[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] إنّ الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن
سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن
لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلوات
الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه.
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]<blockquote class="postcontent restore ">من قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم : "الْمُسْلِمُ
أَخُو الْمُسْلِمِ ، لاَ يَظْلِمُهُ وَلاَ يُسْلِمُهُ ، وَمَنْ كَانَ فِي
حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ اللَّهُ فِي حَاجَتِهِ ، وَمَنْ فَرَّجَ عَنْ
مُسْلِمٍ كُرْبَةً فَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرُبَاتِ يَوْمِ
الْقِيَامَةِ ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ" :
فصدر السياق بقصرٍ بتعريف الجزأين ، فهو أخو
المسلم لا غيره ، فأفاد ذلك انتفاء كل أخوة سواها من أخوة نسب أو وطن ....
إلخ من معاقد الولاء والبراء التي وصفها الصادق المصدوق صلى الله عليه
وعلى آله وسلم بأنها منتنة ، والكلام يفيد بمفهومه انتفاء أخوة المسلم
لغيره ، أو يقال بأن في الكلام إيجازا دل عليه السياق ، فالقصر ينوب عن
الإثبات : فالمسلم أخو المسلم ، والنفي : فليس أخا لغيره ، كما قرر ذلك
البلاغيون في معرض بيان وجوه البلاغة في القصر ، فلا أخوة بين مسلم وكافر
، فلسان مقال مصعب بن عمير لمحرز بن فضلة ، الذي أسر أبا عزيز بن عمير ،
أخاه من النسب : "اُشْدُدْ يَدَيْك بِهِ ، فَإِنَّ لَهُ أُمًّا بِمَكَّةَ
كَثِيرَةَ الْمَالِ ، فَقَالَ لَهُ أَبُو عَزِيزٍ : هَذِهِ وَصَاتُك بِي
يَا أَخِي ؟ فَقَالَ : إنَّ مُحْرِزًا أَخِي دُونَك" ، فأثبت أخوة
الدين لمؤمن بعيد ، ونفي الأخوة عن أخ شقيق لقيام مانع الكفر به ، ولسان
حال الصديق ، رضي الله عنه ، الحرص على قتل ابنه عبد الرحمن ، يوم بدر ،
ولسان حال ابن الخطاب ، وهو الفاروق بين الحق والباطل فلا تحتمل طبيعته
التردد ، فهو الحاسم دوما بكلماته الجزلة ، وسيفه الذي قتل به خاله يوم
بدر ، ولسان حال أبي عبيدة ، رضي الله عنه ، معروف مشهور ، فهو قاتل أبيه
، في ذات الله ، عز وجل ، فـــ : (لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ
بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ
وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آَبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ
إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ) ، فالنفي قد تسلط على المصدر الكامن في
الفعل ، فلا يتصور وجدان إيمان ، مع وجدان مودة للكفار ، فذلك مئنة من
النفاق الذي يصل إلى حد النفاق الأكبر المخرج من الملة ، في صور قلبية
وقولية وعملية ، فالكفر يقع بها جميعا ، خلافا لمن حصره في انتفاء قول
القلب بالتكذيب ، فينتفي أصل الإيمان من القلب بالتكذيب ، أو بانتفاء عمل
القلب ، كما يقع ممن يتمنى ظهور الكفار وعلو شأنهم على المؤمنين ، بل
ويتمنى ولايتهم ، فيسعى في ذلك ، فهو من صور النفاق الأكبر الظاهرة ، فلا
ينفك فساد الباطن بتولي الكفار ، عن فساد في الظاهر هو تأويل ما قام
بالباطن ، فالظاهر ، كما تقدم مرارا ، قولا أو فعلا ، هو تأويل الباطن ، والشاهد
أنه يسعى في ذلك بلسانه فهو دوما مثن عليهم ذام للمؤمنين كاره لهم مفتر
