قسوة القلب

خطبة الجمعة


بعنوان


(قسوة القلوب-2-)


في جامع الخلفاء الراشدين

لفضيلة الشيخ : عبد الصمد حاج نجيب

.
.
.

الحمد لله ثم الحمد لله...
الحمد لله الذي قد هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله
وما توفيقي إلا بالله ولا توكلي إلا على الله .
الحمد لله الذي أخرجنا من ظلمة الجهل إلى نور العلم
ومن عذاب الشك إلى روح اليقين .
والصلاة والسلام على سيد الأولين والآخرين وقائد الغرّ المحجلين
سيدنا محمدِ المصطفى صلى الله عليه وسلم حبيبِ رب العالمين
وعلى آله وأصحابه أجمعين .
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إلهاً تقدست أسمائه
وعظمت آلاؤه, وجلت صفاته, سبحانك ربي تعصى فتحلم
وتدعى فتسمع, تقبل التوبة عن عبادك, وتعفو عن السيئات
وتعلم ما يصنعون.
وأشهد أن نبينا وحبيبنا وعظيمنا وقائدنا إلى الله سيدنا محمداً
عبده ورسوله وصفيه من خلقه وخليله صلى الله عليه وسلم
أدَّى الأمانةَ، وبَلَّغَ الرسالةَ، ونَصَحَ الأمةَ، وكشف الله به الغمة
جاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين، اللهم اجزه عنا خير
ما جزيت نبياً عن أمته ورسولاً عن دعوته ورسالته.
ولما قسى قلبي وضاقت مذاهبي
جعلت رجائي نحو عفوك ربي سلما
تعاظمني ذنبي فلما قرنته بعفوك ربي كان عفوك أعظما
فما زلت ذا عفوٍ عن الذنب و لم تزل تجود وتعفو منَة وتكرما
أيها الأحبة أمة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم
تكلمنا في الأسبوع الماضي عن ظاهرة ضعف الإيمان
وقسوة القلب وذكرنا حديث سيدنا رسول الله صلى الله
عليه وسلم الذي رواه الحاكم في مستدركه والطبراني بإسناد حسن
عن سيدنا عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال:-
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الإيمان ليخَلق في جوف أحدكم
كما يخَلق الثوب فأسالوا الله أن يجدد الإيمان في قلوبكم ).
فإذا لم يتعاهد العبد المؤمن إيمانه كل حين
فإن الإيمان في القلب يبلى ويصبح خلِقاً كما يبلى ويخلق الثوب.
ألم يذكر التاريخ مقالة سيدنا خالد بن الوليد التي تدل على قوة إيمانه
وحضور قلبه مع الله عندما خاطب حاكم حصون قنسرين فقال له
فأين تذهبون منا؟ والذي نفس خالد بيده لو صعدتم إلى السحب
لأصْعَدَنا الله إليكم، أو لأمْطَركُم علينا فما أن قرأها حتى ارتعدت فرائسه
وسقطت من بين يديه، وما كان منه إلا أن قال: افتحوا أبواب المدينة
واخرجوا مستسلمين قائلا لاعوانه لا طاقة لنا بهؤلاء إنهم مؤمنون.
وتروي القصص أن ابراهيم بن أدهم ينام في غابة فيها سباع فيقال له
في ذلك فيقول إني أخاف أن يرى الله في قلبي خوفاً إلا منه.
أيها الأحبة : أن ضعف الإيمان وقسوة القلب أصبح ظاهرة عامة
أصابت قلوب المؤمنين والدليل وما أصاب المسلمين من تكاسل
عن الطاعات ,وانجراف إلى الوقوع في معصية الله .
وعدم الغضب إذا انتهكت محارم الله عز وجل.
و السرور والشماتة بعباد الله إذا أصابتهم مصيبة أو وقعوا في ضيق .
عدم استشعار المسؤولية أمام دين الله .
و في خطبتنا هذه سنذكر الأسباب التي تؤدي إلى ضعف الإيمان وقسوة
القلب التي حذر منها ربنا جل جلاله

