المـــــيراث
الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ
بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فهو المهتدي ، ومن يضلل
فلا هادي له.
أصحاب الفروض من الرجال
الوارثون من الرجال والمجتمع على إرثهم عشرة
، وهم : الابن ، وأبن الابن وإن نزل ، والأب ، والجد وإن علا ، والأخ سواء كان
شقيقا ، أو لأب ، أو لأم ، فإن القرآن الكريم نزل بتوريثهم مطلقا وإن اختلف القدر
الموروث باختلاف جهاتهم ، وأبن الأخ المدلي إلى الميت بالأب مع الأم أو بالأب وحده
، والعم من الأب وأبن العم من الأب سواء كان من الأب مع الأم أو الأب وحده ،
والزوج ، والمعتق ، والمراد بالمعتق : من له الولاء من المعتق وعصبة المعصبين
بأنفسهم.
وأصحاب الفروض من هؤلاء الرجال أربعة وهم :
الزوج ، والأب ، والجد ، والأخ لأم . هذا وينقسم هذا إلى أربعة أقسام:-
القسم الأول
ميراث الزوج
والزوج من الورثة الذين
لا يرثون إلا بافرض فقط ، وله حالتان :
الحالة الأولى : أن يرث نصف التركه إذا لم يكن لزوجته فرع وارث أي :لا يكون لها أبن
ولا بنت وإن نزل ولا بنت ولا بنت أبن وإن نزل أبوها سواء كان الأبناء من زوجها
المتوفى أو من غيره ، فإن كان لها فرع غير وارث فوجوده سواء كبنت البنت ، وبنت أبن
البنت لأنهما قرابة رحمية ، والدليل على توريثه ما جاء في الكتاب والإجماع .
فالكتاب: قال تعالى { ولكم نصف ما ترك أزواجكم إن لم يكن لهن ولد }. والولد في
الآية الكريمة يشمل الابن والبنت كما يشمل أولاد الابن ، بوضع اللغة العربية التي
نزل بها القرآن الكريم.
والإجماع: فقد أجمع علماء الشريعة الإسلامية على توريث النصف إن لم يكن فرع وارث
.الحالة الثانية : أن يأخذ ربع جميع
التركة إذا كان لزوجته فرع وارث بإن يكون لها أبن أو أبن أبن وإن نزل أبوه ، أو
بنت أو بنت أبن وإن نزل أبوها . والدليل على ذلك شيئان:
الأول: قوله تعالى : { فإن كان لهن ولد فلكم الربع مما تركن }
الثاني: الإجماع : فقد أجمع علماء الشريعة على ذلك ، والزوج لا يحجب أحدا من
الورثة ، ولا يحجب بأحد حجب حرمان ، بل يحجب حجب نقصان من النصف إلى الربع عند
وجود الولد كما ذكرنا.
القسم الثاني
ميراث الأب
ويرث الأب أحيانا بالفرض وحده ، ويرث أحيانا
بالعصبية وحدها ، ويرث أحيانا بالفرض والعصبة جميعا ، فهذه ثلاث حالات أجمع عليها
الأئمة الأربعة وأصحابهم.
الحالة الأولى:
أن يرث بالفرض المطلق وهو السدس : أي الخالص
عن التعصب أي بالفرض وحده ، وذلك فيما إذا كان لابنه المتوفى ابن أو ابن ابن وإن
نزل ، ولا فرق بين أن يكون مع الابن أو ابن ابن وارث آخر ، أو أن لا يكون ، وإذا
كان مع الابن أو ابن الابن وارث آخر فلا فرق بين أن يكون هذا الوارث من بنات الميت
أو بنات أبنتاه وأن لا يكون . والدليل على توريثه هذه الحالة قوله تعالى : { ولا
بويه لكل واحد منهما السدس مما ترك إن كان له ولد }
الحالة الثانية :
أن يرث بالتعصب المحض ، وهذه الحالة مع غير
الولد ، فيأخذ المال أن انفرد ، وإن كان معه وارث صاحب فرض كزوج أو أم أو جده فلذي
الفرض فرضه ، وباقي المال له ، وإن لم يكن معه وارث أصلا أخذ جميع التركه والدليل
على هذه الحالة قولة الله تعالى { فإن لم يكن له ولد وورثه أبواه فلأمه الثلث }
فأضاف الميراث إليهما ، ثم جعل للأم الثلث ، فكان الباقي للأب ، والذي يأخذ الباقي
بعد أصحاب الفرض المقدرة هو الوارث بالعصوبه . ثم قال : { فإن كان له أخوة فلأمه
السدس } للأم مع الأخوة السدس ، ولم يقطع إضافة الميراث إلى الأبوين ، ولا ذكر
للأخوة ميراثاً فكان الباقي كله للأب.
الحالة الثالثة.
أن يرث بالفرض والتعصب معا ، وهذه الحالة
تكون مع إناث الولد ، أو إناث ولد الابن فله السدس لقوله تعالى : { فلكل واحد
منهما السدس مما ترك إن كان له ولد}
ولهذا كان للأب السدس مع البنت بالإجماع ،
ثم يأخذ ما بقى بالتعصب ، لما روي أبن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم : " ألحقوا الفرائض بأهليها ، فما بقى فهو لأولى رجل ذكر"والأب
أولى رجل بعد الابن وابن الابن ، واجمع أهل العلم على هذا كله ، وليس في حالات
الأب اختلاف بين العلماء.
القسم الرابع
ميراث أولاد الأم
وهم إخوة المتوفى من أمه ، ويسمون ( بنى
الأخياف ) ولا يرثون إلا بالفرض ، ولا يكونون من العصبة أبدا ، وقد ثبت ميراثهم
ومقداره بنص القرآن الكريم فقال تعالى : { وإن كان رجل يورث كلالة أو أمراة وله أخ
أو أخت فلكل واحد منهما السدس ، فإن كانوا أكثر من ذلك فم شركاء في الثلث } والآية
الثانية : { يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة }
وقد اختلف المفسرون وأهل اللغة اختلافا
كثيرا في معنى ( الكلالة ) ولكن معظم الصحابة رضوان الله تعالى عليهم – فسروا
الكلالة بأنها ( من لا ولد له ولا والد ) وهو قول أبي بكر الصديق ، وإحدى
الروايتين عن عمر ، وعلى ، وزيد ، وأبن مسعود وهو قول من ليس ورثته ولد ولا والد ،
أي أن الوارثين له غير فروعه ولا أصوله ، والذين يرثونه هي الجهة الضعيفة.
والمراد بالكلالة هنا هو ما فسره الرسول (
صلى الله عليه وسلم ) فقد جاء في سنن أبي داود : عن البراء بن عازب قال : جاء رجل
إلى النبي ( صلى الله عليه وسلم) فقال يا رسول الله ، يستفتونك في الكلالة : فما
الكلالة ؟ قال : " تجزئك آية الصيف " فقلت لأبي إسحاق : هو من مات ولم
يدع ولدا ولا والدا ؟ قال : كذلك ظنوا أنه كذلك.
ووردت الكلالة – كم ذكرنا سابقا – في آيتين
: إحداهما { وإن كان رجل .....} والثانية في آخر سورة النساء { يستفتونك} فأما
الأولى : فهي التي لا ولد فيها ولا والد وفيها إخوة لأم ، وأما التي في آخر سورة
النساء : فهي التي لا ولد ذكرا فيها ، وهم إخوة لأب وأم أو إخوة لأب أو أخوات لأب
وأم وجدّ فجاءت هذه الآية لبيان حال الإخوة من الأم ، وجاءت في آخر سورة النساء
لبيان إخوة الأعيان والعلات حتى يقع البيان بجميع الأقسام ، ولو شاء ربك لجمعه
وشرحه.
والمراد بهذه الآية الأخ ، والأخت من الأم
بإجماع أهل العلم ، وفي قراءة سعد بن أبي وقاص : (وله أخ ، أو أخت من أم )
ويدل أيضا على أن المراد بالآية الإخوة لأم
، أن الإخوة الأشقاء لا يرثون إلا بالتعصب ، والأخوات الأشقاء أو لأب يرثن بالفرض
والتعصب أما هنا فقد أقتصر على الإرث بالفرض فقط ، فدل على أن المرادهم الإخوة لأم
.وروى معدان بن أبي طلحة قال : خطب عمر بن
الخطاب يوم الجمعة فقال : إني لا أدع بعدي شيئاً هو أهم عندي من الكلالة . وفي
رواية : أهم عندي من الجدّ والكلالة ، وما راجعت رسول الله صلى الله علية وسلم في
شيء ما راجعته في الكلالة ، وما أغلظ لي في شيء ما أغلظ لي فيها حتى طعن بإصبعه في
صدري ، وقال : يا عمر ، أما تكفيك آية الصيف ،- يعني الآية التي في آخر سورة
النساء – قال وإن أعش أقض فيها بقضية يقضي بها من يقرأ القرآن ومن لا يقرأ القرآن
.وروى أن أبن عمر رضي رضى الله عنه قال لحفصه
رضي الله عنها : متى وجدت من رسول الله صلى الله عليه وسلم طبية نفس فسليه عن
الكلالة ، فلبس رسول الله صلى الله عليه وسلم ثيابه يوما ليخرج فقالت حفصة :
أخبرني عن الكلالة يا رسول الله ؛ فقال عليه السلام : أبوك أمرك بذلك ما أراه يعرف
الكلالة ، فكان عمر رضي الله عنه يقول : ما أراني أعرف الكلالة بعد ما قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم: فيما قال .
أما حالاتهم في الميراث
فهي ثلاث حالات.
الأولى:
أن يكون للواحد منهم السدس من التركة فرضا
سواء ذكرا أو أنثى ، وذلك عند عدم الفرع الوارث ذكرا كان أو أنثى ، وعند وجود
الأصل الوارث المذكر كالأب والجد وإن علا . والدليل على ذلك قول الله تعالى : {
وإن كان رجل يورث كلالة أو امرأة وله أخ أو أخت فلكل واحد منهما السدس}
الثانية :
أن يكون فرضهم الثلث للاثنين من الإخوة
والأخوات لأم فصاعدا، سواء أكانوا رجالا أم كانوا رجالا ونساء ، ويتقاسمون الثلث
مهما كان عددهم بغير تفرقه بين الرجل والأنثى ، فتأخذ الأنثى من ولد الأم ، مثل ما
يأخذ الرجل ، والدليل على ذلك قول الله تبارك على ذلك قول الله تبارك وتعالى : {
فإن كانوا أكثر من ذلك فهم شركاء الثلث}
ووجه التسوية بين الأخ والأخت لأم أنهما
جميعا قد اشتركا في العلة الضعيفة التي توريثهما – وهي كونهما يدليان إلى الميت
بالرحم – فلم يكن بد من التسوية بينهما مع أن أساس باب الميراث أن الأنثى تأخذ نصف
الذكر الذي من درجتها.
الثالثة:
أنهم يحجبون من الميراث حجب حرمان بنوعين من
الورثة:
الأول: فرع الميت الوارث، سواء أكان ذكرا أن أنثى كالأبن أو أبن ابن والبنت
وبنت ابن.
الثاني : الأصل المذكر الوارث كالأب أو أبي الأب.
أما
الأصل المؤنث كالأم فإنه لا يحجب الإخوة لأم ، بل يرثون معها ، ويحجبونها أيضا حجب
نقصان إذا تعددوا من الثلث إلى السدس ، والله أعلم.
المسائل.
نصف للزوج 3
سدس للأم 1
أخوين لأم 2
أخوين شقيقين
وفي هذه المسألة نشرك الإخوة لأم والإخوة
الأشقاء في الثلث ، وهي المسألة المشتركة والحمارية ، لأن الإخوة الأشقاء سألوا
عمر رضي الله عنه عن هذه المسألة فأفتى بنفي التشريك فقالوا : هب أن أبانا كان
حمارا ألسنا من أم واحدة ؟ فقال عمر رضي الله عنه : صدقتم ، ورجع إلى القول
بالتشريك . وفي رواية : هب أنا أباهم كان حجراً في اليم ، اليست أمهم واحدة تشترك
بينهم في الإرث.