عليهم محرض عليهم في الداخل والخارج ساخر من هديهم الباطن والظاهر ، ويسعى
في ذلك بفعله باستيراد قوانينهم وشرائعهم ، والدخول في حزبهم حال وقوع
الحرب بينهم وبين المؤمنين ، ومد يد العون المادي إليهم سواء أكان عسكريا
أم لوجستيا أم استخباريا ...... إلخ من صور المظاهرة والتأييد ، أو الهرب
إلى بلادهم طوعا بلا إكراه ، كما وقع ويقع من جملة من المرتدين الذين
ينتسبون زورا إلى عالم الفكر والأدب ، فيحزمون حقائبهم إلى بلاد الغرب ،
ويدخلون في ولايتهم طواعية ، بل ويتخذون بلادهم وجامعاتهم منابر للقدح في
الإسلام وثوابته ، بخلاف من فر إلى بلادهم ودخل في حكمهم ، بجنسية أو هوية
، مكرها مضطرا ، فلا يأمن على دمه وعرضه في بلاد المسلمين ، ويأمن عليها
في بلاد الكافرين ، وتلك من النوازل الحادثة في زماننا ، فكثير قد
ضاقت به بلاد المسلمين ذرعا ، فلم يجد من يأوي إليه من المسلمين فاضطر إلى
الانحياز إلى بلاد الكفار لينعم ، ولو جزئيا بحرية دينية ، ولو اعتقادا
وشعائر ، فتلك من الأمور التي صارت عزيزة المنال في بلادنا في الأعصار
الأخيرة ، لا سيما بعد تكرار مهزلة تسليم المؤمنات إلى الكافرين ، فلم يعد
مؤمن قديم ولا مؤمن جديد يأمن على نفسه من بطش السلطات الرسمية الباسلة
التي تجتهد في حرب التطرف والإرهاب ، وتتعاطى كؤوس المحبة والإخاء مع رءوس
الكفر على موائد الشيطان التي يدعى إليها اللئام من أصحاب الرياسات بلا
تقوى ، والعلوم بلا أعمال تصدقها ، والدماء الباردة فلا تغلي إلا حربا على
أهل الديانة من الرجال والنساء ، فليس ثم ما يحفز الهمم الدنية التي ماتت
قلوب أصحابها ، وإن تحركت أبدانهم بما فيها من حياة حيوانية تشترك فيها مع
البهائم ، فقوى الإحساس الظاهر تعمل ، وقوى الإحساس الباطن غيرة وحمية على
هذا الدين معطلة ، ولا ريب أن تسليم المؤمنات إلى الكفار ، هو ، أيضا ، من
صور النفاق الأكبر ، بغض النظر ، كما تقدم في موضع سابق ، عن عين الفاعل
الذي يحتج بالإكراه ، وليس ثم إكراه معتبر في معظم الأحيان ، بل قد تجد من
الهمة في البحث والتحري وإعداد الكمائن تحت سمع وبصر المشايخ ! ، قد تجد
من ذلك عنده ما لا تجده عند الكافر صاحب القضية الآثمة ، وعن أولئك يقول
ابن القيم ، رحمه الله ، في "الفوائد" : "علماء السوء جلسوا على باب
الجنة يدعون إليها الناس بأقوالهم ويدعونهم الى النار بأفعالهم فكلما قالت
أقوالهم للناس : هلموا قالت أفعالهم : لا تسمعوا منهم فلو كان ما دعوا
إليه حقا كانوا أول المستجيبين له فهم فى الصوره أدلاء وفي الحقيقة قطاع
الطرق" . اهــ
فأي أخوة بقيت بعد ذلك ، وقد قام الدليل العملي
الظاهر على انتفاء أصلها في الباطن ، فلا يتصور بقاء أصل الإيمان ، وقد
وقع صاحبه في شعبة من شعب الكفر تأتي عليه بالإبطال ، فلا يجتمع الشيء
ونقيضه في محل واحد ، فمفهوم الكلام ، كما تقدم ، انتفاء الأخوة بين
المسلم وغيره ، فالكلام يفيد بمنطوقه حكما مثبتا ، وبمفهومه حكما منفيا ، فينتفي
مطلق الأخوة بين المسلم وغيره من كافر أو مرتد ، بقيام وصف ناقض لأصل
الإيمان ، كتولي الآخر المزعوم ونصرته على المؤمن المقهور ! ، فليس ثم إلا
البراء ، مع جواز البر بالكافر الأصلي ، دون المرتد ، في أمور المعاش من
معاملات ونحوه ، ما لم ينكث يمينه وينقض عهده بطعن في الدين ، بمقالة أو
فعل سوء ، كحال كثير من كفار أهل الكتاب في زماننا ، كالقس المشلوح ومن يحركه من وراء الستار ، ولم يعد شخصه القبيح خافيا على أحد .
