لماذا نختلف؟

الخطأ والعيب في عدم وجود مرجع للتحاكم إليه

أحيانا
يستغرب البعض من الناس من كثرة الخلاف الذي يحصل بين النواب أو الاعلاميين
او القياديين او المفكرين حتى في ابسط الاشياء، حتى اوضح للقارئ السبب في
كل هذا الخلاف ليزول العجب مما نحن فيه من خلاف وما سيأتي في الايام
القادمة اذكر بعض الامثلة من هذا الخلاف.
لماذا كان الخلاف والصراع الذي دام سنوات حول حصول المرأة على حق
الترشيح وتمثيل الامة؟ ولماذا مازال الخلاف قائما حول ضوابط دخولها إلى
البرلمان؟ وهل الحجاب للمرأة حكم إلهي وفرض شرعي أم انه مجرد قطعة قماش لا
تقدم ولا تؤخر؟! ولماذا الاختلاف حول موضوع الاختلاط على مقاعد
الدراسة في المدارس والكليات ولم الحدة في هذا الموضوع وعدم التوصل الى
نقطة يتفق فيها الجميع؟! لم الاختلاف في موضوع رياضة الفتيات وخروجهن في
الالعاب الدولية بـ«الشورتات» القصيرة ولم صارت هذه القضية محلا للتنازع
بين الامة؟ لم كان «نصر أبوزيد» والقاؤه المحاضرات في الكويت محط اختلاف
ونقاش وتجاذب سياسي؟! وهل اطروحاته الخطيرة بخصوص القرآن والدين تسبب
التشاحن الخطير بين افراد المجتمع؟!
لم كان موضوع «الجنوس» و«البويات» محط اختلاف على جميع
مستويات المجتمع بين اعطائهم جميع حقوقهم حتى الزواج!! الى الغائهم
وعقابهم حتى يرتدعوا، ولم كانت حمامات السباحة المختلطة والعامة محل
اختلاف بين نواب الامة؟ ولم كان اغلاق «محل» فيديو يبيع افلاما خادشة
للحياء محط اختلاف بين نواب الامة؟!
لم «المرأة» نفسها كانت محل
اختلاف عند الكثيرين، ففي حين يرى البعض انه لا فرق بين المرأة والرجل في
كل شيء، سواء في طبيعة العمل او اوقات العمل او السفر والتنقل وحدها، يرى
الفريق الاخر وضع بعض القوانين التي تخص المرأة وتناسب طبيعتها؟!
الخلاف
سيستمر وستوجد قضايا كثيرة لنختلف عليها وليس العيب في الاختلاف في حد
ذاته ولكن الخطأ والعيب في عدم وجود مرجع للتحاكم اليه كمسلمين، ولو طبقنا
ما امرنا الله جلا وعلا به عند الاختلاف والتنازع لما حصل كل ما حصل ولما
ضيعنا الكثير من الاوقات فيما لا ينفع.
الله جل وعلا وهو الخالق الرازق
الذي له الخلق والامر يأمرنا عند الاختلاف والتنازع ان نرجع الى الوحي
المعصوم، قال تعالى: {فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول ان كنتم
تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا} وانظر ايها القارئ الى
الشرط الذي وضعه الله في الآية {ان كنتم تؤمنون..} فلا يتم ايمان العبد
المسلم الا بهذا، ومن ظن ان كلام الفلاسفة او عقول من يسمونهم بالمستنيرين
او قوانين الغرب افضل واحكم من احكام الله تعالى فيراجع ايمانه ودينه.
والله
تعالى في القرآن يبين صفة المسلم الحق والمؤمن بالله حقا وهو الذي ينشرح
صدره بحكم الله، فاذا علم ان الربا حرام او الحجاب فرض او هذه الولاية
للمرأة غير جائزة فانه يقبل ويسلم وينشرح صدره لهذا، قال تعالى: {فلا وربك
لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت
ويسلموا تسليما}.
نحن لا ندعو لعدم العمل بالقوانين وعدم تنظيم الحياة
المدنية، ولكننا ندعو حين الاختلاف والتنازع ان نرجع الى القرآن والسنة ان
كان فيها ما يخص محل النزاع والخلاف، فهل يعقل ان يتناقش البعض في بلاد
اسلامية ويختلفوا حول اباحة الخمور او منع المحجبات من الوظائف والدراسة؟!!
ارجو
الا يصل الحال بالبعض انه اذا سمع أي حكم إلهي يقيد حريته غير المنضبطة،
او يحد من سلوكه المعوج، او يوقف فكره المريض، فيصد ويولي وكأنه لم يسمع
ذلك الحكم، او يقول بان زمان هذه الاحكام قد ولى - والعياذ بالله - قال
تعالى في هؤلاء وامثالهم {وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى
الرسول رأيت المنافقين يصدون عنك صدودا}.
لماذا لا تعتمد لجنة افتاء
كالتي في وزارة الاوقاف مثلا او تشكل اخرى خاصة لمجلس الامة للافتاء في
القضايا التي تتعلق بالاحكام الشرعية التي يحصل الخلاف فيها في مجلس
الامة؟ انا اعلم ان هذا الامر قد يزعج البعض ولكننا بحمد الله مسلمون،
مرجعنا هو القرآن والسنة، ولن نحيد عنهما لانحراف ضال او ريبة متشكك، ولو
ادعى الحرية الكاذبة او العقل المريض، قال رسول الله صلى الله عليه وآله
وسلم «تركت فيكم ما ان تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي ابدا كتاب الله وسنتي».
ان الخلاف الذي نراه اليوم على السطح ليس الا اعراضا ومظاهر للخلاف الحقيقي الذي يجب ان نتفق عليه، وان نجيب على هذا السؤال: ما مرجعنا عند الاختلاف والتنازع؟! والا سيبقى الخلاف والصراع وسيطول امدهما.
***
الزميل العزيز الشيخ «خالد السلطان» صدق في مقاله بالامس، فنحن نختلف ويرد بعضنا على بعض ولو على صفحات الجرائد، وقلوبنا السليمة على بعضنا تسمح لنا بهذا، بل لان الدين النصيحة فنحن نوجه النصائح لبعضنا وننتقد بعضنا ولا ضير، ومع هذا فنحن لا نختلف يوما على امر قطعت به الشريعة او اجمع العلماء عليه، بل خلافنا فيما هو دون ذلك اسأل الله ان يجري الحق على ألسنتنا واقلامنا وان يؤلف بيننا، وشكرا للاخ الشيخ «خالد».
***
قال الإمام علي رضي الله عنه: «العجب ممن يهلك ومعه النجاة. قيل وما النجاة؟ قال: الاستغفار».