في
آخر الحديد (لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَلَّا يَقْدِرُونَ
عَلَى شَيْءٍ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ
يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (29)) الفضل
بيد الله ونلاحظ في أول سورة المجادلة أنه تعالى سمع للمرأة التي تجادل في
زوجها وتشتكي إلى الله (قَدْ سَمِعَ
اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى
اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ
(1)) فالله سبحانه وتعالى الذي سمع للمرأة
وحفظها من الضياع (وهي خولة بنت ثعلبة مع زوجها أوس بن الصامت) أليس هذا
من فضل الله بهذه المرأة التي سمعها من فوق سبع سموات وحفظها من الضياع
وحفظ المسلمين من أمثال هذه الحادثة؟ هذا أمر والأمر الآخر أنه ذكر في
سورة الحديد (وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً
وَرَحْمَةً وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ
إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا
(27)) وحالة الظهار هي من الأمور المبتدعة التي لم يكتبها الله تعالى (الَّذِينَ
يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ
أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ
مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ (2))
والظهار يعني يقول الرجل لزوجته أنت عليّ كظهر أمي فتحرُم عليه، أليس هذه
من المبتدعات (وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ
وَزُورًا) والرهبانية التي ابتدعوها (وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا
كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ)؟! هذا ابتداع وهذا ابتداع، كلاهما بدعة.
تفصّل الولاء للمؤمنين والإنتماء للدين والتبرأ من المعادين للدين.
وقضية الأسرة مهمة للغاية لأن ترابط المجتمع يبدأ من ترابط الأسرة. وكأن
هذه السورة هي مفتاح باقي السور في الجزء ففيها موضوع الإنتماء والتبرأ،
وباقي السور تأتي لتشرح هذا المبدأ.
تبدأ السورة (قَدْ
سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي
إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ
بَصِيرٌ) آية 1 بقضية الأسرة من حادثة خولة
بنت ثعلبة التي ظاهر منها زوجها وجاءت تشتكي إلى النبي حتى أنزل الله
تعالى الوحي بهذه السورة وفرّج كربتها وأنزك كفّارة الظهار. وهذا يدل على
كرامة المرأة في الإسلام والحرص على حقها. والمرأة عندما تتيقن أن هذا
الدين ينصفها ويعطيها حقها تربي أسرتها على مبادىء هذا الدين وعلى الوحدة.
ومن اللافت أن هذا الجزء (28) إبتدأ بقصة امرأة وانتهى بذكر نماذج نسائية في آخر سورة التحريم (امرأة فرعون ومريم بنت عمران). تماماً كما جاءت سورة كاملة باسم النساء وهذا حجة ودليل على من يدّعون أن الإسلام أبخس المرأة حقها في المجتمع.
ثم تأتي الآيات في ختام السورة تبين الفرق بين من يتبع حزب الشيطان ومن يكون في حزب الله (اسْتَحْوَذَ
عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ أُوْلَئِكَ حِزْبُ
الشَّيْطَانِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ) آية 19 و (لَا
تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ
مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ
أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ
فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ
جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ
حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ) آية 22.
وفي الختام
آية مهمة تبيّن حقيقة الحب في الله والبغض في الله الذي هو أصل الإيمان
ولا بد في اكتمال الدين من معاداة أعداء الله، فالمنتمي لهذ الدين لا يمكن
أن يوادّ من حارب الله ورسوله أبدا.
***من اللمسات البيانية فى سورة المجادلة***
*ما اللمسة البيانية في تكرار لفظ الجلالة الله في كل آية من آيات سورة المجادلة؟(د.فاضل السامرائى)
في
كل آية من آيات سورة المجادلة ورد فيها ذكر لفظ الله بلا استثناء وهناك
سور أطول من المجادلة لم يرد فيها ذكر الله مثل سورة القلم، سورة القيامة،
سورة المرسلات، سورة النبأ، سورة عبس وهي تتعلق بالسياق الموجود. في سورة
المجادلة يذكر في كل آية ما يتعلق بالله إسناداً أو صفة أو شيء فيقتضي
ذكرها وإذا لم يذكر هذا الشيء لا يحتاج كما في سور متعددة أطول من
المجادلة لم يذكر فيها إسم الله. (قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا (1)) (وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ (2)) ذكر ما يتعلق بالله تعلقاً أو إسناداً أو صفة يذكر لفظ الله وآيات المجادلة كلها تتعلق بالله إما إسناداً أو تعلقاً.
