منتديات اقرأ معنـا
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


قال نبينا محمد صلى الله عليه وسلم :{إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاثة: صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعوا له}
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخولتسجيل دخول الاعضاء
بسم الله الرحمن الرحيم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته , المنتدى تابع لشركة احلى منتدى والخدمة والصيانة مدى الحياة , وأعضاؤنا قدموا 33879 مساهمة في هذا المنتدى وهذا المنتدى يتوفر على 8838 عُضو , للإستفسار يرجى التواصل معي عن طريق إرسال رسالة شخصية .. ولكم فائق تحياتي وتقديري , المدير العام : علي أسامة (لشهب أسامة)
Cool Yellow
Outer Glow Pointer

 

  ميادين التجديد الحضاري في فكر مالك بن نبي

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
علي أسامة (لشهب أسامة)
المدير العام
المدير العام
علي أسامة (لشهب أسامة)


الأوسمة وسام العضو المميز
 ميادين التجديد الحضاري في فكر مالك بن نبي 41627710
الجنـسية : gzaery
البلد : الجزائر
الجنـــس : ذكر
المتصفح : fmfire
الهواية : sports
عدد المساهمات : 26932
التقييم : 0
تاريخ التسجيل : 24/10/2008
العمر : 31
الموقع : https://readwithus.yoo7.com/
المزاج : nice
توقيع المنتدى + دعاء : توقيع المنتدى + دعاء

 ميادين التجديد الحضاري في فكر مالك بن نبي Empty
مُساهمةموضوع: ميادين التجديد الحضاري في فكر مالك بن نبي    ميادين التجديد الحضاري في فكر مالك بن نبي I_icon_minitimeالثلاثاء 14 فبراير - 10:19



الدكتور جيلالي بوبكر
ميادين التجديد الحضاري في فكر مالك بن نبي
يمثل
التجديد الحضاري محرك عملية البناء الحضاري وحادثة ميلاد الحضارات، ويشكل
عامل الرقي الحضاري وشرط استمرار هذا الرقي، بدونه لا تتم أية حركة بعث أو
إحياء مهما كانت الظروف والأوضاع، لأنه حركة تطور صاعد تواقة دوما إلى
لأفضل، هذه الحركة لها أبعاد إنسانية متعددة ومتكاملة ولها شروط تضعها،
وانطلاقا من معنى التجديد الحضاري وأبعاده وشروطه نجده يجري في جملة من
الميادين المرتبطة بحياة الإنسان في مستوى الفرد والمجتمع والأمة
والإنسانية، وهي ميادين تؤكد كلها الطموح الحضاري الإنساني في هذه
المستويات.
من واضح أن
الميدان الأول للتجديد الحضاري هو الإنسان ومحيطه، الإنسان كفرد يكوّن
المجتمع مع بني نوعه ويؤثر في المحيط الذي يعيش فيه كما يتأثر به، والمعروف
أنّ الإنسان كميدان للتجديد الحضاري تتفرع منه عدة ميادين يمكن تقسيمها
إلى ميدان روحي معنوي فكري تمثله الثقافة، وميدان مادي تمثله الحياة
الاقتصادية المادية بعناصرها المتمثلة في الإنتاج ووسائل الإنتاج وعلاقات
الإنتاج وقطاعاتها المتمثلة في الفلاحة والصناعة والتجارة والقطاعات التي
ترتبط بها كالنقل والاتصال وغيرها.
تمثل
الميدان الفكري الروحي أو الميدان الثقافي مجالات عديدة كالأخلاق والسياسة
والاجتماع والدين والعلم والفن وغيره، أما الميدان المادّي تمثله عدة
مجالات كالعمل ووسائل العمل ومناهج العمل والزراعة والصناعة والتجارة
والصيد وغيرها، لكل ميدان من القسمين شروط وظروف تؤثر فيه وتحدده، فالأول
يتطلب التغيير في الفرد من حيث نفسيته وفي المجتمع من حيث قيّمه وأفكاره،
وهذا يتم بالتوجيه التربوي، أما الميدان الثاني فيستدعي التخطيط الذي
يشترط التوجيه التربوي في الميدان الفكري، لأن الحضارة تقوم حينما يحصل
التوازن بين الجانب الروحي والجانب الفكري في حياة الإنسان.
إنّ
الثقافة هي المحيط الذي يعكس حضارة مجتمع دخل التاريخ، فهي تمثل أوسع
ميدان يعرف التجديد والتطور لكثرة وتنوع القيم والمنتجات الثقافية الفكرية
والأخلاقية والدينية والاجتماعية والسياسية والفنية والجمالية وغيرها، هذه
مظاهر الثقافة انبثقت من المجهود الإنساني المتميز بالفعّالية في مستوى
الفرد ومستوى المجتمع، والطابع الاجتماعي للثقافة .
فالثقافة
لا تقتصر على صنف معين من الأفراد داخل المجتمع ولكنها تشمل جميع فئات
المجتمع، فالمحيط يمثل رحم المنتوج الثقافي والقيمة الثقافية، والثقافة
تشبه المحيط المكوّن من الأشياء والصور والحركات والمشاهد والأفكار
المنتشرة في كل جهة، "فالثقافة
هي الوسط الذي يُشكّل داخله الكيان النفسي للفرد بنفس الصورة التي يتم بها
تشكُّل كيانه العضوي داخل المجال الحيوي الذي ينظمه".[1]
هذا
الوسط الذي يتشكل فيه الكيان النفسي للفرد هو يشهد التجديد والإبداع في
جوانب عدة مترابطة فيما بينها ومتكاملة، وجانب الأفكار من هذه الجوانب
التي تشهد التجديد وتكون مسئولة عن البناء الحضاري، "إنّ حضارة ما هي نتاج فكرة جوهرية تطبق على مجتمع في مرحلة ما قبل التحضر الدفعة التي تدخل به التاريخ".[2]
فالفكرة الإسلامية هي التي دفعت المسلمين الأوائل إلى اكتشاف شروط النهضة
والأخذ بها في إنشاء الحضارة الإسلامية، وفكرة التقدم كان لها الأثر
الكبير في دفع الإنسان الأوروبي في العصر الحديث إلى الجد والاجتهاد
والنهضة، فكان السباق نحو التحضر، جاءت الحضارة الغربية الحديثة نتيجة هذا
السباق وهذه المنافسة.
إنّ
تغيّر الفكر وتجديده يعني تجديد المفاهيم والتصورات والمعاني والدلالات عن
الوجود الذاتي الفردي وعن الوجود الخارجي الطبيعي والاجتماعي وغيره،
وتجديد مناهج التفكير وتجديد المبادئ والقواعد مع الغايات والأهداف،
والتفكير في الوسائل ومناهج الوصول إلى تلك الغايات، وإيجاد السبل
والوسائل للربط بين المبادئ والغايات في انسجام وتطابق.
هذه
العملية تجري في مختلف الجوانب الفكرية، في الجانب العلمي وهو مجال ثقافي
بحيث لا تخلوا أية حضارة منه، فيه تتفرع العلوم وتتعدد كما تتعدد مناهج
البحث العلمي ومعها النتائج العلمية وتطبيقاتها، فالتاريخ يثبت أن كل
حضارة غابرة أو حاضرة كان العلم فيها سيدا، فالحضارة الإسلامية شهدت نهضة
علمية لم يسبق لها مثيل بما امتلكت من علوم الدين وعلوم الدنيا، والحضارة
الحديثة قامت على النهضة العلمية التي فجّرت النهضة التقنية فهي حضارة علم
وتكنولوجيا، وصار مقياس التقدم الحضاري في العصر الحديث والمعاصر هو ما
تنتجه الأمة في المجال العلمي والتقني.
