كُنتُ
أنوي كتابةَ مقالي هذا قبل بثِ حلقةِ " البيان التالي " لكنني استشرتُ أخا
فاضلا فأشار علي – جزاه الله خيرا – بكتابةِ المقالِ بعد الحلقةِ ، لأن
أموراً ستتضحُ أكثر ، فتكونُ الكتابةُ بحدقةٍ أوسع ، ورؤيةٍ أشمل ، وكانت
تلك المشورةُ في مكانها وزمانها الصحيح ، فشكرا له .
حملتَ حلقةُ
" البيان التالي " – مع احترامي وتقديري لمقدمها وللقناةِ - عنواناً
ظالماً على الدعاةِ عموماً ، والمملكة خصوصاً ، فالعنوان " التطبيع يمر
عبر الدعاة " ! .. لا أظن أنه يوجد داعيةٌ في طولِ العالمِ الإسلامي
وعرضهِ ، من شمالهِ إلى جنوبهِ ، وشرقهِ إلى غربهِ يرضى أن يكون جسراً أو
قنطرةً يمر التطبيعُ مع العدو الصهيوني عن طريقهِ !
ولنفترض أنه يوجدُ داعيةٌ يرى التطبيعَ فهل من العدلِ تعميمُ التهمةِ على الجميعِ ؟!
فلو قلتُ - على سبيل المثال - : إن جميعَ الصحفيين ليبراليون ؟ هل يا ترى يُقبل مني هذا القول ؟
أجزم
أنه لن يقبل ، لأن جَمْع الصحفيين ووضعهم في سلةٍ واحدةٍ بتهمةِ أنهم
ليبراليون ليس من العدلِ الذي قال تعالى فيه : " وَإِذَا قُلْتُمْ
فَاعْدِلُواْ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى " [ الأنعام : 152 ] ، ولن أرضى
لنفسي أن أضعهم في سلةٍ واحدةٍ أصلا ، فالتعميمُ في الأحكامِ كارثةٌ ،
ومزلةُ قدمٍ !
ومما ينبغي أن يتنبه له الأخ د. عبد العزيز قاسم أن
عناوين الحلقاتِ قد تحملُ مضامين خاطئةً في أحيانٍ ، وظالمةً في أخرى ،
مما يتطلبُ الحذر من أن يعلقَ العنوان بذهن القارىء ولا سيما من لم يشاهد
الحلقةَ ، فتصل الرسالةُ الخطأ .
انكشف في الحلقةِ أن المعنيين
بالعنوانِ لم ولن يمر التطبيعُ عبرهما البتة ، وهما د. العواجي و د.
العريفي ، فكانت مداخلتهما بمثابةِ حرق لذلك العنوان الظالمِ فبدأ د.
العواجي مداخلته برمي شررٍ كالقصر على تلك الفرية ، وأوضح أنه ضد التطبيع
جملةً وتفصيلاً ، وأنه كان له رأي في قضيةٍ معينةٍ وهي الظهور في القنواتِ
الإسرائيليةِ ولكنه تراجع عنه ، وأعلن تراجعه في قناة " الأقصى " ، وكان
شجاعاً في طرح رأيه ، وردّ على من حام حول الاختصاص ، وهو ليس بمختص أصلا
!
أما د. محمد العريفي الذي رمته الصحافة المحلية عن قوسٍ واحدٍ
فكانت مداخلته مسك ختام المداخلات ، وكما قيل : " قَطَعَتْ جَهِيزَةُ
قَوْلَ كُلِّ خَطِيبٍ " ، ليكشف كذب من سبقهُ ممن داخلوا وساروا في ركاب
الصحافة الكاذبة ، ورد على بوق صحيفة الكذب " الوطن " رئيس تحريرها الذي
تكلم بلغة التعالي والعنجهية والاحتقار للدعاة وكأنه يصدر أوامره لمن يعمل
معه في داخل مبنى صحيفته ! .
لكنّ د. العريفي وضعهُ في مكانهِ
اللائقِ به عندما اتهم خاشقجي الدعاة - بافتراءات ليست غريبة عليه وأمثاله
، وكلُّ إناءٍ بالذي فيه ينضحُ ، فقال : الدعاة لا يصلحون للسياسة ! ..
الدعاة يبحثون عن الظهور والشهرة(show business) .. الدعاة يقتصر عملهم
على الوعظ والإرشاد .. فأتى د. العريفي على بنيان تلك الافتراءات من
القواعد فَخَرَّ عَلَى خاشقجي السَّقْفُ مِن فَوْقِهِ .
