أ. أحمد محمد سليمان الحمد لله الذي أنزل القُرآن كلامَه ويسَّره، وسهَّل نشْرَه لمن رامه وقدَّره
[1]....
والصلاة
والسلام على نبيه محمد - صلَّى الله عليه وسلَّم - القائل: ((أَقْرَأَني
جِبْرِيلُ - عَلَيْهِ السَّلامُ - على حَرْفٍ، فَرَاجَعْتُهُ، فَلَمْ
أَزَلْ أَسْتَزِيدُهُ فَيَزِيدُني، حَتَّى انْتَهَى إلَى سَبْعَةِ
أَحْرُفٍ))
[2].
وبعد،،
فهذه
آياتٌ من كتاب الله - عزَّ وجلَّ - من سورة سبأ، أردتُ أن أذكر ما فيها من
القِراءات الصحيحة المتواترة، وأبيِّن قدْرَ الإمكان وجوه الاختِلاف فيها
للقُرَّاء العشرة، وذلك من طريق "الشاطبية" وأصلها "التيسير" بالنسبة
للقِراءات السبع، ثم من طريق "تَحبير التَّيسير" و"الدُّرة" بالنِّسبة
للقراءاتِ الثلاث تتمَّة العَشْر، وقد اصطَلَح علماءُ هذا الفنِّ على تسمية
هذه العشر: العشر الصغرى.
وأعني بذلك القرَّاءَ العشَرة المشهورين
في الأمصار الخمسة: المدينة ومكَّة والبصرة ودِمَشْق والكوفة، والمختارُ من
قراءة كلِّ قارئٍ من هؤلاء العشَرة رِوايتان على النَّحو التالي:
فمن المدينة:
القارئ: نافع بن أبي نُعيْم، وراوياه: قالونُ المدنيُّ ووَرْشٌ المِصْري.
والقارئ: أبو جعفر يزيد بن القعْقاع، وراوياه: عيسى بن وَرْدان وسُليْمان بن جَمَّاز.
ومن مكة:
القارئ: عبدالله بن كثير الداريُّ، وراوياه: البزِّيُّ وقُنْبُل.
ومن البصرة:
القارئ: أبو عمْرو بن العلاء المازني، وراوياه: أبو عُمر الدُّوري وأبو شُعيْبٍ السُّوسي.
والقارئ: يعقوب الحضرمي، وراوياه: رُوَيْس ورَوْح.
ومن دمشق الشام:
القارئ: عبدالله بن عامر، وراوياه: هشام بن عمَّار وعبدالله بن ذَكْوان.
ومن الكوفة:
القارئ: عاصم بن أبي النَّجود، وراوياه: أبو بكرٍ شعبة بن عيَّاش وحفصُ بن سُليْمان.
والقارئ: حمزة بن حبيبٍ الزيَّات، وراوياه: خلَفُ بن هشام البزَّار وخلاد بن خالد.
والقارئ: الكسائي، وراوياه: أبو الحارث اللَّيْثُ بن خالد وأبو عُمَر الدوري.
والقارئ: خلف بن هشام البزَّار، وراوياه: إسحاق الورَّاق وإدريس الحدَّاد.
والمُخْتار
من كلِّ روايةٍ من هذه الرِّوايات طريقٌ واحدةٌ؛ فروايةُ حفْصٍ مثلاً من
طريق عُبَيْد بن الصَّبَّاح فقطْ، وروايةُ وَرْشٍ من طريق الأَزْرَق،
وروايةُ قالونَ من طريقِ أبي نشيطٍ، وهكذا.
إلا رواية إدْريسَ
الحدَّاد (ت 292) لقِراءة خَلَفٍ البزَّار (ت 229) فمِن طريقَي المطوعي (ت
371) والقَطيعي (ت 368) كلاهُما عنْ إدريسَ بنِ عبدالكريم الحدَّاد.
وكلُّ ذلك مفصَّل في كتاب "تحبير التيسير" للإمام ابن الجزري - رحمه الله -.
