الــقــرآن الـكـريـم _ النور الذي هجرنـاه
[center]الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله / وبـعـد :
فإن خلق الإنسان على الأرض كان بهدف عبادة الله وتوحيده وإخلاص التوجـه إليه
وان يعمر هذا الكون بالمحبه والمودة والخـير والصلاح .
وكان الخالق يرسل رسلاً للبشر علَهـم يستطيعون أن يرتقوا بالإنسان إلى حيث سعادتـه ونجاتـه في الدارين ( وما كنَـا معذبين حتى نبعث رسولا )
والرسول
المبعوث من ربه يهبه الله معجزة تحمل قومه على التصديق برسالته وبالكتاب
المنزل له من عند ربـه وهذا قد يصحب كل رسول فإبراهيم -عليه الصلاة
والسلام- نرى قومه يرمون به في النار فيأمرها الله ( يـانـار كونـي برداً وسلامـاً على إبراهيـم )
والرسول ومعجزته في الأمم السابقه يكون تكليفهما في أمة معينة لايتجاوزانها زماناً ولا مكاناً .
كما أن المعجزة الظاهره عندهم كانت مادية ولا تحمل معها منهجاً ورسالةً وتشريعاً اللهم سوى الإقناع بصدق الرسول وأن كتابه حق وصدق .
وجاء خاتم الأنبيـاء -صلى الله عليه وسلم - وكانت معجزته كتاباً يحفظ الى قيام الساعة ( إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون )
ويتميز بإعجازه البياني والدلالي والتشريعي وإحاطته بأساسيات العلوم والمعارف
وإخباره عن المغيبات ( وتفصيل كل شيء )
ولذلك فهو مثار عجب لكل من إطلع على جمال أسلوبه وروعة معانيه وعمق دلالاته وصدق حقائقه وفيوضاته .
فاالجن تقول عند سماعه ( إنا سمعنا قرآنا عجبـا )
ومع ذلك فهو سهل التناول لمن جد في طلبه وسعى لإدراك مكوناته ( ولقد يسرنـا القرآن للذكر فهل من مدكـر )
ومع هذه المعطيات للقرآن الكريم نجد من يقابل هذه النعمه المباركة ( وهذا ذكر مبارك ) ويرتضي
لنفسه أن يكون ممن جحدوها وأنكروها ولم يتمسكوا بها عبراً وعظات وحقائق
وتوجيهات حتى أننا لنرى محمدا -عليه الصلاة والسلام- يشكوا هؤلاء لربه ( وقال الرسول يآرب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا )
والأمه التي وهبت هذا النور ( فآمنوا بالله ورسوله والنور الذي أنزلنا )
وهذه الهداية ( إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم )
وهو يبعث في متبعيه الحياة ( أومن كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نوراً يمشي به في الناس )
( يآأيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم )
قد أعطيت الأمه به رفعة ومكانة ( إن الله يرفع بهذا الكتاب أقواما ويضع به آخرين )
ولذلك
فإن على الأمه أن تعنى بهذا الكلام الإلهي وتجعله في شغاف القلوب والأفئده
وأن تتفهم مايخص الأسلوب والمعاني من محتويات وأن تحيل كل مطالبها
والتزاماتها إليه .
وهنا تعطي القرآن كامل الجهد بحيث تتعامل معه
كصانع أمه ومربي للإنسان حتى تتمتع بعزة الله وجلاله ورحمته ومايتمتع به
من تقريرات وحقائق ومضامين تجعل المرء يحرص على تلاوته وتدبره بحيث لايدع
جانبا من ذلك دون رعاية وعناية ( يتلونه حقً تلاوته )
والأمة
في معايشتها للقرآن بهذا الوصف نالت النهضه والرقي في مختلف المجالات
وكانت لها القيادة لأمم الأرض حيث سعد الكل ووجدوا فيه مخرجاً من أزماتهم
ومشاكلهم ومتاعبهم .
