حل مشكلة النيوترينو الشمسي
مرصد سَدْبري للنيوترينو يحل لغزا عمره ثلاثون سنة، إذ يكشف أن
النيوترينوهات تغير نوعها وهي في طريقها من الشمس إلى الأرض.
<B.A.ماكدونالد> ـ <R.J.كلاين> ـ <L.D.وارك>
إن
بناء مكشاف بارتفاع مبنى مؤلف من عشرة طوابق على عمق كيلومترين تحت الأرض
هو طريقة غريبة لدراسة ظواهر شمسية. ومع ذلك، فقد تبين أن هذا الإنشاء هو
المفتاح لحل لغز استمر بضعة عقود يتعلق بالسيرورات الفيزيائية التي تجري
داخل الشمس. فمنذ عام 1920، اقترح الفيزيائي البريطاني <A.إدينگتون>
أن عمليات الاندماج النووي هي مصدر طاقة الشمس. إلا أن الجهود، التي بذلت
في الستينات من القرن الماضي، للتأكد من بعض التفاصيل الحاسمة لهذه الفكرة،
واجهت عقبة كأداء تمثلت في أن التجارب التي صُممت لكشف ناتج جانبي يميز
التفاعلات النووية الاندماجية التي تجري داخل الشمس ـ وهي الجسيمات الشبحية
المسماة نيوترينوهات(1) neutrinos
ـ لم تكشف إلا جزءا من العدد الذي كان متوقعا. ولم يتسن للفيزيائيين حل
هذه المعضلة المحيرة إلا من خلال النتائج التي حصل عليها مرصد سدبري
للنيوترينوهات (SNO) في أونتاريو عام 2002؛ وهكذا تأكد اقتراح <إدينگتون> تماما.
وكما
هي الحال في جميع التجارب التي تجرى تحت الأرض والتي صُممت لدراسة الشمس،
كان الهدف الرئيسي لمرصد سدبري الكشف عن النيوترينوهات التي يجري إنتاجها
بأعداد هائلة في لب الشمس. إلا أن مرصد سدبري يختلف عن معظم المراصد التي
تم بناؤها خلال العقود الثلاثة السابقة، لأنه مصمم لكشف النيوترينوهات
باستخدام الماء الثقيل الذي تحوي نواة ذرات الهدروجين فيه نيوترونا(2) إضافيا يجعلها بذلك تؤلف دوتريوم deuterium.
إن النيوترونات الإضافية تسمح لمرصد سدبري برصد النيوترينوهات الشمسية
بطريقة لم يسبق اتباعها من قبل، وذلك بإحصاء جميع الأنواع أو «النكهات» flavors
الثلاث من النيوترينوهات بصورة متساوية. وبهذا تمكن مرصد سدبري من إيضاح
أن النقص الحاصل في عدد النيوترينوهات المكتشفة في تجارب سابقة لم يكن بسبب
ضعف وسائل القياس أو سوء فهمنا لما يجري في الشمس، بل هو ناتج من خاصية
جديدة للنيوترينوهات نفسها، جرى اكتشافها حديثا.
لعل من سخرية القدر أن يكشف تأكيد أفضل نظرية نعرفها عن الشمس العيب الأول للنموذج المعياري standard model
لفيزياء الجسيمات، وهي أفضل نظرية تفسر سلوك المكونات الأكثر أساسية
للمادة. إننا نتفهم الآن ما يجري في الشمس على نحو أفضل عما يجري في العالم
الميكروي (المجهري).
المشكلة
أجريت التجربة الأولى للنيوترينوهات الشمسية في منتصف ستينات القرن العشرين من قبل <R.ديڤز،
جونير> وزملائه من جامعة پنسلڤانيا بهدف تحقيق نصر علمي يؤكد نظرية
الاندماج النووي لتوليد الطاقة الشمسية ويمثل بداية لحقل معرفي جديد يستخدم
النيوترينوهات لدراسة الشمس. وقد كشفت تجربة ديڤز، التي أُجريت في منجم
هومستيك للذهب قرب ليد بولاية ساوث داكوتا الجنوبية، عن النيوترينوهات
بطريقة راديوكيميائية، فقد حوى المكشاف 615 طنا متريا من سائل
التتراكلورواثيلين tetrachloroethylene
(أو سائل «التنظيف الجاف»)، وعملت النيوترينوهات على تحويل ذرات الكلورين
في هذا السائل إلى ذرات الإرگون. وبدلا من أن يلاحظ <ديڤز> تحول ذرة
واحدة من الكلورين إلى إرگون يوميا (وفقا لما تتنبأ به النظرية) فإنه لاحظ
حصول هذه العملية مرة واحدة كل يومين ونصف، (حصل ديڤز عام 2002 بالاشتراك
مع <S.كوشيبا>
[من جامعة طوكيو] على جائزة نوبل لأبحاثهما الرائدة في فيزياء
النيوترينوهات). وقد كشفت ثلاثون سنة لاحقة من الأبحاث، مستخدمة تقنيات
مختلفة، عن نتائج مماثلة لتلك التي حصل عليها ديڤز، ففي جميع تلك التجارب
كان عدد النيوترينوهات التي تصلنا من الشمس أقل كثيرا من العدد المتوقع، إذ
تراوح بين ثلث العدد المتوقع وثلاثة أخماسه، وذلك حسب طاقات النيوترينوهات
المدروسة. ونظرا لعدم فهم الفيزيائيين أسباب التفاوت الكبير بين القياسات
والتنبؤات، كان عليهم أن يوقفوا مؤقتا متابعة هدفهم الأصلي ـ دراسة لب
الشمس عن طريق رصد النيوترينوهات.
النيوترينوهات المتذبذبة/ نظرة إجمالية
منذ الستينات من القرن الماضي بينت التجارب التي أجريت تحت الأرض أن عدد نيوترينوهات-الإلكترون الشمسية المرصودة أقل بكثير مما تتنبأ به النظريات. وقد عُرف هذا اللغز بمشكلة النيوترينوهات الشمسية.
في عام 2002 قام مرصد سدبري للنيوترينوهات SNO بحل هذه المشكلة، وذلك بالكشف عن أن كثيرا من نيوترينوهات-الإلكترون المتولدة داخل الشمس تغير نكهتها قبل وصولها إلى الأرض، مما تسبب في عدم اكتشافها في تجارب سابقة.