تنبيه:
كتاب
"التيسير" في القراءات السَّبع هو للإمام أبي عمرٍو الداني ت 444هـ، وقد
زاد عليه ابن الجزري - ت 833هـ - قراءات الأئمَّة الثلاثة: أبي جعفر ويعقوب
وخلف، فسُمِّي كتابه "تحبير التيسير" في القِراءات العشْر.
طُبِعَ كتاب "التيسير" بتحْقيق بعْضِ المستَشْرِقين، ثم أُعِيدَ طبعُه مِرارًا، ولا يزال بِحاجةٍ إلى تَحقيق علميٍّ.
وطُبِعَ
"التَّحبير" قديمًا بتحقيق الشَّيخَيْنِ الفاضلَيْنِ: عبدالفتاح القاضي
ومحمَّد الصادق قَمحاوي، ثُمَّ حقَّقه تحقيقًا علميًّا الدكتور: أحمد محمد
مفلح القضاة.
وأمَّا
الشَّاطبيَّة والدُّرَّة؛ فأكثرُ أهل العِلْم الآن على أنَّ أفضل
طبعاتِهما ما حقَّقه الشَّيخ محمد تميم الزُّعْبي،، والله أعلم.
الآيات المختارة لهذا المقال:
وقد وقعَ الاختيار هنا على الآيات [10 - 23] من سورة سبأ، وهو رُبْعُ حزبٍ كاملٌ.
ولا خلاف في عدِّ الآيات في سورة سبأ عند عُلماء العدِّ إلا في موضع واحد؛ هو قوله تعالى: {عَن يَمِينٍ وَشِمَالٍ}؛ فهو رأسُ آيةٍ في العدِّ الشامي، وجزءٌ من آيةٍ عند غيْرِهم.
فهي إذًا خمس وخمسون آيةً في العدِّ الشَّامي، وأربعٌ وخمسون آيةً لدى الباقين،، والله أعلم.
قال الله تعالى:
{وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلاً يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الحَدِيدَ * أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ * وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ القِطْرِ وَمِنَ
الجِنِّ مَن يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَن يَزِغْ
مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ * يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِن مَّحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوابِ وَقُدُورٍ رَّاسِيَاتٍ اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ * فَلَمَّا
قَضَيْنَا عَلَيْهِ المَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلاَّ
دَابَّةُ الأَرْضِ تَأْكُلُ مِنسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ
الجِنُّ أَن لَّوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي
العَذَابِ المُهِينِ * لَقَدْ كَانَ لِسَبَأٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَن يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِن رِّزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ * فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ العَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُم بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِّن سِدْرٍ قَلِيلٍ * ذَلِكَ جَزَيْنَاهُم بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلاَّ الكَفُورَ * وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ القُرَى الَتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا آمِنِينَ * فَقَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا وَظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ * وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلاَّ فَرِيقًا مِّنَ المُؤْمِنِينَ * وَمَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِم مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَن يُؤْمِنُ بِالآخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْهَا فِي شَكٍّ وَرَبُّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ * قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُم مِّن دُونِ اللَّهِ لاَ يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِن شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُم مِّن ظَهِيرٍ * وَلاَ تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ عِندَهُ إِلاَّ لِمَنْ أَذِنَ لَهُ حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَن قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الحَقَّ وَهُوَ العَلِيُّ الكَبِيرُ} [سبأ: 10 - 23].
* النون السَّاكنة والتَّنوين مع الواو أو الياء نحو: (منيبٍ ولقد) (فضلاً يا) (سابغاتٍ وقدِّر) (شهرٌ ورواحُها) (ومَن يَزِغْ) (عن يَمينٍ) (مَن يُؤمن) قرأ خلفٌ عن حَمزة بالإدغام بغير غُنَّة، والباقون بالإدْغام مع الغُنَّة.
