إرشاد السالك إلى أشرف المسالك في فقه الإمام مالك
.فصل في الهدي:
دِمَاءُ
الْحَجِّ كُلُّهَا هَدْيٌ إِلاَّ نُسُكَ الأَذَى وَأَعْلاَهُ بَدَنَةٌ
وَأَدْنَاهُ شَاةٌ، وَتَقْلِيدُهُ تَعْلِيق نَعْل فِي عُنُقِهِ
وَإِشْعَارُهُ شَقُّ صَفْحَةِ سَنَامِهِ الْيُسْرَى، وَهُوَ فِي
السَّلاَمَةِ وَالسِّنِّ كَالأُضْحِيَةِ فَيُوقِفُهُ وَيَنْحَرُهُ بِمِنى
وَمَا لَمْ يُوقَفْ مَنْحَرُهُ مَكَّةُ، وَسَبِيلُ وَلَدِهَا كَسَبِيلِهَا
وَمَنْ عَدِمَهُ صَامَ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةً إِذَا
رَجَعَ، وَيَجُوزُ قَبْلَ رُجُوعِهِ، وَالْمُعْتَمِرُ يَتَطَوَّعُ بِهِ،
ثُمَّ يَصِيرُ قَارِناً يَلْزَمُهُ آخَرُ لِقِرَانِهِ، وَيَجُوزُ الأَكْلُ
مِنْهُ إِلاَّ جَزَاءَ الصَّيْدِ، وَنَذْرَ المَسَاكِينِ، وَفِدْيَةَ
الأَذَى، وَهَدْيَ التَّطَوُّعِ يَعْطَبُ قَبْلَ مَحَلَّهُ، وَمَنْ أَكَلَ
مِمَّا لَيْسَ لَهُ أَكْلُهُ ضَمِنَ وَهَلْ لَحْماً أَوْ قِيمَةً
قَوْلاَنِ، وَلاَ يُرْكَبُ وَلاَ يُحْمَلُ عَلَيْهِ إِلاَّ لِضَرُورَةٍ
فَإِنْ زَالَتْ بَادَرَ إِلَى النُّزُولِ وَالْحَطِّ عَنْهُ وَلاَ تَجُوزُ
الشَّرِكَةُ فِي الْهَدْيِ، وَيَفْسُدُ الْحَجُّ بِوَطءٍ وَاسْتِدْعَاءِ
المَنِى مَا بَيْنَ الإِحْرَامِ وَرَمْيِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ
وَيَلْزَمُهُ إِتْمَامُهُ وَالْقَضَاءُ وَالْهَدْيُ يَسُوقُهُ فِي حَجَّهِ
الْقَضَاءِ وَيُفَارِقُ المَوْطُوءَةَ فِيهَا مِنْ حِينِ إِحْرَامِهِ
إِلَى التَّحَلُّلِ وَيَقْضِي عَلَى صِفَةِ مَا أَفْسَدَ، وَلاَ يُنْكِحُ
المحْرِمُ وَلاَ يُنْكِحُ حَتَّى يَتَحَلَّلَ وَيَحِلّ بِالإِفَاضَةِ
جَمِيعُ مَحْظُورَاتِ الإِحْرَامِ.
.فصل في حَجِّ الصَّبِيِّ وَالْعَبْدِ:
حَجُّ
الصَّبِيِّ وَالْعَبْدِ نَافِلَةٌ وَإِنْ عَتَقَ أَوْ بَلَغَ فِي
أَثْنَائِهَا، وَلَيْسَ لَهُ الإِحرَامُ بِغَيْر إِذْنِ سَيِّدِهِ.
وَلَهُ
تَحْلِيلُهُ كَالزَّوْجَةِ فِي التَّطَوُّعِ فَإِنْ كَانَ الصَّبِيٌّ
قَوِيًّا يَتَعَقَّلُ بَاشَرَ الأَفْعَالَ وَإِلاَّ أَحْرَمَ وَطَافَ
وَسَعَى بِهِ وَلِيُّهُ، فَإِنْ كَانَ وَصِيًّا وَخَافَ عَلَيْهِ ضَيْعَةُ
فَنَفَقَتُهُ مِنْ مَالِهِ وَإِلاَّ ضَمِنَ الزَّائِدَ عَلَى نَفَقَةِ
الْحَضَرِ، وَمَنْ أَسْلَمَ أَوْ عَتَقَ أَوْ بَلَغَ يَوْمَ عَرَفَةَ
فَأَحْرَمَ وَوَقَفَ سَقَطَ فَرْضُهُ، وَالمُحْصَرُ بِعَدُوٍّ يَتَحَلَّلُ
مَكَانَهُ، وَلاَ قَضَاءَ عَلَيْهِ، وَلاَ يَسْقُطُ فَرْضُهُ، المُحْصَرُ
بِمَرَضٍ لاَ يُحَلِّلُه إِلاَّ الْبَيْتُ.
