وردت كلمة الجبال في القرآن الكريم في
تسع وثلاثين آية، كما وردت بمعنى»رواسي» في تسع آيات، وجاءت بمعنى»وتد»
مرة واحدة. ومن هذه الآيات الكريمة:
1- (والجبال أوتادا) النبأ
2- (وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم وانهارا وسبلا لعلكم تهتدون) النحل
3- (والجبال أرساها) النازعات
وصف الله عز وجل في هذه الآيات الكريمة الجبال بالوتد، فما هو المقصود بالوتد؟
يقول
ابن كثير رحمه الله تعالى في تفسيره: (والجبال أوتادا) أي جعلها لها
أوتادا أرساها بها وثبتها وقررها حتى سكنت ولم تضطرب بمن عليها).
أما
الصابوني فيقول في صفوة التفاسير: (والجبال أوتادا) أي وجعلنا الجبال
كالأوتاد للأرض تثبتها لئلا تميد بكم كما يثبت البيت بالأوتاد قال في
التسهيل لعلوم التنزيل: شبهها بالأوتاد لأنها تمسك الأرض أن تميد).
كما
يقول الصابوني في تفسير أن تميد بكم : (وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم)
أي نصب فيها جبالا ثوابت راسيات لئلا تضطرب بكم وتميل قال أبو السعود: إن
الأرض كانت كرة خفيفة قبل أن تخلق فيها الجبال، وكان من حقها أن تتحرك
كالأفلاك بأدنى سبب فلما خلقت الجبال توجهت بثقلها نحو المركز فصارت
كالأوتاد لها.
تحيط بالكرة الأرضية أحزمة جبلية من كل النواحي بحيث
تغطي مساحة اليابسة كلها مثل سلسلة جبال الألب، وجبال أطلس، وسلسلة جبال
الهيمالايا، وسلسلة جبال القوقاز وغيرها. وتصل ارتفاع أعلى قمة على سطح
الأرض 8848 مترا وهي قمة افرست، واخفض نقطة تقع في غور الأردن وتقع على
بعد 384 مترا تحت سطح البحر.
ظن الإنسان منذ القدم أن الجبال
موجودة على سطح الأرض ولا تنغمر في باطن الأرض إلا قليلا، لكن مع تطور
العلوم اكتشف العلماء فيما يسمى «جذور الجبال» حيث أن قواعد الجبال تنغمر
في أعماق الأرض مسافات تصل إلى عدة أضعاف ارتفاعها فوق سطح الأرض إذ تنغمر
بالأرض إلى أعماق تصل إلى أكثر من ألفي متر، حتى تمكن الجيولوجي «جون
أيري» سنة 1855 م من التوصل إلى انه كلما كانت الجبال أعلى فوق مستوى سطح
الأرض كلما قابلها جذور لنفس الجبال وبنفس كتلة الجبال النافرة فوق الأرض،
وان الجبال تطفوا فوق طبقة صخرية لينة مثل الألواح الخشبية التي تطفوا على
سطح الماء، وكلما كان اللوح الخشبي أعلى من الألواح الأخرى فان سطحه
السفلي سيغطس في الماء أكثر من الأسطح السفلية للألواح الأخرى، أي انه
كلما زاد ارتفاع الجبال عن مستوى سطح الأرض كلما زاد عمق جذور الجبال
نفسها تحت الأرض. ومن الأمثلة على هذه النظرية نجد أن سلسلة جبال
الهيمالايا ترتفع عن سطح البحر 9 كيلو متر بينما يصل عمق جذورها أسفل
القشرة الأرضية إلى حوالي 35 كيلو متر.
أكدت الدراسات الجيولوجية
الحديثة أن جذور الجبال تحفظ القارات من التحرك فوق الصخور الملتهبة
المائعة الموجودة أسفل القشرة الأرضية، ولولا جذور الجبال لطفت الصخور
اللينة إلى السطح الخارجي للقشرة الأرضية وهذا يؤدي إلى انعدام توازن
الكرة الأرضية بسبب عدم التماثل في توزيع المادة الأرضية، أي لحدث تضاغط
في مادة الأرض وحصول فراغات وجيوب في طبقات الأرض وهذا يؤدي إلى عدم ثبات
الأرض بل يجعلها تتحرك بشكل غير منتظم ولاستحالت الحياة على الأرض « ألقى
في الأرض رواسي أن تميد بكم» –النحل، وقد جعل الله الجبال رواسي كما جاء
في الآية الكريمة، أي أن الجبال ترسوا فوق طبقة الستار الأرضي المائعة
تماما كما تفعل السارية في السفينة التي تثبت السفينة من الاهتزاز في
البحر وتثبتها.
كما كشفت الدراسات الجيولوجية الحديثة أن الجبال
موزعة على الأرض بشكل متساو، كما أن المادة أيضا موزعة بشكل متناسق، فإذا
كانت هنالك كتل ضخمة من الجبال الشاهقة، يقابلها مناطق غورية وفراغات مثل
قيعان البحار والمحيطات وكأنه يتم توزيع المادة على الأرض بتناسق تام يضمن
توازنا دقيقا للكرة الأرضية، ولولا هذا التوزيع الدقيق للصخور والجبال لما
توازنت الكرة الأرضية بشكل رائع بحيث لا نشعر ونحن على الأرض بحركتها
ودورانها.
نلاحظ من خلال هذه السطور أن الجبال تعمل عمل الوتد الذي
يمسك الأرض وطبقاتها الجيولوجية للحيلولة دون حدوث حركات عشوائية ومضطربة
لقشرة الأرض فتحافظ الجبال على توازن الأرض وعدم اضطرابها التي لو حصلت
لاستحالت الحياة عليها، كل هذه الدراسات والاكتشافات التي توصل إليها
العلماء في القرن العشرين قد أشار إليها القرآن الكريم، وهو إعجاز علمي
آخر يضاف إلى القرآن الكريم العظيم.