أما محمد سعيد
طيب فقد كشف أنه إنما داخل لأجل العريفي !! ليفنّد بالطبع حسب زعمه على
طريقة ( مع الخيل يا شقرا ) ؛ كما أشغل المشاهدين بالـ"أنا" .. أنا في
بيروت ! .. وأنا سأدير جلسة في مؤتمر في بيروت ! ، وما دخل المشاهد في
أناك هداك الله ؟! وهل يعني هذا التأكيد تأكيد الحضور في ظل شعور ما يعاني
منه ؟!!
وأيضا ردد ما قيل في الصحافة في حين أنه أُلبس ثوباً أكبر
منه في القنوات الفضائية تحت مسمى " ناشط حقوقي " مثل باقي المسميات "
خبير الإرهاب " ، " وخبير العِدة " !! وهلم جرا من الألقاب التي أصبحت
بالكوم في القنوات الفضائية ذكرتني بالشهادات المزورة التي تُشترى بأرخص
الأثمان من دكاكين بعض الدول !
أعجبتني أجوبة وهدوء الكاتب المصري
المعروف فهمي هويدي ، فكان موفقا فيها أفضل بمراحل – في ظني – من محمد
سعيد طيب ، ولا أخفيكم أنني كنتُ متوجسا ، وواضعا يدي على قلبي من الضيف
لما له من كتابات تنال من السلفية والسلفيين فخشيتُ أن تؤثر فكرته في
مجريات الحلقة ، لكن ذلك التوجس زال مع أطروحات وآراء الأستاذ فهمي هويدي
عدا رأيه في إيران فلا أتفق معه .
الشكر للأستاذ والكاتب المصري
فهمي هويدي الذي كان منصفا للدعاة في المملكة بعد أن سمع من د. العواجي و
د. العريفي ، وخاصة دفاعه عن د. العريفي بعد سماعه منه مباشرة ، وعلم
بالجناية التي اقترفتها الصحافة المحلية في حقه ، فما كان منه إلا الوقوف
مع د. العريفي ، وطالب - مشكورا - الإعلاميين بتصحيح الخطأ الذي اقترفوه
بحق د. العريفي ، بخلاف طيب وخاشقجي مع الأسف ! ، وتحديدا خاشقجي الذي
أراد أن يدلس على المشاهد ، ويصفي حساباته .
من أهم ما خرجت به من
الحلقة تأكيد تجريم التطبيع مع العدو الصهيوني ، وكان محل إجماع ولله
الحمد ، وهذا بحد ذاته يجلي أن الشعوب لم ولن ترضى بالتطبيع مهما بلغ
الأمر ، ولو قامت به بعض الدول يبقى المعيار أنه من السياسي ، وليس من
الشعوب الرافضة له عن عقيدة بأن العدو الصهيوني يجب أن يرحل من أرض فلسطين
عاجلا غير آجل ، فإن لم يكن في الأجيال الحالية ، فنسأل الله أن يكون من
الأجيال القادمة .
وختاما : الحلقة جاءت لتلبيس دعاة المملكة
فرية تمرير التطبيع ربما من باب الإثارة الإعلامية لكن اللّهُ غَالِبٌ
عَلَى أَمْرِهِ ، فكان موقف من اتُهم بذلك واضحا وصريحا لا يحتاج إلى
تشكيك .
ومن تناقضات الصحافة المحلية أنها تمارس بين الحين
والآخر التطبيع الإعلامي ، فمن آخر ذلك مقال لمجرمة الحرب وزيرة الخارجية
الإسرائيلية تسيبي ليفني نشرته صحيفة " اليوم " (تاريخ الثلاثاء 28 – 4 –
1430هـ) تحت عنوان : " ننقد الحكومة .. لا الدولة " ، وقبل ذلك نشرت صحيفة
" الرياض " مقالا لكاتب يهودي ، ونشرت صحيفة " الوطن " في أول رمضان
1429هـ للصحفي الأمريكي " ريتش لوري " وهو من طالب بضرب الكعبة بالنووي ،
ولم نقرأ حرفا واحدا ضد هذا التطبيع الإعلامي ، والسبب معروف ، وعلى قاعدة
: " دعها تمر " ! .
إضاءة : " وَقُلْ جَاء الْحَقُّ وَزَهَقَ
الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً " ، " بَلْ نَقْذِفُ
بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ
الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ " .
مُحالٌ أن يمرَ عبرَ الدعاةِ !!!
|
|
عَبْداللَّه بن محمد زُقَيْل
|
|