُحدِثُهُ النَّاس بعدَهُ وينسِبونَهُ إلى دين الإسلامِ مِن أقوالٍ وأعمالٍ؛ فكلُّهُ بدعة مردودةٌ على مَن أَحدثَه، ولو حَسُنَ قصدُهُ.
وقد عَرَفَ أصحابُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- هذا الأمرَ، وهكذا علماءُ الإسلامِ بعدهم؛ فأَنكروا البدَعَ وحذَّروا منْها؛ كما ذكرَ ذلكَ كلُّ مَنصنَّفَ في تعظيمِ السنَّةِ، وإِنكارِ البدعَةِ -كابنِ وضَّاحٍ والطَّرطوشِيِّ وأبي شامة وغيرِهمِ-))[ ص 13 – 14 ].
ولمَّا كان هذا الزَّمانُ عينَ ما أخبر به النبي -صلى الله عليه وسلم-، من أَنَّه زمان الغربة، القابض فيه على دينه كالقابض على جمرٍ: ظهرتْ فيه البدعُ؛ في العبادات والعقائد والمعاملات والسلوكيّات؛ حتى مارس كثيرٌ مِن الناس الشركَ ظانِّينَ أنَّه توحيدٌ، وتعبَّدوا بعباداتٍ مخترعةٍ لم تُشرع لا في كتابٍ ولا سنَّة صحيحة، ولا أُثِرَتْ عن السلف الصالح، وما ذلكَ إلاَّ بسببِ التَّقليدِ الأعمى لبعض المتقوِّلين والمتعالمينَ.
قالَ سفيَانُ الثوريُّ: ((كانوا يتعَوَّذونَ بالله مِن شرِّ فتنةِ العالِمِ، ومِن شَرِّ فتنةِ العابدِالجاهلِ؛ فإِنَّ فتنتَهُما فتنَةٌ لكلِّ مفتونٍ)).[ الحوادث والبدع ص 49 – مختصرة للطرطوشي رحمه الله].
ولذا؛ وجب على أهلِ العلم أَن يُجَرِّدوا صارمَ العزمِ، وأن يمتشِقوا حُسَامَ العلمِ؛ مخلصين للهِ القولَ،وصادقي النُّصحِ للمسلمين: للذّبِ عن حِيَاض الإسلامِ؛ إِنكارًا للحوادثِ القبيحة،وإِحياءً لما اندرسَ من السنن الصحيحة؛ لِعِظَمِ الميثَاقِ الذي أَخذهُ اللهُ -سبحانَه وتعالى- عليهم في النصح والبيان، والتعريفِ والإصلاح؛ قال -تعالى-: {وإِذْ أَخذَ الله ميثاقَ الَّذينَ أُوتُوا الكتابَ لتُبَيِّنُنَّهُ للنَّاسِ ولا تَكتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِه ثَمَنًا قليلاً فَبِئْسَ ما يَشْتَرُونَ }. [ آل عمران:187].
ومِن هَذه البدعِ -وهي كثيرةٌ -وللأسف!-؛ البدعُ المتعلِّقةُ بشهري رجبٍ وشعبانَ، وما يتّصل بهما مِن أُمورٍمُحْدَثةٍ مبتدعةٍ -ما أنزل الله بها من سُلطان.
وما اختيارُنَا لهذينِ الشهرينِ -في هذا المقام-إِلاَّ من بابِ بيان واجبِ الوقتِ وفرضهِ.وقد تقرّرعند أَهلِ الأُصولِ تقعيدُهم المشهور: ( لا يجوز تأخِيرُ البيانِ عن وقت الحاجةِ)[ مقدمة التحذير والبيان لبعض بدع شهري رجب وشعبان].
وقد تكلمنا فيما مضى عن بدع شهر رجب وها نحن اليوم نكمل الحديث عن شهر شعبان وما جاء فيه من مخالفات لهدي النبي صلى الله عليه وسلم.
وسنقتصر في هذه الصفحات على نقاط رئيسية هي:
1- فتاوى العلماء الأكابر فيما يخص شهر شعبان.
2- بعض البدع التي تقع في شهر شعبان.
3- ذكر الأحاديث الصحيحة والضعيفة والموضوعة التي تتعلق بشهر شعبان.
أولا: فتاوى العلماء الأكابر فيما يخص شهر شعبان
العلامة ابن باز رحمه الله:
حكم الاحتفال بليلة النصف من شعبان
الحمد لله الذي أكمل لنا الدين وأتم علينا النعمة, والصلاة والسلام على نبيه ورسوله محمد نبي التوبة والرحمة.
أما بعد: فقد قال الله تعالى: { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا }[المائدة:3], وقال تعالى: { أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ }[ الشورى:21]. وفي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد »وفي صحيح مسلم عن جابر رضي الله عنه, أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول في خطبة الجمعة: « أما بعد: فإن خير الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة
» والآيات والأحاديث في هذا المعنى كثيرة, وهي تدل دلالة صريحة على أن
الله سبحانه وتعالى قد أكمل لهذه الأمة دينها, وأتم عليها نعمته, ولم يتوف
نبيه عليه الصلاة والسلام إلا بعد ما بلغ البلاغ المبين, وبين للأمة كل ما
شرعه الله لها من أقوال وأعمال, وأوضح صلى الله عليه وسلم أن كل ما يحدثه
الناس بعده وينسبونه إلى دين الإسلام من أقوال أو أعمال, فكله بدعة مردود
على من أحدثه, ولو حسن قصده, وقد عرف أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم
الأمر, وهكذا علماء الإسلام بعدهم, فأنكروا البدع وحذروا منها, كما ذكر ذلك
كل من صنف في تعظيم السنة وإنكار البدعة ، كابن وضاح , والطرطوشي , وأبي
شامة وغيرهم.
ومن البدع التي أحدثها بعض الناس: بدعة الاحتفال بليلة النصف من شعبان, وتخصيص يومها بالصيام , وليس
على ذلك دليل يجوز الاعتماد عليه, وقد ورد في فضلها أحاديث ضعيفة لا يجوز
الاعتماد عليها, أما ما ورد في فضل الصلاة فيها, فكله موضوع,
كما نبه على ذلك كثير من أهل العلم, وسيأتي ذكر بعض كلامهم إن شاء الله .
وورد فيها أيضا آثار عن بعض السلف من أهل الشام وغيرهم, والذي أجمع عليه
جمهور العلماء أن الاحتفال بها بدعة, وأن الأحاديث الواردة في فضلها كلها
ضعيفة, وبعضها موضوع, وممن نبه على ذلك الحافظ ابن رجب , في كتابه: (لطائف
المعارف) وغيره, والأحاديث الضعيفة إنما يعمل بها في العبادات التي قد ثبت
أصلها بأدلة صحيحة, أما الاحتفال بليلة النصف من شعبان, فليس له أصل صحيح حتى يستأنس له بالأحاديث الضعيفة.