.فصل في الْعُمْرَةِ:
الْعُمْرَةُ
سُنَّةٌ مَرَّةً فِي الْعُمْرِ، وَمَحْظُورَاتُهَا كَالْحَجِّ
وَأَرْكَانُهَا الإِحْرَامُ وَالطَّوَافُ وَالسَّعْيُ، وَيَحِلُّ
بِالْحِلاَقِ أَوِ التَّقْصِيرِ، وَيَصِحُّ الإِحْرَامُ بهَا فِي جَمِيع
السَّنَةِ إِلاَّ أَيَّامَ التَّشْرِيقِ، وَمَنْ أَحْرَمَ مِنَ المِيقَاتِ
قَطَعَ التَّلْبِيَةَ إِذَا دَخَلَ الْحَرَمَ وَمِنَ الجعِرَّانَةِ إِذَا
دَخَلَ مَكَّةَ، وَمِنَ التَّنْعِيمِ إِذَا دَخَل المَّسْجِدَ، وَإِذَا
حَاضَتْ المُعْتَمِرَةُ قَبْلَ طَوَافِهَا انْتَظَرَتْ الطُّهْرَ، فَإِنْ
ضَاقَ الْوَقْتُ أَوْ دَفَتْ الحَجَّ وَسَقَطَ عَمَلُ الْعُمْرَةِ،
وَالمُسْتَحَاضَةُ تَغْتَسِلُ وَتُحْرِمُ وَتَقِفُ وَتَنْتَظِرُ الطُّهْرَ
لِلطَّوَافِ وَاللّهُ أَعْلَمُ.
.كتَابُ الْجِهَادِ:
إِذَا
نَزَلَ الْكُفَّارُ دَارَ الإِسْلاَمِ تَعَيَّنَ عَلَى كُلِّ مَنْ
أَمْكَنَهُ النُّصْرَةَ حَتَّى الْعَبِيدِ وَالْمَرْأَةِ، وَلاَ مَنْعَ
لِلسَّيِّدِ وَالزَّوْجِ وَالْوَلَدِ وَإِلاَّ فَفَرْضُ كِفَايَةٍ،
وَيَلْزَمُ الإِمَامُ حِرَاسَةُ الثُّغُورِ وَالْبَعْثُ إِلَى دَارِ
الْحَرْبِ فِي كُلِّ وَقْت يُمْكِنُهُ فَيَدْعُوهُمْ إِلَى الإِسْلاَمِ
فَإِنْ أَبَوْا فَإِلَى الْجِزْيَةِ وَالدُّخُولِ فِي ذِمَّةِ الإِسْلاَمِ
فَإِنْ أَبَوْا قَاتَلَهُمْ وَلاَ يُقْتَلُونَ قَبْلَ الدَّعْوَةِ إِلاَّ
أَنْ يَتَعَجَّلُوا وَيَجُوزُ التَّنْكِيل بِهِمْ بِقَطْعِ أَشْجَارِهِمْ
وَمَنْعِ الْمِيَاهِ عَنْهُمْ وَإِرْسَالِهَا عَلَيْهِمْ وَرَمْيِهِمْ
بِالمَجَانِيقِ وَعَقْرِ دَوَابِّهِمْ وَنَهْبِ أَمْوَالِهِمْ وَبِكُلِّ
مَا فِيهِ نَكَايَةٌ، وَمَنْ أَجَابَ إِلَى الْجِزْيَةِ أُقِرَّ عَلَى
دِينِهِ وَقُبِلَتْ مِنْهُ وَهِيَ فِي كُلِّ سَنَةٍ أَرْبَعُونَ دِرْهَماً
عَلَى أَهْلِ الْوَرَقِ مِنْ كُلِّ كَافِرٍ أَصْلِيٍّ حُرٍّ ذَكَرٍ
مُكَلَّفٍ غَيْرِ مُتَرَهَّبٍ وَلاَ عَتِيقٍ مُسْلِمٍ، وَلاَ يُؤْخَذُ
مَلِيٌّ بِمُعْدِم وَلاَ حَيٌّ بِمَيِّتٍ مَعَ ضِيَافَةِ المُجْتَازِ مِنَ
الْمُسْلِمِينَ ثَلاَثَةَ أَيَّام، وَتَسْقُطُ بِالإِسْلاَمِ وَلَوْ عَنْ
أَحْوَالٍ، لاَ بِانْتِقَالِهِ إِلَى مِلةٍ أُخْرَى، وَيُؤْخَذُ مِمَّنْ
تَجَرَ إِلَى غَيْرِ بَلَدِهِ عُشْرُ مَا يَبِيعُ حُرًّا، كَانَ أَوْ
عَبْداً، فَإِنْ بَاعَ بِبَلَد وَاشْتَرَى بِغَيْرِهِ فَعُشْرَانِ،
وَنِصْفِهِ مِمَّا حَمَلُوهُ إِلَى الْحَرَمَيْنِ مِنَ الأَقْوَاتِ
وَنَحْوِهَا وَالْحَرْبِيُّ بِغَيْرِهِ إِلاَّ أَنْ يُشْتَرَطَ عَلَيْهِ
أَكْثَرُ، وَيُمْنَعُونَ شِرَاءَ مَا فِيهِ ضَرَرٌ عَلَى المُسْلِمِينَ
كَالسِّلاَحِ وَالْحَدِيدِ وَتُنْقَصُ كَنَائِسُ بِلاَدِ الْعَنْوَةِ لاَ
الصُّلْحِ لكِنْ يُمْنَعُ رَمُّ دَائِرِهَا وَيُعَلَّمُونَ بِمَا
يُمَيِّزُهُمْ عَنِ المُسْلِمِينَ، وَمَنْ أَظْهَر صَلِيباً أَوْ خَمْراً
أُدِّبَ وَكُسِرَ وَأُرِيقَتْ، وَيُمْنَعُونَ ضَرْبَ النَّاقُوسِ،
وَرَفْعَ أَصْوَاتِهِمْ بِالْقِرَاءَةْ، وَشِرَاءَ الرَّقِيق، وَرُكَوبَ
نَفَائِس الدَّوَابِّ وَجَادَّةَ الطَّرِيقِ، وَلاَ يُكَنَّوْنَ، وَلاَ
تُشَيَّعُ جَنَائِزُهُمْ وَلاَ يُسْتَعَانُ بِهِمْ
كتاب: إرشاد السالك إلى أشرف المسالك في فقه الإمام مالك