بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ
أربعة مواضع لرفع الدرجات
البعض
منّا يحزن على هذا الواقع الذي نعيشه، ويظن أنه بحزنه قد أبرأ ذمته، وليس
الأمر كذلك؛ فالمسلم الذي يُحزنه واقعه لابد أن يعمل ليغيّر هذا الواقع،
وإلاّ ما فائدة الحزن فقط.؟؟
قال شيخ الاسلام ابن تيمية -رحمه الله-: "قد
يقترن بالحزن ما يثاب صاحبه عليه ويُحمد عليه فيكون محموداً من تلك الجهة
لا من جهة الحزن، كالحزين على مصيبة في دينه وعلى مصائب المسلمين عموماً،
فهذا يثاب على ما في قلبه من حب الخير وبغض الشر وتوابع ذلك، ولكن الحزن
على ذلك إذا أفضى إلى ترك مأمور من الصبر والجهاد وجلب منفعة ودفع مضرة
نهي عنه". أ هـ مجموع الفتاوى: (10/71).
إن
التحسر والتألم وتصعيد الزفرات ليست سوى وسيلة سلبية لا تجرح قوى الباطل
بل ولا حتى تخدشها، والحزن لا بأس به إذا كان حافزاً للعمل ومضاعفة الجهد،
ولكنه ينقلب إلى أمر بالغ الخطورة إذا لم يعقبه عمل إيجابي مثمر؛ إذ تكون
وسيلة لامتصاص النقمة على الأوضاع الفاسدة ومن ثم الركون إليها والعياذ
بالله، وعلى أحسن الأحوال استمرار هذه النقمة ولكن بشكل جامد لا حياة فيه،
وليس أفضل لقوى الباطل من هذا الوضع.
مع
كل أسف -والواقع كما تعرفون- وما يزال البعض يظن بأن التنعم بأنواع المآكل
والمشارب والملابس والمناكح والتفنن بأنواع الشهوات أن هذه هي الحياة، ولا
ريب أن هذه لذة مشتركة بين البهائم، بل وقد يكون حظ كثير من البهائم منها
أكثر من حظ الإنسان، أين هذه اللذة التي تشاركه فيها السباع والدواب
والأنعام وبين لذة ذاك الذي استقبل الرمح بصدره وقال:
"فزت ورب الكعبة"، ويستطيل الآخر حياته حتى يلقي تمرات كانت في يده ويقول:
إنها لحياة طويلة إن صبرت حتى آكلها، ثم يتقدم إلى الموت فرحاً مسروراً.
قال الله تعالى: ﴿يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ﴾ [(11) سورة المجادلة].
وقد أخبر سبحانه في كتابه برفع الدرجات في أربعة مواضع:
أحدها: هذا.
والثاني: في قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا
الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ
وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى
رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ* الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَمِمَّا
رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ* أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَّهُمْ
دَرَجَاتٌ عِندَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ﴾ [(2-4) سورة الأنفال].
والثالث: في قوله تعالى: ﴿وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِنًا قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُوْلَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَى﴾ [(75) سورة طـه].
والرابع: في قوله: ﴿وَفَضَّلَ
اللّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا* دَرَجَاتٍ
مِّنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً وَكَانَ اللّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا﴾ [(95-96) سورة النساء].
فهذه
أربعة مواضع، في ثلاثة منها الرفعة بالدرجات لأهل الإيمان، الذي هو العلم
النافع والعمل الصالح، والرابع الرفعة بالجهاد، فعادت رفعة الدرجات كلها
إلى العلم والجهاد، ولا يمكن لك يا أخي الحبيب أن تصل إلى هذا العلم وهذا
الجهاد إلاّ بهمة، ومن ثمّ كانت الهمّة باب الدخول، فمن امتلكها لان له كل
صعب، قال يحي بن معاذ: الكلام الحسن حسناً، وأحسن من الكلام معناه، وأحسن
من معناه استعماله.
فقم يا عبد الله إلى استعماله وتحرك واعمل:
وخل الهوينا للضعيف ولا تكن *** نؤوماً فإن الحزم ليس بنائم
وقفات تربوية
الشيخ/ ناصر بن محمد الأحمد