رسالة صادقة أبعثها إليك..
إذا سألت فاسأل الله
أخي الحبيب
إن
نصح نبينا محمد عليه الصلاة والسلام لأمته فوق كل شبهة.. وإشفاقه عليها
ليس مجالاً للطعن.. كيف لا وهو الذي بذل الغالي النفيس في سبيل دعوته..
فإذا أمرني وإياك بأمر، وجب تقديم أمره على كل مقدم، وقد قال هو بأبي وأمي:
(إذا سألت فاسأل الله).
إن قلبك ليدمى حرقة ولوعة وأسى حين تسمع السؤال، ولكن لغير الله، والدعاء ولكن لأصحاب القبور، والالتجاء ولكن لشخص من البشر.
أخي
الحبيب: ألا ترى تلك الجموع وقد حطت رحالها بباب البدوي أو المحضار أو
الجيلاني : سيد شباب أهل الجنة، ألا تراهم يتفيئون نسائم الرحمات, ويتلقون
برد الرحمة والرضا، أتراهم على جادة أم عن الجادة نكصوا وقد قال جد الحسين
عليه السلام: (إذا سألت فاسأل الله).
أتراهم سألوا الله أم سألوا غيره؟
أيها
االحبيب: استمع معي إلى قول الله: (( وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي
فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ))[البقرة:186]
هل تأملت لماذا هو قريب؟ ولماذا هو يجيب دعوة الداعي؟
ألأجل أن يدعى غيره؟! أم لأجل أن يُلتجئ إليه ويوحد في الدعاء؟
حكِّم عقلك
استمع
إلى قوله تعالى: (( لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ
دُونِهِ لا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ إِلَّا كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ
إِلَى الْمَاءِ لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ وَمَا دُعَاءُ
الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلالٍ ))[الرعد:14].
أتظن أن الماء سيبلغ فاه ؟
لا والله.
أتحب أن يكون وصفك كما هو في آخر الآية؟ إني والله مشفق عليك.
استمع
أيها الحبيب إلى هذه الآية: (( وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ
وَالأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَظِلالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ
))[الرعد:15]
أترى أنه بعد هذه الآية يجوز السجود لغير الله؟
استمع
لآخر الآية: (( قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ قُلِ اللَّهُ
قُلْ أَفَاتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ لا يَمْلِكُونَ
لِأَنفُسِهِمْ نَفْعًا وَلا ضَرًّا قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى
وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ أَمْ جَعَلُوا
لِلَّهِ شُرَكَاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ
قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ
))[الرعد:16].
لا والله لا يستوي الأعمى والبصير.
أخي الكريم أسمعت هذه الآيات
ألا تراها واضحة في صرامة , صارمة في وضوح هل تحتاج بعد هذه الآيات إلى برهان ودليل، ومع هذا هاأنت تسمع من طرف قصي:
نادي علياً مظهر العجائب تجده عوناً لك في النوائب
وآخر
تراه وقد التزم القضبان الحديدية لقبر نبينا محمد صلى الله عليه وآله
وسلم، أو قبر السيدة زينب أو قبر البدوي وهو يبكي بكاءً مراً وينشج نشيجاً
متقطعاً يرجو ويخشى.
لمثل هذا يذوب القلب من كمد إن كان في القلب إسلام وإيمان
فبالله
على نفسك فلتبكي، وعلى بؤسك فلتحزن، أيدعى غير الله في أرض الله، استمع
إلى كلام الإمام الصادق عليه رحمة الله-وهو إمام من أئمة آل البيتت-
(فوالله ما نحن إلا عبيداً للذي خلقنا واصطفانا, ما نقدر على ضر ولا نفع,
إن رحمنا فبرحمتة , وان عذبنا فبذنوبنا، والله ما لنا عليه من حجة, ولا
معنا من الله براءة، وإنا لميتون ومقبورون ومنشورون ومبعوثون وموقوفون
ومسئولون...) إلخ كلامه رحمه الله
ألم تر أن الحق تلقاه أبلجا وأنك تلقى باطل القول لجلجا
فأين ذهب عقلك وأنت تدعو غير الله؟
أين ذهبت بصيرتك؟
أين ذهب بصرك؟
أرأيت
الآيات المحكمات، أرأيت الكلمات النيرات، ومع هذا إنك لتأسى وأنت تسمع بعض
المظلين يستدل بما هو متشابه محرضاً به على الشرك بالله من مثل قوله
تعالى: (يا أيها الذين امنوا اتقوا الله وابتغوا إليه الوسيلة)
ويقولون:
إن الوسيلة هي ما يتوسل به إلى الله، وهذا صحيح، ولكن هل مما يتوسل به
ذوات بني آدم وقبورهم؟ إن الوسيلة هي السبب الذي يقربكم إليه سبحانه من فعل
الخيرات والأعمال الصالحة.
إذن فليس مما يتوسل به ذوات الصالحين وقبورهم، وإنما المراد بالتوسل في الآية التوسل بالعمل الصالح إيمان وتوحيد ودعاء ونحو ذلك.
استمع
إلى هذه الآيات من سورة النمل ثم تأمل تلك التعقيبات العجيبة آخر كل آية:
(( أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَأَنزَلَ لَكُمْ مِنَ
السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَا كَانَ
لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ
يَعْدِلُونَ ))[النمل:60].
(( أإله مع الله بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ ))[النمل:60].
(أإله مَعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ ))[النمل:61].
(أإله مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ ))[النمل:62].