تؤكد نتائج مرصد سدبري أننا نفهم الآن كيفية توليد الطاقة الشمسية، وأن النيوترينوهات التي طالما عُرفت بأنها عديمة الكتلة هي في الواقع ذات كتل. ولذا يجب تعديل النموذج المعياري لفيزياء الجسيمات لكي يستوعب هذا التغيير. وجدير بالذكر أن هذا النموذج ناجح بغرابة فيما عدا ذلك. |
وفيما
استمر التجريبيون في تجاربهم حول النيوترينوهات، قام النظريون بتحسين
نماذجهم المستخدمة للتنبؤ بمعدل إنتاج النيوترينوهات الشمسية. إن تلك
النماذج النظرية معقدة، لكنها تفترض فروضا قليلة هي: أن طاقة الشمس ناتجة
من تفاعلات نووية تغير من وفرة العناصر element abundances،
وأن هذه الطاقة تولد ضغطا نحو الخارج يوازن الجر الثقالي المتجه نحو
الداخل، وأن الطاقة تنتقل بالفوتونات وبالحمل. وقد استمرت النماذج النظرية
في التنبؤ ببيانات عن تدفق للنيوترينوهات بمعدلات عالية تفوق تلك التي تم
قياسها فعلا. إلا أن توقعاتها الأخرى مثل طيف الهزات الشمسية helioseismologic التي تُرى على سطح الشمس جاءت متوافقة تماما مع الأرصاد.
عُرف
هذا الفرق الغامض بين التنبؤات والقياسات بمشكلة النيوترينوهات الشمسية.
وعلى الرغم من اعتقاد العديد من الفيزيائيين بأن الصعوبات التي لازمت وسائل
الكشف عن النيوترينوهات من جهة وحساب معدل إنتاجها في الشمس من جهة ثانية
هي سبب هذا التباين فإن خيارا ثالثا أصبح مقبولا على نطاق واسع على الرغم
من مضامينه الثورية. فالنموذج المعياري لفيزياء الجسيمات يقول بوجود ثلاث
نكهات عديمة الكتلة ومتميزة تماما الواحدة عن الأخرى للنيوترينوهات هي:
نيوترينو-الإلكترون ونيوترينو-الميون ونيوترينو-التاو. إن التفاعلات
الاندماجية في مركز الشمس لا يمكنها إنتاج سوى نيوترينوهات-الإلكترون. وقد
تم تصميم تجربة ديڤز بهدف البحث عن هذا النوع من النيوترينوهات، ذلك أن
نيوترينوهات ـ الإلكترون هي الوحيدة التي يمكنها تحويل الكلورين إلى أرگون
عند الطاقات التي تمتلكها النيوترينوهات الشمسية. ولكن إذا فرضنا أن
النموذج المعياري غير كامل، وأن نكهات النيوترينو غير متميزة وإنما ممتزجة
على نحو ما، فمن الممكن حينئذ أن يتحول نيوترينو-الإلكترون الآتي من الشمس
إلى إحدى النكهتين الأخريين وإلا أن يتم بالتالي الكشف عنه.
إن
الآلية المفضلة لتغير نكهة النيوترينو هي ما يسمى تذبذب النيوترينو (انظر
الشكل في الصفحة 44) والتي تتطلب أن تكون نكهات النيوترينو الثلاث
(الإلكترون والميون والتاو) مؤلفة من مزائج من حالات النيوترينو (يرمز لها
1، 2، 3) ذوات كتل مختلفة. يمكن عندئذ أن يتألف نيوترينو-الإلكترون من مزيج
ما من الحالتين 1 و 2 فيما يتألف نيوترينو-الميون من مزيج مختلف من
الحالتين أنفسهما. وتتنبأ بأن مثل هذه النيوترينوهات الممتزجة سوف تتذبذب
بين نكهة وأخرى خلال رحلتها من الشمس إلى الأرض.
قدم
تعاون السوپر-كميوكاندا عام 1998 أدلة قوية جدا على تذبذب النيوترينو، حيث
أظهرت النتائج أن نيوترينوهات-الميون التي تولدها الأشعة الكونية في طبقات
الجو العليا، كانت تختفي بنسبة تتوقف على المسافة التي تقطعها. وتفسر
فرضية تذبذب النيوترينو هذا الاختفاء تفسيرا جيدا جدا، وهي في هذه الحالة
تتضمن تحول نيوترينوهات-الميون على الأرجح إلى نيوترينوهات-التاو. ويتم
الكشف عن النيوترينوهات الأولى في طاقات الأشعة الكونية بوساطة
السوپر-كميوكاندا، أما الثانية فتزوغ عن الكشف في معظم الأحيان(3).
ويمكن
على نفس النحو تفسير النقص الحاصل في النيوترينوهات الشمسية. فوفقا لأحد
السيناريوهات تتذبذب النيوترينوهات خلال رحلتها في الخلاء التي تستغرق
ثماني دقائق من الشمس إلى الأرض. وفي نموذج آخر يزداد تذبذب النيوترينوهات
أثناء رحلة النيوترينو في باطن الشمس خلال الثانيتين الأوليين، وهو مفعول
ناتج من الطرائق المختلفة التي تتآثر بها كل نكهة نيوترينو مع المادة.
ويتطلب كل سيناريو مدى معينا من المتغيرات المتعلقة بالنيوترينو ـ فروق
الكتلة وكمية مزج النكهات. وعلى الرغم من الأدلة المتوافرة من
السوپر-كميوكاندا وغيرها من التجارب، فإنه يظل بالإمكان أن النيوترينوهات
كانت تختفي بسيرورة ما غير التذبذب. وحتى عام 2001 لم يكن لدى العلماء دليل
مباشر على عملية تذبذب النيوترينوهات الشمسية، التي تم فيها كشف
النيوترينوهات الشمسية المتحولة ذاتها.