* (ولقد آتينا) اختصَّ وَرْشٌ بنقْلِ حركةِ الهمزة إلى الساكِنِ قبلَها هكذا: (ولقدَ اتَيْنا)
في هذا وشبهِه، بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ الساكن آخِرَ كَلِمَةٍ، وأَنْ
يَكُونَ غَيرَ حَرْفِ مَدٍّ، وأَنْ تَكُونَ الهَمزَةُ أَوَّلَ الكَلِمَةِ
الأُخْرَى، سَوَاءٌ كان ذلك السَّاكنُ تَنْوِينًا، أَو لامَ تَعْرِيفٍ، أَو
غَيرَ ذَلِكَ، فَيَتَحَرَّكُ ذَلكَ السَّاكِنُ بِحَرَكَةِ الهَمْزَةِ،
وتسقُطُ الهَمْزَةُ من اللَّفْظ.
ومِثْلُ ذلك هنا: (صَالِحًا انِّي)، (عَنَ امْرِنَا)، (دَابَّةُ لَرْضِ)، (ذَوَاتَيُ اكْلٍ)، (وَأَيَّامًا امِنِينَ)، (مُمَزَّقٍ انَّ)، (سُلْطَانٍ الاَّ)، (بِالاخِرَةِ)، (فِي لَرْضِ)، (لِمَنَ اذِنَ).
[آثرنا
الكتابة بهذا الرسم لبيان النطق أو تقريبه، وننبِّه أنَّ (في لرض) لا
تُنطق الياء من "في" حالة الوصل، بل تسقُط لفظًا هكذا: (فِلَرض)، برغم
تحرُّك لام التَّعريف؛ لأنَّ تحرُّكها عارض، وإنَّما كتبناها منفصِلةً
للإبْقاء على الكلمتَين منفصلتين]
* (ولقدْ آتينا)
يسكتُ خلفٌ عن حَمزة على السَّاكن إذا كانَ آخِرَ كلمةٍ، ولم يكُن حَرفَ
مدٍّ وأتتِ الهمزةُ بعدَه أوَّلَ الكلِمة التي تليها - سكتةً لطيفةً من
غيْر قطْع، وذلك بخلافٍ عنه.
ومِثْلُ ذلك هنا أيضًا: (صَالِحًا إِنِّي)، (عَنْ أمْرِنَا)، (مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ) (ذَوَاتَيْ أُكُلٍ)، (وَأَيَّامًا آمِنِينَ)، (فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ)، (مُمَزَّقٍ إِنَّ)، (عَلَيْهُمْ إِبْلِيسُ) (سُلْطَانٍ إِلاَّ)، (لِمَنْ أُذِنَ).
* (ولقدْ آتينا) وشبهُه من الهَمْز المتحرِّك السَّاكنِ ما قبلَه، وهو منفصِلٌ رسمًا، لخلفٍ فيه ثلاثةُ أوجُهٍ عند الوقْف: السَّكْتُ والنَّقْل وترْكُهما، ولخلادٍ وجْهان؛ إذْ ليسَ له السَّكت، والمقدَّم من هذه الأوْجُه جميعًا التَّحقيقُ بِلا سَكْتٍ من الرِّوايتَيْن.
فإذا كانَ السَّاكنُ ميمَ الجَمع، نَحو: (مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ)، (فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ)، (عَلَيْهُمْ إِبْلِيسُ) امتنع النقْلُ لهما بِلا خلاف.
* (آتينا - آل داود - آية - آمنين - لآيات - بالآخرة) تقدَّم
فيها الهمزُ على حرف المدِّ، وهو المسمَّى بمدِّ البدَل، ولورشٍ في ذلك
ثلاثة أوجُه: القصر والمدُّ المتوسِّط والمدُّ المُشْبَع، سواءٌ كانت
الهمزةُ ثابتة أو مُغَيَّرة.
* (والطيرَ وألنَّا - بصيرٌ ولسليمان - السَّيْرَ سيروا - الكبيرُ قُل) اختصَّ ورشٌ بترْقِيقِ هذه الرَّاءات حالةَ الوَصْل، وكذلك يرقِّقها في: (ظاهِرة - سِيروا - بالآخِرة) وصلاً ووقفًا.
* (الرِّيح) روى أبو بكرٍ شُعبةُ بالرَّفع، وقرأ الباقونَ بالنَّصب.
وقرأها أبو جعفر: (الرِّياحَ) بالجمع، والباقون قرؤوا بالإفراد.
* (عينَ القِطْر) في تفْخيم الرَّاء وترْقيقِها - حالةَ الوقْف - وجْهانِ للجَميع، وهِي في الوصْل مُرقَّقةٌ بِلا خِلاف.