وقد
ذكر هذه القاعدة الجليلة الإمام: أبو العباس شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه
الله. وأنا أنقل لك: أيها القارئ, ما قاله بعض أهل العلم في هذه المسألة ,
حتى تكون على بينة في ذلك, وقد أجمع العلماء رحمهم الله على أن الواجب: رد
ما تنازع فيه الناس من المسائل إلى كتاب الله عز وجل, وإلى سنة رسول الله
صلى الله عليه وسلم , فما حكما به أو أحدهما فهو الشرع الواجب الإتباع, وما
خالفهما وجب اطراحه, وما لم يرد فيهما من العبادات فهو بدعة لا يجوز فعله,
فضلا عن الدعوة إليه وتحبيذه, كما قال سبحانه في سورة النساء {
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ
وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ
إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ
وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا }[ النساء:59]. وقال تعالى: { وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ }[ الشورى:10], وقال تعالى: { قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ }[ آل عمران: 31] , وقال عز وجل: { فَلَا
وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ
ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ
وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا
}[ النساء:65]. والآيات في هذا المعنى كثيرة, وهي نص في وجوب رد مسائل
الخلاف إلى الكتاب والسنة, ووجوب الرضى بحكمهما, وأن ذلك هو مقتضى الإيمان,
وخير للعباد في العاجل والآجل, وأحسن تأويلا: أي عاقبة.
قال الحافط ابن رجب - رحمه الله - في كتابه: (لطائف المعارف) في هذه المسألة - بعد كلام سبق- ما نصه:
( وليلة النصف من شعبان
كان التابعون من أهل الشام ; كخالد بن معدان , ومكحول , ولقمان بن عامر
وغيرهم, يعظمونها ويجتهدون فيها في العبادة, وعنهم أخذ الناس فضلها
وتعظيمها, وقد قيل: إنه بلغهم في ذلك آثار إسرائيلية, فلما اشتهر ذلك عنهم
في البلدان, اختلف الناس في ذلك فمنهم من قبله منهم, ووافقهم على تعظيمها,
منهم طائفة من عباد أهل البصرة وغيرهم, وأنكر ذلك أكثر علماء الحجاز ,
منهم: عطاء , وابن أبي مليكة , ونقله عبد الرحمن بن زيد بن أسلم , عن فقهاء
أهل المدينة , وهو قول أصحاب مالك وغيرهم, وقالوا: ذلك كله بدعة .
واختلف علماء أهل الشام في صفة إحيائها على قولين:
أحدهما:
أنه يستحب إحياؤها جماعة في المساجد. كان خالد بن معدان ولقمان بن عامر
وغيرهما يلبسون فيها أحسن ثيابهم, ويتبخرون ويتكحلون, ويقومون في المسجد
ليلتهم تلك, ووافقهم إسحاق بن راهويه على ذلك, وقال في قيامها في المساجد
جماعة: ليس ذلك ببدعة, نقله حرب الكرماني في مسائله.
والثاني:
أنه يكره الاجتماع فيها في المساجد للصلاة والقصص والدعاء, ولا يكره أن
يصلي الرجل فيها لخاصة نفسه, وهذا قول الأوزاعي إمام أهل الشام وفقيههم
وعالمهم, وهذا هو الأقرب إن شاء الله تعالى, إلى أن قال: ولا يعرف للإمام
أحمد كلام في ليلة نصف شعبان,
ويتخرج في استحباب قيامها عنه روايتان: من الروايتين عنه في قيام ليلتي
العيد, فإنه (في رواية) لم يستحب قيامها جماعة ؛ لأنه لم ينقل عن النبي صلى
الله عليه وسلم وأصحابه, واستحبها (في رواية), لفعل عبد الرحمن بن يزيد بن
الأسود لذلك وهو من التابعين , فكذلك قيام ليلة النصف, لم يثبت فيها شيء
عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه, وثبت فيها عن طائفة من
التابعين من أعيان فقهاء أهل الشام ).
انتهى
المقصود من كلام الحافظ ابن رجب رحمه الله, وفيه التصريح منه بأنه لم يثبت
عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه رضي الله عنهم شيء في ليلة
النصف من شعبان,
وأما ما اختاره الأوزاعي رحمه الله من استحباب قيامها للأفراد, واختيار
الحافظ ابن رجب لهذا القول, فهو غريب وضعيف ؛ لأن كل شيء لم يثبت بالأدلة
الشرعية كونه مشروعا, لم يجز للمسلم أن يحدثه في دين الله, سواء فعله مفردا
أو في جماعة, وسواء أسره أو أعلنه؛ لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم : «
من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد » وغيره من الأدلة الدالة على إنكار البدع والتحذير منها.
وقال الإمام أبو بكر الطرطوشي رحمه الله في كتابه: (الحوادث والبدع) ما نصه:
( وروى ابن وضاح عن زيد بن أسلم , قال: ما أدركنا أحدا من مشيختنا ولا فقهائنا يلتفتون إلى النصف من شعبان,
ولا يلتفتون إلى حديث مكحول , ولا يرون لها فضلا على ما سواها). وقيل لابن
أبي مليكة : إن زيادا النميري يقول: (إن أجر ليلة النصف من شعبان كأجر ليلة القدر), فقال: (لو سمعته وبيدي عصا لضربته) وكان زياد قاصا , انتهى المقصود
وقال العلامة: الشوكاني رحمه الله في: (الفوائد المجموعة) ما نصه:
( حديث: « يا علي من صلى مائة ركعة ليلة النصف من شعبان يقرأ في كل ركعة بفاتحة الكتاب وقل هو الله أحد عشر مرات قضى الله له كل حاجة
» إلخ . هو موضوع, وفي ألفاظه المصرحة بما يناله فاعلها من الثواب ما لا
يمتري إنسان له تمييز في وضعه, ورجاله مجهولون, وقد روي من طريق ثانية
وثالثة كلها موضوعة ورواتها مجاهيل, وقال في: (المختصر): حديث صلاة نصف شعبان باطل, ولابن حبان من حديث علي : ( « إذا كان ليلة النصف من شعبان فقوموا ليلها, وصوموا نهارها » , ضعيف وقال في: (اللآلئ): « مائة ركعة في نصف شعبان بالإخلاص عشر مرات » مع طول فضله, للديلمي وغيره موضوع, وجمهور رواته في الطرق الثلاث مجاهيل ضعفاء ، قال: « واثنتا عشرة ركعة بالإخلاص ثلاثين مرة » موضوع « وأربع عشرة ركعة » موضوع.