المرصد
تم
تصميم مرصد سدبري للبحث عن هذا الدليل المباشر، وذلك بالكشف عن
النيوترينوهات باستخدام العديد من تآثراتها المختلفة مع ما يحويه المرصد من
الماء الثقيل الذي يبلغ 1000 طن. لا يقيس أحد هذه التفاعلات إلا عدد
نيوترينوهات-الإلكترون، في حين تقيس تفاعلات أخرى جميع نكهات النيوترينوهات
دون التمييز بينها. فإذا كانت النيوترينوهات الشمسية الواصلة إلى الأرض
مؤلفة من نيوترينوهات-الإلكترون فحسب، وبالتالي لم يحصل تحول لنكهتها ـ فإن
العدد الكلي لنكهات النيوترينوهات سيكون مساويا لعدد
نيوترينوهات-الإلكترون وحدها. أما إذا كان العدد الكلي لنكهات
النيوترينوهات أكبر كثيرا من عدد نيوترينوهات-الإلكترون، فإن في هذا برهانا
على أن النيوترينوهات الآتية من الشمس غيرت نكهتها.
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
تنتشر الصمامات الضوئية المضاعفة ـ وعددها أكثر من 9500 ـ على سطح كرة جيوديسية قطرها 18 مترا، وتمثل الصمامات عيون مرصد سدبري للنيوترينوهات. هذه الصمامات تحيط وترقب كرة من الأكريليك قطرها 12 مترا تحوي 1000 طن من الماء الثقيل. ويستطيع كل صمام منها الكشف عن فوتون واحد من الضوء. وتعلق المجموعة كلها في الماء الاعتيادي. ينبغي أن تكون جميع المواد الداخلة في تركيب المكشاف خالية بدرجة فائقة من العناصر الإشعاعية الطبيعية، لكن نتحاشى ظهور تعداد كاذب للنيوترينوهات الشمسية. |
السر
في مقدرة مرصد سدبري على تعداد كل من نيوترينوهات-الإلكترون وحدها،
والنيوترينوهات الكلية من أي نكهة، يكمن في نوى ذرات الدوتريوم التي في
الماء الثقيل، والتي تسمى الدوتيرونات. فالنيوترون الذي في الدوتيرون يولد
تفاعلين منفصلين للنيوترينو: الأول هو امتصاص النيوترينو، ويتم فيه امتصاص
نيوترينو-الإلكترون من قبل نيوترون ويتولد من ذلك إلكترون. والتفاعل الثاني
هو تفكك الدوتيرون، وفيه يتم تفكيك نواة الدوتريوم ويتحرر النيوترون.
وفيما لا يمكن إلا للنيوترينوهات-الإلكترون تحقيق عملية الامتصاص، تتمكن
النيوترينوهات، مهما كانت نكهتها، من تفكيك الدوتيرونات. وثمة تفاعل ثالث
تم كشفه في مرصد سدبري، هو تشتيت (بعثرة) scattering
الإلكترونات بوساطة النيوترينوهات، وهذا التفاعل يمكن استخدامه أيضا
لتعداد النيوترينوهات عدا نيوترينوهات ـ الإلكترون، إلا أنه أقل حساسية
لنيوترينوهات-الميون والتاو من تفاعل تفكيك الدوتيرونات (انظر الشكل في
الصفحة 45).
الكشف عن النيوترينوهات المتقلبة
كيف تتذبذب النيوترينوهات
إن نيوترينو-الإلكترون (في اليمين) هو في الحقيقة تراكب لنيوترينو من النوع 1 وآخر من النوع 2 في طور موجي كمومي واحد. ونظرا لأن لكل من النوعين طولا موجيا مختلفا فإنهما يخرجان عن الطور الموحد لهما بعد تحركهما لمسافة ما، وبذلك يشكلان نيوترينو-الميون أو نيوترينو-التاو (في الوسط). وبعد تحركهما مسافة أكبر يعودان لتشكيل نيوترينو-الإلكترون مرة ثانية (في اليسار).
أين تتذبذب النيوترينوهات
يمكن لنيوترينوهات-الإلكترون المتولدة في مركز الشمس أن تتذبذب وهي لاتزال في باطن الشمس، أو بعدما تخرج منها متجهة إلى الأرض، في رحلتها التي تستغرق ثماني دقائق. ويعتمد نوع التذبذب الذي يحصل على بعض التفاصيل مثل مقدار الفرق الكتلي ودرجة امتزاج نوعي النيوترينو 1 و 2، كما يمكن أن يحصل تذبذب إضافي في جوف الأرض ويظهر ذلك من خلال الفرق ما بين نتائج الليل ونتائج النهار.
كيف يكشف مرصد سدبري النيوترينوهات
يكشف مرصد (في الصفحة المقابلة) النيوترينو عن طريق رؤية حلقة مميزة لضوء شيرنكوڤ يصدرها إلكترون عالي السرعة. ويمكن للنيوترينو أن يولد الإلكترون ذا الطاقة العالية في الماء الثقيل (الكرة الزرقاء الكبيرة) الموجود في مكشاف مرصد سدبري بإحدى الطرق الثلاث التالية: (a) تفكيك الدوتيرون حيث يقوم النيوترينو (اللون الأزرق) بشطر نواة الدوتريوم إلى پروتون (اللون الأرجواني) ونيوترون (اللون الأخضر). وأخيرا يرتبط النيوترون بدوتيرون آخر مطلقا شعاع گاما (الخط المتموج) الذي يحرر بدوره إلكترونا (اللون الوردي) يصدر ضوء شيرنكوڤ (اللون الأصفر) الذي يتم كشفه. (b) امتصاص النيوترينو، حيث يقوم نيوترون بامتصاص النيوترينو ويتحول إلى پروتون وإلكترون ذي طاقة عالية. ونيوترينوهات الإلكترون وحدها هي التي يمكن أن تُمتص بهذه الطريقة. (c) اصطدام نيوترينو بإلكترون مباشرة، وهو حدث أكثر ندرة. ويمكن تمييز الميونات (المتولدة من الأشعة الكونية) (اللون الأحمر) من النيوترينوهات عن طريق قياس كمية ضوء شيرنكوڤ المتولد، ورصد موقع تكوينه (خارج المكشاف وداخله). ولتقليص عدد الميونات إلى القدر الذي يمكن السيطرة عليه يوضع المكشاف على عمق كيلومترين تحت الأرض.<table class="tableForPic" id="table14" style="border-width: 0px; border-collapse: collapse;" border="1" cellpadding="0" cellspacing="0" width="100%"> <tr> <td style="border: medium none;"> [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]</td></tr></table> |
لم تكن تجربة مرصد سدبري للنيوترينوهات هي الأولى التي يتم فيها استخدام الماء الثقيل. ففي الستينات من القرن العشرين قام <J.T.جنكنز> و<W.F.دكس>
[من جامعة كيس وسترن ريزيرڤ] باستخدام الماء الثقيل في محاولة مبكرة جدا
لرصد النيوترينوهات القادمة من الشمس. واستخدما 2000 لتر (2 طن) من الماء
الثقيل فوق الأرض، إلا أن تأثيرات الأشعة الكونية غلبت إشارات
النيوترينوهات الشمسية. وفي عام 1984 اقترح <H.تشن> [من جامعة كاليفورنيا في إرڤاين] جلب 1000 طن من الماء الثقيل من مفاعل كاندو CANDU النووي الكندي إلى قاع منجم النيكل العائد للشركة إنكو INCO
المحدودة في سدبري، حيث يوفر هذا العمق إجراء قياسات واضحة لكل من امتصاص
النيوترينوهات وتحطم الدوتيرونات بوساطة النيوترينوهات الشمسية.