* (يديْهِ، نذقْهُ، فاتبعوهُ إِلا) ابنُ كثيرٍ يَصِلُ هاءَ الضمير المكسورةَ بياءٍ، والمضمومةَ بواو وصلاً، وإذا وليَها همزةٌ فليس له إلا قصْر المنفَصِل، والباقون يكسِرون الهاءَ ويضمُّونَها بغير صِلة.
* ميم الجمْع؛ يصِلُها بواوٍ قبل المتحرِّك: ابنُ كثيرٍ وأبو جعفرٍ، ولقالونَ وجْهانِ، نحو: (منهمُ عَن - دَلَّهُمُ عَلَى) ونحو: (وبدَّلناهُمُ بِجنَّتَيْهِم - جزيناهُمُ بِما - عليْهِمُ مِن) فلا إخفاءَ ولا إدْغام، وكذلك: (مساكنهِمُ آية - فجعلناهُمُ أَحَاديث - عليْهِمُ إِبْلِيسُ)، ولا يَمدُّون المنفصِل إلا قالون فلهُ الوجْهان: المدُّ والقَصْر.
وورْشٌ يصِلُها بواو قبل هَمزة القَطْع فقط، نحو (مساكنهِمُ آية - فجعلناهُمُ أَحَاديث - عليْهِمُ إِبْلِيسُ) ويمدُّ المدَّ المنفصِل.
* (كالجوابِ) أثبتَ الياءَ بعد الباء وصْلاً أبو عمرٍو وورْش، وأثبتَها وصلاً ووقفًا ابنُ كثير ويعقوبُ.
* (عبادي الشَّكور) أسكَن الياءَ حَمزةُ وصْلاً - فتسقُط من اللَّفْظ - ووقْفًا، وقرَأَ الباقون بفتْح الياءِ في الوصْل، وسكونِها في الوقْف.
* (دَابَّةُ - آيَةٌ - بَلْدَةٌ - طَيِّبَةٌ - ظَاهِرَةً - بِالآخِرَةِ - ذَرَّةٍ - الشَّفَاعَةُ) يُميلُ الكسائيُّ - عند الوقْف - هاءَ التَّأنيثِ والحرْفَ الذي قبلَها، منَ الكلِمات السِّتِّ الأولى بلا خِلافٍ عنْه، ومن الكلِمتَيْن الأخيرتين بِخِلافٍ.
وبيان ذلك:
- أنَّ الكلمات الأربع الأولى: (دَابَّةُ - آيَةٌ - بَلْدَةٌ - طَيِّبَةٌ) وقعَ قبلَ هاءِ التَّأنيث فيها أحرفٌ من: (فجثتْ زينب لذَوْدٍ شُمس)، وهذا القِسم يُمال للكسائيِّ بلا شرْطٍ وبلا خِلاف.
- أمَّا الكلمتان: (ظَاهِرَةً - بِالآخِرَةِ) فقبلَ هاءِ التَّأنيث حرفٌ من أحرُف (أكهر)،
وهذا القسم يُمال للكسائي إذا سبقَ هذه الأحرفَ ياءٌ ساكنة أو كسرٌ، وإذا
فَصَل بيْن الكسرةِ وهاءِ التَّأنيث فاصلٌ لَم يمنعِ الإمالة.
فعلى هذا
القول - وهو الأشْهر والمقدَّم في الأداء - تُمال الهاءُ وما قبلَها في
الكلِمات السِّتِّ الأولى، ولا تُمال الكلِمتانِ الأخيرتان.
والقول
الآخر: هو إمالةُ جميع الحروف الهجائيَّة الواقِعة قبل هاء التَّأنيث إلا
الألِف بلا شرْط؛ فعلى هذا القول تُمال هاءُ التَّأنيثِ والحرْفُ الذي
قبلَها في الكلمتيْن الأخيرتَيْن أيضًا؛ فهذَا هو بيان وجه الخلاف.
