المعلم : العنصر الأهم في العملية التعليمية
التعليم مهنة عظيمة، فالتربية التي يتلقاها الأفراد هي التي تصنع الفرق بين الأمم.. وكلما اهتمت الدولة بالتعليم ووفرت له الإمكانات البشرية والمادية ووضعت له خططاً واضحة. استطاعت أن تؤثر في محيطها وربما في العالم أجمع.
ولذلك نرى دولة مثل الولايات المتحدة الأمريكية التي أصبحت القطب الأوحد في العالم بعد انهيار الاتحاد السوفييتي تسعى لتطوير التعليم بعد أن صرخ المسؤولون فيها محذرين بتقريرهم المسمى (أمة في خطر).
المعلم .. أهم عنصر
ولأن المعلم هو أهم عنصر في العملية التعليمية فقد حظي في كثير من الدول بالتأهيل الجيد والتدريب المتواصل والوسائل المعينة لدفع عمله. ففي فرنسا يخضع الراغبون في الالتحاق بكلية المعلمين باختبارات قاسية تقيس مدى قدراتهم المعرفية والنفسية ومدى ملاءمتها لهذه المهمة. ومع ذلك يعاد تقييم الطلاب كل عامين بامتحانات مستوى تحدد من هو صالح للاستمرار في الدراسة ومن لابد له من البحث عن مجال آخر، فالمبدأ لديهم قائم على الكيف لا الكم. وهذا مما جعل بعض خريجي هذه الكلية يحصلون على حقائب وزارية مهمة ليس في فرنسا وحدها بل في كثير من الدول التي تتحدث الفرنسية.
أما في ألمانيا فقد أنشئت محطة تلفزيونية خاصة لتدريب المعلمين وذلك بعد أن أضيفت سنة دراسية للتعليم الإلزامي في البلاد. ووضعت برامج تدريب إضافي بعد توحيد البلاد لمعالجة القصور في تأهيل معلمي ألمانيا الشرقية.
أما في بريطانيا فتقوم نقابة المعلمين بالإشراف على المعلمين وتبعث بمشرفيها للمدارس لمعاونة المعلمين. فالمعلم يعلم أن هذا المشرف لا يملك ولا يتدخل في تقارير التقويم للمعلم فيفتح له صدره ويناقش معه مشكلاته. فإذا أتى المشرف الخاص بوزارة التعليم يجد المعلم أتقن عمله وأنجز ما هو مطلوب منه.
التحضير.. ليس عندهم!
ومع كل هذا التأهيل والتدريب إلا أن هذه الدول لا تترك معلميها يقضون ليلهم في التحضير ونهارهم في التصحيح. فلكل مادة كتاب معلم، تعده مجموعة من المتخصصين في التربية وفي المادة ومعلمون يدرسون المادة وآباء وتلاميذ. إلى جانب بعض الرسامين والمخرجين والفنيين.
لذا يصبح هذا الكتاب هو الكنز الذي يقدم له كل ما يحتاجه ويوفر جهده للتنفيذ المتقن والأداء المتميز.
ففي الكتاب يجد المعلم الأهداف التربوية والعلمية التي عليه الوصول إليها ويوضح له وسائل القياس المناسبة. ويلفت نظره إلى الأخطاء الشائعة والتي يحتمل أن يقع فيها الدارسون. وأحياناً يزوده بألعاب تعليمية تخدم الموضوع ويطلب منه تنفيذها عندما يشعر بأن الملل قد تسرب إلى نفوس التلاميذ.
أما عندنا..
أما المعلم والمعلمة لدينا فكلاهما ظالم ومظلوم إلا من رحم ربي.