وقد اغتر بهذا الحديث جماعة من الفقهاء كصاحب (الإحياء) وغيره وكذا من المفسرين, وقد رويت صلاة هذه الليلة - أعني: ليلة النصف من شعبان
- على أنحاء مختلفة كلها باطلة موضوعة, ولا ينافي هذا رواية الترمذي من
حديث عائشة لذهابه صلى الله عليه وسلم إلى البقيع , ونزول الرب ليلة النصف
إلى سماء الدنيا, وأنه يغفر لأكثر من عدة شعر غنم بني كلب , فإن الكلام
إنما هو في هذه الصلاة الموضوعة في هذه الليلة, على أن حديث عائشة هذا فيه
ضعف وانقطاع, كما أن حديث علي الذي تقدم ذكره في قيام ليلها, لا ينافي كون
هذه الصلاة موضوعة, على ما فيه من الضعف حسبما ذكرناه ) انتهى المقصود.
وقال الحافظ العراقي : ( حديث
صلاة ليلة النصف موضوع على رسول الله صلى الله عليه وسلم وكذب عليه , وقال
الإمام النووي في كتاب: (المجموع): ( الصلاة المعروفة بصلاة الرغائب, وهي
اثنتا عشرة ركعة بين المغرب والعشاء, ليلة أول جمعة من رجب, وصلاة ليلة
النصف من شعبان
مائة ركعة, هاتان الصلاتان بدعتان منكرتان, ولا يغتر بذكرهما في كتاب:
(قوت القلوب), و(إحياء علوم الدين), ولا بالحديث المذكور فيهما, فإن كل ذلك
باطل, ولا يغتر ببعض من اشتبه عليه حكمهما من الأئمة فصنف ورقات في
استحبابهما, فإنه غالط في ذلك ) .
وقد
صنف الشيخ الإمام: أبو محمد عبد الرحمن بن إسماعيل المقدسي كتابا نفيسا في
إبطالهما, فأحسن فيه وأجاد, وكلام أهل العلم في هذه المسألة كثير جدا, ولو
ذهبنا ننقل كل ما اطلعنا عليه من كلام في هذه المسألة, لطال بنا الكلام,
ولعل فيما ذكرنا كفاية ومقنعا لطالب الحق.
ومما تقدم من الآيات والأحاديث وكلام أهل العلم, يتضح لطالب الحق أن الاحتفال بليلة النصف من شعبان بالصلاة أو غيرها, وتخصيص يومها بالصيام بدعة منكرة عند أكثر أهل العلم, وليس له أصل في الشرع المطهر, بل هو مما حدث في الإسلام بعد عصر الصحابة رضي الله عنهم, ويكفي طالب الحق في هذا الباب وغيره قول الله عز وجل: { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ } وما جاء في معناها من الآيات, وقول النبي صلى الله عليه وسلم: « من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد » وما جاء في معناه من الأحاديث, وفي صحيح مسلم عن
أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « لا
تخصوا ليلة الجمعة بقيام من بين الليالي ولا تخصوا يومها بالصيام من بين
الأيام إلا أن يكون في صوم يصومه أحدكم »
فلو كان تخصيص شيء من الليالي, بشيء من العبادة جائزا, لكانت ليلة الجمعة
أولى من غيرها؛ لأن يومها هو خير يوم طلعت عليه الشمس, بنص الأحاديث
الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم , فلما حذر النبي صلى الله عليه
وسلم من تخصيصها بقيام من بين الليالي, دل ذلك على أن غيرها من الليالي من
باب أولى, لا يجوز تخصيص شيء منها بشيء من العبادة, إلا بدليل صحيح يدل على
التخصيص.
ولما
كانت ليلة القدر وليالي رمضان يشرع قيامها والاجتهاد فيها, نبه النبي صلى
الله عليه وسلم على ذلك, وحث الأمة على قيامها, وفعل ذلك بنفسه, كما في
الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: « من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه ومن قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه » فلو كانت ليلة النصف من شعبان,
أو ليلة أول جمعة من رجب أو ليلة الإسراء والمعراج يشرع تخصيصها باحتفال
أو شيء من العبادة, لأرشد النبي صلى الله عليه وسلم الأمة إليه, أو فعله
بنفسه, ولو وقع شيء من ذلك لنقله الصحابة رضي الله عنهم إلى الأمة, ولم
يكتموه عنهم, وهم خير الناس, وأنصح الناس بعد الأنبياء عليهم الصلاة
والسلام, ورضي الله عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأرضاهم, وقد
عرفت آنفا من كلام العلماء أنه لم يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ,
ولا عن أصحابه رضي الله عنهم شيء في فضل ليلة أول جمعة من رجب, ولا في ليلة
النصف من شعبان,
فعلم أن الاحتفال بهما بدعة محدثة في الإسلام, وهكذا تخصيصها بشيء من
العبادة, بدعة منكرة, وهكذا ليلة سبع وعشرين من رجب, التي يعتقد بعض الناس
أنها ليلة الإسراء والمعراج, لا يجوز تخصيصها بشيء من العبادة, كما لا يجوز
الاحتفال بها, للأدلة السابقة, هذا لو علمت, فكيف والصحيح من أقوال
العلماء أنها لا تعرف, وقول من قال: أنها ليلة سبع وعشرين من رجب, قول باطل
لا أساس له في الأحاديث الصحيحة, ولقد أحسن من قال:
وخير الأمور السالفات على الهدى ... وشر الأمور المحدثات البدائع
والله
المسؤل أن يوفقنا وسائر المسلمين للتمسك بالسنة والثبات عليها, والحذر مما
خالفها, إنه جواد كريم, وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى
آله وصحبه أجمعين.[ جموع فتاوى العلامة عبد العزيز بن باز رحمه الله ج 1 ص 186].
فقيه الزمان محمد بن صالح العثيمين رحمه الله:
السؤال:
سمعت بعض أهل العلم يُرغِّب في صيام النصف من شهر شعبان ويذكر أن الرسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصوم ثلاثة أيام من كل شهر ومن ضمن هذه الأيام النصف من شعبان ولذا فهو سنة وليس ببدعة وأيضاً الاحتفال بأيام شعبان لأنها الأيام التي تحولت فيها القبلة من بيت المقدس إلى المسجد الحرام أجيبونا أجابة مفصلة حول هذا الموضوع؟
فأجاب رحمه الله تعالى:
أما صيام النصف من شعبان بناءً على أنه أحد أيام البيض التي أمرنا بصيامها وهي الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر فإذا صام الإنسان أيام البيض في شعبان
فإنه كصيامها في رجب وفي جمادى وفي ربيع وفي صفر وفي محرم وفي ذي القعدة
ولكن كونه يخصص يوم النصف فقط هذا لا يدل على أنه صامه من أيام البيض بل
يدل على أنه صامه لأنه يوم النصف من شعبان وهذا يحتاج إلى دليل والحديث الوارد في هذا ضعيف وعلى هذا فلا يسن للإنسان أن يخصص يوم النصف من شعبان بالصيام وأما ما ذكره من الاحتفال بأيام شعبان لأن القبلة حولت فيه هذا يحتاج أولاً إلى صحة النقل لأن القبلة تحولت في شعبان
وعلى تقدير صحة ذلك فإنه لا يجوز اتخاذ هذه الأيام عيداً يحتفل فيه فإن
هذه الأيام التي حولت فيها الكعبة قد مرت على النبي صلى الله عليه وسلم
وعلى أصحابه ومع هذا لم يكونوا يحتفلون بها والواجب على المسلمين أن يتبعوا
آثار من سلف من الصحابة والتابعين لهم بإحسان وألا يغتروا بما يعمله الناس
اليوم فإن كثيراً منها خارج عن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو محدث
وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام (كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة).[ فتاوى نور على الدرب].