قال الشاطبي رحمه الله:
وَفِي هَاءِ تَأْنِيثِ الوُقُوفِ وَقَبْلَهَا مُمَالُ الكِسَائِي غَيْرَ عَشْرٍ لِيَعْدِلاَ وَيَجْمَعُهَا (حَقٌّ ضِغَاطُ عَصٍ خَظَا) وَ(أَكْهَرُ) بَعْدَ اليَاءِ يَسْكُنُ مُيِّلاَ أَوِ الكَسْرِ وَالإِسْكَانُ لَيْسَ بِحَاجِزٍ وَيَضْعُفُ بَعْدَ الفَتْحِ وَالضَّمِّ أَرْجُلاَ لَعِبْرَهْ مِائَهْ وِجْهَهْ وَلَيْكَهْ وَبَعْضُهُمْ سِوى أَلِفٍ عِنْدَ الكِسَائِيِّ مَيَّلاَ
|
[قولنا:
(يُميلُ الكسائيُّ - عند الوقْف - هاءَ التَّأنيثِ والحرْفَ الذي قبلَها)
وقيل: الإمالة في الحرف الذي قبلَ هاء التأنيث فقط، وهو خلاف لفْظي، كما
قال ابن الجزري - رحمه الله -، (النشر 2/88)]
* (دَابَّةُ الأَرْضِ) يسكتُ خلفٌ عن حَمزةَ بِلا خلاف على (ال) التي للتعريف إذا جاء بعدها همزة قَطْع؛ لأنَّ ذلك بِمنزِلة كلمتَيْن. وعن خلاد كذلك بِخلافٍ والمقدَّم تركُ السَّكت له.
ومِثْلُ ذلك هنا: (بِالآخِرَةِ)، (فِي الأَرْضِ).
ولِحمزة في الوقْف على ذلك وجْهان، قال الشاطبي - رحمه الله -:
وَمَا فِيهِ يُلْفَى وَاسِطًا بِزَوَائِدٍ دَخَلْنَ عَلَيْهِ فِيهِ وَجْهَانِ أُعْمِلا كَمَا هَا وَيَا وَاللامِ وَالبَا وَنَحْوِهَا وَلامَاتِ تَعْرِيفٍ لِمَنْ قَدْ تَأَمَّلا
|
والمقدَّم النَّقلُ من رِوايةِ خلاَّد، والتحقيقُ مع السَّكتِ من روايةِ خلَف.
* (تأكل، المؤمنين، يؤمن) أبدل الهمزةَ حرفَ مدٍّ: أبو جعفرٍ وورْش والسُّوسيُّ وقْفًا ووصلاً، وكذلك حَمزةُ في الوَقْفِ فَقَطْ.
* (مِنْسأتَه) قرأ المدنيَّان - نافعٌ وأبو جعفَرٍ - وأبو عمرٍو البصْريُّ بألفٍ بعد السين من غيْر همْز.
وروى ابنُ ذكوان بإسكانِ الهمْزة.
واختُلف
عن هشامٍ لكن طريق "التَّيسير" الذي معنا عنْه بفَتْحِ الهَمزة، وكذلك قرأ
الباقون، وحَمزةُ عند الوقْف يَجعل همزتَها بيْن بين.
* (تبيّنتِ الجِنُّ)
روى رُوَيْس بضمِّ التَّاء والبَاء وكسْر الياء مشدَّدة على بناءِ ما لم
يُسَمَّ فاعله (البناء للمجهول)، وقرأ الباقون بفتح التاء والباء والياء
المشدَّدة بالبناء للمعلوم.
* (لِسَبَأ) قرأ أبو عمرو والبزِّي بِفتْح الهمزة من غَيْرِ تنوينٍ، وروى قنبلٌ بسكون الهمزة، وقرأ الباقون بالكَسْرِ والتَّنوين.
* (مسكنهم) قرأ حَمزةُ وحفْص: (مَسْكَنِهِم) بسكون السين من غير ألفٍ - على الإفراد - وبفتْح الكاف. وقرأ الكسائيُّ وخلفٌ كذلك ولكِنْ بِكَسْر الكاف (مَسْكِنِهِم)، وقرأ الباقون بألِفٍ بعد السِّين المفتوحة - على الجمع - مع كسر الكاف (مَسَاكِنِهِم).