قاد
مقترح <تشن> هذا إلى تأسيس التعاون العلمي المتعلق بمرصد سدبري، وفي
نهاية المطاف إلى بناء مكشاف سدبري. وقد وضعت الأطنان الألف من الماء
الثقيل في وعاء من الأكريليك acrylic الشفاف قطره 12 مترا، ويجري رصد الماء الثقيل بوساطة 9500 صمام ضوئي مضاعف photomultiplier tubes
تم تثبيتها في محيط كرة جيوديسية قطرها 18 مترا (انظر الشكل في الصفحة
43). ويستطيع كل صمام الكشف عن فوتون ضوئي واحد. وقد جرى غمر هذا التركيب
كله داخل تجويف تم حفره في الصخر على عمق كيلومترين تحت الأرض مملوء بماء
فائق النقاء.
قياسات مرصد سدبري للنيوترينوهات
يمكن
رصد النيوترينوهات الشمسية في أعماق الأرض نظرا لأن تآثرها مع المادة ضعيف
جدا. فأثناء النهار، تجتاز النيوترينوهات بسهولة كيلومترين من الصخور حتى
تصل إلى مرصد سدبري، وأثناء الليل لا تكاد النيوترينوهات تتأثر بمرورها عبر
آلاف الكيلومترات خلال الأرض. إن مثل هذا الترابط الضعيف (بين المادة
والنيوترينوهات) يجعلها ذات أهمية من منظور الفيزياء الفلكية الشمسية.
تستغرق معظم الطاقة المتولدة في قلب الشمس ملايين السنين للوصول إلى سطحها،
في حين أن النيوترينوهات تبرز بعد ثانيتين فقط لكي تصلنا مباشرة من موقع
إنتاج الطاقة الشمسية.
ثمانية عقود مع الشمس والنيوترينوهات
اقتضى ما يقرب من قرن لكي نتحقق تماما من أننا نفهم كيفية توليد الشمس لطاقتها. وتطور خلال ذلك فهمنا للنيوترينوهات من كونها فرضيات تخمينية لتصبح أداة تجريبية أساسية. ويشير تذبذب النيوترينوهات إلى فيزياء جديدة أساسية سيتم اكتشافها خلال العقود القادمة.
1920 اقترح <A.أدينگتون> أن مصدر طاقة الشمس هو اندماجات نووية تحول ذرات الهدروجين إلى هليوم.
1930 أنقذ <W.پاولي> مبدأ الحفاظ على الطاقة بافتراضه وجود جسيم غير مرئي، هو النيوترينو، ينقل الطاقة من بعض عمليات الاضمحلال الإشعاعي.
1938 حلل <H.بيته> السيرورات النووية الأساسية التي يمكن أن تولّد طاقة الشمس، وقدر بدقة درجة حرارة مركز الشمس.
1956 اكتشف <F.راينز>
و <C.كووان>، أول مرة، النيوترينو باستخدام مفاعل نهر ساڤانا النووي.
1964 تنبأ
<J.بهكال> بفيض النيوترينوهات المتوقع رصده من الشمس.
1967 قاس <R.ديڤز، جونير>، أول مرة، النيوترينوهات القادمة من الشمس باستخدام 600 طن من سائل يستخدم في التنظيف الجاف في منجم في ليد بداكوتا الجنوبية.
1969 اقترح <V.جريبوڤ> و <B.پونتيكودڤو> أن تذبذب النيوترينوهات يفسر قلة العدد المكتشف منها.
1978 و 1985 افترض<S.ميخييڤ > و <A.سمرنوڤ> و <L.ولفنشتاين> أن المادة يمكن أن تعزز تذبذبات النيوترينو.
1998 جمّع السوپر-كميوكاندا دلائل على تذبذب النيوترينوهات في نيوترينوهات الأشعة الكونية.
2002 أكد مرصد سدبري للنيوترينوهات SNO أن النيوترينوهات القادمة من الشمس تتذبذب إلى نكهات أخرى، وحل بذلك مشكلة النيوترينوهات الشمسية تماما.
2002 كشفت تجربة كاملاند تذبذب النيوترينوهات المضادة المنبعثة من المفاعلات النووية.<table class="tableForPic" id="table18" style="border-width: 0px; border-collapse: collapse;" border="1" cellpadding="0" cellspacing="0" width="100%"> <tr> <td style="border: medium none;"> [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]</td></tr></table> |
وفي
الوقت الذي لا تستطيع فيه الشمس كلها ولا الأرض كلها إعاقة مرور
النيوترينوهات خلالها، فإن أسر هذه النيوترينوهات بوساطة مكشاف يزن 1000 طن
فقط يعتبر تحديا كبيرا. ولكن على الرغم من أن معظم النيوترينوهات التي
تدخل مرصد سدبري تمر عبره فإن أحدها سيرتطم في حالات نادرة جدا وبمحض
المصادفة بإلكترون أو بنواة ذرة ويترك طاقة كافية لرصده. وعندما يتوافر عدد
كاف من النيوترينوهات فإن ندرة مثل هذه التآثرات يمكن التغلب عليها. ومن
حسن الحظ فإن عدد النيوترينوهات التي تطرحها الشمس هائل ـ تمر خمسة ملايين
نيوترينو شمسي عالية الطاقة عبر كل سنتيمتر مربع من سطح الأرض في الثانية
الواحدة ـ وهذا يعني حصول 10 أحداث، أي تآثرات، نيوترينوية في كل يوم، في
الألف طن من الماء الثقيل الذي يحويه مرصد سدبري. إن جميع تفاعلات أنواع
النيوترينوهات الثلاثة التي تحصل في سدبري تولد إلكترونات ذات طاقة كبيرة،
يمكن كشفها من خلال ما تنتجه من أشعة شيرنكوف ـ وهي مخروط ضوئي ينبعث مثلما
تنبعث موجة صدم بوساطة الجسم المتحرك بسرعة عالية.
