يمتد
المناخ المداري، على شكل حزامَين، شمال المناخ الاستوائي وجنوبه؛ وذلك في
المناطق، التي تسودها الرياح التجارية، طوال العام، حيث توجد صحاري
العالم. وفي المناطق الواقعة بين الصحاري والمناخ الاستوائي يتحرك نطاق
المطر الاستوائي مع حركة الشمس الفصلية نحو الشمال في فصل الصيف الشمالي،
ونحو الجنوب في فصل الصيف الجنوبي (فصل الشتاء في نصف الكرة الشمالي).
فتتعرض هذه المنطقة لفترة جافة، إبان سيطرة الرياح التجارية، وفترة مطيرة،
تسببها التيارات الاستوائية الصاعدة، والأمطار الحملانية . ومدار السرطان
هو الحد الشمالي لهذا الإقليم المداري، في نصف الكرة الشمالي؛ ومدار الجدي
حدُّه الجنوبي، في نصفها الجنوبي.ويقسم إقليم المناخ المداري إلى ثلاثة
أقاليم فرعية، هي: الإقليم المداري البحري، والإقليم المداري القاري،
والإقليم المداري الموسمي.
أ المناخ المداري البحري :
يتمثل
هذا النوع من المناخ المداري في السواحل الشرقية للقارات، حيث تهطل
الأمطار طوال العام. ففي فصل الصيف، تكون المناطق الساحلية في نطاق
المنخفض الاستوائي؛ ما يوجد التيارات الصاعدة، فالأمطار الحملانية. أمّا
في فصل الشتاء، حينما يتزحزح الضغط المنخفض الاستوائي نحو خط الاستواء،
فتصبح تلك المناطق في نطاق الرياح التجارية الآتية من المحيط، والتي ينجم
عنها هطْل الأمطار. ولا تختلف كثيراً درجتا الحرارة في الإقليمَين،
المداري البحري والاستوائي؛ فهما مرتفعتان، طوال العام، من دون تفاوت يذكر
بين فصول السنة؛ إذ لا يزيد المدى الحراري السنوي على ثماني درجات مئوية.
وتكون الحرارة العالية أكثر احتمالاً في أولهما منها في الثاني؛ بسبب
تلطيف الجو بواسطة الهبوب الدائم للرياح التجارية، في فصل الشتاء. أمّا في
فصل الصيف، حين يسيطر على إقليم المدار البحري الركود الاستوائي، وما
يصاحبه من ازدياد في رطوبة الهواء، فإن الحرارة العالية، تكون خانقة، يصعب
احتمالها.
ويسود المناخ المداري البحري الجزء الأكبر، من السواحل
الشرقية للبرازيل، وإفريقيا، وأمريكا الوسطى. وأن جميع هذه المناطق، تتلقى
أمطاراً سنوية، لا تقلّ عن 100 سنتيمتر، إلاّ أنها تتفاوت تفاوتاً كبيراً
بين منطقة وأخرى. ففي جزيرة جامايكا، الواقعة في البحر الكاريبي، تصل كمية
الأمطار السنوية، على السواحل المواجهة للرياح التجارية، إلى 350
سنتيمتراً؛ ولكنها تنخفض إلى 12 سنتيمتراً، على السواحل المعاكسة لاتجاه
تلك الرياح التجارية. أمّا الجزر المنبسطة، القليلة الارتفاع عن مستوى سطح
البحر، فإن الرياح لا تضطر إلى الارتفاع؛ ما يجعل كمية الأمطار السنوية
قليلة نسبياً، كما هو الحال في جزر البهاما، الواقعة في البحر نفسه، والتي
لا يهطل فيها من الأمطار، سنوياً، سوى 127 سنتيمتراً.
وقد تتباين كميات
المطر، فصلياً، فيكون هناك نهاية عظمى، في فصل الشتاء، حينما يقوى تأثير
الرياح التجارية، كما هو الحال في جزيرة هونولولو، وموزامبيق، ومالاجاشي،
حيث يهطل، في ذلك الفصل وحده، أكثر من ثلاثة أرباع الأمطار السنوية. وفي
بعض المناطق من الإقليم المداري البحري، تكون النهاية العظمى للمطر في فصل
الخريف، حينما ترتفع درجة حرارة مياه البحر، وتنخفض حرارة اليابسة، كما هو
الحال في جزر الأنتيل، حيث يتساقط نحو 108 سنتيمترات من الأمطار، في
الفترة الممتدة من سبتمبر حتى نوفمبر؛ بينما يناهز متوسطها الفصلي، في
الشتاء والصيف والربيع، 82، 95، 17 سنتيمتراً، على التوالي.