السبب الأول لضعف الإيمان في النفوس وقسوة القلب:
هو البعد عن ذكر الله تعالى والتفكر في كتاب الله تعالى
وقل لي: بربك منذ متى لم تفتح كتاب الله تقرأه ؟
وكم هي حجم الغبار على مصاحف المسلمين في بيوتهم.
فإن كنت ممن يقرأ كتاب الله فمنذ متى لم يخشع
قلبك لآيات الله جل جلاله ولم يقشعر جسدك لآياته؟
تعال بنا نصغي إلى حال عباد الله مع كتاب
الله تعالى كيف تكون وكيف يجب أن تكون.

فبعدنا عن ذكر ربنا وكتابه وقراءته بتدبر
وتفكر هذا سبب لنا ضعف الإيمان وقسوة القلب .
وأما السبب الثاني لضعف الإيمان وقسوة القلب:
هو الإكثار من الكلام بغير ذكر الله تعالى :
و لنسمع إلى كلام النذير البشير سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم
كما في رواية الترمذي من حديث سيدنا ابن عمر رضي الله عنهما قال
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تكثروا الكلام بغير ذكر الله
فإن كثرة الكلام بغير ذكر الله قسوة للقلب, وإن أبعد الناس من الله القلب القاسي".
قال العلماء واعلم بأنه كلما قسا قلبك أكثر ابتعدت عن الله أكثر.
يالله وإن أبعد الناس من الله القلب القاسي.
كم يجلس الواحد منا ساعات وساعات يتكلم ويتكلم ولا يذكر الله في كلامه
لأن الدنيا شغلتنا والأموال أخذت من عقولنا ولنصغي لكلام سيد المرسلين
سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم كما في الحديث الذي رواه أبو داود في سننه
بإسناد صحيح من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال -
قال رسول صلى الله عليه وسلم « مَا مِنْ قَوْمٍ يَقومونَ منْ مَجْلسٍ
لا يَذكُرُون الله تعالى فيه إلا قَاموا عَنْ مِثلِ جيفَةِ حِمَارٍ وكانَ لَهُمْ حَسْرَةً » .
قَاموا عَنْ مِثلِ جيفَةِ حِمَارٍ وكانَ لَهُمْ حَسْرَةً متى يوم القيامة .
السبب الثالث لضعف الإيمان وقسوة القلب
هي مصاحبة الفاسقين وترك مجالسة عباد الله الصالحين.
قال العلماء: إن أكثر ما يفيد القلب رؤية الصالحين وأعمالهم
وإن أكثر ما يؤذي القلب رؤية الفاسقين وأعمالهم.
وأنا في رأي هذا هو السبب الرئيسي لضعف الإيمان وقسوة القلب
يكون العبد المؤمن واقفا أمام الله جل جلاله يصلي ثم بعد لحظات
يغدو إلى بيته فيجالس الفاسقين بالمسلسلات والأفلام التي يهتز منها عرش الرحمن.
ويبدأ قلبه يتألم ويتألم عن كل لقطة تغضب الله
ويزداد الألم ثم فجأة يقسو القلب ولا يحس بوجوده هذا الإنسان .
والأكثر من ذلك الكثيرون ينتقدون ويقولون-
يا أخي بالسوق في كل منظر يضعف الإيمان ويقسي القلب .
أقول له نعم ولكن هل من الضروري أيضاً
أن تدخل هذه المناظر إلى بيتك وإلى قلبك .
قل لي بربك إذا استقرت ورسمت في القلوب صور الممثلين
والممثلات وصور اللاعبين والمغنين فكيف سيتدبر المؤمن كتاب
الله أم كيف يخشع لآيات الله أم كيف سوف تقطر عيناه من خشية الله ؟
من هنا سوف نبدأ بالعلاج في خطبتنا القادمة .
أقول هذا القول واستغفر الله لي ولكم