كيف أتعامل مع التهديد بالأذى ؟
السؤال:
كنت
موظفا في إحدى الشركات العمومية ، وكنا نعاني من تسلط مسؤولنا الأول الذي
كانت أخلاقه سيئة ؛ ومعاملته لنا بتجبر وتكبر ، وكنت عاملا جديدا ، وبحمد
الله استطعت التأقلم مع المجموعة ، ولكن شاءت الأقدار أن تتأزم العلاقة
بيني وبين المسؤول ، فقررت أن أبحث عن عمل آخر ، ففتح الله علي بعمل خير من
الأول والحمد لله ، فأنا الآن أعمل مع أناس محترمين ، ولكن بعد مدة علمت
أن مسؤولي الأول يريد أن يكيد لي ، ويستعمل علاقاته لوضع عراقيل تثبطني
وتعرقل مساري المهني . كيف أتعامل مع هذا النوع من المشاكل ، فبعد تيقُّني
أنه لن يضرني إلا بشيء قد كتبه الله لي إلا أني صرت في بعض الأحيان متوترا ،
أشك في إخلاصي ، كأن أتوب من أجل أن لا يسلطه الله عليّ ، لا أن أتوب
ابتغاء وجه الله والدار الآخر ، فكيف أُوفق بين هذا وهذا ؟
الجواب :
الحمد لله
يتعرض
كثيرون في أعمالهم وأيامهم إلى مواجهة شرار الناس ، ومقاومة اعتدائهم ،
وهم في ذلك ما بين قوي بقوة الله عز وجل ، وضعيف عن احتمال الأذى والضرر ،
والسبب في ذلك يرجع إلى طباع النفوس التي خلقها الله سبحانه ، وإلى بعض
العوامل المتفاوتة ما بين حالة وأخرى .
وفي سبيل الإعانة على تجاوز أذية
الأشرار نقدم بعض النصائح ، ونذكِّر ببعض القضايا التي نرجو أن تكون سببا
في بث الشجاعة في النفوس ، ومن ذلك :
أولا :
تذكَّر أن صلاح الأرض
لا يتم إلا بمحاربة الفساد ، ومن أراد فسادا عاما أو خاصا كان واجبا على كل
من علم به مقاومته ما أمكن ، وفي ذلك أجر عظيم ، وثواب جليل من الله
سبحانه ، يقول الله عز وجل : ( وَإِذْ نَادَى رَبُّكَ مُوسَى أَنِ ائْتِ
الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ . قَوْمَ فِرْعَوْنَ أَلَا يَتَّقُونَ )
الشعراء/10-11.
ثانيا :
وتذكر أنك إن تعرضت للأذى لأمر ديني أو دنيوي
فقد ذاق قبلك الأنبياء من ذلك الأذى الشيء الكثير ، وفي ذلك مواساة لك
ولغيرك من الناس ، فلن يكون أحد أحب إلى الله ولا أقرب إليه من أنبيائه
ورسله ، ومع ذلك نالهم من شرار الناس الأذى الكثير ، يقول الله سبحانه : (
وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ
وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا ) الفرقان/31.
وفي ذلك أعظم
مواساة لكل من يعاني من إجرام المجرمين واعتدائهم ، فذلك ابتلاء جميع
الأنبياء ، منهم من قُتل ، ومنهم من ضرب ، ومنهم من طرد من أرضه ، ومنهم من
حورب ، فكان هديهم الصبر والرضى بقضاء الله ، ومواجهة الإساءة بالإحسان
والصفح والغفران .
ثالثا :
استعن بالله عز وجل في شأنك كله ؛ خاصة
إذا كان الأمر يتعلق بدفع ظلم أو أذى أو فساد في الأرض ؛ فقد كان ذلك حال
المؤمنين والمتقين ، التوجه إلى الله سبحانه كي يقذف في قلوبهم الخوف منه
دون مَن سواه من البشر ، يقول الله سبحانه – عن موسى عليه السلام - : (
فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ
الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ) القصص/21.
ويقول عزوجل : ( رَبَّنَا لَا
تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ . وَنَجِّنَا بِرَحْمَتِكَ
مِنَ الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ ) يونس/84-86.