آية (1):
*ما
الفرق بين الزوج (قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي
زَوْجِهَا (1) المجادلة) والبعل (وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ
(228) البقرة)؟ (د.فاضل السامرائى)
البعل
هو الذكر من الزوجين ويقال زوج للأنثى والذكر. في الأصل في اللغة البعل من
الإستعلاء في اللغة يعني السيد القائم المالك الرئيس هو البعل وهي عامة.
بعلُ المرأة سيّدها وسُميّ كل مستعل على غيره بعلاً (أَتَدْعُونَ بَعْلًا
وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخَالِقِينَ (125) الصافات) لأنهم يعتبرونه سيدهم
المستعلي عليهم. الأرض المستعلية التي هي أعلى من غيرها تسمى بعلاً
والبعولة هو العلو والاستعلاء ومنها أُخِذ البعل زوج المرأة لأنه سيدها
ويصرف عليها والقائم عليها.
الزوج
هو للمواكبة ولذلك تطلق على الرجل والمرأة هي زوجه وهو زوجها (وَقُلْنَا
يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ (35) البقرة) الزوج يأتي
من المماثلة سواء كانت النساء وغير النساء (احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا
وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ (22) الصافات) أي أمثالهم
نظراءهم، (وآخر من شكله أزواج) أي ما يماثله. البعل لا يقال للمرأة وإنما
يقال لها زوج. (وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ
(31) النور) يُنظر به الشخص ولا ينظر به المماثلة ولذلك هم يقولون أنه لا
يقال في القرآن زوجه إلا إذا كانت مماثلة له قال (اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ
(11) التحريم) لم يقل زوج فرعون لأنها ليست مماثلة له، امرأة لوط وامرأة
نوح لأنها مخالفة له، هو مسلم وهي كافرة. لم يقل زوج وإنما ذكر الجنس
(امرأة). لو قال زوج يكون فيها مماثلة حتى في سيدنا إبراهيم u
لما المسألة تتعلق بالإنجاب قال (وَامْرَأَتُهُ قَآئِمَةٌ (71) هود) هذا
يراد به الجنس وليس المماثلة، الزوج للماثلة والمرأة للجنس الرجل كرجل
والمرأة كامرأة.
(النَّبِيُّ
أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ
(6) الأحزاب) فيهن مماثلة لأنهن على طريقه وهنّ جميعاً مؤمنات وأزواجه في
الدنيا أزواجه في الآخرة.
آية (3):
*ما الفرق بين فك رقبة وتحرير رقبة؟(د.فاضل السامرائى)
تحرير رقبة تقال في الرّق والاسترقاق وهذا غير موجود الآن لذلك تحرير الرقبة لم يأتي إلا في الفِداء (وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِن نِّسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ (3) المجادلة).
فك رقبة يعني تخليصها من إعسار، من قَوَد، من أسر وغيره يعني فك عسرها أنت
تفكها مما هي واقعة فيه وهذه باقية إلى يوم الدين (فَكُّ رَقَبَةٍ (13)
البلد) أما تحرير رقبة فليست موجودة الآن ولا تأتي تحرير رقبة إلا في
الفداء وهي بمعنى العتق أما فك رقبة تخليصها من عسرها إما من مغرمة أو عسر
أو دين.
آية (12):
*ما الفرق بين ذلك وذلكم في الاستعمال القرآني ؟(د.فاضل السامرائى)
في
أكثر من مناسبة ذكرنا شيئاً من هذا. طبعاً الكاف في (ذلك) حرف خطاب وقلنا
حرف الخطاب في ذلك وتلك وأولئك هذا قد يطابق المخاطب ذلك، ذلكما، ذلكنّ
حسب المخاطبين المشار إليه. ذلكَ المشار إليه واحد والمخاطَب واحد مفرد
مذكر وذلكِ المشار إليه واحد والمخاطبة امرأة وذلكما المشار إليه واحد
والمخاطب اثنين وذلكم المشار إليه واحد والمخاطب جماعة ذكور وذلكنّ المشار
إليه واحد والمخاطب جماعة إناث (قَالَتْ فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي
فِيهِ (32) يوسف) لا يدل على جمع المشار إليه وإنما أولئك، ذانك. (أَلَمْ
أَنْهَكُمَا عَن تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ (22) الأعراف) هي شجرة واحدة
والمخاطب اثنان والكاف هو حرف خطاب ليس ضمير خطاب. حرف الخطاب في اسم
الإشارة فيه لغتان لغة أنه تجعل مطابقاً للمخاطب إذا مفرد أو مفردة أو
مثنى أو جمع ذكور أو إناث ولك أن تجعله بلفظ واحد وهو الإفراد والتذكير
أياً كان المخاطَب مثل ذلك إذا كانوا أربعة أو خمسة، تلك شجرة ذلكم كتاب،
لك أن تقول ذلكم كتاب هذا ممكن وذلك كتاب هذا من حيث اللغة. إذن فيها
لغتان إما أن نجعل حرف الخطاب بصيغة التذكير أياً كان المخطابين مفرد مذكر
مؤنث جمع أو يطابق، فيها لغتين لكن يبقى كيف استعملها القرآن؟ مرة
يستعملها مفرد ومرة يستعملها جمع. في اللغة لا يسأل عنها لأنه كله جائز من
حيث الحكم النحوي لكن نسأل من الناحية البيانية أحياناً يطابق وأحياناً
يُفرِد، لماذا؟ هذا سؤال آخر. هناك فرق بين الحكم النحوي اللغوي
والاستخدام البياني لماذا استخدم هذا بيانياً؟ هنالك أسباب عدّة لهذا
الأمر من جملتها أن يكون في مقام التوسع والإطالة في التعبير والمقام مقام
توسع وتفصيل وإطالة فيأتي بالحرف مناسباً لأن (ذلكم) أكثر من (ذلك) من حيث
الحروف إذا كان المقام كله مقام إطالة يأتي بكل ما يفيد الإطالة لغة وإذا كان في مقام الإيجاز يأتي بكل ما في الإيجاز لغة،
مثال (وَهُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَخْرَجْنَا بِهِ
نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِرًا نُّخْرِجُ مِنْهُ
حَبًّا مُّتَرَاكِبًا وَمِنَ النَّخْلِ مِن طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ
وَجَنَّاتٍ مِّنْ أَعْنَابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهًا
وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ انظُرُواْ إِلِى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ
إِنَّ فِي ذَلِكُمْ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (99) الأنعام)
فيها تفصيل فقال (إِنَّ فِي ذَلِكُمْ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ)،
(وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالْنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ
وَالْنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ
لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (12) النحل) لأن المقام مقام إيجاز. صار توسع في
المعنى لما عدّد أشياء كثيرة إذن صار إطالة وتوسّع فجمع (ذلكم) حتى تتلاءم
مع ما قبلها. وقد يكون في مقام التوكيد وما هو أقل توكيداً: في مقام التوكيد يأتي بما هو أكثر توكيداً فيجمع وإذا كان أقل توكيداً يُفرِد،
مثال: (وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاء فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلاَ
تَعْضُلُوهُنَّ أَن يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْاْ بَيْنَهُم
بِالْمَعْرُوفِ ذَلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَن كَانَ مِنكُمْ يُؤْمِنُ بِاللّهِ
وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكُمْ أَزْكَى لَكُمْ وَأَطْهَرُ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ (232) البقرة) هذا حُكم في الطلاق قال (ذلكم)، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً ذَلِكَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَأَطْهَرُ فَإِن لَّمْ تَجِدُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (12) المجادلة)
قال (ذلك) الأولى قال ذلكم وهذه قال ذلك، أيُّ الحُكمين آكد وأدوم؟ الطلاق
آكد وأدوم لأنه حكم عام إلى قيام الساعة يشمل جميع المسلمين أما الآية
الثانية فهي للأغنياء ثم ما لبث أيام قليلة ونسخ الحكم (فإذ لم تفعلوا
وتاب الله عليكم ())، فالآية الأولى آكد والحكم فيها عام مستمر أما
الثانية فالحكم متعلق بجماعة من المسلمين ثم ألغي فالآية الأولى آكد فقال
(ذلكم) ومع الأقل قال (ذلك). إذا كان عندنا مجموعتان إحداهما أوسع من
الأخرى يستعمل للأوسع ضمير الجمع وللأقل ضمير الإفراد، حتى لو رجعنا
للآيتين (ذَلِكُمْ أَزْكَى لَكُمْ وَأَطْهَرُ) لمجموع المسلمين وهو أكثر
ومع الأقل قال (ذلك). القرآن استعمل (فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِن رَّبِّكَ
(32) القصص) المخاطب واحد وبرهانين، ذانك للمشار إليه هما برهانان
والمخاطَب واحد والتعبير صحيح (ذانك) ولا يمكن أن يقول ذلك. (ذانك) أصلها
ذا إسم إشارة وأحياناً نلحق بها هاء التنبيه فيصير (هذا) للمذكر وأحياناً
نقول ذان، نقول هذا، هذان، وللخطاب نقول ذانك. وإذا كان مؤنث (تانك) نقول
هاتان، (تانك) أصلها (تا) هذه أسماء الإشارة للمؤنث (ذي وذه وتا وتي وته)
(فالمذكر ذال والمؤنث كلها تان) (قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ
إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ (27) القصص) هاتان: الهاء للتنبيه وتان إسم
الإشارة.