الفن مجال ثقافي يُعدّ إحدى مظاهر الحضارة له دور إيجابي بحيث يدعو إلى الفضيلة كما له دور آخر يدعوا إلى الرذيلة، والفن يبرز"عندما يشرع في تقرير هذه الوسائل التي تجعله مريبا أو مفسدا".[3]
ويمكن توسيع مجال الفن لكي لا يقتصر على جملة من الممارسات كالموسيقى
والشعر والرقص وغيره ليشمل كيفية الجلوس، وكيفية تناول وجبة الطعام وشرب
الماء والمشي في الطريق وغير ذلك، لكن الشائع خاصة في البلاد الإسلامية،
هو أنّ الفن يتعلق بجملة من النشاطات مثل الموسيقى والغناء والسينما.
يرتبط
الفن بالجمال، ومن الباحثين الأوائل الذين اعتنوا بدراسة النفس البشرية
"أبو حامد الغزالي" الذي اعتنى بدراسة الجمال وتأثيره في المجتمع ومن
الصور النفسية للجمال الإحسان الصدق، الكرم، وهي صور نفسية جميلة متبادلة
بين أفراد المجتمع.
"إنّ
الأفكار بصفتها روح الأعمال التي تعبر عنها أو يسير بوحيها، إنما تتولد من
الصور المحسة الموجودة في الإطار الاجتماعي والتي تنعكس في نفس من يعيش
فيه، وهنا تصبح صورة معنوية يصدر عنها تفكيره".[4]
إنّ التربية الفنية والجمالية تخلق الذوق الجمالي في اختيار الأشياء
والأفكار والأفعال، والجمال موجود في المجال الذي يتضمن الحركات والأشياء
والصور فيوحي ذلك للإنسان بالأفكار وينعتها بالذوق الجميل أو الصور
القبيحة، وبالذوق الجميل الذي ينشأ في الفرد ويتجدد باستمرار يقوم النزوع
إلى الجميل في العمل ويقوم التمسك بالعادات الكريمة، هذا ما يؤكد الدور
الهام الذي يلعبه الجمال في المجتمع فهو يدعوا إلى الفضيلة ويحث عليها
وينبذ الرذيلة ويدعوا إلى تجنبها وذلك انطلاقا من ذات الفرد وسلوكه لينعكس
في المجتمع وقيّمه وعاداته وقوانينه.
إلى
جانب المجال العلمي والمجال الفني والجمالي وهما مجالان ثقافيان فكريان
يوجد مجال الأخلاق التي تنظم حياة أفراد كل المجتمع وتحدد العلاقات
الاجتماعية، "وإن كل علاقة هي في جوهرها قيمة ثقافية يمثلها القانون الخلقي والدستور الجمالي الخاص بالمجتمع".[5]
فالأخلاق نشأت في المجتمع ولأجله، تتطور بتطوره وتنحط بانحطاطه، فالمبدأ
الأخلاقي وإن كان في أصله دينيا روحيا هو الذي دفع الإنسان إلى التحرك نحو
الحضارة ولم تكن له هذه الحضارة إلا بعدما راح نشاطه وراحت ممارسته تلبس
مجموعة من القيّم الخلقية.