السؤال
هل هناك سنة مشروعة في ليلة النصف من شعبان, فقد رأينا نشرة مضمنة ببعض الأحاديث في فضل هذه الليلة, قد صحح بعض هذه الأحاديث بعض المحدثين؟
الجواب
الصحيح أن جميع ما ورد فضل ليلة النصف من شعبان
ضعيف لا تقوم به حجة, ومنها أشياء موضوعة, ولم يعرف عن الصحابة أنهم كانوا
يعظمونها, ولا أنهم كانوا يخصونها بعمل, ولا يخصون يوم النصف بصيام, وأكثر
من كانوا يعظمونها أهل الشام -التابعون ليس الصحابة- والتابعون في الحجاز
أنكروا عليهم أيضاً, قالوا: لا يمكن أن نعظم شيئاً بدون دليل صحيح.
فالصواب: أن ليلة النصف من شعبان
كغيرها من الليالي، لا تخص بقيام, ولا يوم النصف بصيام, لكن من كان يقوم
كل ليلة, فلا نقول: لا تقم ليلة النصف, ومن كان يصوم أيام البيض لا نقول:
لا تصم أيام النصف, إنما نقول: لا تخص ليلها بقيام ولا نهارها بصيام.[ لقاءات الباب المفتوح].
السؤال
فضيلة الشيخ: هل هناك أحاديث صحيحة ثابتة في فضل كل من شهر رجب وشعبان وفضل الصوم فيهما؟
الجواب
لا.
لم
يرد في فضل رجب حديثٌ صحيح، وأجود ما فيه كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية
أجود ما فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول إذا دخل رجب: ( اللهم بارك لنا في رجب وشعبان، وبلغنا رمضان )
على أن الحديث هذا أيضاً متكلم فيه، وعلى هذا فلا يمتاز شهر رجب عن جمادى
الآخرة الذي قبله إلا بأنه من الأشهر الحرم فقط، وإلا ليس فيه صيام مشروع،
ولا صلاة مشروعة، ولا عمرة مشروعة ولا شيء، هو كغيره من الشهور.
أما شعبان فنعم يمتاز عن غيره بأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكثر صومه، بل كان يصومه كله إلا قليلاً، فينبغي الإكثار من الصيام في شعبان.[ لقاءات الباب المفتوح].
السؤال
بعض النساء في ليلة النصف من شعبان كل عام تقوم بصنع طعام وتتصدق به، وتعتقد في ذلك اعتقاد أن له مزية وأن له فضلاً؟
الجواب
بعض الناس في النصف من شعبان يعمل الطعام ويتصدق به على الفقراء، يظن أن لهذا اليوم مزية في الصدقة وليس كذلك، الواقع أن هذه من البدع، وأن نصف شعبان
ما له مزية هو كغيره من أنصاف الشهور، ليس فيه شيء إلا أنه إذا كان يصوم
البيض صام النصف فقط، وأما تخصيص ليلة النصف بقيام أو يوم النصف بصيام فلا
أصل له، ولم يثبت عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في ذلك شيء.
والمرأة يجب عليها أن تمتثل وألا تتصدق بعد أن علمت أن هذا من البدع وليس وارداً.
السائل: وإذا لم تمتنع؟ الشيخ: سبحان الله! إذا لم يمتنع المبتدع الآخر من بدعته ماذا نعمل؟ إذا بينا للناس فما علينا إلا البلاغ.[ المرجع السابق].
العلامة الفوزان حفظه الله:
السؤال:
هل ورد نص قرآني أو حديث نبوي يفيد قيام ليلة النصف من شعبان وصيام نهاره ؟ وإذا كان ذلك واردًا هل هناك كيفية معينة لقيام ليلة النصف من شعبان ؟
الجواب:
إنه لم يثبت عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بخصوص ليلة النصف من شعبان ولا صيام اليوم الخامس عشر من شعبان، لم يثبت عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ دليل يعتمد عليه، فليلة النصف من شعبان
كغيرها من الليالي، من كان له عادة القيام والتهجد من الليل فإنه يقوم
فيها كما يقوم في غيرها، من غير أن يكون لها ميزة، لأن تخصيص وقت بعبادة من
العبادات لابد له من دليل صحيح، فإذا لم يكن هناك دليل صحيح، فتخصيص بعض
الأوقات بنوع من العبادة يكون بدعة، وكل بدعة ضلالة .
وكذلك لم يرد في صيام اليوم الخامس عشر من شعبان أو يوم النصف من شعبان، لم يثبت دليل عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقتضي مشروعية صيام ذلك اليوم،
ومادام أنه لم يثبت فيه شيء بخصوصه، فتخصيصه بالصيام بدعة؛ لأن البدعة هي
ما لم يكن له دليل من كتاب الله ولا من سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، مما
يزعم فاعله أنه يتقرب فيه إلى الله عز وجل، لأن العبادات توقيفية، لابد
فيها من دليل من الشارع .
أما ما ورد من الأحاديث في هذا الموضوع فكلها ضعيفة،
كما نص على ذلك أهل العلم، فلا يثبت بها تأسيس عبادة، لا بقيام تلك
الليلة، ولا بصيام ذلك اليوم، لكن من كان من عادته أنه يصوم الأيام البيض،
فإنه يصومها في شعبان كما يصومها في غيره، أو من كان من عادته أنه يصوم يوم الاثنين ويوم الخميس وصادف ذلك النصف من شعبان فإنه لا حرج عليه أن يصوم على عادته، لا على أنه خاص بهذا اليوم، وكذلك من كان يصوم من شعبان
صيامًا كثيرًا كما كان النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يصوم ويكثر الصيام من
هذا الشهر ، لكنه لم يخص هذا اليوم، الذي هو الخامس عشر، لم يخصه بصيام
فإنما يدخل تبعًا .
