افهم وقدر.. وكوّن نفسك
تركي عبدالله السديري
لا تحتاج لأن تلقي خطبة عالية الصوت ومليئة بافتعال الشواهد، فهذه - وكم تكررت في الإذاعات العربية سابقاً وفي أجهزة التلفزيون حالياً - هذه لم تعد لها القدرة على دخول عقول المستمعين.. قناعة المشاهدين.. موضوعية من يحبون جدل الخلاف.. لكنك عندما تقرأ خصوصية أخبار في صفحتين متقابلتين في جريدة «الرياض» بعدد يوم السبت الماضي.. الصفحة «٢٢» والصفحة «٢٣» سوف تواجه حقائق رائعة في جزالة مواجهة التجاوزات وتصدي المخاطر.. ليس في الرأي.. لكن في محاولات تهريب ما هو محرم البيع في أي بلد أينما كان.. وفي نفس الوقت تواصل تواجده في مجتمع معين من شأنه بعد سنوات قليلة أن يجعله موقع استيطان «لصغار العقول» من مدمني الحشيش..
وتحت الخبر يأتي خبر آخر يقول: تنفيذ حكم القتل في مهرب مخدرات بتبوك.. وخبر ثالث في نفس الصفحة يؤكد مصادرة ٥٥٠ ختماً ووثيقة مزورة بحي البطحاء..
هذا في عدد واحد وفي صفحة واحدة من عدد «الرياض» يوم السبت الماضي.. فيه حزم.. فيه صلابة ملاحقة مبررة.. فيه وعي متابعة صارم..
نأتي إلى الصفحة الأخرى رقم «٢٣».. يقول الخبر: إن مستشفى الملك خالد في حائل قد فوجئ بعامل بنغالي صدمته سيارة فأصيب من الحادث بتهتك شريان الصدر.. ومعروف أن ٨٠٪ من المصابين تأخذهم الوفاة، ولم يكن المستشفى في حائل مجهزاً بقدرة المواجهة العلمية وليس الطبية فاستعانوا بمستشفى الملك فيصل التخصصي بالرياض الذي أرسل فوراً طبيبين وتمت الاستعانة بشركة أجنبية أوجدت جهازاً علمياً يختصر زمن العملية.. وفعلاً تم إنقاذ العامل البنغالي وكان ثمن الجهاز العلمي الطبي سبعين ألف ريال لم يجعلوه عائقاً لمواجهة مخاطر الرجل؛ فوزارة الصحة أبلغتهم أنها ستدفع المبلغ للشركة..
هناك في الصفحة «٢٢» مواقف حزم رجولية بالغة القوة والجودة تقرأها فتتصور أنها تحدث في بلد لا تدمع فيه عين أحد.. ثم تأتي إلى الصفحة المقابلة «٢٣» فتقرأ خبر البنغالي لتحس أن الله أنقذه في بلد كريم يضع الحس الإنساني فوق أي اعتبار بغض النظر عن اسم المريض أو قدرته المادية..
أي دولة في العالم لن تنجز هذا الموقف الإنساني السريع الذي لم تمرره وساطات؟.. ربما أقول بريطانيا وحدها يمكن أن تفعل ذلك..
لماذا أستعرض هاتين الصفحتين؟..
أريد القول إنهما شواهد حضور وطني وأمني وإنساني.. شواهد تميز ليس بالشائع شمولاً في العالم العربي.. أريد القول إن جهات مسؤولة حين تبرز هذا النجاح في أداء أدوارها فإن ذلك لن يكفي.. الأمر يحتاج إلى شمولية وعي وطني ينجز بمفاهيمه المتقدمة كل إيجابيات التواجد الحضاري.. فالدولة.. أي دولة.. لا تصنع معجزات فورية لكن ينجز خططها ومفاهيمها وعي مواطنة يتقدم معها نحو روائع الحلول والمنجزات والمفاهيم..