في
ختام ذلك اليوم ينصب الميزان لوزن أعمال العباد ، يقول القرطبي ( وإذا
انقضى الحساب كان بعده وزن الأعمال ، لأن الوزن للجزاء ، فينبغي أن يكون
بعد المحاسبة ، فإن المحاسبة لتقدير الأعمال ، والوزن لإظهار مقاديرها
ليكون الجزاء بحسبها) ، وقد دلت النصوص على أن الميزان ميزان حقيقي ، لا
يقدر قدره إلا الله ، فقد روى الحالكم عن سلمان عن النبي صلى الله عليه
وسلم قال ) يوضع الميزان يوم القيامة ، فلو وزن فيه السماوات والأرض
لوسعت. فتقول الملائكة: يا رب لمن يزن هذا ؟ فيقول الله تعالى : لمن شئت
من خلقي. فتقول الملائكة : سبحانك ما عبدناك حق عبادتك) ، وهو ميزان دقيق
لا يزيد ولا ينقص ( ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئا
وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين) ، وقد اختلف أهل
العلم في وحدة الميزان وتعدده ، فذهب بعضهم إلى أن لكل شخص ميزانا خاصا ،
أو لكل عمل ميزانا لقوله تعالى ( ونضع الموازين القسط ليوم القيامة)، وذهب
آخرون إلى أن الميزان واحد وأن الجمع في الآية إنما هو باعتبار تعدد
الأعمال أو الأشخاص. وقد رجح ابن حجر بعد حكايته للخلاف أن الميزان واحد ،
قال : ( ولا يشكل بكثرة من يوزن عمله ، لأن أحوال القيامة لا تكيف بأحوال
الدنيا )، وقال السفاريني : ( قال الحسن البصري: لكل واحد من المكلفين
ميزان. قال بعضهم:الأظهر إثبات موازين القيامة لا ميزان واحد ، لقوله
تعالى : ( ونضع الموازين ) ، وقوله ( فمن ثقلت موازينه) قال : وعلى هذا
فلا يبعد أن يكون لأفعال القلوب ميزان ، ولأفعال الجوارح ميزان ، ولما
يتعلق بالقول ميزان. أورد هذا ابن عطية وقال: الناس على خلافة ، وإنما لكل
واحد وزن مختص به ، والميزان واحد، وقال بعضهم إنما جمع الموازين في الآية
الكريمة لكثرة من توزن أعمالهم . وهو حسن (
والميزان عند
أهل السنة ميزان حقيقي توزن به أعمال العباد وخالف في هذا المعتزلة ، وقلة
قليلة من أهل السنة. قال ابن حجر: ( قال أبو اسحاق الزجاج: أجمع أهل السنة
على الإيمان بالميزان ، وأن أعمال العباد توزن به يوم القيامة، وأن
الميزان له لسان وكفتان ويميل بالأعمال. وأنكرت المعتزلة الميزان، وقالوا
: هو عبارة عن العدل ، فخالفوا الكتاب والسنة، لأن الله أخبر أنه يضع
الموازين لوزن الأعمال ، ليرى العباد أعمالهم ممثلة ليكونوا على أنفسهم
شاهدين. وقال ابن فورك : أنكرت المعتزلة الميزان ، بناء منعم أن الأعراض
يستحيل وزنها إذ لا تقوم بأنفسها. قال: وقد روى بعض المتكلمين عن ابن عباس
أن الله تعالى يقلب الأعراض أجساما فيزنها. انتهى. وقد ذهب بعض السلف إلى
أن الميزان بمعنى العدل والقضاء ، وعزا الطبري القول بذلك إلى مجاهد.
والراجح ما ذهب إليه الجمهور. وذكر الميزان عند الحسن فقال : له لسان
وكفتان )
وقد استدل شيخ الاسلام بن تيمية على أن الميزان غير
العدل، وأنه ميزان حقيقي توزن به الأعمال بالكتاب والسنة فقال( والميزان
هو ما يوزن به الأعمال ، وهو غير العدل كما دل على ذلك الكتاب والسنة مثل
قوله تعالى ) فمن ثقلت موازينه) ، ( ومن خفت موازينه ) وقوله ( ونضع
الموازين القسط ليوم القيامة ( وفي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم
أنه قال ( كلمتان خفيفتان على اللسان ثقيلتان في الميزان حبيبتان إلى
الرحمن : سبحان الله وبحمده ، سبحان الله العظيم ). وقال عن ساقي عبدالله
بن مسعود: ( لهما في الميزان أثقل من أحد ) . وفي الترمذي وغيره حديث
البطاقة ، وصححه الترمذي والحاكم وغيرهما في الرجل الذي يؤتى به ، فينشر
له تسعة وتسعون سجلا ، كل سجل منها مد البصر ، فيوضع في كفة، ويؤتى ببطاقة
فيها شهادة أن لا إله إلا الله . قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( فطاشت
السجلات وثقلت البطاقة) ، وهذا وأمثاله مما يبين أن الأعمال توزن بموازين
تبين بها رجحان الحسنات على السيئات وبالعكس، فهو ما به تبين العدل
والمقصود بالوزن العدل ، كموازين الدنيا