وحياة الأمه في ظله تعني شمولية في توجيه الأفراد والمجتمعات والأمم .
وإذا
عاينت الدور التاريخي لسلف الأمه ستجد أن القرآن الكريم بمعطياته ومدركاته
كان وراء كل تقدم للأمة ومشاركاتها الأممية وحتى نعيد الأمه إلى سالف
عهدها علينا أن نعي كيف تعاملوا مع القرآن الكريم لنسلك أسلوبهم حتى نحصل
على دور تاريخي كالذي عاشوه .
فهم في مجال التلاوة كانوا حريصين
على ختم القرآن في أقل الأيام وكان لهم ساعات يوميه بها يتدبرون القرآن
الكريم ويقومون بإدراك معطياته الأسلوبيه وما يدخل في إطار المعنى
والتشريع وإصلاح حياة الفرد والمجتمع حيث هذا يعني نقلة كبيرة للأمة في
مضمار الحضارة والتقدم ورقي الإنسان وسعادته .
وإننا لنتبين قيمة التدبر بالنسبة لأمة القرآن الكريم عندما نعلم أنها دونه تصبح قلوبها مقفلة يغشاها الزيغ والضلال والباطل ( أفلا يتدبرون القرآن ام على قلوب أقفالها )
وعليك
أن تتأمل بين قلب يسيره كلام الرحمن بما فيه من عمق في الدلالة وقوة في
التأثير وصدق في توجيه الإنسان ليحيا سعيداً في السلوك والنهج وتكون
مشاعره نورانيه ووجدانه صافٍ ومشرق .
وأما القلب المقفل الذي تتملكه تهويمات البشر ومايصدر عنهم من شك وريبة .
فالإنسان معه مضنة الضياع حيث لايقين ولاإستقرار إذ الفكر البشري كثيراً مايأخذ بالإنسان إلى مزالق ذهنيه وفكريه ومعيشيه .
وإننا
عندما نطلع على حياة جملة ممن عنوا بالفلسفة وخلت قلوبهم من القرآن الكريم
نراهم يأسفون على ماضي أيامهم ويعودون إلى رحاب القرآن الكريم والسنة
المطهرة وإنهم ليرفضون كل ماأخذوه منها حتى اننا لنرى بعضهم عند موته
يتمنى أن تكون ميتته على حال كحال عجائز نيسابور .
وهنا أريد أن
أذكر بمقوله لأحد الأساتذه الجامعيين في مذكراته والذي قضى حياته تدريساً
وتأليفاً في مجال الفلسفة قال : (( إنني ولدت صدفة وسأموت كذلك صدفة ))
وهذا
الفكر الذي انتهى إليه هذا الأستاذ ناتج من إعمال الفلسفة في عالم الغيب
حيث أحكامه تؤخذ من الوحي ولا قدرة للفكر البشري على الخوض فيه وإدراك
أعماقه .
وإنني لأتمنى لهذا وأمثاله أن يموتوا على ماتموت عليه
عجائز بلدانهم بدل أن يخرجوا من الدنيا بهذه النهايه المؤلمة إذ لايفيدهم
أن يكونوا عاشوا دنياهم كعمالقة للفكر الفلسفي لهم اتباع وتلاميذ ثم يختم
لهم بما لاينجيهم من عذاب ربهم .
وأخيـراً فإننا إذ نعي قيمة
القرآن الكريم فعلينا أن نجعله متصدراً جميع أنشطتنا الحياتيه مرافقاً لنا
في كل شؤون حياتنا وبذلك يرضانا الله ويبارك مساعينا وعندها نكون دائماً
وأبداً مفاتيح للخيـر مغاليق للشـر وهو ماتفتقده البشريه اليوم وتسعى
لنيله والحصول عليه .
وأي إنسان لاتكون عنده ركائز منه فسيكون علمه وبالاً عليه ومايجري على هذا هو شأن جميع ماعليه الإنسان في حياته .
- وصلى الله وسلم على نبينا محمد -
من الشبكة الاسلامية