الحاصل أنه لم يثبت بخصوص ليلة النصف من شعبان دليل يقتضي إحياءها بالقيام، ولم يثبت كذلك في يوم الخامس عشر من شعبان
دليل يقتضي تخصيصه بالصيام، فما يفعله بعض الناس خصوصًا العوام في هذه
الليلة أو في هذا اليوم هذا كله بدعة يجب النهي عنه، والتحذير منه، وفي
العبادات الثابتة عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ من الصلوات والصيام، ما
يغني عن هذا المحدثات، والله تعالى أعلم .
السؤال:
هل يشرع قيام النصف من شعبان وصيام الخامس عشر منه ؟
الجواب:
لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم بقيام ليلة النصف من شعبان بخصوصها ولا بصيام اليوم الخامس عشر من شعبان بخصوصه؛ لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم شيء يعتمد عليه .
فليلة النصف من شعبان
كغيرها من الليالي : إن كان له عادة القيام في الليل؛ فإنه يقوم فيها كما
يقوم في غيرها؛ دون أن يكون لها ميزة؛ لأن تخصيص وقت لعبادة من العبادات
لابد له من دليل صحيح؛ فإذا لم يكن هناك دليل صحيح؛ فإن ذلك يكون بدعة، وكل
بدعة ضلالة .
وكذلك لم يرد في صيام يوم الخامس عشر من شعبان، أو النصف من شعبان بخصوصه دليل عن النبي صلى الله عليه وسلم يقتضي مشروعية صيام ذلك اليوم .
أما
ما ورد من الأحاديث في هذا الموضوع؛ فكلها ضعيفة؛ كما نص على ذلك أهل
العلم، ولكن مَن كان من عادته أن يصوم الأيام البيض؛ فإنه يصومها في شعبان
كما يصومها في غيره، لا على أنه خاص بهذا اليوم؛ كما كان صلى الله عليه
وسلم يصوم ويكثر الصيام في هذا الشهر، لكنه لم يخص هذا اليوم، وإنما يدخل
تبعًا . [ المنتقى من فتاوى الفوزان].
العلامة عبد الرزاق العفيفي رحمه الله:
سئل الشيخ : عن تخصيص ليلة النصف من شعبان بصيام او قيام ؟
فقال الشيخ - رحمه الله - : كل ما ورد فى ليلة النصف من شعبان ضعيف .[ فتاوى الشيخ عبد الرزاق عفيفي].
العلامة عبد الله بن عقيل:
السؤال:
يسأل رجل عن حكم تقدم الإنسان بالصيام أياما من شعبان
قبل رمضان اجتهادا منه في العبادة: هل يجوز أم لا؟ ويقول: إذا قلتم: إن
ذلك لا يجوز. فما الحكمة في المنع منه، مع أنه عمل خير وطاعة لله؟
الإجابة:
الحمد
لله. نلخص لك الجواب مما أورده الحافظ زين الدين بن رجب الحنبلي في كتابه
"لطائف المعارف" قال: في "الصحيحين" عن أبي هريرة -رضي الله عنه-عن النبي
صلى الله عليه وسلم قال: "لا تَقَدّموا رمضان بيوم أو يومين إلا مَنْ كان يصوم صوما فليصمْه" ، وفي رواية : "إلا أن يوافق ذلك صوما كان يصومه أحدُكم" .
وحديث
أبي هريرة هذا هو المعمول به في هذا الباب عند جماهير العلماء، وأنه يكره
التقدم قبل رمضان بالتطوع بالصيام بيوم أو يومين، لمن ليس له به عادة، ولا
سَبَق منه صيام قبل ذلك في شعبان متصلا بآخره.
ولكراهة التقدم ثلاثة معان:
أحدها:
أنه على وجه الاحتياط لرمضان، فينهى عن التقدم قبله؛ لئلا يزاد في صيام
رمضان ما ليس منه، كما نهي عن صيام يوم العيد لهذا المعنى؛ حذرا مما وقع
فيه أهل الكتاب في صيامهم، فزادوا فيه بآرائهم وأهوائهم. وخرّج الطبراني
وغيره عن عائشة -رضي اللَّه عنها- قالت: إن
أناسا كانوا يتقدمون الشهر فيصومون قَبْل النبي صلى الله عليه وسلم فأنزل
اللَّه -عزوجل-: {يَأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ لاَ تُقَدِّمُواْ بَيْنَ
يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} ؛ ولهذا نهي عن صيام يوم الشك. قال عمار: من صامه فقد عصى أبا القاسم صلى الله عليه وسلم .
والمعنى الثاني:
أنه للفصل بين صيام الفرض والنفل. فإن جنس الفصل بين الفرائض والنوافل
مشروع؛ ولهذا حرم صيام يوم العيد. ونهى النبي صلى الله عليه وسلم أن توصل
صلاة مفروضة بصلاة حتى يفصل بينهما بسلام أو كلام. وخصوصا سنة الفجر قبلها،
فإنه يُشرع الفصل بينها وبين الفريضة؛ ولهذا يشرع صلاتها في البيت
والاضطجاع بعدها. ولما رأى النبي صلى الله عليه وسلم رجلا يصلي وقد أقيمت صلاة الفجر قال له: "آلصبح أربعا؟" . وفي "المسند" أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: افصلوا بينها وبين المكتوبة، ولا تجعلوها كصلاة الظهر" . وفي سنن أبي داود أن رجلا صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم فلما سلم، قام يَشْفَع، فوثب عليه عمر، فأخذ بمنكبيه فهزه، ثم قال: اجلس؛
فإنه لم يَهْلِك أهل الكتاب إلا أنه لم يكن لصلاتهم فصل. فرفع النبي صلى
الله عليه وسلم بصره. فقال: "أصاب اللَّه بك يا ابن الخطاب" .
والمعنى الثالث:
أنه أمر بذلك للتَّقَوِّي على صيام رمضان؛ فإن مواصلة الصيام قد تُضْعِف
عن صيام الفرض. فإذا حصل الفطر قبله بيوم أو يومين كان أقرب إلى
التَّقَوِّي على صيام رمضان. فالفطر بنية التقَوِّي لصيام رمضان. حَسَنٌ
لمن أضعفه مواصلةُ الصيام، كما كان عبد اللَّه بن عمرو بن العاص يَسْرُد
الفطر أحيانا، ثم يسرد الصوم؛ ليتقوى بفطره على صومه. ومنه قول بعض
الصحابة: إني أحتسب نومتي كما أحتسب قومتي. ولربما ظن بعض الجهال أن الفطر
قبل رمضان يراد به اغتنام الأكل لتأخذ النفوس حظها من الشهوات قبل أن تمنع
من ذلك بالصيام؛ولهذا يقولون: هي أيام توديع للأكل،وتسمى تنحيسا. واشتقاقه
من الأيام النحسات.ومن قال: هو تنهيس -بالهاء- فهو خطأ منه. ذكره ابن
درستويه النحوي. وذكر أن أصل ذلك مُتَلَقًّى من النصارى، فإنهم يفعلونه عند
قرب صيامهم. وهذا كله خطأ، وجهل ممن ظنه.
