الحمد لله الذي خلّص قلوب عباده المتقين من ظُلْم الشهوات ، وأخلص
عقولهم عن ظُلَم الشبهات
أحمده
حمد من رأى آيات قدرته الباهرة ، وبراهين عظمته القاهرة ، وأشكره شكر من
اعترف بمجده وكماله
واغترف
من بحر جوده وأفضاله وأشهد أن لا إله إلا الله فاطر الأرضين والسماوات ،
شهادة تقود قائلها إلى الجنات
وأشهد
أن سيدنا محمدا عبده ورسوله ، وحبيبه وخليله ، والمبعوث إلى كافة البريات ،
بالآيات المعجزات
والمنعوت
بأشرف الخلال الزاكيات صلى الله عليه وعلى آله الأئمة الهداة ، وأصحابه
الفضلاء الثقات
وعلى
أتباعهم بإحسان ، وسلم كثيرا
أما
بعد :
فإن
اصدق الحديث كتاب الله ، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم ، وشر
الأمور محدثاتها،
وكل
محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار
ــــ
أعاذنا الله وإياكم من النار ــــ
ثم أما بعد :
تحية
طيبة لكل الإخوة مشرفين وأعضاء ورواد منتديات ستار تايمز وبالأخص منتدانا
الحبيب
~
منتدى القرآن الكريم ~
التفسير الصحيح لقوله
تعالى:
{ لَوْ
كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إلَّا اللهُ لَفَسَدتَا }
الشيخ
الدكتور سفر بن عبدالرحمن الحوالي
شرح
العقيدة الطحاوية من درس:
توحيد الألوهية قَالَ
المُصنِّفُ رحمه الله تعالى :
[وقريب من
معنى هذه الآية قوله تعالى: لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا [الأنبياء:22]
وقد ظن طوائف أن هذا دليل التمانع الذي تقدم ذكره، وهو أنه لو
كَانَ للعالم صانعان.. الخ. وغفلوا عن مضمون الآية، فإنه سبحانه أخبر أنه
لو كَانَ فيهما آلهة غيره. ولم يقل أرباب.
وأيضاً فإن هذا
إنما هو بعد وجودهما، وأنه لو كَانَ فيهما -وهما موجودتان- آلهة سواه
لفسدتا.
وأيضاً فإنه قَالَ:
(لَفَسَدَتَا) وهذا فساد بعد الوجود، ولم
يقل: لم يوجدا، ودلت الآية عَلَى أنه لا يجوز أن يكون فيهما آلهة متعددة،
بل لا يكون
الإله إلا واحدا،
وعلى أنه لا يجوز أن يكون هذا الإله الواحد إلا الله -سُبْحَانَهُ
وَتَعَالَى- وأن فساد السماوات والأرض يلزم من كون الآلهة فيهما
متعددة، ومن كون
الإله الواحد غير الله وأنه لا صلاح لهما إلا بأن يكون الإله فيهما هو الله
وحده لا غيره، فلو كَانَ للعالم إلهان معبودان لفسد
نظامه كله، فإن
قيامه إنما هو بالعدل، وبه قامت السماوات والأرض، وأظلم الظلم عَلَى
الإطلاق الشرك وأعدل العدل التوحيد].
الشرح:
هذه الآية: لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا [الأنبياء:22]
دلالتها عظيمة
عَلَى توحيد الألوهية.
وهي برهان عقلي، لا
كما يظنون أنها برهان التمانع أو دليل التمانع بمعنى أنه دليل لوجود الله
فقط.
وذلك: أولاً: أن
الله قَالَ:
لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ ولم يقل: (لو كَانَ فيهما أرباب).
وثانياً: الكلام
إنما هو بعد وجود السماوات والأرض فلو كَانَ فيهما هاتين الموجودتين آلهة
غير الله لفسدتا وليس الكلام قبل أن توجدا -كما
يقولون- وأن الفساد
عندهم: هو عدم الوجود والكون: هو الوجود.
وثالثاً: قوله: (لفسدتا) فلو فرضنا أن الفساد هو عدم الوجود
فالآية تقول: لو كَانَ فيهما آلهة غير الله -عَزَّ وَجَلَّ- لفسدتا فعلى
كلامكم: لو
كَانَ هناك أرباب
أخرى لبطل وجود السماوات والأرض؛ لأن الفساد عدم الوجود.
فأنتم تقولون: إنها
دليل عَلَى أن الخالق في الابتداء هو واحد، والآية تتكلم عن شيء قد خلق
ووجد، والفساد الذي يحصل فيه يكون بعد وجوده
وخلقه، فهذا يوضح
أنها ليست دليل التمانع الذي يقولون، وإنما هي دليل للألوهية
وأنه متى
عبد غير الله عَزَّ وَجَلَّ في السماوات أو في الأرض فإن الفساد
يقع الذي هو ضد الصلاح، لأن السماوات والأرض لم تقم إلا بالعدل، وأعظم
العدل هو التوحيد، وأعظم الظلم هوالشرك:
إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيم ٌ
[لقمان:13] أي: أكبر الظلم.