* (وربٌّ غفور - أُكُلٍ خَمط) قرأ أبو جعْفر بإخْفاء التَّنوين عندَ الخاء والغَيْن مع الغُنَّة، وقرأ الباقون بالإظْهار.
* (بِجنتيْهم - عليهم - فيهما) بضم الهاء: يعقوب، (عليْهم) بضم الهاء: حمزة أيضًا.
والباقون بكسر الهاء.
* (أكل خَمط) قرأ البصريَّان: (أكُلِ) بكسر اللام من غير تنوينٍ (بإضافة أكل إلى خمط)، وقرأ الباقون بالتَّنوين، (وخمطٍ بعدها من التوابع: بدل أو عطف بيان).
* و(أُكل) قرأ نافعٌ وابنُ كثير بإسْكان الكاف، وضمَّها الباقون.
* (وَشَيْءٍ مِنْ سِدْر) كلِمة (شيء) هنا فيها الآتي:
لورْشٍ فيها التوسُّط والمدُّ وصلاً ووقفًا، والمقدَّم التوسُّط.
ولخلفٍ عن حَمزة السَّكتُ بلا خلاف في الوصْل، ولخلادٍ كذلك لكنْ بِخلاف، والمقدَّم ترك السَّكت له.
ولحمزة في الوقْف اضطِرارًا ما ذكره الشاطبي - رحمه الله - وبيَّنه الشُّرَّاح في قوله:
وَحَرِّكْ بِهِ مَا قَبْلَهُ مَتَسَكِّنًا وَأَسْقِطْهُ حَتّى يَرْجِعَ اللَّفْظُ أَسْهَلا
|
أي نقْلُ حركةِ الهمزة إلى السَّاكن قبلها، ثم حذْف الهمزة تسهيلاً، هذا هو الوجْه المقدَّم من رواية خلَف.
ولهُ فيه أيضًا الإدغام، ذكره الشاطبيُّ فقال:
وَمَا وَاوٌ اصْلِيٌّ تَسَكَّنَ قَبْلَهُ أوِ اليَا فَعَنْ بَعْضٍ بِالادْغَامِ حُمِّلا
|
وهذا الوجهُ هو المقدَّم من رواية خَلاَّد.
* (وهل نجازي إلا الكفور) قرأ حمزةُ والكسائيُّ وخلفٌ ويعقوبُ وحفصٌ بالنُّون مع كسر الزَّاي و (الكفورَ) بالنَّصب، وقرأ الباقون بالياءِ وفتْحِ الزَّاي على بناءِ ما لم يُسَمَّ فاعله (البناء للمجهول)، ورفْعِ (الكفور).
ووَرْشٌ يُميل (يُجازَى) إمالةً صُغْرى، وتُسمَّى هذه الإمالة: التَّقْليل.
والكسائيُّ يُدْغِم اللام من (هل) في النون.
* (القُرى التي - قُرًى ظاهرة):
في الوصل تسقُط الألف - التي بعد الراء - من اللفظ؛ لسكونِ ما بعدها.
ولكنَّ السَّاكن في (القُرى التي) مُنفصِلٌ وهو ألف (التي)، فيكون للسُّوسيِّ عن أبي عمرٍو فيها وجْهان: الإمالةُ وتَرْكُها، ولا إمالةَ فيها لغَيْرِه.
والسَّاكن في (قُرًى ظاهرة) متَّصلٌ وهو التَّنوين، فليس فيها إمالةٌ لأحد.
أمَّا في الوقف على (القُرى - قُرًى) فيُميلُ كلٌّ مِن حَمزة والكسائيِّ وخلَفٍ وأبي عَمْرو، ويقلِّل ورْش، لا خِلاف في هذا بالنِّسبة لكلمة (القُرى)، أمَّا (قُرًى) - وهي منصوبة - ففيها خلافٌ للنُّحاة لَم يعتَدّه القُرَّاء؛ والقِراءة سُنَّة متَّبعة.
