بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
إن الحمد لله, نحمده
ونستعينه ونستغفره, ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا, من
يهده الله فلا مضل له, ومن يضلل فلا هادي له, وأشهد أن لا إله إلا الله
وحده لا شريك له, وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم.
السؤال: ما هو حكم الأسلوب القصصي في الدعوة إلى الله ؟
الجواب :
الحمد لله
أولاً :
قصص
الحكمة الثابتة في الكتاب والسنة الصحيحة ووقائع الناس وتجاربهم من أنفع
أساليب الدعوة والإرشاد ، وقد استخدمها القرآن في نحو ثلث آياته ، كان
المقصود منها أخذ العظة والعبرة ، كما قال عز وجل : ( لَقَدْ كَانَ فِي
قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى
وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ
وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ) يوسف/111.
يقول العلامة السعدي رحمه الله :
"
( لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ ) أي : قصص الأنبياء والرسل مع قومهم ، (
عِبْرَةٌ لأولِي الألْبَابِ ) أي : يعتبرون بها ، أهل الخير وأهل الشر ،
وأنَّ مَن فعل مثل فعلهم ناله ما نالهم من كرامة أو إهانة ، ويعتبرون بها
أيضاً ما لله من صفات الكمال والحكمة العظيمة ، وأنه الله الذي لا تنبغي
العبادة إلا له وحده لا شريك له .
وقوله
: ( مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى ) أي : ما كان هذا القرآن الذي قص الله
به عليكم من أنباء الغيب ما قص من الأحاديث المفتراة المختلقة ، (
وَلَكِنْ ) كان ( تصديق الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ ) من الكتب السابقة ،
يوافقها ويشهد لها بالصحة ، ( وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ ) يحتاج إليه
العباد من أصول الدين وفروعه ، ومن الأدلة والبراهين . ( وَهُدًى
وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ) فإنهم - بسبب ما يحصل لهم به من العلم
بالحق وإيثاره - يحصل لهم الهدى ، وبما يحصل لهم من الثواب العاجل والآجل
تحصل لهم الرحمة " انتهى.
" تيسير الكريم الرحمن " (ص/407)
بل
أمر الله عز وجل نبيه الكريم صلى الله عليه وسلم بالتذكير بقصص القرآن ،
واستعمالها في تبليغ رسالته ، فقال عز وجل : ( فَاقْصُصِ الْقَصَصَ
لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ) الأعراف/176.
يقول ابن جرير الطبري رحمه الله :
"
يقول لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : فاقصص ، يا محمد ، هذا القصص ، الذي
اقتصصته عليك ... على قومك من قريش ، ومَنْ قِبَلَك من يهود بني إسرائيل ،
ليتفكروا في ذلك ، فيعتبروا وينيبوا إلى طاعتنا ، لئلا يحلّ بهم مثل الذي
حلّ بمن قبلهم من النّقم والمثلات ، ويتدبَّره اليهود من بني إسرائيل ،
فيعلموا حقيقةَ أمرك وصحَّة نبوّتك " انتهى.
" جامع البيان " (13/274)
وفي مقدمة " التحرير والتنوير " (1/63-69) ذكر فصلا نافعاً في فوائد القصص القرآني لمن أراد الاستفادة منها .
كما
أن نبينا الكريم عليه الصلاة والسلام استعمل هذا الأسلوب الحكيم في سرد
القصص النافعة المفيدة ، وخير شاهد على ذلك تلك الأحاديث الكثيرة التي
تشتمل على قصص السابقين.
يقول الدكتور سعيد القحطاني :
"
القصص الحكيم من الكتاب أو من السنة من الأساليب المهمة في الدعوة إلى
الله عزّ وجلّ ؛ لما فيه من شحذ ذهن المدعو ؛ ولهذا استخدمه النبي صلى
الله عليه وسلم في دعوته ، ففي هذا الحديث قال صلى الله عليه وسلم : ( غزا
نبي من الأنبياء ، فقال لقومه : لا يتبعني رجل ملك بضع امرأة وهو يريد أن
يبني بها ولما يبن بها ...) ، وهذا يوضح للداعية أهمية استخدام أسلوب
القصص في دعوته إلى الله عزّ وجلّ " انتهى.
" فقه الدعوة في صحيح البخاري " (3/381) (ترقيم الشاملة) ، وينظر (3/66) .
ثانياً :
نوصي
الدعاة ألا يقتصروا في أساليب الوعظ والتدريس على القصص ، كيلا ينشغل
المستمعون بالقصة عن المقصد ، ولئلا تنصرف قلوبهم إلى الاستمتاع بالقصص عن
الاستفادة من الموعظة ، بل الواجب تأصيل الأمر التربوي والدعوي من خلال
أدلته الثابتة بكتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ، على ما هو معروف
في أصول الفقه ، ومنهج الاستدلال ، ثم تذكر القصة للعبرة ، وبيان التطبيق
العملي ، وشد انتباه السامع إلى معايشة المعنى واقعياً ، فلا تكون القصة
بذاتها مصدراً للاستدلال والتشريع .
قال
ابن الجوزي رحمه الله : " ذُم القُصَّاصُ لأن الغالب منهم الاتساع بذكر
القَصَصِ دون ذكر العلم المفيد ، ثم غالبُهم يُخَلِّط فيما يورده ، وربما
اعتمد على ما أكثره محال " انتهى .
"تلبيس إبليس" (134) .
قال
أحمد : " القَصَّاص الذي يُذَكِّر الجنة والنار والتخويف ، وله نية وصدق
الحديث ، فأما هؤلاء الذين أحدثوا من وضع الأخبار والأحاديث فلا أراه "
انتهى .
"الآداب الشرعية" لابن مفلح (2/85) .
المصدر