إنَّ
الهاتف نعمة عظيمة ومنحة جليلة سخرها الخالق _تعالى_ للإنسان ليتواصل مع
غيره رغم بعد المسافات، ويُعينه على تبادل الأخبار والمعلومات، وإنجاز
العمل وقضاء الحوائج المختلفة، وتوفير الجهد والوقت؛ مما أوجد له مكانة
كبيرة في حياتنا المعاصرة، وبسبب بعض التصرفات الخاطئة لاستعماله،
والمشاكل التي نتجت عنها، أصبح من الواجب توضيح بعض الآداب التي ينبغي
للمسلم المحافظة عليها عند استعماله لهذه التقنية.
- 1.
البدء بالتعريف بالنفس: فينبغي على المُتَّصل أن يُبادِر إلى التعريف
بنفسه قبل البدء بالكلام وذلك إن كان الطرف الآخر لا يعرف المُتَّصل أو لم
يتعرف عليه، أو يكون الذي ردَّ على الهاتف امرأة والمُتصل رجل أو العكس،
ويُعرِّف عن نفسه باسمه أو كنيته التي يتميَّزُ بها عن غيره،
- فعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ _رضي الله عنهما_
- قَالَ: أتيت
النبي صلى الله عليه وسلم . فدعوت . فقال النبي صلى الله عليه وسلم ( من
هذا ؟ ) قلت : أنا . قال : فخرج وهو يقول ( أنا ، أنا ! ! ) .
- الراوي: جابر بن عبدالله
- المحدث: مسلم
- - المصدر: صحيح مسلم -
- الصفحة أو الرقم: 2155
- خلاصة حكم المحدث: صحيح
، فقد كره الرسول صلى الله عليه وسلم هذا اللفظ لأنَّه لا يدلُّ على معرفة الشخص المتكلم.
2. الالتزام بالتحية الشرعية: وهي بالبدء بالسلام بقول: السلام عليكم، قبل البدء بغيرها من الكلمات والتَّحايا.
أما
الشخص المُتصل عليه فيكون ردُّه بكلمات جوابية أو استفهامية عن المتصل
مثل: نعم، أو من المُتصل، أو غير ذلك، فإذا سلَّم المُتَّصِل فيردُّ عليه
باللفظ الشرعي: وعليكم السلام.
3.
عدم إحراج المتَّصَلِ عليه: وذلك بالتحدث بطريقة أو بكلام لا يستطع من
خلاله التعرُّف عليه، خاصةً إذا كان صاحب مكانة في العلم أو القَدْرِ أو
السن.
أو إذا كان مريضًا، أو مشغولًا، أو في مكان لا يسمح له
بالاسترسال في المحادثة كأن يكون في مكان عمل، أو بين أناس لا يود أن يقطع
حديثهم أو نحو ذلك.
والأفضَّل _إن تنبَّه المتصل لذلك_ أن يُبادِر إلى
السؤال عن مناسبة الوقت للتَّحدُّث، أو عن وجود ما يمنع المتكلم من
الإجابة بالتفصيل.
ويُغتفر لكبير القدر أو السن أن يتصل أو يرد،
ويغتفر _كذلك_ إذا كان الإنسان في مجلس إخوانه أو أصدقائه الذين يطرح
الكلفةَ بينهم، أو الذين لم يسترسل حديثهم.
ويجمل بالمرء _أيضًا_ إذا أراد الاتصال أن يستأذن ويخرج عن المجلس.
4. إغلاق
الهاتف الجوال _أو المحمول_ أو وضعه على وضعية الصامت عند دخول الأماكن
العامة: كالمسجد، أو أماكن النَّدوات والمحاضرات، أو الاجتماعات وغيرها؛
وذلك لئلا يشوشَ على الناس، ويقطع انتباههم، وأكثرها قُبحًا: ما كان في
المسجد؛ فإنَّه يُشوِّش على المصلين، ويقطعَ عليهم خشوعهم وإقبالهم على
ربهم.
وكذلك في مجالس العلم وأكابر الشخصيات؛ لأن ذلك يذهب هيبة المجلس، ويقطع الفائدة على المتعلمين، ويؤذي من يلقي الدرس أو الفائدة.
وإذا
حصل أنْ نسي ولم يغلقْه أو يضعه على الصامت فليبادر إلى إغلاقه وإسكاته
إذا اتصل أحد ولو كان في الصلاة، فإنَّ ذلك لا يقطع الصلاة، بل هي لمصلحة
المصلين عمومًا.
5.
الاقتصاد في المكالمات: بعدم الإفراط في مكالمات لا داعي لها، أو التطويل
فيها بشكل لا ضرورةَ فيه؛ فهذا من التبذير للمال الذي نهانا الله عنه
بقوله: ﴿ولَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا ﴿26﴾ إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا
إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا ﴾
[الإسراء: 26_ 27].
6.
البعد عن استعمال النغمات الموسيقية لرنين الهاتف: فإنَّها مُحرَّمة
لتحريم الموسيقا، ويشمل ذلك الأصوات الموسيقية المسجَّلة، ويقبح استعمالها
أكثر إذا كان في المساجد، أو المجالس العامة.
ويلحق بها: النغمات التي تحكي صفة الأذان أو نحوه، فإنَّها من الموسيقى أيضًا.