وبيانُ
خِلاف النُّحاة هكذا: مَنَعَ بعضُهم إمالةَ المنوَّن مطلقًا [مرفوعًا كان
أو منصوبًا أو مجرورًا]، ومنع آخَرون إمالةَ المنصوبِ فقَطْ من ذلك
ككَلِمَتِنا (قُرًى) ويُجيزون الإمالة في الرَّفع والجرِّ، كـ (سِحرٌ مُفترًى) (من قُرًى)،
والقولُ الثَّالث الموافقُ للمنقول عن القُرَّاء هو إمالة جميع المنوَّن
من ذلك في الوَقْفِ، وهو الصَّحيحُ المقْروءُ به، قال الشاطبي - رحمه الله
-:
وَقَدْ فَخَّمُوا التَّنْوِينَ وَقْفًا وَرَقَّقُوا وَتَفْخِيمُهُمْ في النَّصْبِ أَجْمَعُ أَشْمُلا
|
* (ربنا باعد) قرأ يعقوبُ برَفْعِ الباء (ربُّنا) وفتْحِ العين والدَّال وألفٍ قبل العَيْن (بَاعَدَ)، وقرأ ابنُ كثير وأبو عمرٍو وهشامٌ بنَصْبِ الباء وكسْرِ العَيْنِ مشدَّدة من غيْرِ ألفٍ مع إسكان الدَّال (ربَّنا بَعِّدْ)، وقرأ الباقون كذلك إلا أنَّهم بالألف وتَخفيف العين (ربَّنا بَاعِدْ).
* (أسفارنا - صبار) بالإمالةِ لأبي عَمْرٍو ولِلدُّوريِّ عن الكِسائيِّ، وبالتَّقْلِيل لوَرْش.
* (وَظَلَمُوا) بتفخيم اللام أي تَغْليظها لورش، والباقون بالترقيق.
* (ولقد صدق) بإدغام الدَّال في الصَّاد: أبو عمرٍو وحمزةُ والكسائيُّ وخلفٌ وهشام.
وبالإظهار: نافعٌ وابنُ كثيرٍ وعاصمٌ وأبو جعفرٍ ويعقوبُ وابنُ ذكوان.
* (صدق عليهم) قرأ الكوفيُّون بتشديد الدَّال، وقرأ الباقون بتخفيفها.
* (لنعلم من - أذن له - فزع عن - قال ربكم) بالإدغام الكبير للسوسي.
تنبيه: (داود شكرًا) ليستْ من الإدغام الكبير؛ لِسكونِ ما قبْل الدَّال.
* قرأ عاصمٌ وحمزةُ ويعقوبُ (قلِ ادْعُوا) بكَسْرِ اللام وصلاً، وقرأ الباقون بالضَّمِّ.
* (أذن له) قرأ أبو عمرٍو وحمزةُ والكسائيُّ وخلفٌ بضَمِّ الهمزة، وقرأ الباقون بفتْحِها.
* (إذا فزع) قرأ ابنُ عامر ويعقوبُ بفتْحِ الفاءِ والزَّاي مشدَّدة (فَزَّعَ)، وقرأ الباقون بضَمِّ الفاءِ وكسْرِ الزَّاي مشدَّدة أيضًا (فُزِّعَ).
* قرأ أبو عمرٍو والكسائيُّ وأبو جعفرٍ وقالونُ بإسكان الهاء من (وهو العلي) وقرأ الباقون بالضَّمِّ.
* وقف يعقوب على (هُوَ - وَهُوَ) [عند الاضطرار] بهاء السَّكْتِ، هكذا: (هُوَهْ) بغير خلاف عنه، والباقون بغيْرِ هاء سكْتٍ.
والله أعلم.
وبعد،،
فلا
يُغني هذا العمل قطْعًا - لمن أراد أن يقرأ هذه الآيات وغيرَها بِهذه
القِراءات - عن الجلوس بين أيدي عُلماء القراءات والتلقِّي عنهم.
أسأل
الله العلي العظيم أن يَجعل هذا العمل خالصًا لوجْهه الكريم، حافزًا لمن
يطَّلع عليه لِمحاولة تعلُّم هذا العلم الجليل - علم القِراءات.
[1] من خطبة كتاب النشر للإمام ابن الجزري رحمه الله.
[2] متفق عليه من حديث ابن عباس، رضي الله عنه.
الالوكة