وربما
لم يقتصر كثير منهم على اغتنام الشهوات المباحة، بل يتعدى إلى المحرمات.
وهذا هو الخسران المبين. والعياذ باللَّه من ذلك. انتهى.[ فتاوى الشيخ عبد الله بن عقيل ].
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء:
السؤال:
يقول بعض العلماء إنه وردت أحاديث في فضيلة نصف شعبان
وصيامه وإحياء ليلة النصف منه هل هذه الأحاديث صحيحة أو لا؟ إن كان هناك
صحيح فبينوه لنا بيانا شافيا، وإن كان غير ذلك فأرجو منكم الإيضاح، أثابكم
الله؟
الجواب:
وردت أحاديث صحيحة في فضيلة صوم أيام كثيرة عن شعبان إلا أنها لم تخص بعضا من أيامه دون بعض، فمنها ما في الصحيحين أن عائشة رضي الله عنها قالت: « ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم استكمل صيام شهر قط إلا رمضان، وما رأيته في شهر أكثر صياما منه في شعبان، فكان يصوم شعبان كله إلا قليلا »[ صحيح البخاري الصوم (1869),صحيح مسلم الصيام (782)] ، وفي حديث أسامة بن زيد أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم: « لم
أرك تصوم من الشهور ما تصوم من شعبان، قال: ذاك شهر يغفل الناس عنه بين
رجب ورمضان، وهو شهر ترفع الأعمال فيه إلى رب العالمين، فأحب أن يرفع عملي
وأنا صائم »[ مسند أحمد بن حنبل (5/201)] رواه الإمام أحمد ، والنسائي.
ولم
يصح حديث أنه صلى الله عليه وسلم كان يتحرى صيام يوم بعينه من شعبان، أو
كان يخص أياما منه بالصوم، لكن وردت أحاديث ضعيفة في قيام ليلة النصف من شعبان وصيام نهارها، منها ما رواه ابن ماجه في سننه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: « إذا كان ليلة نصف شعبان
فقوموا ليلها وصوموا نهارها، فإن الله تعالى ينزل فيها لغروب الشمس إلى
سماء الدنيا، فيقول: ألا مستغفر فأغفر له، ألا مسترزق فأرزقه، ألا مبتلى
فأعافيه ألا كذا حتى يطلع الفجر »[ سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (1388)] ، وقد صحح ابن حبان بعض ما ورد من الأحاديث في فضل إحياء ليلة النصف من شعبان، من ذلك ما رواه في صحيحه، عن عائشة أنها قالت: « فقدت
رسول الله صلى الله عليه وسلم، فخرجت فإذا هو في البقيع رافع رأسه، فقال:
أكنت تخافين أن يحيف الله عليك ورسوله؟ فقلت: يا رسول الله، ظننت أنك أتيت
بعض نسائك، فقال: إن الله تبارك وتعالى ينزل ليلة النصف من شعبان إلى سماء الدنيا فيغفر لأكثر من عدد شعر غنم كلب »، وقد ضعف البخاري وغيره هذا الحديث، وأكثر العلماء يرون ضعف ما ورد في فضل ليلة النصف من شعبان وصوم يومها، وقد عرف عند علماء الحديث تساهل ابن حبان في تصحيح الأحاديث.
وبالجملة فإنه لم يصح شيء من الأحاديث التي وردت في فضيلة إحياء ليلة النصف من شعبان
وصوم يومها عند المحققين من علماء الحديث؛ ولذا أنكروا قيامها وتخصيص
يومها بالصيام، وقالوا إن ذلك بدعة، وعظم جماعة من العباد تلك الليلة
اعتمادا على ما ورد من الأحاديث الضعيفة واشتهر عنهم ذلك فتابعهم عليه
الناس، تحسينا للظن بهم، بل قال بعضهم لفرط تعظيمه لليلة النصف من شعبان: إنها الليلة المباركة التي أنزل فيها القرآن، وأنها يفرق فيها كل أمر حكيم، وجعل ذلك تفسيرا لقوله تعالى: { إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ } { فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ
}[الدخان:3،4]. وهذا من الخطأ البين، ومن تحريف القرآن عن مواضعه، فإن
المراد بالليلة المباركة في الآية ليلة القدر، لقوله تعالى: { إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ }[ القدر:1]. وليلة القدر في شهر رمضان للأحاديث الواردة في ذلك؛ لقوله تعالى { شهر رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ }[ البقرة:185].
وبالله التوفيق. وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه وسلم.
[ فتوى رقم ( 884 ) ج 3 ص 61 ]
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو ... نائب رئيس اللجنة ... الرئيس
عبد الله بن غديان ... عبد الرزاق عفيفي ... إبراهيم بن محمد آل الشيخ
السؤال:
سؤالي عن ليلة النصف من شعبان هل هذه الآية التي في سورة الدخان { فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ }هل المقصود بها ليلة النصف من شعبان، أم المراد بها ليلة القدر ليلة سبع وعشرين من رمضان المبارك؟ وهل يستحب في ليلة النصف من شعبان العبادة والذكر والقيام وقراءة القرآن وصيام يوم أربعة عشر من شعبان؟
الجواب
: أولا: الصحيح أن الليلة المذكورة في هذه الآية هي ليلة القدر وليست ليلة النصف من شعبان. ثانيا: لا يستحب تخصيص ليلة النصف من شعبان بشيء من العبادة مما ذكرت أو غيره، بل هي كغيرها من الليالي الأخرى، وتخصيصها بشيء من العبادات بدعة.
وبالله التوفيق. وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه وسلم.
فتوى رقم ( 7929 ) ج 3 ص 76
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو ... عضو ... نائب رئيس اللجنة ... الرئيس
عبد الله بن قعود ... عبد الله بن غديان ... عبد الرزاق عفيفي ... عبد العزيز بن عبد الله بن باز
السؤال:
لو صام رجل يوم الثلاثين من شعبان من غير رؤية الهلال أو أفطره فهل يصح صومه أو لا مع الدليل؟
الجواب:
لا يجوز للمسلم صوم يوم الثلاثين من شعبان
إذا لم تثبت رؤية الهلال ليلة الثلاثين من شعبان، إلا أن يوافق صومه إياه
صوما كان يصومه، مثل من عادته صوم يوم الإثنين أو الخميس فيوافق ذلك يوم
الثلاثين فله صومه مع أيام صامها من شعبان
قبله؛ لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: « لا تقدموا رمضان بصوم يوم ولا
يومين إلا أن يكون رجل كان يصوم صياما فليصمه » رواه البخاري ومسلم .
