توبة أشهر عارضة أزياء فرنسية" فابيان " عارضة
الأزياء الفرنسية ، فتاة في الثامنة والعشرين مت عمرها ، جاءتها لحظة
الهادية وهي غارقة في عالم الشـهرة والإغراء والضوضاء . . انسحبت في صمت .
. تركت هذا العالم بما فيه ، وذهبت إلى أفغانستان ! لتعمل في تمريض جرحى
المجاهدين الأفغان ! وسط ظروف قاسية وحياة صعبة !
تقول فابيان :
" لولا فضل الله عليَّ ورحمته بي لضاعت حياتي في عالم ينحدر فيه الإنسان ليصبح مجرد حيوان كل همه إشباع رغباته وغرائزه بلا قيم ولا مبادئ " .
ثم تروي قصتها فتقول :
"
منذ طفولتي كنت أحلم دائماً بأن أكون ممرضة متطوعة ، أعمل على تخفيف
الآلام للأطفال المرضى ، ومع الأيام كبرت ، ولَفَتُّ الأنظار بجمالي
ورشاقتي ، وحرَّضني الجميع - بما فيهم أهلي - على التخلي عن حلم طفولتي ،
واستغلال جمالي في عمل يدرُّ عليَّ الربح المادي الكثير ، والشهرة
والأضواء ، وكل ما يمكن أن تحلم به أية مراهقة ، وتفعل المستحيل من أجل
الوصول إليه .
وكان الطريق أمامي سهلاً - أو هكذا بدا لي - ، فسرعان ما عرفت طعم الشهرة ، وغمرتني الهدايا الثمينة التي لم أكن أحلم باقتنائها
ولكن كان الثمن
غالياً . . فكان يجب عليَّ أولاً أن أتجرد من إنسانيتي ، وكان شرط النجاح
والتألّق أن أفقد حساسيتي ، وشعوري ، وأتخلى عن حيائي الذي تربيت عليه ،
وأفقد ذكائي ، ولا أحاول فهم أي شيء غير حركات جسدي ، وإيقاعات الموسيقى ،
كما كان عليَّ أن أُحرم من جميع المأكولات اللذيذة ، وأعيش على
الفيتامينات الكيميائية والمقويات والمنشطات ، وقبل كل ذلك أن أفقد مشاعري
تجاه البشر . . لا أكره . . لا أحب . . لا أرفض أي شيء .
إن بيوت الأزياء جعلت مني صنم متحرك مهمته العبث بالقلوب والعقول .
. فقد تعلمت كيف أكون باردة قاسية مغرورة فارغة من الداخل ، لا أكون سوى
إطار يرتدي الملابس ، فكنت جماداً يتحرك ويبتسم ولكنه لا يشعر ، ولم أكن
وحدي المطالبة بذلك ، بل كلما تألقت العارضة في تجردها من بشريتها
وآدميتها زاد قدرها في هذا العالم البارد . . أما إذا خالفت أياً من
تعاليم الأزياء فتُعرَّض نفسها لألوان العقوبات التي يدخل فيها الأذى
النفسي ، والجسماني أيضاً !
وعشت أتجول في
العالم عارضة لأحدث خطوط الموضة بكل ما فيها من تبرج وغرور ومجاراة لرغبات
الشيطان في إبراز مفاتن المرأة دون خجل أو حياء " .
وتواصل " فابيان " حديثها فتقول :
"
لم أكن أشعر بجمال الأزياء فوق جسدي المفرغ - إلا من الهواء والقسوة -
بينما كنت اشعر بمهانة النظرات واحتقارهم لي شخصياً واحترامهم لما أرتديه
.
كما كنت أسير
وأتحرك . . وفي كل إيقاعاتي كانت تصاحبني كلمة (لو) . . وقد علمت بعد
إسلامي أن لو تفتح عمل الشيطان . . وقد كان ذلك صحيحاً ، فكنا نحيا في
عالم الرذيلة بكل أبعادها ، والويل لمن تعرض عليها وتحاول الاكتفاء بعملها
فقط " .
وعن تحولها المفاجئ من حياة لاهية عابثة إلى أخرى تقول :
"
كان ذلك أثناء رحلة لنا في بيروت المحطمة ، حيث رأيت كيف يبني الناس هناك
الفنادق والمنازل تحت قسوة المدافع ، وشاهدت بعيني مستشفى للأطفال في
بيروت ، ولم أكن وحدي ، بل كان معي زميلاتي من أصنام البشر ، وقد اكتفين
بالنظر بلا مبالاة كعادتهن .
ولم أتكمن من
مجاراتهن في ذلك . . فقد انقشعت عن عيني في تلك اللحظة غُلالة الشهرة
والمجد والحياة الزائفة التي كنت أعيشها ، واندفعت نحو أشلاء الأطفال في
محاولة لإنقاذ من بقي منهم على قيد الحياة .
ولم أعد إلى رفاقي في الفندق حيث تنتظرني الأضــواء ، وبدأت رحلتي نحو الإنسانية حتى وصلت إلى طريق النور وهو الإسلام .
وتركت بيروت وذهبت إلى باكستان ، وعند الحدود الأفغانية عشت الحياة الحقيقية ، وتعلمت كيف أكون إنسانية .
وقد مضى على
وجودي هنا ثمانية أشهر قمت بالمعاونة في رعاية الأسر التي تعاني من دمار
الحروب ، وأحببت الحياة معهم ، فأحسنوا معاملتي .
وزاد قناعتي في
الإسلام ديناً ودستوراً للحياة من خلال معايشتي له ، وحياتي مع الأسر
الأفغانية والباكستانية ، وأسلوبهم الملتزم في حياتهم اليومية ، ثم بدأت
في تعلم اللغة العربية ، فهي لغة القرآن ، وقد أحرزت في ذلك تقدماً
ملموساً .
وبعد أن كنت أستمد نظام حياتي من صانعي الموضة في العلم أصبحت حياتي تسير تبعاً لمبادئ الإسلام وروحانياته
وتصل " فابيان "
إلى موقف بيوت الأزياء العالمية منها بعد هدايتها ، وتؤكد أنها تتعرض
لضغوط دنيوية مكثفة ، فقد أرسلوا عروضاً بمضاعفة دخلها الشهري إلى ثلاثة
أضعافه ، فرفضت بإصرار . . فما كان منهم إلا أن أرسلوا إليها هدايا ثمينة
لعلها تعود عن موقفها وترتد عن الإسلام .
وتمضي قائلة :
"
ثم توقفوا عن إغرائي بالرجوع . .ولجأوا إلى محاولة تشويه صورتي أمام الأسر
الأفغانية ، فقاموا بنشر أغلفة المجلات التي كانت تتصدرها صوري السابقة
عملي كعارضة أزياء ، وعلقوها في الطرقات وكأنهم ينتقمون من توبتي ، وحالوا
بذلك الوقيعة بيني وبين أهلي الجدد ، ولكن خاب ظنهم والحمد لله " .
وتنظر فابيان إلى يدها وتقول :
"
لم أكن أتوقع أن يدي المرفهة التي كنت أقضي وقتاً طويلاً في المحافظة على
نعومتها سأقوم بتعريضها لهذه الأعمال الشاقة وسط الجبال ، ولكن هذه المشقة
زادت من نصاعة وطهارة يدي ، وسيكون لها حسن الجزاء عند الله سبحانه وتعالى إن شاء الله " .