وفي مناطق
أخرى من ذلك الإقليم المناخي، وبخاصة تلك القريبة من المنطقة الاستوائية،
تكون النهاية العظمى للأمطار في فصل الصيف؛ نظراً إلى سيطرة الركود
الاستوائي، مدة أطول، وما يصاحبه من أمطار حملانية، كما هو الحال في جزيرة
ترينيداد الواقعة في البحر الكاريبي، والتي يهطل نحو 40 من أمطارها
السنوية، المقدَّرة بنحو120 سنتيمتراً، خلال فصل الصيف؛ بينما تقدَّر
نسبتها بنحو 14، 12، 24، في الشتاء، والربيع، والخريف، على التوالي.
ب المناخ المداري القاري :
يسود في داخل القارات، والمناطق الواقعة في ظل الرياح التجارية، التي تجعلها جافة؛ بينما يكون الصيف هو الفصل المطير.
· الحرارة :
درجة
الحرارة في هذا الإقليم أكثر ارتفاعاً منها في الإقليم الاستوائي؛ وذلك
بسبب صفاء سمائه، وجفاف هوائه. ويتراوح متوسط درجة الحرارة، في أكثر شهور
السنة حرارة 34 و45 درجة مئوية؛ ولكنها تهبط هبوطاً سريعاً، أثناءالليل،
إلى نحو 10 درجات مئوية.
وهي تتزايد تزايداً تدريجياً، مع اقتراب فصل
الصيف، وارتفاع الشمس واقترابها من زاوية السمت. ولا يخفف من حدَّتها إلاّ
هطْل الأمطار؛ فالحرارة، في منجلا، في جنوبي السودان، تصل إلى 28.3 درجة
مئوية، في شهر مارس، قبل بدء موسم هطْل الأمطار؛ ولكنها تنخفض إلى 24.4
درجة مئوية، في شهر يوليه ذي الأمطار الغزيرة. وقلّما يشعر الناس بهبوط
درجة الحرارة، لاقتران تلك الأمطار بازدياد الرطوبة؛ ما يضعف الإحساس
بالحرارة.
· الأمطار :
يكون
فصل الشتاء، في إقليم المناخ المداري القاري، هو فصل الجفاف؛ لسيطرة
الرياح التجارية الجافة في خلاله. أمّا في فصل الصيف، فيمتد إلى الإقليم
نطاق الضغط الاستوائي المنخفض؛ ما يساعد على نشاط التيارات الهوائية
الصاعدة، وسقوط الأمطار الحملانية. وتكون جهاته الجنوبية، المتاخمة
للإقليم الاستوائي، أكثر مطراً، وفصلها المطير أطول، وأمطارها أكثر
انتظاماً. غير أن الابتعاد عن خط الاستواء، يجعل الموسم المطير قصيراً،
وأمطاره قليلة، وكذلك انتظامها. فتخوم الإقليمَين: المداري القاري
والاستوائي، تصل فيها كمية الأمطار السنوية إلى 125 سنتيمتراً، ويطاول
موسمها المطير 8 أشهر؛ بينما تنخفض إلى نحو 25 سنتيمتراً، في السنة، حيث
يتاخم إقليم المناخ المداري القاري المناطق الصحراوية، إلى شماله، في نصف
الكرة الشمالي، وإلى جنوبه في نصفها الجنوبي. ولا يتعدى طول الفصل المطير
أربعة أشهر.
كما تتباين كميات المطر السنوية، في المنطقة الواحدة من
هذا الإقليم المناخي؛ إذ تفوق في بعض السنوات، ضعف معدلها السنوي؛ بينما
تقلّ، في سنوات أخرى، عن نصف ذلك المعدل. وتفقِد الأمطار انتظامها السنوي
كلما ابتعدت عن خط الاستواء، واقتربت من المناطق الصحراوية، إلى الشمال في
نصف الكرة الشمالي، وإلى الجنوب في نصفها الجنوبي.