هذه القيّم هي التي ملئت نفس المسلم فترك الوثنية واعتنق عقيدة التوحيد وهي التي جعلت »آل ياسر« يرسّخون مبدأ التضحية في سبيل الحق، فصاروانموذجا
ومثالا لكل مسلم في البناء الروحي الذي هو أساس بناء الحضارة، فللأخلاق
دور في حياة الفرد وأهمية اجتماعية كبيرة، إن تنظيم المجتمع خاضع لجملة من
القوانين أنتجها المجتمع أو لم ينتجها هي في جوهرها أخلاقية وُجدت فيه
لتمكنه من بلوغ غايته، "وكلما حدث إخلال بالقانون الخلقي في مجتمع معين حدث تمزق في شبكة العلاقات التي تتيح له أن يصنع تاريخه".[6]
وترتبط
الأخلاق بالدين مثلما هو الحال في الأخلاق الإسلامية والأخلاق المسيحية
والأخلاق البوذية، و"مالك بن نبي" يعتبر الحضارة روحية دينية أخلاقية في
أساسها ومنشأها، فالحضارة تنطلق وتكون بدايتها حينما تتحرك فكرة دينية أو
يتحرك مبدأ أخلاقي ويدخل التاريخ، والتجديد الحضاري هو شرط البناء
التاريخي وميلاد الحضارات وهو عامل تطوير التاريخ وازدهار أي حضارة، وهو
أساس كل إصلاح حضاري أو بعث وإحياء، فالتجديد الحضاري بالنسبة لميلاد أي
حضارة يتمثل في ذلك التغيير الذي يطرأ في نفس الفرد ثم ينتقل إلى المحيط
الذي يعيش فيه الاجتماعي والطبيعي والجغرافي، تغير في الميول والرغبات
والمشاعر والاهتمامات والتصورات والتفسيرات والرؤى، بحيث تتغير نظرة
الإنسان إلى نفسه وإلى محيطه وإلى الوجود وعلل الوجود وإلى الآخرين فتنشأ
تصورات جديدة ومفاهيم جديدة لدى الفرد عن الفرد وعن المجتمع وعن الطبيعة
وعن الوجود ككل وواجد الوجود وتنشأ مع هذا جملة من العلاقات الإجتماعية
وتنشأ معها جملة من العلاقات مع الطبيعة ومعطيات الطبيعة ومع ما بعد
الطبيعة، وتتجسد تلك المفاهيم والعلاقات في جملة من الأعمال والأشياء تعرف
بمظاهر الثقافة، هذه الثقافة هي المحيط الذي يعكس حضارة مجتمع ما دخل
التاريخ.
فالتجديد الديني أو
الأخلاقي شهدته جميع الحضارات في ميلادها، وهو تغير يجري في الفكر والسلوك
من خلاله تتحدد المبادئ والغايات كما تتحدد القوانين والقواعد التي تضبط
وتوجه وتنظم الوسائل والسبل والسلوك المؤدية إلى تلك الغايات وغالبا ما
تكون بعيدة وقريبة معا، غايات دنيوية وغايات أخروية، حتى أن الأخلاق التي
تفتقر إلى الوحي فهي مرتبطة بعقيدة يؤمن بها أصحابها على أنها السبيل
الوحيد للخلاص مثلما هو شأن الاتجاه الشيوعي إذ نجد الماركسيين يؤمن بأن
الشيوعية وأخلاقها هي السبيل الوحيد للخلاص الاجتماعي والسياسي والاقتصادي
وهي نزعة لا دينية استطاعت أن تقوم بما قام به الدين.