وتنتفي
الأخوة المطلقة من وجه آخر ، لو حمل وصف الإسلام في الحديث على الإسلام
الكامل ، فيكون ذلك من قبيل قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم : "المسلم
من سلم المسلمون من لسانه ويده" ، فذلك المسلم الكامل الإسلام ، وبه استدل
على أن الإسلام كالإيمان يزيد وينقص ، بالنظر إلى معناه العام حال
الافتراق عن الإيمان فيعم الظاهر الإسلامي والباطن الإيماني ، فيتصور أن
يكون المسلم ناقص الإسلام من هذا الوجه ، فلا تثبت له الأخوة الإسلامية
كاملة ، بل يوالى بقدر ما فيه من إسلام ، ويبغض بقدر ما فيه من شعب كفر أو
نفاق أو معاص ظاهرة أو باطنة ما لم تكن ناقضة لأصل الإيمان في القلب فتلك
تلحقه بالكفار فتنتفي الأخوة بها مطلقا ، فقد يقال بأن المسلم الكامل
الإسلام هو أخو المسلم ، فتعليق معنى الأخوة على الإسلام مئنة من كمال
إسلامه ، فيفيد الكلام بمفهومه بعد تقدير وصف الكمال ، أن : المسلم الناقص
الإيمان ليس أخا للمسلم من كل وجه إذ قد قام به يقينا وصف مانع من تحقق
وصف الأخوة الكاملة من شعب كفر أو نفاق أو معاص ..... إلخ ، غير ناقضة
لأصل الإيمان ، كما سبقت الإشارة إلى ذلك ، وذلك مذهب أهل السنة في مسألة
تبعض الإيمان أو الإسلام بتعدد شعبه القلبية والقولية والفعلية ، فيزيد
بزيادتها وينقص بنقصانها ، فكلما زادت زاد قدر الولاء الواجب لصاحبها ،
وكلما قلت قل ، فالتناسب طردي بين وصف الإسلام وحكم الولاء ، وقد يقوم
بصاحبها ناقض يأتي على الأصل بالإبطال فتصير الشعب وإن تعددت عديمة الجدوى
، وذلك مما يجعل دراسة نواقض الإيمان ، وقد تعددت وخفيت في زماننا ، يجعل
دراستها مطلبا ملحا ، ليعلم المسلم ما يجب عليه في نفسه ، وما يجب
لأخيه عليه من وجوب الولاية والنصرة والتأييد والحماية ، لا سيما إن كان
قادرا ممكنا ، فليس القادر والعاجز في ذلك سواء ، فكيف إن كانت قدرته
وبالا على المسلمين بإسلامهم إلى الكافرين ، وذلك ما ذيل به الخبر
الذي قدم مجملا فأفاد تشويقا إلى بيانه ، فجاء البيان لذلك الخبر الذي صدر
به الكلام على جهة تقديم المسند إليه فالمسند تشويقا ، ثم التعقيب بالبيان
: لاَ يَظْلِمُهُ وَلاَ يُسْلِمُهُ : فتسلط النفي على المصدر الكامن في
الفعلين مئنة من العموم ، كما تقدم ، وهو خبر في مبناه ، إنشاء في معناه ،
فيفيد النهي عن ظلم المسلم وإسلامه إلى عدوه ، وقد يقال بأن ذلك ، أيضا ،
من باب الإطناب ، بذكر الخاص عقيب العام ، فالظلم معنى عام ، وإسلام
المسلم إلى الكافر معنى خاص يندرج تحت عمومه ، فهو من صور الظلم الفاحشة ،
فحسن إفرادها بالذكر ، تنويها بخطرها ، فليست كالظلم في النفس بالضرب أو
القطع أو حتى القتل أو الظلم في العرض بزنا أو نحوه أو الظلم في المال
بسرقة أو غصب أو نحوه ، فتلك لا توقع صاحبها تحت طائلة الردة ما لم
يستحلها ، بخلاف صورة خذلان المسلم بتسليمه إلى الكافر ، فتلك توقعه تحت
طائلتها ، فهي ، كفر أكبر في نفسها ، بغض النظر ، كما تقدم ، عن حكم
فاعلها المعين فتحرير ذلك أمر لا يجدي كثيرا في معرض التقرير العام للمعنى
، وهو أجدر باهتمام المسلم لا سيما في أعصار الفتن التي تعز فيها الأوقات
فلا يحسن بذلها في أمل قليل الجدوى ، فليس كلنا قضاة شرعيين لنحكم على
فلان أو فلان بأعيانهم بالردة .
وَمَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ اللَّهُ فِي حَاجَتِهِ : فذلك من قبيل الجزاء الذي هو من جنس العمل ، ويزيده تقريرا الجناس بين الحاجتين أو المشاكلة اللفظية بينهما ، والحاجة
تعم حاجة الدين بتأمينه على معتقده وشعائره ، وحاجة الدنيا بتأمينه على
دمه وعرضه وماله وعقله فتلك الضرورات التي نزلت الشريعة الخاتمة لحفظها ،
وقد أهدر أغلبها ، إن لم يكن كلها في زماننا ، وكان آخرها إهدارا في
الآونة الأخيرة : أولها ، وأعظمها شأنا : الدين .
وتعليق
الأمر بصورة الشرط الذي يدل على التكرار فهو ملكة راسخة في نفس صاحبه ،
فيكون في حاجة أخيه ، دائما ، فيكون الرب ، جل وعلا ، في المقابل ، في
حاجته دائما ، ذلك التعليق : آكد في تقرير المعنى في معرض الترغيب ، وشتان
الكينونتان : فكينونة العبد في حاجة أخيه تنقطع لا محالة بما يرد عليه من العوارض والصوارف الكونية
، من غفلة ولغوب وسنة ونوم ونوازل كونية تذهل صاحبها عن مطالعة شأن غيره
وموت يقطعه عن هذه الدار واشتغال بتحصيل أمور المعاش ...... إلخ ، وأما
كينونة الرب في حاجة العبد فهي كينونة من لا يغيب عن خلقه ، فذلك من
الأفول الذي تنزه عنه ، فلا يخفى على الرب ، جل وعلا ، شيء من كونه ، علما
وتدبيرا ، فعلمه محيط ، فــ : (عِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا
يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا
تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ
الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ) ،
وتدبيره محكم متقن ، فهو أحكم الحاكمين الذي أتقن كل شيء ، فيكون ذلك وجه
المشاكلة بين الكينونتين ، فبينهما قدر مشترك فذلك من قبيل الاشتراك
المعنوي في أصل كلي جامع ، وقدر فارق ، يقع به التباين ، فليست كينونة
الرب ، جل وعلا ، ككينونة العبد ، فلكل وصف يليق بحاله كمالا أو نقصانا ،
فليست كينونة من لا يغيب فيعلم السر وأخفى ، وهو مع ذلك : (الَّذِي
أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى) ، ككينونة من يغيب فيخفى عليه
من الحوادث ما يخفى ، بل الجهل أصل فيه لقصور مداركه الحسية والمعنوية ،
فإن غفل الرقيب البشري ، فالرقيب الرباني لا يغف ولا ينام ، فـــ : (لَا
تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا
يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ) ، وإن قعد العباد عن
نصرة المستضعفين والمستضعفات ، اختيارا أو اضطرارا ، فالرب ، جل وعلا ، هو
الذي : (يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ) ، فجاء
الفعل على حد المضارعة مئنة من الحدوث والتجدد ، أيضا ، فيحدث ، جل وعلا ،
ما شاء من أفراد وصفه الذاني ، فهو سميع الدعاء ، ولو من كافر ، فكيف إذا
كان من مستضعف أو عاجز عن نصرته قد بذل وسعه واستفرغ جهده في نصرة أخيه ،
فصح توكله على الرب ، جل وعلا ، فلا يستجيب الرب ، جل وعلا ، لمن قعد
