<blockquote style="margin-left: 0px;" dir="rtl">
<blockquote style="margin-left: 0px;" dir="rtl">
<blockquote style="margin-left: 0px;" dir="rtl">
<blockquote style="margin-left: 0px;" dir="rtl">
<blockquote style="margin-left: 0px;" dir="rtl">
<blockquote style="margin-left: 0px;" dir="rtl">
<blockquote style="margin-left: 0px;" dir="rtl">
<blockquote style="margin-left: 0px;" dir="rtl">
<blockquote style="margin-left: 0px;" dir="rtl">
<blockquote style="margin-left: 0px;" dir="rtl">
<blockquote style="margin-left: 0px;" dir="rtl">
</blockquote></blockquote></blockquote></blockquote></blockquote></blockquote></blockquote></blockquote></blockquote></blockquote></blockquote>
قال الله تعالى: (وَرَحْمَتِي
وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ، فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ
وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ،
الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي
يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ
يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنْ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ
لَهُمْ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمْ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ
عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ
فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ
الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ).
الرحمن الرحيم، اسمان كريمان من أسماء المولى جل وتعالى، والرحمة صفته، صفة حقيقية تليق بجلاله سبحانه، وهي صفة كمال لائقة بذاته كسائر صفاته العُلى. قال الله تعالى في محكم تنـزيله في شأن ذكر هذه الصفة، أو ذكر شيء من آثارها على خلقه: (إنه هو التواب الرحيم)، وقال تعالى: (إن الله بالناس لرؤوف رحيم)، وقال جل وتعالى: (يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء والله غفور رحيم)، وقال عز وجل: (فمن تاب من بعد ظلمه وأصلح فإن الله يتوب عليه، إن الله غفور رحيم)، وقال تعالى: (واستغفروا ربكم ثم توبوا إليه إن ربي رحيم ودود)، إلى غير ذلك من النصوص الكثيرة في كتاب الله وفي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم الدالة على صفة الرحمة.
الله جل وعلا رحيم بنا، وهو سبحانه أرحم بنا من أنفسنا على أنفسنا. رحمة الله تعالى وسعت وشملت كل شيء، العالم العلوي والعالم السفلي، فما من أحد إلا وهو يتقلب في رحمة الله تعالى، المسلم والكافر، البرّ والفاجر، الظالم والمظلوم، الجميع يتقلبون في رحمة الله آناء الله وأطراف النهار، قال الله تعالى: (ورحمتي وسعت كل شيء).
الله جل وتعالى فتح أبواب رحمته للتائبين والعاصين والمنحرفين، ما عليهم إلا أن يقبلوا على مولاهم، قال الله تعالى: (قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله، إن الله يغفر الذنوب جميعا، إنه هو الغفور الرحيم). وقال صلى الله عليه وسلم فيما رواه مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: "لو يعلم المؤمن ما عند الله من العقوبة ما طمع بجنة أحد، ولو يعلم الكافر ما عند الله من الرحمة، ما قنط من جنته أحد".
إن الله جل وتعالى أرحم بعباده من الأم بولدها، أخرج البخاري ومسلم عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: قُدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم بسبي، فإذا امرأة من السبي تسعى، إذا وجدت صبياً في السبي أخذته فألصقته ببطنها وأرضعته، فقال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أترون هذه المرأة طارحة ولدها في النار؟" قلنا: لا والله وهي تقدر على أن لا تطرحه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الله أرحم بعباده من هذه بولدها".
إن رحمة الله تغلب وتسبق غضبه. روى البخاري في صحيحه حديث أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لما خلق الله الخلق، كتب في كتابه، إن رحمتي تغلب غضبي" وفي رواية: "إن رحمتي سبقت غضبي".
الله جل ثناؤه له مئة رحمة، كما في حديث أبي هريرة عن البخاري قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن الله خلق الرحمة يوم خلقها مئة رحمة". وفي رواية: "كل رحمة طباق ما بين السماء والأرض، فأمسك عنده تسعاً وتسعين رحمة وأرسل في خلقه كلهم رحمة واحدة". وفي رواية: "إن لله مئة رحمة، أنزل منها رحمة واحدة بين الجن والإنس والبهائم والهوام، فيها يتعاطفون وبها يتراحمون، وبها تعطف الوحش على ولدها". وفي رواية: "حتى ترفع الدابة حافرها عن ولدها خشية أن تصيبه، وأخر الله تسعاً وتسعين رحمة يرحم بها عباده يوم القيامة".
إن العبد كلما كان أقرب إلى الله تعالى، كانت رحمة الله به أولى، أي كلما كان العبد طائعاً لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم، عاملاً بما أمره الله ورسوله، منتيهاً عما نهاه الله ورسوله عنه، كان استحقاقه للرحمة أعظم، قال الله تعالى: (وأطيعوا الله والرسول لعلكم ترحمون). وقال عز وجل: (وهذا كتاب أنزلناه مبارك فاتبعوه واتقوا لعلكم ترحمون). وقال سبحانه: (وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وأطيعوا الرسول لعلكم ترحمون). وقال تعالى: (إن رحمت الله قريب من المحسنين).
الله جل وعز، سمى بعض نعمه التي أنعمها علينا بالرحمة، فسمى المطر رحمة، في قوله تعالى: (وهو الذي يرسل الرياح بشراً بين يدي رحمته). وسمى رزقه بالرحمة، في قوله: (وإما تعرضن عنهم ابتغاء رحمة من ربك ترجوها، فقل لهم قولاً ميسورا). وسمى كتابه العزيز بالرحمة في غير ما آية، كقوله تعالى: (ونزّلنا عليك الكتاب تبياناً لكل شيء وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين). وسمى الجنة بالرحمة وهي أعظم رحمة خلقها الله لعباده الصالحين، قال الله تعالى: (وأما الذين ابيضت وجوههم ففي رحمة الله هم فيها خالدون). وقال تعالى : (يُدخل من يشاء في رحمته، والظالمين أعدّ لهم عذاباً أليما).
يقول الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى في كلام نفيس بديع جميل، وهو يتكلم عن آثار رحمة الله فيقول: "فانظر إلى ما في الوجود من آثار رحمته الخاصة والعامة، فبرحمته أرسل إلينا رسوله صلى الله عليه وسلم، وأنزل علينا كتابه، وعلمنا من الجهالة، وهدانا من الضلالة، وبصرنا من العمى، وأرشدنا من الغي، وبرحمته عرّفنا من أسمائه وصفته وأفعاله ما عرَفنا به أنه ربنا ومولانا، وبرحمته علّمنا ما لم نكن نعلم، وأرشدنا لمصالح ديننا ودنيانا، وبرحمته أطلع الشمس والقمر، وجعل الليل والنهار، وبسط الأرض وجعلها مهاداً وفراشاً وقراراً وكِفاتاً للأحياء والأموات، وبرحمته أنشأ السحاب وأمطر المطر، وأطلع الفواكه والأقوات والمرعى، ومن رحمته سخر لنا الخيل والإبل والأنعام وذللها منقادة للركوب والحمل والأكل والدَّر، وبرحمته وضع الرحمة بين عباده ليتراحموا بها، وكذلك بين سائر أنواع الحيوان، فهذا
التراحم الذي بينهم بعض آثار الرحمة، التي هي صفته ونعمته، واشتق لنفسه
منها اسم الرحمن الرحيم، وأوصل إلى خلقه معاني خطابه برحمته، وبصّرهم ومكّن لهم أسباب مصالحهم برحمته، وأوسع المخلوقات عرشُه، وأوسع الصفات رحمته، فاستوى على عرشه الذي وسع المخلوقات، بصفة رحمته التي وسعت كل شيء، ولما استوى على عرشه بهذا الاسم الذي اشتقه من صفته، كتب
بمقتضاه على نفسه يوم استوائه على عرشه حين قضى الخلق كتاباً فهو عنده
وضعه على عرشه "إن رحمته سبقت غضبه"، وكان هذا الكتاب العظيم الشأن كالعهد
منه سبحانه للخليقة كلها بالرحمة لهم، والعفو عنهم، والصفح عنهم، والمغفرة والتجاوز والستر والإمهال والحلم والأناة، فكان قيام العالم العلوي والسفلي بمضمون هذا الكتاب، الذي لولاه لكان للخلق شأن آخر، وكان عن صفة الرحمة الجنة وسكانها وأعمالهم، فبرحمته خلقت، وبرحمته عُمرت بأهلها، وبرحمته وصلوا إليها، وبرحمته طاب عيشهم فيها، وبرحمته احتجب عن خلقه بالنور، ولو كشف ذلك الحجاب لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه. ومن رحمته أنه يعيذ من سخطه برضاه، ومن عقوبته بعفوه، ومن
نفسه بنفسه، ومن رحمته أن خلق للذكر من الحيوان أنثى من جنسه، وألقى
بينهما المحبة والرحمة ليقع بينهما التواصل الذي به دوام التناسل وانتفاع
الزوجين، وتمتع كل واحد منهما بصاحبه، ومن رحمته أحوج الخلق بعضهم لبعض، ولو أغنى بعضهم عن بعض، لتعطلت مصالحهم، وانحل نظامهم، وكان من تمام رحمته بهم أن جعل فيهم الغني والفقير، والعزيز والذليل، والعاجز والقادر، والراعي والمرعي، ثم أفقر الجميع إليه، ثم عم الجميع برحمته، ومن رحمته أنه خلق مئة رحمة، كل رحمة فيها طباق ما بين السماء والأرض، فأنزل منها إلى الأرض رحمة واحدة، نشرها بين الخليقة ليتراحموا بها، فيها تعطف الوالدة على ولدها، والطير والوحش والبهائم، وبهذه الرحمة قوام العالم ونظامه، وتأمل قوله تعالى: (الرحمن، علم القرآن، خلق الإنسان، علمه البيان) كيف جعل الخلق والتعليم ناشئاً عن صفة الرحمة، متعلقاً باسم الرحمن". قال الله تعالى: (ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها، وما يمسك فلا مرسل له من بعده وهو العزيز الحكيم).
إن رحمة الله لا يحصيها العد، ويعجز الإنسان عن مجرد ملاحقتها وتسجيلها في ذات نفسه، وفيما سخر له من حوله ومن فوقه ومن تحته.