[center]التحليل العلمي لتكون الجبال:
قال الله تعالى في كتابه العزيز: { أَلَمْ نَجْعَلِ الأَرْضَ مِهَادًا * وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا} [النبأ: 6-7].
من
الآية السالفة الذكر يتضح لنا معنيان؛ الأول: أن الجبال تشبه الأوتاد
شكلاً؛ إذ إن قسماً من مادة الجبال يغرق في طبقة القشرة الأرضية. والثاني:
أن الجبال تشبه الأوتاد دوراً؛ أي أنها تعمل على تثبيت القشرة الأرضية
وتمنعها من أن تميد وتضطرب!!.
أما
المعنى الأول: فقد اكتشف علم الجيولوجيا الحديث أن طبقة القشرة الأرضية
(السيال) التي نعيش عليها هي التي تشكل القارات وتحتضن المحيطات، وترتفع
جبالاً في مكان وتنخفض ودياناً في مكان آخر وتلي هذه الطبقة - مباشرة -
طبقة السيما وهي أكثف من طبقة السيال؛ ولكن تحت ثقل هذه الأخيرة يصبح لها
قوام عجيني الأمر الذي يسهل انزلاق القارات عليها؛ فالقارات جميعها تنزلق
بسرعة ملحوظة وباتجاهات متعددة، حسب القياسات الحديثة بالأقمار الاصطناعية.
جاء
في كتاب "الأرض" ( Earth, Frank Press, 3 rd ed., P. 435, 1982 ) إن
الجبال الضخمة لا ترتكز على قشرة صلبة، وإنما هي تطفو على بحر من الصخور
الأكثر كثافة، وبمعنى آخر: "إن للجبال جذوراً أقل كثافة من طبقة السيما
تساعد هذه الجبال على العوم".
ويقول
العالم Van Anglin C.R . في كتابه " Geomorphology " الصادر في عام 1948
(ص:27): "من المفهوم الآن أنه من الضروري وجود جذر في السيما مقابل كل جبل
فوق سطح الأرض".
ولنفهم
هذا التوازن نأخذ مثلاً الجليد: فالجليد أقل كثافة ( Density ) من الماء،
كما أن السيال أقل كثافة من السيما، فإن علا جبل الجليد فوق الماء فلا بد
من امتداد له تحت الماء يدفعه ويساعده على العوم. كذلك الجبال الصخرية؛
فهي تشكل - من حيث تكوينها - جزءاً بارزاً فوق سطح الأرض وجذراً غارقاً في
السيما، وقد أثبت ذلك علمياً بواسطة قياسات الجاذبية في مختلف تضاريس
الأرض.
فقد جاء في كتاب الأرض
" أن الجهاز المعروف بـ "ميزان البناء" ( Plumb Bob ) يظهر انحرافاً عند
المستقيم العامودي نسبة لسطح الأرض بسبب جاذبية الكتل الجبلية.
وفي
صفحة 435 من الكتاب نفسه: إن ميزان البناء يتحسس الكثافة العالية للجزء
الظاهر من الجبل كما يتحسس الكثافة القليلة للجذر. وظهر ذلك عند قياس
مقدار الانحراف بدقة.
لقد
اتضح من خلال ما تقدم أنه من الثابت علمياً أن للجبال شكل أوتاد، كما هو
مذكور في القرآن العظيم المنزل على رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم منذ
ما يزيد على 1400 سنة.
هذا بالنسبة للمعنى الأول، أما المعنى الثاني: وهو دور الجبال في تثبيت القشرة الأرضية.
فقد أكدته "نظرية التوازن الهيدروستاتي للأرضي" للجيولوجي الأمريكي "داتون" "Dutton" سنة
1889 والتي تنص على أن المرتفعات تغوص في الماء بمقدار يتناسب طرداً مع
ارتفاعها وعلوّها، كما جاءت نظرية "بنائية الألواح الأرضية" التي طرحت عام
1969 لتبيّن أن الجبال تقوم بحفظ توازن القشرة الأرضية وتوضح هذه النظرية
التي تم التأكد منها بواسطة صور الأقمار الاصطناعية بأن القشرة الأرضية
ليست جسماً مُصْـمتاً بل إنها عبارة عن ألواح (صفائح) أرضية تفصل بينها
حدود، وهذه الصفائح تتحرك إما متقاربة أو متباعدة بحيث تكون الجبال غير
الرسوبية عبارة عن أوتاد تحافظ على توازن هذه الألواح الأرضية أثناء
حركتها.
بين يدي هذا كله يطرح سؤال، وهو كيف عرف
النبي محمد بن عبد الله صلاة الله وسلامه عليه أن الجبال تشبه الأوتاد
شكلاً ودوراً في الوقت الذي كان فيه الإنسان يجهل طبيعة تكّون الأرض؟!.
والجواب
هو أن أي عاقل - على ضوء ما تقدم - ليقطع جازماً بأن هذا الكتاب الذي
أُنزل معجز وأنه ليس من صنع البشر ولا هو داخل في طاقاتهم ولا تحت
إمكانياتهم - مهما أوتوا من العبقرية والذكاء أو الفطنة والدهاء - وإنما
هو كلام الله تعالى خالق الكون، والعالم بحقيقة تكوينه مصداقاً لقوله جل
وعز: { أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [الملك: 14].