ابتداء ، برسم الكسل أو قلة الاكتراث ، وإنما يستجيب لمن حرر ولاءه لأخيه
فكان في حاجته ، ولو بكلمة ، ولو بغضبة حر في نفسه يحترق فيها قلبه كمدا
على ما ينال أبناء دينه من ظلم وقهر ، فما نقم منهم أعداؤهم : (إِلَّا
أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ) ، وهل ذلك مما يوجب
النقمة إلا إن كان الناقم من جند إبليس فلا يرضيه أن يسلم الناس لرب
العالمين لئلا تفوته رياسته ومآكله الدنية فتعلق همته بها مئنة من دنو
نفسه وضعة أصله ، وتلك حال كل من تكالب على رياسة زائلة فباع من أجلها من
دينه وكرامته ورجولته ما باع ، وما فتنوهم إلا لأنهم آمنوا ، وما قعد عن
نصرتهم إلا من نافقوا ، فظهرت بتلك النوازل الفواجع : معادن قلوب طوائف ثلاث : طائفة إيمان وإن كانت عاجزة فهي بإيمانها مستعلية وببذل الأسباب المشروعة لنجدة المستضعفين متوسلة ، وبدعائها إلى رب الأرض والسماوات متوجهة ، وطائفة كفر
تفتن المؤمنين والمؤمنات فهي أمام إيمانهم عاجزة ، ومقابل عزهم ذليلة
خاشعة ، وإن بدا أنها ظاهرة غالبة ، فليست تلك إلا صحوة الاحتضار ، وظلمة
آخر ليل آذن بالارتحال ، فهي حالكة ، وعما قريب مفارقة ، وطائفة نفاق
ترضى بما ينزله الكفار بالمؤمنين ، بل تظاهرهم بالقول والفعل ، وتدعي
الإيمان وهي بضده قد تلبست ، فلا أقل في تلك الفواجع التي تنزل بإخواننا
وأخواتنا من دعاء صادق بقلب حاضر ، قد تمحض ولاءً للمؤمنين وبراءً من
الكفار والمنافقين ، وتلك فجائع من جنس فجائع الرندي رحمه الله :
فـــ :
فـجائعُ الـدهر أنـواعٌ مُـنوَّعة ******* ولـلـزمان مـسرّاتٌ وأحـزانُ .
ولـلـحوادث سُـلـوان يـسهلها ******* ومـا لـما حـلّ بالإسلام سُلوانُ .
ووصف من نزلت به الحاجة من المؤمنين بالأخ ترقيقا لقلب المؤمن عليه ، فالأخ
، إن كان في قلبه بقية مروءة وشهامة يفزع إلى نجدة إخوانه وأخواته ما
استطاع إلى ذلك سبيلا ، ويفزع إلى ربه بالدعاء الحار استنزالا لرحماته
عليهم ، واستنزالا لنقماته على من ظلمهم وخذلهم من أهل الكفر والنفاق .
وكذلك الشأن في : وَمَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً فَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرُبَاتِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ :
فحصلت المقابلة والمشاكلة في سياق الشرط تقريرا للمعنى ، وحصل الاشتراك ،
أيضا ، في المعنى الكلي لــ : "التفريج" ، فذلك من وصف الرب ، جل وعلا ،
الفعلي ، فيشترك مع تفريج العبد لكرب أخيه ، في المعنى الكلي دون الحقيقة
، فليس تفريج من هو على كل شيء قدير كتفريج من لا يقدر على شيء إلا إن
أقدره الرب ، جل وعلا ، عليه ، فليس إلا سببا يوصل الرب ، جل وعلا ، به
النفع إلى عباده ، إن اصطفاه بفضله ، أو الضر إن أبعده بعدله ، فجعله حربا
على المؤمنين والمؤمنات لفساد محله فلا يقبل آثار الخير من مودة للمؤمنين
وبر بالناس أجمعين .