فتوى رقم ( 4442 ) ج 10 ص 92
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو ... عضو ... نائب رئيس اللجنة ... الرئيس
عبد الله بن قعود ... عبد الله بن غديان ... عبد الرزاق عفيفي ... عبد العزيز بن عبد الله بن باز
السؤال:
ما هو الدعاء الذي ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم في ليلة النصف من شعبان ، وهل من السنة إحياء هذه الليلة بالتجمع في المسجد والدعاء بدعاء معين والتقرب إلى الله ؟
الجواب :
لم يثبت في تخصيص ليلة النصف من شعبان بدعاء أو عبادة دليل صحيح ، فتخصيصها بذلك بدعة ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم : « فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة » .
وبالله التوفيق ، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
فتوى رقم ( 21264 ) ج 2 ص 286
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو ... عضو ... عضو ... الرئيس
بكر أبو زيد ... عبد الله بن غديان ... صالح الفوزان ... عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ
[center]ثانيا: من البدع التي تقع في شهر شعبان:
أولا- الصلاة الألفية المبتدعة في شعبان:
أول من أحدثها :
أول من أحدث الصلاة الألفية في ليلة النصف من شعبان
رجل يعرف بابن أبي الحمراء من أهل نابلس، قدم على بيت المقدس سنة 448هـ
وكان حسن التلاوة ، فقام فصلى في المسجد الأقصى ليلة النصف من شعبان فأحرم خلفه رجل ، ثم انضاف إليهما ثالث ورابع ، فما ختمها إلا وهم في جماعة كثيرة .
ثم
جاء في العام القابل فصلى معه خلق كثير، وشاعت في المسجد وانتشرت الصلاة
في المسجد الأقصى، وبيوت الناس ومنازلهم، ثم استقرت كأنها سنة.
صفتها :
هذه الصلاة المبتدعة تسمى بالألفية لقراءة سورة الإخلاص فيها ألف مرة، لأنها مائة ركعة، يقرأ في كل ركعة سورة الإخلاص عشر مرات .
وقد
رويت صفة هذه الصلاة ، والأجر المترتب على أدائها ، من طرق عدة ذكرها ابن
الجوزي في الموضوعات ثم قال : ( هذا حديث لا نشك أنه موضوع ، وجمهور رواته
في الطرق الثلاثة مجاهيل وفيهم ضعفاء بمرة ، والحديث محال قطعاً ).
حكمها :
اتفق جمهور العلماء على أن الصلاة الألفية ليلة النصف من شعبان بدعة .
فألفية النصف من شعبان
لم يسنها رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أحد من خلفائه ، ولا استحبها
أحد من أئمة الدين الأعلام كأبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد والثوري
والأوزاعي والليث وغيرهم – رحمة الله عليهم جميعاً –
وكذلك فإن الحديث الوارد فيها موضوع باتفاق أهل العلم بالحديث.وأعلم أخي المسلم أن مثل هذه الاحتفالات كالاحتفال بليلة النصف من شعبان
، وليلة الإسراء والمعراج المزعومة ، وليلة الرغائب، يكون فيها من الأمور
المبتدعة والمحرمة الشيء الكثير ، والتي تختلف باختلاف الأزمنة والأمكنة ،
وقد فصل العلامة ابن الحاج هذه البدع والمحرمات في هذه الاحتفالات فنلخص من
كلامه ما يأتي :
1- تكلف النفقات الباهظة ، وهو إسراف يعملونه باسم الدين وهو بريء منه .
2- الحلاوات المحتوية على الصور المحرمة شرعاً .
3-
زيادة وقود القناديل وغيرها ، وفي زيادة وقودها إضاعة المال ، لاسيما إذا
كان الزيت من الوقف فيكون ذلك جرحاً في حق الناظر، لاسيما إذا كان الواقف
لا يذكره ، وإن ذكره لم يعتبر شرعاً، وزيادة الوقود مع ما فيه من إضاعة
المال كما تقدم سبب لاجتماع من لا خير فيه، ومن حضر من أرباب المناصب
الدينية عالماً بذلك فهو جرحة في حقه إلا أن يتوب ، وأما إن حضر ليغير وهو
قادر بشرط فيا حبذا .
4- حضور النساء وما فيه من المفاسد .
5- إتيانهم الجامع واجتماعهم فيه ، وذلك عبادة غير مشروعة .
6- ما يفرشونه من البسط والسجادات وغيرها .
7-
أطباق النحاس فيها الكيزان والأباريق وغيرهما ، كأن بيت الله تعالى بيتهم ،
والجامع إنما جعل للعبادة ، لا للفراش والرقاد والأكل والشرب .
8-
ومن هذه البدع والمحرمات السقاؤون ، وفي ذلك من المفاسد جملة منها :البيع
والشراء لأنهم يأخذون الدراهم ، وضرب الطاسات بما يشبه صوت النواقيس ، ورفع
الصوت في المسجد وتلويثه ، وتخطي رقاب الناس ، وكلها منكرات .
9-
اجتماعهم حلقات ، كل حلقة لها كبير، يقتدون به في الذكر والقراءة وليت ذلك
لو كان ذكراً أو قراءة، لكنهم يلعبون في دين الله تعالى فالذاكر منهم في
الغالب لا يقول : (لا إله إلا الله ) بل يقول : (لا يلاه يلله ) فيجعلون
عوض الهمزة ياء وهي ألف قطع جعلوها وصلاً وإذا قالوا :( سبحان الله )
يمططونها ويرجعونها حتى لا تكاد تفهم ، والقارئ يقرأ القرآن فيزيد فيه ما
ليس منه ، وينقص منه ما هو فيه ، بحسب تلك النغمات والترجيعات التي تشبه
الغناء والأصوات التي اصطلحوا عليها، على ما قد علم من أحوالهم الذميمة ،
وهذا منكر يحف به عدة منكرات .
10-
ومن الأمور العظيمة فيها أن القارئ يبتدئ بقراءة القرآن والآخر ينشد الشعر
، أو يريد أن ينشده ، فيسكتون القارئ أو يهمون بذلك ، أو يتركون هذا في
شعره وهذا في قراءته ، لأجل تشوف بعضهم لسماع الشعر وتلك النغمات الموضوعة
أكثر ، فهذه الأحوال من اللعب في الدين أن لو كانت خارج المسجد منعت ، فكيف
بها في المسجد ؟ .
11- حضور الوالدان الصغار وما يتبع من لغطهم وتنجيسهم المسجد .
12-
خروج النساء في هذه الليلة-ليلة النصف من شعبان- إلى القبور-مع أن زيارة
النساء للقبور محرمة شرعاً- ومع بعضهن الدف يضربن به ، وبعضهن يغنين بحضرة
الرجال ورؤيتهم لهن متجاهرين بذلك، لقلة حيائهن ، وقلة من ينكر عليهن .