فانتظام السماوات
والأرض وصلاح أمر السماوات والأرض، لا يكون إلا بأن يكون المعبود هو الله،
وليس فقط أن نقول أن الذي أوجدها هو
الله، وقد قلنا: إن
السماوات لا فساد لها؛ لأن المعبود فيها واحد -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-:
وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَه [الزخرف:84]
أي: هو الذي في
السماء معبود، وفي الأرض معبود؛ لكنه في السماء معبود وحده -سُبْحَانَهُ
وَتَعَالَى- ليس ثُمَّ شرك بالله تعالى، فالملائكة كلهم
عباد الرحمن
المكرمون يعبدونه -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-:
يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لا يَفْتُرُونَ [الأنبياء:20].
وأما الأرض ففيها
يقع الفساد، ولذلك قالت الملائكة منذ اللحظة الأولى:
أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ [البقرة:30]
لأن الأرض مكان
يتوقع فيه وقوع عبادة غير الله كالإشراك بالله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-
وهذا أعظم الفساد، لكن لو انتظم أمر النَّاس في هذه الأرض،
فلم يعبدوا ولم
يطيعوا إلا الله ولم يتبعوا إلا أوامر الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-
لانتفى الفساد من الأرض، مثلما انتفى من السماء؛ ولكن حكمة الله -
عَزَّ وَجَلَّ-
أنهم لا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم، حكمة الله أنه لا يزال
إيمان وكفر وصلاح وفساد، ولذلك شرع الله -تَبَارَكَ
وَتَعَالَى- الجهاد
ليدفع النَّاس بعضهم بعضاً وليدفع شر أهل الشر بقوة الحق عند أهل الإيمان؛
ولذلك كانت الأرض هي مكان التكليف والتعبد،
وأما الذين في
السماء فإنهم يعبدونه -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- دائماً وأبداً بلا جزاء ولا
ثواب، لأنهم لم يكلفوا بأمر يترتب عليه دخول الجنة أو دخول
النار.
وهذه الآية عَلَى
وجازة لفظها تدل وتبين أن صلاح العالم كله إنما يكون بأن يعبد الله وحده لا
شريك له، وأن يطاع وحده لا شريك له، ولننظر
إِلَى واقع العالم
اليوم -مثلاً- في حق النساء جعل الله للمرأة أعمالاً ومهمات محددة تعملها،
ولا تتعداها، وجعل خروجها عن ذلك فساداً في
الأرض وخروجاً عما
أراد الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى. فلما ترك النَّاس أمر الله -سُبْحَانَهُ
وَتَعَالَى- في هذا الموضوع واتبعوا أمر غير الله -سُبْحَانَهُ
وَتَعَالَى-
وأُخرجت المرأة -كما في العالم الغربي وأكثر العالم الإسلامي- عن العمل
الذي شرعه -اللهُ سُبْحَانَهُ- واتبعت أهواء وأقوال الشياطين
ودعاة الضلالة، كم
حصل من الفساد؟
وكم حصل من
الشرور؟
وتجدون أن الأمراض
في العالم الغربي ومن قلده كلها ترجع إِلَى أن الأسرة متفككة، وأن المرأة
خرجت لتعمل مثل الرجل، والكفار أنفسهم مقرون بذلك.
فلو كَانَ الله هو
وحده المعبود المطاع واتُبعت أوامره -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- لما كَانَ
إلا الصلاح والخير، ولما وجد هذا الفساد في الأرض بإطلاق.
وكذلك القتل
فالعالم يموج ويضطرب بالقتل، لا يكاد يمر يوم إلا والقتلى بسبب حروب أو
انفجارات أو تدميرات، لأن الله ليس هو وحده المعبود
-سُبْحَانَهُ
وَتَعَالَى- بل اتخذوا آلهة من دون الله، فأطاعوا أحباراً ورهباناً أرباباً
أو زعماء من دون الله -سُبْحَانَهُ- ومن هنا كَانَ الفساد والاضطراب في
الأرض.
ولذلك فهذه الآية
عَلَى قلة ألفاظها تدل عَلَى هذه المعاني كلها وأنه
لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا [الأنبياء:22]
فالفساد الواقع في
الأرض اليوم إنما هو نتيجة أن المحكم هو غير شريعة الله -سُبْحَانَهُ-
فجميع الشرور التي في العالم هذا مصدرها وهذا سببها.
المصدر:
موقع الشيخ الدكتور سفر الحوالي شرح العقيدة الطحاوية