تأخير الفطـــــر وتعجيل السَُّحــــــــور
دأب
كثير من الناس في عصرنا على تأخير الفطر , حتى بعد سماع الأذان , وقد
تعددت التعليلات التي يبدونها , لتبرير فعلهم هذا , من ذلك ما يأتي : أن
يقول بعضهم : " أنا أعلم وقت المغرب على التحديد , وأنا أتحرى
لديني , ولأن أؤخر الفطر عن موعده , خير لي من أن أقع في وقت الحرج ,
فأفطر قبل الموعد ".
ومنهم من يقول: " لا أفطر حتى أسمع المؤذن ينتهي من أذانه ، زيادة في التحري " .
ومنهم من يقول: " لا أفطر حتى أسمع المؤذن ينطق بالشهادتين , فأتشهد معه , ثم أفطر " .
ومنهم
من يحرص على صلاة المغرب في وقتها في المسجد , ولا يحب أن يفطر من التمر
المهدى للمسجد , أو أن يفطر على الماء بحجة أن ثواب صومه سيأخذه صاحب
التمر , أو صاحب الماء , وبالتالي فهو يريد أن يحرز الثواب كاملاً , فينتظر حتى يعود إلى بيته فيفطر في بيته !!
ومنهم
من يرفض أن يناوله أخيه تمرة , أو يأتيه بكوب من الماء , ونحو ذلك بحجة أن
من يناوله شيئاً ليفطر عليه سيأخذ من أجره !! وهكذا ....
تعددت التعليلات , وتنوعت التبريرات ، وكلها تصب في دائرة الغلو في الدين ، والله تعالى يقول : ﴿لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ ﴾ (
[1] ),وقال
الهادي البشيرصلى الله عليه وسلم - : ( إياكم والغلوّ ,فإنما أهلك من كان
قبلكم الغلو ) , وقال صلى الله عليه وسلم : ( هلك المتنطعون ) قالها
ثلاثاً.
ثم
إن هذه السلوكيات مرفوضة في دين الله تعالى , وإن كان ظاهرها الخير , لكن
الحق أحق أن يتبع , وقد قال النبي- صلى الله عليه وسلم - : ( لا يزال
الناس بخير ما عجلوا الفطر ) (
[2] ) ، وفي الحديث القدسي ، يقول رب العزة تبارك وتعالى : ( أحب عبادي إليَّ : أعجلهم فطراً ) (
[3] ) ، فأحب عباد الله تعالى إلى الله تعالى : من عجلوا الفطر ، ولم يؤخروه
لأي سبب من الأسباب ، بل عليهم أن يتبعوا أي وسيلة صحيحة أقرها علماء
الإسلام في عصرنا ، ومن ذلك الحسابات الفلكية , كما في التقاويم الشهرية ,
أو الإمساكيات المنتشرة , والتي أقرتها هيئة المساحة , أو الأذان الصادر
من إذاعة القرآن الكريم فهو أضبط من غيره من الإذاعات الأخرى , لتخصص
الإذاعة في ذلك !!
فعلى
التقاويم : يلزمك الفطر بمجرد أن تدق ساعتك حسب وقت الإفطار في التقويم
المعتمد , وإن لم يكن معك تقويم أو إمساكية فاعتبر بأذان الإذاعة , وإلا
فبأذان المسجد الذي يجاورك , وإلا فبسؤال الجيران إن لم تتمكن من شيء مما
سبق , وإلا فاعتبر غروب الشمس , فإذا تأكدت من غروبها فأفطر !!
ولا
تنسى أن تدعو لنفسك بالخير عند أول لقمة , أو عند الفطر مباشرة , كما لا
تنسى أن تدعو لإخوانك في فلسطين , وفى كل مكان أن ينصرهم الله , وأن يفرج
كربهم , ويكشف غمهم , وأن يعجل لهم بالفرج , وأن يوحد صفوف المسلمين , فإن
الدعاء في هذا الموطن مجاب , فاحرص عليه جيداً أكثر من حرصك على الشرب
والطعام , وأخلص لله في الدعاء , لعل الله أن يتقبل منك الدعاء .
وإن
قوماً أغرتهم صحتهم , وقوة أبدانهم , فتعمدوا عدم السحور , أو عجلوه بحجة
الخوف من عدم القيام قبيل الفجر لتناول السحور في وقته , لأنهم يسهرون ,
ثم هم يريدون الذهاب
مبكرين إلى العمل , أو إلى الدراسة , أو نحو ذلك , فيخطئون في أمور:
أولها: السَّهر خاصة إن كان في غير طاعة , وقد قال النبي- صلى الله عليه وسلم : ( نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس : الصحة والفراغ ) (
[4] ) .
وثانيها: التكاسل عن صلاة الفجر في وقتها , وقد قال النبي- صلى الله عليه وسلم - : ( أثقل صلاة على المنافقين : صلاة الفجر, وصلاة العشاء ) .
وثالثها : تعجيل السحور, وحق البدن الطعام حتى لا يرهق على الزمن الكثير, ولذلك قال النبي-صلى الله عليه وسلم- : ( لا تزال أمتي بخير ما عجلوا الفطر وأخروا السحور ) .
و رابعها : أن عدم السحور أصلاً نزع للبركة من بدن الصائم , ونزع للبركة من حياة الصائم كلها , قال صلى الله عليه وسلم : ( تسحروا فإن في السحور بركة ) .
فاللهم ارزقنا بركتك باتباع سنة نبيك , وخذ بنواصينا إليك أخذ الكرام عليك . آمين .
[center]وإلى لقاء آخر .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .