عندما
ننظر لكرتنا الأرضية من الخارج نراها كرة زرقاء بديعة تسبح في هذا الكون
الواسع بكل هدوء، ولكن عندما ندخل لأعماق هذه الكرة الوادعة نرى التصدعات
والتشققات والاهتزازات ونرى تفاعلات كيميائية، ونرى عالماً يعجُّ بالحركة
والحياة والحرارة...
وقد
كان يُظن في الماضي أن الزلازل تقتصر على أجزاء معينة من الأرض، ولكن بعد
تطور أجهزة القياس تبين أن جميع أجزاء الأرض تعاني من اهتزازات وتصدعات
تنتج عن هذه الهزات، وقد تحدث الهزات ولا نحسُّ بها إلا إذا تجاوزت قوة
معينة تحددها مقاييس الهزات الأرضية. إذن يقرر العلم الحديث أن جميع أجزاء
الكرة الأرضية تعاني من هزَّات باستمرار ينتج عنها تصدع مستمر. وهذا ما
نجد عنه حديثاً في كتاب الله تعالى حيث يقسم بهذه الأرض فيقول: (والأرض
ذات الصدع) [الطارق: 12].
وانظر
معي إلى هذه الصياغة وهذه الصفة للأرض بأنها (ذات الصدع)، إنها حقيقة
ثابتة يعرفها علماء الأرض وقد تحدث عنها القرآن قبل 14 قرناً، أليس هذا
إعجازاً علمياً واضحاً؟ فالهزات الأرضية تسبب العديد من الخسائر كل عام،
ولولا شبكة الصدوع لكان عدد الهزات الأرضية أضعافاً مضاعفة ولكنها رحمة
الله تعالى بعباده.
ويجب
أن نتذكر بأن نظرية تصدع القشرة الأرضية بدأت منذ مطلع القرن العشرين أي
بعد نزول القرآن بثلاثة عشر قرناً. ولم تصبح حقيقة علمية تؤيدها القياسات
والتجارب والأبحاث إلا منذ عدة سنوات فقط. والآن لو دخلنا إلى عمق الأرض
ومررنا على طبقاتها لرأينا كتلاً ملتهبة حرارتها تبلغ آلاف الدرجات، تبث
إشعاعاً عظيماً وتولد ضغوطاً كبيرة وتحرك الحمم المنصهرة في داخلها حركة
دائمة.
تدفق الحمم المنصهرة في الصدع الموجود بمنطقة Mauna Loa خلال عام 1950، وهذه المنطقة هي الأكثر نشاطاً في العالم.
كل
هذا من شأنه توليد تصدعات مستمرة في القشرة الأرضية. لذلك نجد البيان
القرآني يخبرنا عن هذه التصدعات من خلال التشققات التي تحدثها في قاع
البحار مطلقة ألسنة اللهب والحمم المنصهرة فيقول تعالى: (والبحر المسجور)
[الطور: 6].
فجميع
بحار العالم نجد في قاعها براكين نشطة تقذف الحمم المنصهرة وتُسَجِّر
الماء وتحرقه ولكن على الرغم من الحرارة العظيمة التي تطلقها فهي لا
تستطيع تبخير الماء، وعلى الرغم من ثقل الماء وعمقه وكبر حجمه إلا أنه
أيضاً لا يستطيع أن يطفئ هذه النيران! هذه النيران التي تم اكتشافها
اليوم، سوف يأتي يوم القيامة حيث تزداد ضراوة لتسجّر وتحرق ماء البحر وهذا
ما نجده في قوله تعالى: (وإذا البحار سجرت) [التكوير: 6].
هذه
الحمم المتدفقة من صدوع الأرض تتجمد مشكلة الحجارة بأنواعها، فإذا ما
تدفقت من باطن البحر شكلت الجزر، وإذا ما تدفقت من اليابسة شكلت المناطق
الصخرية والمناطق ذات التربة الخصبة، وهذا من رحمة الله بعباده، فتأمل!
عندما يشتعل البحر يوم القيامة، فإن النتيجة المنطقية لهذا الأمر هو ازدياد
ضغط الطبقات الأرضية بفعل الحرارة الهائلة مما يؤدي إلى تحرك ألواح القشرة
الأرضية وتحرك الجبال معها. لذلك نجد القرآن يحدثنا عن هذه الحقيقة
المستقبلية بقوله تعالى: (وإذا الجبال سُيِّرت) [التكوير: 3]. وفي آية
أخرى: (وتسير الجبال سيراً) [الطور: 10].
والعجيب أن كلتا الآيتين حيث الحديث عن اشتعال البحار وتسجيرها نجد الحديث عن حركة الجبال وسيرها. وهذا هو المنطق العلمي فارتفاع حرارة باطن الأرض وقذف ما فيها من كتل منصهرة إلى سطحها يؤدي إلى احتراق البحار، وإلى تسيير الجبال.
ففي
سورة الطور نجد قوله تعالى: (والبحر المسجور) ثم يقول (وتسير الجبال
سيراً). وفي سورة التكوير يقول تعالى: (وإذا الجبال سُيرت) ثم يقول (وإذا
البحار سجرت) فهل نحن مستعدون للقاء الله في ذلك اليوم
[/center]