13- اختلاط النساء بالرجال عند القبور ، وقد رفع النساء جلبان الحياء والوقار عنهن ، فهن كاشفات الوجوه والأطراف .
14-
أنهم أعظموا تلك المعاصي بفعلها عند القبور التي هي موضع الخشية والفزع
والاعتبار ، والحث على العمل الصالح ، لهذا المصرع العظيم المهول أمره ،
فردوا ذلك للنقيض ، وجعلوه موضع فرح ومعاصي كحال المستهزئين .
15- إهانة الأموات من المسلمين وأذيتهم بفعل المنكرات بجانب قبورهم .
16- أن بعضهم يقيمون خشبة عند رأس الميتة أو الميت ، ويكسون ذلك العمود من الثياب ما يليق به عندهم .
فإن
كان الميت عالماً أو صالحاً صاروا يشكون له ما نزل بهم ويتوسلون به ، وإن
كان من الأهل أو الأقارب صاروا يتحدثون معه ويذكرون له ما حدث لهم بعده ،
وإن كان عروساً أو عروسة كسوا كل واحد منهما ما كان يلبسه في حال فرحة ،
ويجلسون يتباكون ويبكون ويتأسفون . وكسوتهم لهذه الخشبة تشبه في الظاهر
بالنصارى في كسوتهم لأصنامهم ، والصور التي يعظمونها في مواسمهم ، ومن تشبه
بقوم فهو منهم .
17- أنهم اتصفوا بسبب ما ذكره بصفة النفاق ، لأن الفارق صفته قصد المعصية وإظهارها في الصورة أنها طاعة .
18- اللغو في المسجد وكثرة الكلام بالباطل وهو منكر شديد .
19-
جعل المسجد كأنه دار شرطة لمجيء الوالي والمقدمين والأعوان ، وفرش البسط ،
ونصب الكرسي للوالي ليجلس عليه في مكان معلوم ، وتوقد بين يديه المشاعل
الكثيرة في صحن الجامع ، ويقع منها بعض الرماد ، وربما وقع الضرب بالعصا
والبطح لمن يشتكي في الجامع ، أو تأتيه – الوالي – الخصوم من خارج الجامع
وهو فيه ، هذا كله في ليلة النصف من شعبان
، وإذا وقعت هذه الأشياء في الجامع فلابد من رفع الأصوات من الخصوم والجند
وغيرهم ، بل اللغط واقع لكثرة الخلق فيه ، فكيف به إذا انضم إلى الشكاوي
وأحكام الوالي ؟! .
20-
اعتقادهم أن فعل هذه المنكرات والبدع المحرمات إقامة حرمة لتلك الليلة ،
ولبيت الله عز وجل ، وأنهم أتوه ليعظموه ، وبعضهم يرى أن ذلك من القرب وهذا
أشد . وسبق وذكرت أن هذه البدع والمنكرات تختلف باختلاف الزمان والمكان ،
فالاحتفالات في الوقت الحاضر تكاد لا تخلو من كثير من هذه المنكرات وإن
اختلف الشكل والهيئة .
21-
ويضاف إلى هذه البدع أيضا :الدعاء المعروف الذي يطلب فيه من الله تعالى أن
يمحو من أم الكتاب شقاوة من كتبه شقياً ...... الخ . ونصه ما يلي : اللهم
يا ذا المن ولا يمن عليه ، يا ذا الجلال والإكرام ، يا ذا الطول والإنعام ،
لا إله إلا أنت ، ظهر اللاجئين ، وجار المستجيرين ، وأمان الخائفين ،
اللهم أن كنت كتبتني عندك في أم الكتاب شقياً أو محروماً ، أو مطروداً أو
مقتراً عليَّ في الرزق ، فامح اللهم بفضلك شقاوتي وحرماني ، وطردي وإقتار
رزقي ، وأثبتني عندك في أم الكتاب سعيداً مرزوقاً موفقاً للخيرات ، فإنك
قلت وقولك الحق في كتابك المنزل ، على لسان نبيك المرسل : {يَمْحُوا
اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ }. إلهي بالتجلي الأعظم في ليلة النصف من شهر شعبان
المكرم ، التي يفرق فيها كل أمر حكيم ويبرم أسألك أن تكشف عنا البلاء ما
نعلم وما لا نعلم ، وما أنت به أعلم إنك أنت الأعز الأكرم ، وصلى الله على
سيدنا محمد وعلى آله وسلم )).
وهذا الدعاء ليس له أصل صحيح في السنة، كما هو الحال في صلاة النصف من شعبان
، فلم يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه ، ولا عن
السلف-رضوان الله عليهم أجمعين- أنهم اجتمعوا في المساجد من أجل هذا
الدعاء في تلك الليلة ، ولا تصح نسبة هذا الدعاء إلى بعض الصحابة.
وربما
شرطوا لقبول هذا الدعاء قراءة سورة(يس)،وصلاة ركعتين قبله،يفعلون القراءة
والصلاة والدعاء ثلاث مرات ، يصلون المرة الأولى بنية طول العمر ، والثانية
بنية دفع البلايا ، والثالثة بنية الاستغناء عن الناس ، واعتقدوا أن هذا
العمل من الشعائر الدينية، ومن مزايا ليلة النصف من شعبان
وما تختص به، حتى اهتموا به أكثر من اهتمامهم بالواجبات والسنن فتراهم
يسارعون إلى المساجد قبيل الغروب من هذه الليلة، وفيهم تاركوا الصلاة ،
معتقدين أنه يجبر كل تقصير سابق عليه، وأنه يطيل العمر ويتشاءمون من فوته .
فالاجتماع
لقراءة هذا الدعاء بالطريقة المتبعة والمعروف عندهم ، وجعل ذلك شعيره من
شعائر الدين ، من البدع التي تحدث في ليلة النصف من شعبان .
صحيح
أن الدعاء والتضرع إلى الله تعالى مطلوب في كل وقت ومكان ، لكن لا على هذا
الوجه المخترع ، فلا يتقرب إلى الله بالبدع ، وإنما يتقرب إليه تعالى بما
شرع .[ من كتاب: البدع الحولية / تأليف: عبد الله بن عبد العزيز التويجري].
وقال العلامة ابن عثيمين رحمه الله في شأن هذه الصلاة:
((فأما الحديث المرفوع في هذه الصلاة الألفية فكذب موضوع باتفاق أهل العلم بالحديث ))[ مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين رحمه الله].
ثانيا: صلاة التسابيح:
صلاة التسابيح مشروعة في كل وقت من أيام السنة، وأما تخصيصها في شعبان أو في ليلة النصف من شعبان فبدعة ما أنزل الل