فالمعلم وبسبب ازدحام كليات التربية ولاستمرار المناهج التي وضعت في بداية إنشاء هذه الكليات والتي في معظمها قد تجاوزها الزمن؛ ولعدم وجود تخصصات بالنسبة للمراحل، فإنه يتخرج وهو لا يعرف المرحلة التي سيعمل بها ولا المنطقة التي سيعيَّن في مدارسها. وكلها أمور تقلقه وتجعله بعيداً عن التركيز الذي هو أهم ما يحتاج إليه المعلم. فإذا حظي بالوظيفة وفرح بها لاحقته مطاليبها من تحضير يعكف عليه طيلة الليل ويعيده عاماً بعد عام دون أن يضيف إليه إلا فيما ندر. ووسائل تستهلك جزءاً من راتبه ودفاتر تصحح يومياً وعلامات للرصد والمراجعة وجمعيات للنشاط لا يدري ما يقدم فيها. فالتلاميذ منصرفون عنها والإدارة تطالبه بتقديم دفاتر وسجلات فالمهم هو ما يسجل على الورق. أما الإذاعة المدرسية فهي مواضيع مفروضة عليه ولا رأي له فيها.ومشرف تربوي يلاحقه ويحكم عليه من زيارتين أو ثلاث، ومدير يرفع سيف السلطة كلما نقصت لديه مواهب القيادة وآباء يلقون عليه بالحمل كله، لا يراهم ولا يسمع منهم كلمة شكر، فإذا نجح التلميذ فذلك لأنه ابن أبيه. وإذا رسب فذلك لأنه تلميذ هذا الأستاذ.
أما المعلمة فهي أكثر معاناة لأنها مسؤولة عن الأسرة. الرجل في كثير من الأحيان يسمح للمرأة بالعمل لكي تساعده براتبها، ولكن مساعدته هو لها أمر لا يقبله؛ فهي الحاضنة والمرضعة للأطفال عندما يولدون، وهي الممرضة التي تسهر عليهم عندما يمرضون، وهي المدرسة الخاصة لهم عندما يلتحقون بالمدارس.
لذلك نلاحظ أن كثيراً من المعلمات يتراجع مستوى عطائهن بعد الزواج والإنجاب وذلك عكس المعلم الذي يتطور أداؤه. ويتحسن تعامله بعد أن يتزوج ويصبح أباً.
بداية الإصلاح.. من كليات إعداد المعلمين
ولكي لا نظلم المعلم أو الطالب، وحتى لا يكون التعليم في بلادنا هدراً للثروة المالية وضياعاً للطاقات البشرية. فلابد لنا من تبني خطوات إصلاحية تبدأ بالمعلم فيتم تحديث كليات التربية بإلغاء الأقسام التي لم نعد بحاجة إليها، وفتح أقسام جديدة تراعى فيها المراحل، بحيث تكون الدراسة بالدرجة الأولى حول الإنسان، أي المتلقي وليس المادة التي ستعطى له، فيدرس طلبة الكليات التربوية كل ما يخص المرحلة التي سيعلمونها: خصائص نمو المرحلة، أنواع التعليم واختلاف طرقه، ثم المادة التي ستدرس في تلك المرحلة، والمهارات التي لابد أن يتعلمها التلاميذ من خلالها. والطرائق المثلى لتعديل السلوك لديهم تجاه أنفسهم ومجتمعهم، ثم تجاه المعلم كنشاط لابد أن يستمر مدى الحياة. أما القبول بهذه الكليات فلابد أن توضع له معايير خاصة بحيث تضم هذه الكليات المؤهلين لشغل المهنة التي قال الرسول صلى الله عليه وسلم: «إن الحيتان في البحر تستغفر لشاغلها الذي يعلم الناس الخير». فلا يدخلها إلا الحاصلون على مستويات عليا في التحصيل الدراسي والاتزان النفسي والذكاء الاجتماعي، مع ترك 10% من شروط القبول للوساطة ما دمنا لا نزال نخضع لضغوطها، ولن نتخلص منها في القريب.
أما المناهج الدراسية لكافة المراحل فهي بحاجة إلى إعادة تقييم لمفرداتها، وتحويلها من الحفظ والتسميع إلى الممارسة والتفكير والعمل بها داخل المدرسة وخارجها، حيث يتحول التعليم إلى نشاط يقوم به المتعلمون، ويشرف عليه المعلم ويستفيد منه الوطن عندما يحين وقت الحصاد، حيث تحصد الأمة خدمات إنسانية راقية وأفراداً منتجين وعقولاً مبدعة تساهم في التقدم في كل المجالات.
عندها سيكون المعلم والمعلمة والتلاميذ أسعد حالاً بإذن الله.
منقول