من الضروري جداً أن تقرأ قصص التاريخ على أبناء الجيل ليتعرفوا على الصفحات المشرقة والتي هي محل القدوة ليتأسوا بها
قال تعالي: ﴿لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ﴾ [(111) سورة يوسف].
إن
تاريخ الأمة الإسلامية مليء بالقصص وما تحمله من دروس وعبر، فتاريخ
الصحابة إذا أحسن عرضه فإنه يغذي الأرواح، ويهذب النفوس، وينير العقول،
ويشحذ الهمم، ويقدم الدروس، ويسهل العِبَر، وينضج الأفكار، فنستفيد من ذلك
في إعداد الجيل المسلم وتربيته على منهاج النبوة، ونتعرف على حياة وعصر من
قال الله فيهم: ﴿وَالسَّابِقُونَ
الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم
بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ
جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ
الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾ [(100) سورة التوبة]، وقال تعالى: ﴿مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا﴾ [(29) سورة الفتح].
وقال فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: (خير أمتي القرن الذي بعثت فيهم) [الترمذي2222]. وقال صلى الله عليه وسلم: (خير الناس قرني ، ثم الذين يلونهم ، ثم الذين يلونهم) [البخاري2652].
وقال فيهم عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: «من
كان مستنًا فليستن بمن قد مات، فإن الحي لا تؤمن عليه الفتنة، أولئك أصحاب
محمد كانوا والله أفضل هذه الأمة، وأبرَّها قلوبًا، وأعمقها علمًا، وأقلها
تكلفًا، قوم اختارهم الله لصحبة نبيه وإقامة دينه، فاعرفوا لهم فضلهم
واتبعوهم في آثارهم، وتمسكوا بما استطعتم من أخلاقهم ودينهم، فإنهم كانوا
على الهدي المستقيم». أهـ.
فقراءة
القصص أيسر، وتعلق النفوس بها أشد واستخلاص العبرة منها أقرب، ولذلك كثر
إيراد القصص في القرآن الكريم، ففيه تجد أحسن القصص مع التنبيه على ما
فيها من العبر، وهذا هو المراد أصلا، ﴿نَحْنُ
نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا
الْقُرْآنَ وَإِن كُنتَ مِن قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ﴾ [(3) سورة يوسف]. قال الشيخ السعدي رحمه الله: وذلك لصدقها وسلاسة عبارتها ورونق معانيها. هـ.
قال تعالي: ﴿فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُون﴾ [الأعراف176].
لا تنسونا من دعائكم الصالح
قال صلى الله عليه وسلم: (من دل على خير فله مثل أجر فاعله) [ رواه مسلم ]
.. قال النووي رحمه الله: "دل بالقول، واللسان، والإشارة، والكتابة"
نسأل الله أن نكون ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه وصلّ اللهم وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ..
هذا والله تعالى أجل وأكرم وأعلم .. سبحانك اللهم وبحمدك نشهد أن لا إله إلا أنت نستغفرك ونتوب إليك.
تقـبل الله منـا ومنكـم صالـح الأعمـال
والله الموفق
سعيد بن عامر الجمحي
رضي الله عنه
«سعيد بن عامر رجل اشترى الآخرة بالدنيا .. وآثر الله ورسوله علي سواهما» المؤرخون.
كان الفتي سعيد بن عامر الجمحي واحداً من الآلاف المؤلفة الذين خرجوا إلي منطقة التنعيم في ظاهر مكة بدعوة من زعماء قريش .. ليشهدوا مصرع خبيب بن عدي .. أحد أصحاب محمد صلي الله عليه وسلم بعد أن ظفروا به غدراً.
وقد
مكنه شبابه الموفور وفتوته المتدفقة من أن يزاحم الناس بالمناكب حتي حاذي
شيوخ قريش من أمثال أبي سفيان بن حرب وصفوان بن أمية وغيرهما ممن يتصدرون
الموكب.
وقد
أتاح له ذلك أن يري أسير قريش مكبلاً بقيوده .. وأكف النساء والصبيان
والشبان تدفعه إلي ساحة الموت دفعاً لينتقموا من محمد صلي الله عليه
وسلم في شخصه وليثأروا لقتلاهم في بدر بقتله.
ولما وصلت هذه الجموع الحاشدة بأسيرها إلي المكان المعد لقتله .. وقف الفتي سعيد بن عامر الجمحي بقامته الممدودة يطل علي خبيب .. وهو يقدم إلي خشبة الصلب .. وسمع صوته الثابت الهادئ من خلال صياح النسوة والصبيان وهو يقول: إن شئتم أن تتركوني أركع ركعتين قبل مصرعي فافعلوا ...
ثم نظر إليه وهو يستقبل الكعبة ويصلي ركعتين .. يا لحسنهما ويا لتمامهما .. ثم رآه يقبل علي زعماء قريش ويقول: والله لولا أن تظنوا أني أطلت الصلاة جزعاً من الموت لاستكثرت من الصلاة..
ثم رأي قومه بعيني رأسه وهم يمثلون بخبيب حياً .. فيقطعون من جسده قطعة تلو القطعة وهم يقولون له: أتحب أن يكون محمداً مكانك وأنت ناج ؟ .. فيقول والدماء تنزف منه: والله ما أحب أن أكون آمناً وادعاً في أهلي وولدي وأن محمداً يوخز بشوكة ..
فيلوح الناس بأيديهم في الفضاء ويتعالي صياحهم: أن أقتلوه .. اقتلوه ..
ثم أبصر سعيد بن عامر خبيباً يرفع بصره إلي السماء من فوق خشبة الصلب ويقول:
اللهم أحصهم عدداً واقتلهم بدداً ولا تغادر منهم أحداً .. ثم لفظ أنفاسه
الأخيرة .. وبه ما لم يستطع احصاءه من ضربات السيوف وطعنات الرماح.
صور من حياة الصحابة
الدكتور/ عبد الرحمن رأفت الباشا