فالقول بالمشاكلة هنا صحيح إن لم يرد قائله
التوصل بذلك إلى نفي الوصف بإلغاء كل اشتراك بين وصف الرب ، جل وعلا ،
ووصف العبد ، فكلاهما يفرج ، كما تقدم ، فذلك اشتراك في الأصل ، وشتان
تفريج كليهما فذلك افتراق في الفرع ، فالمشاكلة اللفظية في مثل هذا الموضع مشفوعة بمشاكلة معنوية في أصل المعنى دون فرعه .
وقد نكرت "الكربة" : إما لبيان النوع
، فتعم القليل والكثير ، فهي جارية مجرى اسم الجنس ، وذلك مما يحمل العباد
على المسارعة في قضاء حوائج إخوانهم ، ولو صغرت ، فــ : (إِنَّا لَا
نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا) ، فنكر العمل ، أيضا ، مئنة من
النوعية فلا يضيع أجر من أحسن أي عمل ، صغيرا كان أو كبيرا ، لقرينة وروده
في سياق نفي فتلك من صور العموم الذي يشمل القليل والكثير والصغير والكبير
، فلا يضيع أجر من أحسن أي عمل طالما أحس صاحبه في إرادة وجه الله ، جل
وعلا ، به ، وأحسن بفعله على الوجه المشروع ، وإما تعظيما ، فمن الكرب : كرب عظام :
وأي
كربة أعظم من كربة الفتنة في الدين ، فهي أعظم نازلة تنزل بالمؤمن ، وأعظم
كرامة تقع له ، إن صبر وثبت ، فلا يليق بمن يدعي الإيمان أن يبخل عليه ولو
بالدعاء أن يثبته الله ، جل وعلا ، ويصبره حتى ينال الثواب والرفعة في
الدنيا والآخرة : (إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آَمَنُوا فِي
الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ) .
وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ :
فذلك
تقرير ثالث جار على ما تقدم من المشاكلة في اللفظ وأصل المعنى في سياق شرط
يزيد المعنى تقريرا بتعليق الجزاء على الشرط ، فضلا عن العموم الذي صدر به
، وهو اسم الشرط : "من" ، فلا نظر فيه إلى عين العامل بل النظر إلى قلبه
وما قام به من إيمان هو أصل لصحة أي عمل ، ثم إرادة خير فباعثه الإخلاص ،
ثم إلى عمله فلا يقبل الرب ، جل وعلا ، إلا ما كان على منهاج أنبيائه
عليهم السلام .
فمن سَتَر سُتِر ، وصور الستر كثيرة ، فمنها ستره إذا أذنب ، ما لم يصر في ذلك مفسدة عظيمة ترجح رفع أمره إلى السلطان ليكف أذاه عن المؤمنين ، ومنها ستره إن كان مستضعفا مطاردا بلا ذنب اقترفه ،
كحال كثير من المؤمنين والمؤمنات في زماننا ، لا سيما من فتن منهم في دينه
، فستره لئلا يفتن في دينه ، إن عجز المسلمون عن نصرته صراحة كما هي الحال
في زماننا ! ، ستره من آكد لوازم الولاء والبراء ، وذلك أمر يعم كل صور
الستر المعنوية بتعليمه أمور الديانة والتهوين عليه فالفرج قريب وإن اشتد
الكرب ..... إلخ ، والمادية بإيواء ونفقة ..... إلخ ، فمن فضحه ووشى به ،
وطارده وسعى في إسلامه إلى من يفتنه في دينه فقد ارتكب ناقضا من نواقض
الإيمان ، وإن كان مصدقا بقلبه .
ومقابل هذا الستر المحدود : ستر
الرب ، جل وعلا ، في يوم تفتضح فيه النفوس فيظهر مكنون الصدور وتبلى سرائر
القلوب ، وينكشف ما قد كان مستورا من ذنوب الخلوات وفساد النوايا والإرادات .
والله أعلى وأعلم .
</blockquote>