((أإله مَعَ اللَّهِ تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ ))[النمل:63].
((أإله مَعَ اللَّهِ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ ))[النمل:64].
(( فَلا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ ))[الشعراء:213].
(( الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَأَلْقِيَاهُ فِي الْعَذَابِ الشَّدِيدِ ))[ق:26].
أرأيت
صولة الحق! ألا تنظر إلى وضوح الحجة وقوتها، هذا هو دين رسول الله صلى
الله عليه وسلم، هذا هو دين أولياء، هذا هو نهجهم هذه هي عقيدتهم، فأين نحن
منهم؟ أين نحن من تطبيقق منهجهم
لقد آن للسماء أن تفتح أبوباً، وللجبال أن تسير سراباً، حين تسمع داعياً، يقول: يا جيلاني، يا رفاعي، يا محضار!
واه لكم يا أولياء الله، فكم كذب على الدين باسمكم، وكم افتري على الشريعة برفع شعار حبكم.
أيها
الكريم: تأمل معي قول الله تعالى: (( إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ
اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لَكُمْ
إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ))[الأعراف:194] ماذا تفهم من هذه الآية؟ ما الذي
تعقله منها؟ أتفهم منها دعاء الدسوقي عند المصائب؟
أم دعاء الحسين عند الكربات؟ أم اللجوء إلى المحضار عند المضائق؟
أين عقلك؟
أين بصرك؟
أين بصيرتك؟
إن
هذا كلام ربنا خالقنا الذي له ملك السماوات والأرض وهو على كل شيء قدير،
أتدري من هو الله؟! استمع إليه وهو يقول: (( قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ
السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَمَنْ
يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ
وَمَنْ يُدَبِّرُ الأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلا
تَتَّقُونَ ))[يونس:31].
ويقول
تعالى: (( قُلْ لِمَنِ الأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ *
سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلا تَذَكَّرُونَ * قُلْ مَنْ رَبُّ
السَّمَوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ * سَيَقُولُونَ
لِلَّهِ قُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ * قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ
شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلا يُجَارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ *
سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ ))[المؤمنون:84-89].
فتأمل تعقيبه: (فَأَنَّى تُسْحَرُونَ)
فكأن القوم باتوا مسحورين.
قد
يمر بخاطرك أثناء قراءتك للقران وصلاتك وصدقتك وبكاؤك على أولياء الله
ومحبتك لهم ،وزيارتك لهم ، أيكون كل هذا غير نافع لي عند الله؟
وأقول:
بلى والله، هو نافع لك وذخر لك عند الله، ولكن تأمل معي هذه الآية، يقول
الله تعالى: (( وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ
مُشْرِكُونَ ))[يوسف:106].
أتدري
ما معنى هذه الآية؟ معناها: أن كثيراً ممن يؤمن بالله وأنه خالقه ورازقه
هو مع هذا مشرك وإن صلى وصام؛ لأنه جعل لله شريكاً في عبادته ودعائه.
وقد
يمر بخاطرك قضية أخرى وهي قول بعضهم: إننا لا نعبد هذه القبور ولا نستغيث
بالحسين ولا نتوجه إلى البدوي ولا نستعين بالرفاعي إلا لأنهم عباد صالحون،
قد عبدوا الله حق العبادة، ووحدوه حق التوحيد، فهم مخلصون في يقينهم
وإيمانهم، وهم قريبون من ربهم، فنتلمس قربهم من لله كي يقربونا منه،
وهذا والله دخيلة شيطانية .
تأمل
معي هذه الآية: (( أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ
اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا
لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ
فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ
كَاذِبٌ كَفَّارٌ ))[الزمر:3]
كرر النظر في الآية أترى أن ثمة تطابق بين حالين عافاني الله وإياك.
أتدري ماذا يريد هؤلاء؟
إنهم يريدون القرب من الله ولكنهم ظلوا الطريق، وكم من مريد للخير لم يصبه، وتأمل نهاية الآية جيداً.
أخي الحبيب أقرأت كتاب الله؟ هل حفظت شيئاً منه؟
هل تدبرته؟ هل تفكرت في آياته؟
هل أنت معرض عنه؟ إلى متى تستمر هذه الغفلة؟
هل أعددت للآخرة زاداً؟ كيف تحاج عن نفسك عند الله؟
كيف تدفع عنها العذاب وقد سمعت هذه الآيات الباهرات التي تدلك على توحيده؟
هل تأملت الأمم وهي جاثية كل امة تدعى إلى كتابها؟ هل تأملت الحشر والنشور؟
هل تأملت الحساب والجزاء؟
أرأيت
أنك وحيد لا رفيق ولا صديق، لا أنيس ولا جليس إلا عملك الصالح: (( يَوْمَ
يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ
وَبَنِيهِ * لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ
))[عبس:37].
وأخيراً أيها الكريم: إنني أبعثها إليك رسالة واضحة صريحة أرجو منك أن تتلقاها بعقل وبصيرة واعية:
إن
الأئمة من آل البيت وإن أولياء الله الصالحين أئمة لنا وهم خليقون بكل خلق
ودين وورع ولكنهم عباد من عباد الله مخاطبون بمثل قوله تعالى: (( وَمَا
خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ))[الذاريات:56] ليسو
أرباباً، ولا يجوز دعاؤهم من دون الله.
أسأل الله أن يهديني وإياك سبل السلام وصلى اللهم على محمد وآله.
[center]الشيخ/ محمد بن عبدالله المقدي