هنالك خمسة ملايين نيوترينو شمسي بطاقة عالية تخترق
كل سنتيمتر مربع من جسمك كل ثانية.
ومع
ذلك، فإن العدد الصغير من أحداث النيوترينوهات هذه ينبغي تمييزه من ومضات
ضوء شيرنكوف الناتجة من حركة جسيمات أخرى. وعلى وجه الخصوص تتولد ميونات
الأشعة الكونية بشكل مستمر في الأجواء العليا للأرض، وعندما تدخل إلى
المكشاف يمكنها توليد ما يكفي من أشعة شيرنكوف لإضاءة جميع صمامات المضاعف
الضوئي. إلا أن كيلومترات الصخور الفاصلة بين سطح الأرض ومرصد سدبري تقلص
طوفان ميونات الأشعة الكونية إلى مجرد ثلاثة ميونات كل ساعة. وعلى الرغم من
أن ثلاثة ميونات في الساعة أكبر بكثير من تآثر 10 نيوترينوهات في اليوم،
فإن من السهل تمييز هذه الميونات من أحداث النيوترينوهات عن طريق ملاحظة
ضوء شيرنكوف الذي تُولده في الماء الاعتيادي خارج المكشاف.
وثمة
مصدر أكثر سوءا يتسبب في تخريب تعداد النيوترينوهات، هو النشاط الإشعاعي
الذاتي لمواد المكشاف ذاتها. فكل ما في المكشاف، بدءا من الماء الثقيل
نفسه، إلى الوعاء الأكريليكي الذي يحوي الماء، إلى الزجاج والفولاذ الذي
يشكل صمامات المضاعف الضوئي والهيكل الرابط، تحتوي جميعها على آثار من
عناصر إشعاعية طبيعية. وبالمثل فإن الهواء الذي في المنجم يحتوي على غاز
الرادون المشع. وفي كل مرة تضمحل نواة في هذه المواد المشعة داخل مكشاف
مرصد سدبري فإنها يمكن أن تطلق إلكترونا ذا طاقة كبيرة أو إشعاع گاما،
وبالتالي تولد ضوء شيرنكوف يماثل ذلك الذي يتولد من النيوترينو. لذا يجري
تنقية الماء والمواد الأخرى الداخلة إلى مرصد سدبري من معظم الملوثات
الإشعاعية (أو يتم اختيارها من مصادر نقية بطبيعتها)، ومع ذلك فإن احتواءها
على تلوث إشعاعي بأجزاء من البليون سيؤدي إلى غمر الإشارات الحقيقية بأخرى
كاذبة.
لذلك
فإن مهمة مرصد سدبري معقدة جدا؛ إذ يجب أولا حصر أحداث النيوترينوهات ثم
تحديد العدد الذي تسببه كل من التفاعلات الثلاثة، وأخيرا تقدير عدد
النيوترينوهات الظاهرية الناشئة عن مصادر أخرى مثل التلوث الإشعاعي. إن
أخطاء صغيرة بمقدار بضعة أجزاء في المئة في أي خطوة من التحليل تفقد مقارنة
مرصد سدبري لدفق نيوترينوهات-الإلكترون مع الدفق الكلي للنيوترينوهات كل
معنى. وقد سجل مرصد سدبري نحو نصف بليون حدث في فترة الـ306 أيام التي عمل
فيها بين الشهر 11/1999 والشهر 5/2001. وفي الوقت الذي اكتمل فيه تلخيص
النتائج فإن 2928 حدثا فقط بقيت مرشحة كأحداث نيوترينوية.
لا
يستطيع مرصد سدبري وحده تحديد ما إذا كان حدث ما، مرشح لأن يكون حدث
نيوترينو، هو نتيجة تفاعل بعينه. ذلك أنه من الناحية النموذجية، يمكن لحدث
كالذي في الصفحة 44 أن يكون ناتجا من انشطار الدوتيرون أو من امتصاص
النيوترينو على حد سواء. ولحسن الحظ فإن الفروق بين التفاعلات تظهر حينما
نتفحص أحداثا كثيرة. فمثلا يؤدي تفكك الدوتيرون، أي انشطار نواة الدوتيروم
الموجود في الماء الثقيل، إلى إصدار شعاع گاما له الطاقة نفسها، في حين
تمتلك الإلكترونات المتولدة من امتصاص النيوترينوهات وتبعثر الإلكترونات
طيفا واسعا من الطاقات. وكذلك فإن الإلكترونات الناتجة من التبعثر تنطلق
بعيدا عن الشمس، في حين يتجه ضوء شيرنكوف الناتج من تفكك الدوتيرونات في أي
اتجاه. وأخيرا فإن مواضع حدوث التفاعلات تختلف من حالة لأخرى. فمثلا، يحدث
تبعثر الإلكترونات في الطبقة الخارجية من الماء الخفيف (العادي) التي تغلف
المكشاف بالسهولة نفسها التي يحدث بها في الماء الثقيل، خلافا للتفاعلات
الأخرى ـ ومن خلال تفهم هذه التفاصيل يمكن للباحثين في مرصد سدبري أن
يحددوا إحصائيا عدد الأحداث المتعلقة بكل نوع من التفاعلات.
إن
هذا التفهم هو نتيجة لقياسات شكلت ـ في حد ذاتها ـ تجارب كاملة في مجال
الفيزياء النووية. فلتحديد كيفية قياس الطاقة باستخدام ضوء شيرنكوف، تم دس
مصادر إشعاعية ذات طاقات معروفة داخل المكشاف؛ ولمعرفة كيفية مرور ضوء
شيرنكوف عبر المواد المختلفة المكونة للمكشاف وانعكاسه عليها (الماء
والأكريليك وصمامات المضاعف الضوئي)، استخدم مصدر ضوء ليزري ذي طول موجي
متغير. كما تم تقدير تأثيرات التلوث الإشعاعي بتجارب مماثلة، بما في ذلك
إجراء تقديرات كمية راديوية للماء باستخدام تقنيات جديدة صممت خصيصا لمرصد
سدبري.
ظهر
من التحليل الإحصائي النهائي لنتائج مرصد سدبري أن 576 حدثا تعزى إلى تفكك
الدوتيرونات، وأن 1967 حدثا ناتجة من امتصاص النيوترينوهات، وأن 263 حدثا
ناتجة من تبعثر الإلكترونات، فيما تُعزى سائر الأحداث وعددها 122 حدثا إلى
النشاط الإشعاعي والتأثيرات الخلفية الأخرى. وينبغي لنا انطلاقا من هذا
التعداد للأحداث حساب العدد الحقيقي للنيوترينوهات المارة خلال مرصد سدبري
بناء على الاحتمالات الضئيلة لأن يتسبب نيوترينو بعينه في تفكيك دوتيرون أو
أن يتم امتصاصه أو أن يبعثر إلكترونا. وكانت حصيلة هذه الحسابات أن أحداث
امتصاص النيوترينوهات البالغة 1967 حدثا تمثل مرور 1.75 مليون من
نيوترينوهات-الإلكترون عبر كل سنتيمتر مربع من مكشاف مرصد سدبري في الثانية
الواحدة. ويمثل هذا العدد 35 في المئة فقط من فيض النيوترينوهات الشمسية
الذي تتنبأ به النماذج النظرية للشمس. وهكذا فإن مرصد سدبري يؤكد أولا ما
كشفته التجارب الأخرى عن النيوترينوهات الشمسية، من أن عدد
نيوترينوهات-الإلكترون الواصلة من الشمس هو أقل كثيرا من تلك التي تتنبأ
بها النماذج الشمسية.
يبقى
أن السؤال الحرج هو هل عدد نيوترينوهات-الإلكترون الواصلة من الشمس أقل
بشكل جوهري من عدد نيوترينوهات جميع النكهات الأخرى. في الحقيقة، إن الـ575
حدثا التي تعزى إلى تفكك الدوتيرون تمثل فيضا كليا من النيوترينوهات قدره
5.09 مليون نيوترينو لكل سنتيمتر مربع في الثانية، وهذا أكبر بكثير من
ال1.75 مليون نيوترينو-الإلكترون المقاسة بعملية امتصاص النيوترينو. لقد تم
تحديد هذه الأعداد بدقة عالية، والفرق بينهما يزيد على خمسة أضعاف الخطأ
التجريبي.
إن
الفائض في عدد النيوترينوهات المقاسة بوساطة تفكك الدوتيرونات يعني أن
ثلثي العدد الكلي البالغ 5.09 مليون نيوترينو الآتي من الشمس هو إما
نيوترينوهات-الميون وإما نيترينوهات-التاو. ولما كانت التفاعلات الاندماجية
في الشمس لا تولد إلا نيوترينوهات-الإلكترون فلا بد أن يتحول بعضها وهو في
طريقه إلى الأرض. وهكذا فقد برهن مرصد سدبري بشكل مباشر على أن
النيوترينوهات لا تخضع في سلوكها إلى المخطط البسيط الذي يصفه النموذج
المعياري: ثلاث نكهات متميزة عديمة الكتلة. وخلال عشرين عاما من المحاولات
لم يتضح أن للجسيمات الأولية خواص لا يتضمنها النموذج المعياري، إلا من
تجارب كتلك التي أجريت في السوبر-كمپوكاندا ومرصد سدبري. لقد قدمت الأرصاد
المتعلقة بتحول نكهات النيوترينو دليلا تجريبيا مباشرا على وجود الكثير مما
يُنتظر اكتشافه عن الكون الميكروي.
بعض التجارب الأخرى حول النيوترينو
هومستيك: هو مكشاف للنيوترينوهات الشمسية موضوع في منجم الذهب بهومستيك في ليد بداكوتا الجنوبية. بدأت تجربة الكلورين الأصلية عام 1966 واستخدمت 600 طن من سائل يستخدم في عمليات التنظيف الجاف، وقد تم تعزيزها عام 1996 بتجربة يوديد الصوديوم الكيميائي الإشعاعي باستخدام 100 طن من اليود.
كاميوكا: وتضم مرصد السوپر-كميوكاندا الذي يستخدم مكشافا يحوي 50000 طن من الماء الخفيف لدراسة الأشعة الكونية والنيوترينوهات الشمسية، إضافة إلى حزم نيوترينوهات-الميون التي تأتي من مختبر KEK الذي يبعد 250 كيلومترا (تجربة K2K). كما تضم كاملاند KamLAND وهو مكشاف أصغر (يحتوي على عداد تلألؤ سائلي liquid scintillator زنته 1000 طن، يُصدر ضوءا عند مرور جسيمات مشحونة خلاله)، ويقوم بتعداد نيوترينوهات-الإلكترون المضادة التي تبثها جميع المفاعلات النووية المجاورة في كوريا الجنوبية واليابان.
سيج: (تجربة الگاليوم الروسية الأمريكية للنيوترينوهات الشمسية). وقد أجريت في باكسان بجبال القوقاز في روسيا، واستخدمت 50 طنا من الگاليوم. وهي قادرة على كشف النيوترينوهات المنخفضة الطاقة التي تنتج من اندماج الپروتونات في الشمس.
گران ساسو: المختبر الأكبر تحت الأرض في العالم. يتم الدخول إليه عن طريق نفق يقع تحت جبال گران ساسو على بعد 150 كيلومترا شرق روما. وتتضمن تجارب النيوترينوهات الشمسية تجربة Gallex/GNO التي بدأت عام 1991، وتستخدم 30 طنا من الگاليوم (على هيئة ثلاثي كلوريد الگاليوم المائي)، والبوريكسينو وهي كرة زنتها 300 طن، يجري مشاهدتها عن طريق 2200 صمام ضوئي مضاعف، وينتظر إتمام بنائها عام 2003.