وينبغي
كذلك عدم استخدام الأصوات المُسجَّلة لقراءة القرآن الكريم، أو الأدعية،
أو الأذان على شكل أصوات للرنين؛ لأنَّ فيها امتهانًا لها باستخدامها في
غير ما وضعت لها، ثم تعرُّضها للإيقاف أو الإغلاق قبل اكتمال معنى الكلام،
وإن كان قصد الشخص احترامها والتعبُّد لله بذلك.
7.
الحذر من استعمال الجوال في التصوير الممنوع: فبعض الجوالات تتوافر فيها
هذه الخدمة، وقد تُستعمل في تصوير محرم أو يؤدي إلى محرم، كتصوير النساء
في المناسبات العامة كالولائم وغيرها، ولا يَخْفَى تَسبُّبُ هذا الأمر في
انتهاك الحرمات، وتفريق البيوت، فكثيرًا ما تنتشر الصور بقصد أو غير قصد،
فيكون فيها فتنة وهتك الحُرمات.
ويشمل ذلك تصوير الرجال دون إذنهم؛ فقد
يكون الشخص في مكان أو وضع لا يريد أن يراه عليه أحدٌ، ولا يصح تصوير
الأطفال كذلك دون إذن والديهم.
8.
عدم تسجيل المكالمات، أو وضع الجوال على مكبر الصوت بحضرة الآخرين إلا
بإذن المتصل: فقد يتصل أحدٌ من الناس على صاحبه، أو يتصل عليه صاحبه فيسجل
المكالمة، أو يضع الجوال على مكبر الصوت وحولَه مَنْ يسمع الحديث، وهذا
العمل لا يليق خصوصًا إذا كان الحديث خاصًا أو سِرِّيًّا، إلا إن استأذنه
في ذلك.
9. عدم النظر في جوالات الآخرين واستعراض الأرقام والرسائل دون رضاهم: فذلك من كشف الستر، ومن التطفل المذموم.
فقد يكون فيها خصوصيات لا يريد من أحد أن يطلع عليها، أو يفهمها على غير المراد منها.
10. ترك
كثرة العبث بالجوال في المجالس: خصوصًا في مجالس الأكابر من أهل العلم
والفضل؛ فبعض الناس لا يفتأ يقلب جواله، ويستعرض نغماته وأجراسه، ويلعب في
التسالي التي يحتويها الجوال إلى غير ذلك مما لا يليق بالعاقل، ومما يجعله
عرضة للتندر، والاستهجان.
11.
عدم الخوض في الحديث عن الأسرار والأمور الخاصة على الهاتف: فكثيرًا ما
يسهُل التَّجسُّس عليها وانتشارها، وإن اضطر الشخص لبعض هذه الأمور فليكن
باختصار ودون ذكر للأسماء، أو الدخول في تفصيلات يُمكن الاستغناء عنها.
12. عدم إعطاء رقم شخص أو عنوانه لمن يطلبه إلا بعد أخذ إذنه، أو معرفة أنَّه يرضى بذلك؛ فقد يكون هذا الشخص غير راغب في ذلك.
13. عدم استخدام هاتف العمل لأغراض خاصة دون إذن: أو الإطالة في استخدامه دون حاجة، مما يؤدي لتعطيل سير العمل.
14. عدم إحراج الآخرين بطلب استخدام هواتفهم الخاصة إلا لضرورة قصوى.
15. بالنسبة لرسائل الجوال:
يشتمل الهاتف الجوال أو المحمول على خدمة إرسال الرسائل، وهي من الأمور المستعملة بكثرة، فينبغي مراعاة الأدب فيها، ومن ذلك:
أ / أن تكون معبرة ذات معنى:
فتحمل
بِشارة، أو تعزِية، أو أن تكون مشتملة على ذكرى، أو حكمة، أو موعظة، أو
الدعاء، أو نحو ذلك مما فيه خير وفائدة، كما يمكن أن تكون مُسلية بما هو
مُباح.
ب / التثبت من فحوى الرسالة:
فلا
ينبغي للشخص أن يُرسِل خبرًا أو معلومةً قبل التأكد من صحتها؛ فكثيرًا ما
تتناقلها الرسائل والألسن، فلينظر المسلم ماذا يحب أن ينقل عنه، أو يتسبب
فيه.
ج / الحذر من الرسائل السيئة:
التي
تشتمل على الكلمات البذيئة، والنكات السخيفة، والرسومات القبيحة وغيرها،
فهذا كله مما يخالف الشرع، وينافي الأدب، ولا يتلاءم مع شكر هذه النعمة.
د / التأكد من صحة الرقم:
حتى لا تقع الرسالة بيد من لم يُقْصَد إرسالها إليه، فيقع الحرج، ويساء الظن بالمرسل إن كانت رسالة لا تناسب.
هـ / مراعاة الذوق، وحال المُرسل إليه:
فقد
تكون الرسالة ملائمة لشخص، ولكنها غير ملائمة لآخر، وقد تكون صالحة لأن
ترسل لكبير قدر أو سنّ، ولا تصلح أن ترسل إلى غيره، وقد يصلح أن يرسلها
شخص ولا يصلح أن يرسلها آخر، وقد تصلح لأن ترسلها لمن يَعْرفك ويَعْرف
مقاصدك، ولا يصلح أن ترسلها لشخص لا يعرف مقاصدك، أو لشخص شديد الحساسية
سيئ الظن؛ فمراعاة تلك الأحوال أمر مطلوب.