[center]
الحمد لله الذي خلّص قلوب عباده المتقين من ظُلْم الشهوات ، وأخلص عقولهم عن ظُلَم الشبهات
أحمده حمد من رأى آيات قدرته الباهرة ، وبراهين عظمته القاهرة ، وأشكره شكر من اعترف بمجده وكماله
واعترف من بحر جوده وأفضاله وأشهد أن لا إله إلا الله فاطر الأرضين والسماوات ، شهادة تقود قائلها إلى الجنات
وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، وحبيبه وخليله ، والمبعوث إلى كافة البريات ، بالآيات المعجزات
والمنعوت بأشرف الخلال الزاكيات صلى الله عليه وعلى آله الأئمة الهداة ، وأصحابه الفضلاء الثقات
وعلى أتباعهم بإحسان ، وسلم كثيرا
أما بعد :
فإن اصدق الحديث كتاب الله ، وأحسن الهدي هدي
محمد صلى الله عليه وسلم ، وشر الأمور محدثاتها،
وكل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار
ــــ أعاذنا الله وإياكم من النار ــــ
فإن المسلم الصادق مع ربه و نفسه وقاف على حدود الله متثبت فيما ينقله من أخبار عملا بقوله تعالى : (يأيها
الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا ) [الحجرات:6] ، و أما المتسرع
المندفع الذي يجمع الغث مع السمين لا يهمه هذا كله ، بل الذي يهمه و يعمل
جاهدا على تحصيله أن يظهر أمام الناس بزي المثقفين و ليقول الناس فلان
مثقف في الدين!!!!، فالعجب من هؤلاء ذهب بهم حب الظهور إلى الكذب على رسول الله صلى الله عليه و سلم أولم يسمعوا بحديث :" إن كذبا علي ليس ككذب على أحد من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار" (
[1])
؟ و مما تعود الناس على قوله و الإستدلال به حديث : '' العمل عبادة '' و
ما هَمُّ هؤلاء إلا إسقاط العباد الزهاد لما رأوهم في تلك الحالة الطيبة
فاختلقوا لهم هذا الحديث حتى يسخرون منهم و يبينوا للجهلة أن العابد و
طالب العلم ليس أفضل حالا من المفتون بالدنيا ، و مما عجبت له كذلك قول
بعضهم : '' لا خير في أمة تأكل مما لا تزرع وتلبس مما لا تصنع'' و قصدوا بهذا القول أن هذا العصر لا يحتاج إلى العلم الشرعي!!! بل الهم كل الهم أن نعمل لتحقيق المطالب الدنيوية !!!
أفلا شاهت الوجوه ، بلغ بكم الأمر إلى هذا الحد ؟ فاعلم إذا أيها المتهوك
أن الأحاديث الضعيفة و ليس فقط الموضوعة لا يعمل بها في الفضائل ولا في
الأحكام و لا في غير ذلك على القول الصحيح من كلام أهل العلم ، و حتى لا
تبقى مذهولا سنُعلِّمك أن حديث : '' العمل عبادة '' لا أصل له في شيء من
كتب السنة المتداولة عندنا فمن أين أتيت به ؟ و
ربما تتشدق أيها المثقف بتلك القصة الواهية التي تدور وقائعها حول ذلك
الرجل الذي كان يتعبد الله في المسجد ليل نهار وله أخ يعمل طول الوقت
لينفق عليه ، فلما رآه النبى صلى الله عليه وسلم قال له : '' من ينفق عليك
؟ قال : أخي . قال : أخوك أعبد منك'' ، و منهم من يقول تعقبا على هذا
الحديث : '' فأدخل الله العابد النار و أدخل الآخر الجنة ''!!! ، و
هذا كذلك باطل لا أصل له كسابقه فلا تتعب نفسك إذا، و ضف إلى معلوماتك هذا
الحديث الصحيح الذي يعارض ما جئت به حتى تكون أكثر تثقيفا من ذي قبل ، و
هذا الحديث أخرجه الترمذي و غيره ، فقد قال الترمذى : ''حدثنا محمد بن بشار حدثنا أبو داود الطيالسي حدثنا حماد بن سلمة
عن ثابت عن أنس قال : '' كان أخوان على عهد النبى صلى الله عليه وسلم فكان
أحدهما يأتى النبى صلى الله عليه وسلم والأخر يحترف فشكى المحترف أخاه إلى
النبى صلى الله عليه وسلم فقال له : لعلك ترزق به "(
[2]) ، و لزيادة معلومتك أيضا فحديث : ''
لا خير في أمة تأكل مما لا تزرع وتلبس مما لا تصنع'' لا أصل له ، بل ليس
بحديث أصلا إنما هو قول أحد الكتاب المعاصرين ، و هذا فيه تهكم على أمة
محمد إذ كيف ينفي عليها الخيرية بالكلية ؟ أليس هذا تعسفا في حق إخوانه
المسلمين ؟ أم أن الحضارة الغربية و زبالات الفلاسفة أخذت عقله ؟ و مع هذا
لا نقول لا تعملوا و من قال هذا فقد عارض الأحاديث النبوية التي تحث على
الكسب الحلال و كسب اليد فعن
المقدام رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : '' ما أكل
أحد طعاما قط خيرا من أن يأكل من عمل يده وإن نبي الله داود عليه السلام
كان يأكل من عمل يده ''(
[3]) و الأحاديث كثيرة في هذا الباب ، و مما جاء عن السلف رحمة الله عليهم أن
علي بن الفضيل قال:'' سمعت أبي وهو يقول لابن المبارك: أنت تأمرنا بالزهد
والتقلل والبلغة ونراك تأتي بالبضائع من بلاد خراسان إلى البلد الحرام كيف
ذا؟! فقال ابن المبارك: يا أبا علي إنما أفعل ذا لأصون به وجهي وأكرم به
عرضي وأستعين به على طاعة ربي ، لا أرى لله حقاً إلا سارعت إليه حتى أقوم
به ، فقال له الفضيل: يا ابن المبارك ما أحسن ذا ، إن تم ذا'' (
[4]).
هذا و الله أسأل أن يجعلنا من عباده الصالحين السائرين على طريقة السلف الصالح , ان يوفقنا لطلب العلم و أن يصحح نياتنا و آخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين، وصلّى الله على محمّد وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدّين، وسلّم تسليمًا.