مينيبون: (تجربة النيوترينو المُضخم) تقع في مختبر فيرمي Fermilab بإيلينوي، حيث تجتاز حزم نيوترينوهات-الميون ومضاداتها مسافة 500 متر في باطن الأرض، ويجري كشفها في خزان سعته 800 طن من الزيت المعدني. يهدف المشروع إلى فحص نتيجة مثيرة للجدل لتجربة LSND التي جرت في مختبر لوس ألاموس الوطني عام 1995. بدأ المشروع بجمع البيانات في الشهر 9/2002.
مينوس: سيوجه حزمة نيوترينوهات من مختبر فيرمي إلى مكشاف سودان Soudan الذي يبعد عنه 735 كيلومترا، في مينيسوتا. والمكشاف مؤلف من 5400 طن من الحديد موشحة بمكاشيف پلاستيكية للجسيمات؛ ومن المقرر أن يبدأ جمع البيانات عام 2005. |
ولكن
ماذا عن مشكلة النيوترينوهات الشمسية نفسها؟ هل يفسر اكتشاف تحول
نيوترينوهات-الإلكترون إلى نكهات أخرى، كليا، النقص المرصود في عددها خلال
الثلاثين سنة الماضية؟ نعم إنه يفسر ذلك، لأن العدد الذي تم استنتاجه وهو
5.09 مليون نيوترينو يتفق بدرجة لافتة للنظر مع تنبؤات النماذج الشمسية.
ويمكننا الآن الادعاء بأننا نفهم حقيقة الطريقة التي تولد بها الشمس
طاقتها. فبعد أن سلكنا طريقا غير مباشر على مدى ثلاثة عقود وجدنا فيها أن
الشمس يمكن أن تُعلمنا شيئا جديدا عن النيوترينوهات، يمكننا أخيرا أن نعود
إلى هدف <ديڤز> الأصلي ونبدأ باستخدام النيوترينوهات لفهم الشمس.
فعلى سبيل المثال تستطيع الدراسات النيوترونية أن تحدد لنا كمية الطاقة
الشمسية الناتجة مباشرة من الاندماج النووي لذرات الهدروجين، والكمية التي
تحفزها بذرات الكربون.
المستقبل
تذهب
مضامين الاكتشاف الذي حققه مرصد سدبري إلى أبعد من هذا، فإذا كانت
النيوترينوهات تغير نكهاتها بالتذبذب فإن هذا يعني أن النيوترينو لا يمكن
أن يكون عديم الكتلة. ومن بين الجسيمات المعروفة التي تملأ الكون، تأتي
النيوترينوهات بعد الفوتونات من حيث التعداد، لذا فإن كتلة النيوترينو مهما
كانت ضئيلة قد تكون ذات أهمية كوسمولوجية كبرى. لكن تجارب التذبذب في مرصد
سدبري والسوپر-كميوكاندا تقيس فقط الاختلاف في كتل النيوترينو وليس الكتل
نفسها. ونظرا لأن الفرق في الكتل ليس صفرا فإن هذا يعني أن كتل بعضها على
الأقل ليست صفرا. وإذا وفَّقنا بين فروق الكتلة التي وفرتها نتائج التذبذب
وبين الحدود العليا لكتلة نيوترينو-الإلكترون التي وفرتها تجارب أخرى، تبين
لنا أن النيوترينوهات تشكل ما نسبته 0.3 إلى 21 في المئة من الكثافة
الحرجة اللازمة لكون مسطح flat
(تشير نتائج كوسمولوجية أخرى بقوة إلى أن الكون مسطح). وهذه الكمية ليست
تافهة (إنها تماثل إلى حد ما ال4 في المئة من الكثافة الناتجة من الغازات
والغبار والنجوم)، لكنها ليست كافية تماما لتفسير كل المادة التي يبدو أنها
موجودة في الكون. ولما كانت النيوترينوهات هي آخر الجسيمات المعروفة التي
كان يمكنها أن تؤلف المادة المظلمة المفقودة فإن جسيما أو جسيمات أخرى غير
معروفة حاليا لا بد أن توجد أيضا بكثافة أكبر كثيرا من كل ما نعرفه.
ويواصل
مرصد سدبري أيضا البحث عن دليل مباشر لتأثيرات المادة في تذبذبات
النيوترينو. وكما ذكرنا سابقا فإن مرور النيوترينوهات عبر الشمس يمكن أن
يزيد احتمال تذبذبها. وإذا ما حدث ذلك فإن اجتياز النيوترينوهات آلاف
الكيلومترات داخل الأرض يمكن أن يُحدث عكسا reversal
صغيرا في السيرورة ـ يمكن للشمس عندئذ أن تبدو أكثر سطوعا بالنسبة إلى
نيوترينوهات-الإلكترون خلال الليل منها خلال النهار. وأظهرت نتائج مرصد
سدبري بالفعل أن هنالك فرقا ضئيلا بالزيادة في نيوترينوهات-الإلكترون
الواصلة إلى المرصد خلال الليل مقارنة بتلك التي تصله خلال النهار ـ إلا أن
القياسات المتوافرة حاليا ليست مهمة إلى الحد الذي يمكن معه الجزم بأن هذا
التأثير حقيقي.
قد تساعد تجارب النيوترينو المستقبلية على تفسير
غلبة المادة في الكون على المادة المضادة.