آية (13):
* لماذا يرد في القرآن أحياناً أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأحياناً أخرى يرد وأطيعوا الله والرسول ؟(د.فاضل السامرائى)
في القرآن قاعدة عامة وهي أنه إذا لم يتكرر لفظ الطاعة فالسياق يكون لله وحده في آيات السورة ولم يجري ذكر الرسول r في السياق أو أي إشارة إليه كما جاء في سورة آل عمران (وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ
لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ {132}). والأمر الآخر أنه إذا لم تكرر لفظ الطاعة
فيكون قطعياً قد ذُكر فيه الرسول في السياق كما في قوله تعالى (يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ
مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ
وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ
ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً {59} النساء) و(وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ
وَاحْذَرُواْ فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُواْ أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا
الْبَلاَغُ الْمُبِينُ {92} المائدة) و(يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَنفَالِ
قُلِ الأَنفَالُ لِلّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُواْ اللّهَ وَأَصْلِحُواْ
ذَاتَ بِيْنِكُمْ وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ إِن كُنتُم
مُّؤْمِنِينَ {1}و يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنتُمْ تَسْمَعُونَ {20} الأنفال) و (قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ
فَإِن تَوَلَّوا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُم مَّا
حُمِّلْتُمْ وَإِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا
الْبَلَاغُ الْمُبِينُ {54} النور) و(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ {33} محمد) و(أَأَشْفَقْتُمْ
أَن تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ فَإِذْ لَمْ
تَفْعَلُوا وَتَابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا
الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ {13} المجادلة) و(وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَإِنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ {12} التغابن) وهذا ما جرى عليه القرآن كله كقاعدة عامة.
آية (19):
*لماذ
استخدم فعل استحوذ في قوله تعالى (اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ
فَأَنْسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ أُولَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلَا إِنَّ
حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ (19) المجادلة) ولماذا لم تطبق
القاعدة فيقول استحاذ على القياس؟(د.حسام النعيمى)
القياس:
استحاذ مثل استنار واستعان واستعاذ. نحن تناولناها عرضاً لما كنا نتكلم
على التعليلات والتفسيرات الموجودة التي فسرها النحويون. قلنا قد تصح وقد
لا تصح كما قال الخليل بن أحمد الفراهيدي: مثلي في هذه التعليلات
والتفسيرات كمثل رجل دخل داراً مبنية فقال إن البنّاء وضع النافذة هنا
للعِلّة الفلانية ووضع الباب هنا للعلة الفلانية فقد يصيب العِلّة وقد لا
يصيبها. ثم ذكرنا في مسألة الصرف والاعلان بالنقل أو الاسكان لما قلنا لو
أخذنا من الخوف على وزن أفعل يفعل كان ينبغي أن نقول أخوف يخوف إنما
العربي قال: أخوف يُخيف. لماذا لم تطبق القاعدة؟ علماؤنا يقولون هناك
مجموعة من الكلمات طبعاً غير الصيغ ما أفعله وأفعِل به هذه صيغة خاصة
العرب أبقتها على حاله كأنه إشارة إلى الأصول منها كلمة استحوذ ومنها كلمة
أغيَلت المرأة ما قالوا أغالت يعني حملت وهي ترضع فكأنها أغيلت طفلها،
القاعدة أن تقول أغالت. وبعض المرضى عندما ينتفخ جسده يقولون استفيل الرجل
أي أصابه داء الفيل ما قالوا أستفال. أحد الشعراء وصف الجمل بوصف الناقة
فقال: استنوق الجمل ما قال استناق. إذا تصرّفت المرأة بتصرفات الرجال،
تزيت بزيهم الآن نقول استرجلت والعرب يقولون استتيست الشاة وما قالوا
استتاست. هذه الكلمات قالوا حكمها لأن اللغة استعمال أن تستعمل كما وردت
ولا يجوز أن تطوّع للقياس ولا يصح لأحد الأن يقول استناق الجمل لأن العرب
قالت استنوق لكن لا يجوز أن تقيس عليها: لا يجوز أن تقول استقول فلان من
وظيفته وأنت تريد طلب إقالته بل قُل استقال لا تقول هذه قياساً على
استنوق. استنوقت لا تطوّع للقياس ولا يقاس عليها لم يسمع من عربي استناق
ولم يسمع من عربي استحاذ وإنما نستعمل استنوق واستحوذ.