يقول الحافظ ابن كثير رحمه الله :
"
أي : لا تُظفرهم بنا ، وتسلطهم علينا ، فيظنوا أنهم إنما سلطوا لأنهم على
الحق ونحن على الباطل... وقال ابن أبي نجيح وغير واحد عن مجاهد : لا تعذبنا
بأيدي قوم فرعون ، ولا بعذاب من عندك " انتهى من " تفسير القرآن العظيم "
(4/288)
رابعا :
من أعظم ما يعين على مواجهة المصاعب والمتاعب التوكل
على الله ، وذلك يعني أن تفوض أمرك له سبحانه ، ولو تصورت أن مسؤولا كبيرا
طمأنك ووعدك بكف ظلم مديرك عنك لانبعث في قلبك من الطمأنينة والسكينة ما
تقر به عينك ، فمن باب أولى أن يكون هذا حالك عندما تكل أمرك لله سبحانه ،
وفي ذلك يقو جل وعلا : ( وَقَالَ مُوسَى يَا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ
آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ .
فَقَالُوا عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا ) يونس/84-85. ويقول سبحانه وتعالى :
( إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَإِنَّ
الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ
الْمُتَّقِينَ ) الجاثية/19.
خامسا :
لا تستجب لوساوس الشيطان الذي
يدعوك لترك التوبة بحجة عدم الإخلاص فيها ، فذلك من أعظم مداخل الشيطان على
العباد ، يدعوهم لترك الأعمال الصالحات من التوبة والعبادة والأخلاق
الفاضلة خوفا من أن تشوبها شوائب السمعة والرياء والعجب وغيرها ، وقد قال
الفضيل بن عياض رحمه الله : " تَرْكُ العمل لأجل الناس رياء " انتهى من "
الأذكار " (ص/9)
يقول أبو حامد الغزالي رحمه الله :
" ما دمتَ تجد
باعثا دينيا على العمل فلا تترك العمل ، وجاهد خاطر الرياء ، وألزِمْ قلبك
الحياء من الله إذا دعتك نفسك إلى أن تستبدل بحمده حمد المخلوقين ، وهو
مطَّلع على قلبك ، ولو اطلع الخلق على قلبك وأنك تريد حمدهم لَمَقَتوك ، بل
إن قدرت على أن تزيد في العمل حياء من ربك وعقوبة لنفسك فافعل .
فإن
قال لك الشيطان : أنت مُراءٍ . فاعلم كذبَه وخداعه بما تصادف في قلبك مِن
كراهة الرياء وإبائه ، وخوفك منه ، وحيائك من الله تعالى " انتهى من "
إحياء علوم الدين " (3/323)
سادسا :
من
النصائح المهمة في هذا الأمر ونحوه : التباعد عن ذكر ذلك الشخص ، والتشاغل
عن تهديده ووعيده ، فَذِكْرُه لن يعود عليك إلا بالقلق والترقب ، فينال
منك وهو على فراشه ، وذلك من نوازع النفس التي يجب على كل الناس مقاومتها ،
فلا يرخي لها حبل الوساوس المخيفة ، ولا يسترسل معها في تصديق كل تهديد أو
التفكير بكل وعيد ، وإلا عاش في خوف ونكد ، وضاق عليه صدره ، في حين أن
الأمر أيسر من ذلك ، والحياة مليئة بالمشاغل النافعة والأعمال الطيبة التي
تكفي أن تشغلك عن شؤونك الخاصة ، فكيف بشؤون من يطلق التهديد والوعيد .
سابعا :
من
الآداب التي يغفل عنها كثير من الناس ، ملازمة الذكر الذي حرص عليه النبي
صلى الله عليه وسلم وأصحابه عندما خوَّفهم الناس وهددوهم بما يخطط له
الكفار والمشركون ، فقالوا كلمة عظيمة " حسبنا الله ونعم الوكيل " فكفاهم
الله ما أهمهم .
يقول سبحانه وتعالى : ( الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ
النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ
إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ .
فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ
وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ . إِنَّمَا
ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ
وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ) آل عمران/173-175.
وللمزيد يرجى الاطلاع على الفتوى رقم: (
160583)، (
161597)، كما نوصيك بالاطلاع على الفتوى رقم: (
8621) ففيها تنبيه على خطأ ما ورد في سؤالك عندما قلت : " شاءت الأقدار "، والصواب أن تقول : " كانت مشيئة الله ".
والله أعلم .
موقع الإسلام سؤال وجواب