إن
النتائج المعلن عنها من مرصد سدبري حتى الآن ليست سوى البداية. فمن خلال
الأرصاد المشار إليها هنا، كشفنا النيوترونات التي صدرت عن أحداث تفكك
الدوتيرونات الحرجة من خلال رصد أسرها من قبل ذرات الدوتريوم الأخرى ـ وهذه
عملية غير كفؤة تنتج ضوءا ضعيفا ـ وفي الشهر 5/2001 تم إضافة طنيْن من
كلوريد الصوديوم (ملح الطعام) العالي النقاوة إلى الماء الثقيل. تقوم نوى
ذرات الكلورين بأسر النيوترونات بكفاءة أعلى مما تقوم به نوى الدوتريوم،
مولدة أحداثا تُنتج ضياء أكثر يسهل تمييزها من نواتج الخلفية. لذا فإن مرصد
سدبري سيقوم بقياس منفصل وأكثر حساسية لمعدل تفكك الدوتيرونات، بهدف
التحقق من صحة النتائج الأولى. كما قامت تعاونية مرصد سدبري ببناء صفيف من
مكاشيف فائقة النظافة تسمى العدادات التناسبية بهدف نشرها في الماء الثقيل
منتصف عام 2003 للبحث عن النيوترونات بشكل مباشر. ولقد كانت صناعة هذه
المكاشيف بمثابة تحدٍّ تقني من الدرجة الأولى لأنها كانت مشروطة بأن تحوي
مستوى ضئيلا جدا من الخلفية الإشعاعية الذاتية، يعادل حدثا واحدا تقريبا
لكل متر مربع من المكشاف في السنة ـ وسوف تقوم هذه الأجهزة عبر تجارب
مستقلة، بالتحقق من صحة النتائج السابقة التي صدرت عن مرصد سدبري.
إن
لمرصد سدبري إمكانات فريدة، لكنها ليست الوحيدة بالضرورة؛ ففي الشهر
12/2002 ظهرت النتائج الأولى لتجارب يابانية-أمريكية مشتركة تسمى كاملاند KamLAND.
ويقع مكشاف كاملاند في موقع السوپر-كميوكاندا، ويقوم بدراسة
نيوترينوهات-الإلكترون المضادة المتولدة في جميع المفاعلات النووية
المجاورة في اليابان وكوريا. فإذا كان تذبذب النيوترينوهات الذي تعززه
المادة يفسر تغير النكهة التي رصدها مرصد سدبري، فإن النظرية تتنبأ بأنه
ينبغي أن تغير هذه النيوترونات المضادة نكهاتها أيضا عبر مسافات تبلغ عشرات
أو مئات الكيلومترات. وفي الواقع، فقد كشف كاملاند عن عدد قليل جدا من
نيوترينوهات-الإلكترون المضادة مما يعني أنها تتذبذب خلال مسارها من
المفاعلات النووية إلى المكشاف؛ كما توحي نتائج كاملاند بوجود فروق في كتل
النيوترينوهات ومتغيرات المزج مماثلة لتلك التي وجدها مرصد سدبري.
يمكن
لتجارب النيوترينو المستقبلية أن تعالج واحدة من أكبر نقاط الغموض في
الكون، وهي لماذا يتكون الكون من المادة وليس من المادة المضادة؟ لقد أشار
الفيزيائي الروسي <أندريه سخاروف> إلى أن التحول من الانفجار الأعظم
للطاقة الصرفة إلى العالم الحالي الذي تهيمن عليه المادة يتطلب أن تكون
هنالك فيزياء مختلفة للجسيمات والجسيمات المضادة. ويسمى هذا الاختلاف
انتهاك زوجية الشحنة CP (charge-parity) violation.
وقد أثبتت القياسات الحساسة لاضمحلال الجسيمات أن قوانين الفيزياء تحقق
هذا الانتهاك. لكن المشكلة هي أن هذا الانتهاك ليس كافيا لتفسير كمية
المادة التي تحيط بنا. لذلك لا بد من وجود ظواهر لم تُكتشف بعد تخبئ المزيد
من انتهاكات زوجية الشحنة، وأحد هذه الأمكنة الممكنة للاختباء هو تذبذبات
النيوترينو.
إن
رصد تذبذبات النيوترينو التي تنتهك الشحنة سيكون سيرورة متعددة المراحل.
فأولا يجب أن يرى الفيزيائيون ظهور نيوترينوهات-الإلكترون في حزم شديدة من
نيوترينوهات-الميون. وثانيا ينبغي بناء مسرعات ذات شدة أعلى، لتوليد حزم
نيوترينوهات من الشدة والنقاء بحيث يمكن رصد تذبذباتها بمكاشيف موضوعة عبر
القارات أو على الجانب الآخر من الكرة الأرضية. كما أن دراسة سيرورة
إشعاعية نادرة تسمى تحلل بيتا اللانيوترينوي المزدوج(4) ستوفر معلومات إضافية عن كتل النيوترينوهات وظواهر انتهاك زوجية الشحنة.
ربما
يمر أكثر من عقد من الزمن قبل أن تصبح هذه التجارب حقيقة، ولربما يبدو عقد
من الزمن مدة طويلة، إلا أن الثلاثين سنة الماضية، والأعمال الجبارة التي
تمثلت في تجارب كتلك التي جرت في مرصد سدبري، أوضحت أن فيزيائيي النيوترينو
صبورون ومثابرون جدا، وهاتان صفتان لا بد منهما لمن يتصدى لفتح مغاليق
أسرار هذه الجسيمات المراوغة. إن هذه الأسرار مرتبطة ارتباطا وثيقا
بالمستوى التالي لفهم فيزياء الجسيمات والفيزياء الفلكية وعلوم الكونيات
(الكوسمولوجيا)، لذا ينبغي أن نبقى مثابرين دائما.
المؤلفون
Arthur B. McDonald - Joshua R. Klein - David L. Wark
جميعهم
أعضاء في العمل التعاوني الذي يضم 130 باحثا في مرصد سدبري. مكدونالد من
مواليد مدينة سدني، في ولاية نوڤاسكوشيا بكندا، وهو مدير معهد مرصد سدبري
للنيوترينوهات منذ إنشائه عام 1989، وأستاذ الفيزياء في جامعة كوينز في
كنگستون بولاية أونتاريو. حصل كلاين على الدكتوراه من جامعة پرنستون عام
1994، وبدأ عمله بمرصد سدبري في جامعة پنسلڤانيا. وهو حاليا مدرس في
الفيزياء بجامعة تكساس في أوستن. أما ورك فقد قضى السنوات الثلاث عشرة
الأخيرة في المملكة المتحدة بجامعة أوكسفورد وجامعة سَسكس ومختبر رذرفورد
أپلتن . وقد عمل في عدد من تجارب النيوترينو إضافة إلى عمله في مرصد سدبري.