****تناسب فواتح سورة المجادلة مع خواتيمها****
بعد أن ذكر قصة المجادِلة (قَدْ
سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي
إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ
بَصِيرٌ (1)) قال (إِنَّ
الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ كُبِتُوا كَمَا كُبِتَ
الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَقَدْ أَنْزَلْنَا آَيَاتٍ بَيِّنَاتٍ
وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُهِينٌ (5)) يحادّون أي يحاربون، وفي أواخرها قال (إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ فِي الْأَذَلِّينَ (20)) كُبتوا يعني (في الأذلين) أي في الأسفل. ثم ذكر حكم المؤمنين وموقفهم من هؤلاء فقال (لَا
تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ يُوَادُّونَ
مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آَبَاءَهُمْ أَوْ
أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ (22)) المفروض أن يكون المؤمنون هكذا لا يوادّون من حادّ الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم. ذكرهم في الأول فقال (كُبِتُوا) ثم ذكرهم في الآخر قال (فِي الْأَذَلِّينَ) ثم ذكر حكم المؤمنين كيف يتعاملون مع هؤلاء.
*****تناسب خواتيم المجادلة مع فواتح الحشر*****
السورتان المباركتان الثامنة والخمسون والتاسعة والخمسون المجادلة والحشر. قال في خواتيم المجادلة (إِنَّ
الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ فِي الْأَذَلِّينَ
(20) كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ
عَزِيزٌ (21)) وفي أوائل الحشر (هُوَ
الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ
دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا
وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ
اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ
الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي
الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ (2)) أولئك في
الأذلين - هو الذي أخرج، (إِنَّ
الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ فِي الْأَذَلِّينَ
(20) كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ
عَزِيزٌ (21)) - (هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ
الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ
الْحَشْرِ مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ
مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ
لَمْ يَحْتَسِبُوا) الغالب هو الله تعالى، هذا الرسول رسوله وهو الله غالب
(هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ
دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا
وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ
اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ
الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي
الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ (2)) كأنما توضيح
لما هدّد به، (أُولَئِكَ فِي الْأَذَلِّينَ) كيف أذلهم وغلبهم؟ (يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ) فصّل المجمل الذي سبق.
سؤال: إذن لا يجب أن نتعب أنفسنا في تفسير القرآن لأنه واضح أن الآيات تفسر بعضها فلا نحتاج إلى تفسير لفهم كتاب الله؟
لا
شك أن هناك استفادة كبيرة من الآيات بعضها من بعض لكن هناك استنباطات أخرى
وأحكام. بالنسبة للعوام يمكن أن يفهموا كتاب الله تعالى كل على حسب علمه.
قال تعالى (لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ (83) النساء)
إذن هناك أحكام تحتاج إلى استنباط، فهم القرآن يكون كل واحد على قدر ما
أوتي من علم. ليس القرآن صعباً كما يقول بعض المسلمين أنهم يقرأون القرآن
ولا يفهمون شيئاً، هذا غير صحيح لأن هناك آيات مفهومة مثل (قُلْ هُوَ
اللَّهُ أَحَدٌ (1) الإخلاص) (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2)
الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (3) الفاتحة) كل واحد يفهمها (وَأَحَلَّ اللّهُ
الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا (275) البقرة) آيات الأحكام فيها سهولة
للجميع.
[/center]