ويتسبب عدم الانتظام
في هطول الأمطار بتذبذب كبير في الإنتاج الزراعي، ولاسيما في المناطق
القريبة من الإقليم الصحراوي؛ ما يسفر عن سنوات من المجاعات، كما هو معهود
في ذلك الإقليم من القارة الإفريقية. ويزيد من هذه المعضلة، توافق فصل
المطر وفصل الحرارة الشديدة، التي تقلِّل من فاعلية الأمطار وتبخِّر كمية
كبيرة من المياه؛ إذ يزيد معدل التبخر و النتح الكامن على 245 سنتيمتراً،
في العام؛ بينما لا يزيد معدل المطر السنوي على 76 سنتيمتراً، أي أن معدل
التبخر و النتح الكامن ، يزيد على ثلاثة أمثال معدل المطر السنوي.
كما
أن طبيعة سقوط المطر، الذي يهطل بغزارة، قد تفوق، في اليوم الواحد، 12
سنتيمتراً، وقد تزيد، في الساعة الواحدة، على 6 سنتيمترات تسهم في فقدان
كميات كبيرة منه، بالجريان السطحي إلى الأنهار والأودية، بدلاً من تغلغلها
في التربة، حيث يُنتفَع بها.
ت المناخ المداري الموسمي :
يوجد
هذا المناخ حيث تتداخل الكتل اليابسة والمسطحات المائية تداخلاً كبيراً،
مثل: جنوب شرقي آسيا وجزر الفيليبين، وشمالي أستراليا، وإثيوبيا والصومال
في شرقي إفريقيا، واليمن في شبه الجزيرة. ويتميز بموسم مطير، خلال فصل
الصيف، مرتبط بهبوب الرياح الموسمية الصيفية، الناجمة عن اختلافات الهواء
الحرارية على اليابسة وفوق المسطحات المائية المجاورة لها.
ولذلك،
يتأثر الإقليم الموسمي بالكتل الهوائية المدارية القارية، في فصل الشتاء،
بتلك الاستوائية والمدارية البحرية، في فصل الصيف. إذ إن انخفاض درجة
الحرارة، في أواسط آسيا القارية، خلال فصل الشتاء، نحو 14 درجة مئوية،
عنها في المناطق المشابهة لها في درجة العرض، إلاّ أنها غير قارية يكوِّن
مرتفعاً جوياً هائلاً، يضاعف قوة الضغط الجوي، الذي يكون منخفضاً، في فصل
الشتاء، فوق المحيطَين: الهادي والهندي؛ ما يجعل الرياح تهب من منطقة
الضغط المرتفع نحو تلك المنخفضة الضغط. وتكون تلك الرياح قوية، جافة،
شديدة البرودة. ويبدأ هبوبها على جنوب شرقي آسيا منذ أكتوبر وحتى مارس.
بعد ذلك، يأخذ الضغط الجوي المرتفع فوق أواسط آسيا بالانحسار، كلما اقتربت
أشهر الصيف؛ ما يضعف الرياح الباردة، ويحدث تغيراً في اتجاهها.
أمّا في
فصل الصيف، في نصف الكرة الشمالي، فتتعامد أشعة الشمس والعروض المدارية،
وترتفع درجة الحرارة ارتفاعاً كبيراً، في داخل القارة الآسيوية، بمعدل 9
درجات مئوية، عنها في العروض المشابهة لها؛ ما يكوِّن انخفاضاً جوياً
عظيماً، يزيد عمقه على عمق نظيره الاستوائي. ويصاحب تكوُّن هذا المنخفض
الجوي، في أواسط آسيا، وجود مرتفع جوي شبه مداري، فوق المحيطَين: الهندي
والهادي؛ ما يجعل الرياح تهب من المرتفع الجوي فوقهما نحو المنخفض الجوي،
في المناطق القارية. وتسفر الرياح الرطبة عن هطْل أمطار غزيرة، وبخاصة
حيثما تعترضها الجبال المرتفعة، مثل سلسلة جبال الهملايا، في جنوب شرقي
آسيا.