بسم الله الرحمن الرحيم
لقد
طال السبات ... واشتكى الليل من كثرة السهاد ... و آنت المضاجع من غلبة
النوم أفلم يأن للنفوس إن تنفر ... أفلم يأن للقلوب إن تسأم .... أفلم يأن
للجوارح إن تتحرك ؟؟ فهيا لنعلنها حربا على كل ظالم معتدي .... مغو فاسد
ينشر فساده و ينفس سمومه ألا و إن أول هؤلاء الظلمة هو النفس الإمارة ...
ووكر السيئات منها وهو الهوى المتبع فلنعلن الحرب على الذنوب و المعاصي و
إغواء الشيطان فالحرب مواتية لضعف هذا العدو حيث تسلسل الشياطين و تصفد
مردة الجن و تغلق أبواب النيران و تفتح أبواب الجنان ، فهذه فرصتنا إن
ننقض على ذنوبنا لنتوب منها و نقف للمعاصي و السيئات في خندق نتربص بها
فأسلحتنا الآن اقوي من إي وقت أخر فإن كان لرمضان انتصارات عظيمة في معارك
حربية كبدر و عين جالوت و غيرها فإن الانتصارات في المعارك النفسية أعظم
في تلك الأيام لأنه منحة ربانية .. و قوة ألاهية يمنحها من ينوي بإخلاص و
يعلنها حربا على ... نفسه و هواها الذي يؤدي بالإنسان إلى مهاوي الردى لذا
فالضابط ــ و أنت الآن ضابط لنفسك و هواها .... لحسناتك و نواياها .... و
سيئاتك و مداها ــ فالضابط يعد العدة و يحدد الخطوات و يحشد الجنود و
يتوقع المفاجآت و فيستعد لها ثم يبدأ الهجوم .
فلن
يكون هناك أعظم فرصة من إعلان الحرب في شهر الصيام .... شهر العتق من
النيران و إن يخطط لسيئاته كيف يمحوها ... وحسناته كيف يزيدها ... وقلبه
كيف يطهره ... صدره كيف ينقيه ... جوارحه كيف يكبحها إلا على الطاعات
فبصره كيف يحفظه عن رؤية المعاصي وسمعه من التلذذ بغير آيات الرحمن و
لسانه من إعفافه عن اللغو و اللمم وهمه عن الدونية و عزيمته عن الفتور و
صلاته من غلبة الدنيا و صدقاته من الخصوصية إلى العالمية و أخلاقه من
السقوط في مكائد شياطين الإنس
فتلك
جزء من خططته التي لم و لن يجد أعظم فرصة لتنفيذها في رمضان عند فطره و
سجوده و قيامه وتهجده في ليلة القدر. فان فاتته ليلة ندم و استبشر بنور
الليل المقبل يناديه يا باغي الخير اقبل و يا باغي الشر أدبر تمنحه قوة
على مواجهة عدوه في الأيام الباقية حتى يعلن انتصاره و لكن ذلك يحتاج إلى
أسلحة . فلكل ضابط موقع لا يغادره و سلاح لا يتركه ، فأسلحة الضابط ضابط
النفس في رمضان كثيرة أعظمها... هو الدعاء... حيث مواطن انطلاق تصيب الهدف
حتى ترديه و مواقيت استجابة فتدعوه بالثبات و الخلاص من الذنوب و تمرغ
انفك له ساجدا تقول له : يارب ها أنا اسجد لك كما أمرتنا فالله هم أعطنا
ما وعدتنا
وعندما تقوم من
نومك تنفض عن نفسك غبار الدنيا و مثاقيلها تتلو آياته قائما و حينما تتحرى
ليلة نزل فيها كلام الله ... ليلة بطاعة 83 عاما عسى الله أن يقبلك فيها .
ولكن لهذا السلاح في رمضان صيانة و مقومات أهمها
الإخلاص : تعظم النية لله و اجعل دعائك دعاء المضطر ... دعاء الملهوف ... دعاء الغريق غريق المعاصي فلن تكون هناك لحظة أعظم من ذلك .
التخلي عن الأنانية بشمولية الدعاء .. في منامك .. في مطعمك ... في ملبسك
و التحلي بالذكر الدائم مستحضر النية لاهث اللسان و الشفتان بالحمد و الاستغفار
وتدبر
آياته بقلب خاشع تشعر انه جل في علاه يخاطبك .. يناجيك .. يناديك فهل أنت
منتهي عما نهاك و هل أنت فاعل ما أمرك به .. هل تبكي مع آيات العظمة و
القوة لله ... هل ترتجف من النار التي أعدت لبني ادم عند آيات العذاب و
تدعو له بالثبات عند آيات الرحمة و الجزاء .
و مع العيش في تلك الثكنة العسكرية لجوارحك خلال شهر رمضان فيعلمك الصبر و التحمل على تبعات أعمال كثيرة في حياتك
يعلمك
الرفق بالآخرين حينما تتذوق طعم الحرمان فيرق قلبك و تبسط يدك و قد قال بن
القيم رحمه الله ( لله ملك السموات و الأرض و استقراض منك حبة فبخلت بها و
خلق سبعة أبحر و أحب منك دمعة فقحطت بها عيناك) .
أيضا يعلمك التنظيم و حسن التدبير لا إسراف و لا تبذير
يبث فيك روح الوحدة وحدة الأمة الإسلامية على منسك واحد لو اجتمعت قوانين الأرض من مشارقها إلى مغاربها على تنفيذه ما استطاعت
يمنحك القوة الإيمانية التي تستطيع من خلالها مواجهة عدوك طول الأمل و إتباع الهوى
يمنحك الجرأة في السطو على عدوك لا تهابه و لا تخافه
يكسبك قلبا خاشعا و عينا دامعة
و أخيرا يكسبك ديمومة الإنابة و الرجوع إلى الله لا تيأس من رحمة الله و لا تقنط من عفوه و مغفرته
و لتلك المعركة مراحل و محطات يتزود منها :
( ر) رحمة الله بعباده
(م) مراقبة الله في كل وقت و حين فلا تخشى غيره و لا تخاف إلا هو
(ض) ضياء الصبر و التحمل له حرارة كحرارة العطش و الجوع
(ا) الألفة و المودة في تجمع الصائمين على إفطارهم
(ن) نور الإيمان و الهداية بعد ترك المعاصي و لتبرأ منها
وفي
كل مرحلة من مراحل المعركة متابعة للجنود في مواقعها و مواطنها تؤدي عملها
فالجوارح تؤدي طاعات ربها و القلب مخبت لرب البريات و العقل متدبر منفذ
للآيات
فإن تفقد إحداها
ولم تجده مكانه فلتجازيه بطاعة مضاعفة و تعنيف على التقصير لان اختفاء أي
عضو عن مكانه سيكون عامل خسران للمعركة الرمضانية على النفس الأمارة و
الهوى الشيطاني
ثم تأتي
النهايات بالفرح و الانتصارات يوم أن يعلن العيد و لكنه عيد نصر و تخلص و
تجرد من إتباع هوى النفس و الشيطان فذاك ما يستحق جائزة الله عز وجل له و
ما أعظمها جائزة حينما تخفي على العبد لان الله عز وجل قال في الحديث
القدسي ( الصوم لي و إنا اجزي به ) فما بالك بعمل قد خصه الله عز وجل له و
ما بالك بمكافئته الخاصة عليه !!!! أفلا يستحق ذلك دخول المعركة
؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