العرب قبل
الإسلام كانوا يعيشون في جاهلية عمياء فيها الوثنية والنعرة القبلية ووأد
البنات وغير ذلك من الرذائل وفيها الكرم والشجاعة والحكمة، لما جاء
الإسلام غيّرت تعاليمه ذهنية الإنسان العربي وأخلاقه ومشاعره وحاجاته
وصلاته بنفسه وبمحيطه وبالطبيعة وبما بعد الطبيعة فآمن بكل ما في القرآن
والسنة وصدّقه عمله وأنشأ حضارة لا نظير لها في عصره هي الحضارة الإسلامية
التي نبتت في إطار الروح، والأخلاق الإسلامية أساس هذا الإطار يقول تعالى:
﴿إنّ الدين عند الله الإسلام ومن يبتغي غير الإسلام دينا فلن يُقبل منه
وهو في الآخرة من الخاسرين﴾.[7] ومبدؤه ﴿إنّما بُعثت لأتمم مكارم الأخلاق﴾.[8]
من
مجالات التجديد الحضاري الفكري والثقافي المجال السياسي الذي يرتبط
بالمجال الأخلاقي ومجالات أخرى مثل الثقافة والإيديولوجيا وغيرها، يمّيز
"مالك بن نبي" بين مجال السياسة ومجال''البوليتيك'' فالبوليتيك حديث صاخب
عن الحقوق والمطالب بعيدا عن النزاهة والصدق وبعيدا عن التذكير بالواجبات
وهو أسلوب ماهر في مخادعة الشعب ومغالطته، أما السياسة فهي سائر المحاولات
التي يتأمل الإنسان من خلالها في المنهج والوسائل التي تبني الدولة وتخدم
الشعب، فالسياسة هي "محاولة تأمل في الصورة المثلى لخدمة الشعب والثانية –
أي ''البوليتيك''مجرد صرخات وحركات لمغالطة الشعب واستخدامه".[9]وشتان
بين إنسان يتأمل ذاته وقيّمه ويبحث عن النموذج القويم لبناء دولة قوية
تراعى فيها المصلحة العامة وتؤدى الواجبات وتعطى الحقوق لأصحابها وتتحقق
فيها العدالة والتعاون فتحقق غاية الدولة المرجوة من السياسة "العمل الذي تقوم به كل جماعة منظمة في صورة دولة".[10]
عندما
يميّز الفرد بين السياسة و''البوليتيك'' ويهتدي إلى السياسة لبناء الدولة
وتقويتها هو تجديد في المجال السياسي، هذا التجديد يضعف عندما يقوم التأمل
في الصورة المثلى لخدمة الشعب على غير فكرة دينية وعلى غير مبدأ أخلاقي،
إنّ ارتباط السياسة بالأخلاق ضمان لاستقرار المجتمع والدولة وهو شرط
التجديد والبناء، وانحلال الدولة يكون حينما يغيب سلطان الروح والأخلاق عن
الحياة السياسية فتتسع دائرة الشهوات والغرائز وتلعب دور المحرك الموجه
للسلوك، فالدولة الإسلامية قامت وصارت قوية بالروح والأخلاق الإسلامية
وانهارت لما عرفه إنسان ما بعد الموحدين من سقوط حيث انغمس المجتمع في
الترف والبذخ وسيطرت الشهوة والغريزة بدل نفوذ الروح والأخلاق، والأنظمة
السياسية المعاصرة في البلدان المتقدمة والمتخلفة على السواء تفصل السياسة
عن الأخلاق نجدها غارقة في اضطرابات وحروب ومشاكل اجتماعية واقتصادية، هذه
الأوضاع لا يمكن إصلاحها إلا بمنهج أخلاقي قويم، يضع الدولة في إطارها
الأخلاقي الديني الطبيعي الذي يكفل لها البقاء والازدهار ولأفرادها كافة
مطالبهم وحاجاتهم.
إن1ّ تجديد السياسة يقتضي " أن تكون أخلاقية جمالية علمية لكي تكون لها معنى في مسيرة التاريخ".[11]
وتشترط هذه العملية التوجيه التربوي أي التربية الأخلاقية والتربية
الجمالية وتعليم العلوم، فالتربية الاجتماعية ظاهرة يمارسها الإنسان في
مستويين بحيث "يمكن التأثير في أسلوب الحياة في مجتمع ما، وفي أسلوب
نموذجه الذي يتكون منه، وبعبارة أخرى: لكي يمكن بناء نظام تربوي اجتماعي
ينبغي أن تكون لدينا أفكار جد واضحة عن العلاقات والانعكاسات التي تنظم
استخدام الطاقة الحيوية، في مستوى الفرد وفي مستوى المجتمع".[12] وهذا مؤكد في المبدأ القرآني ﴿إنّ الله لا يغيّر ما بقوم حتى يغيّروا ما بأنفسهم﴾.[13] فكل ما يغيّر نفس الفرد يغيّر المجتمع، وثابت في معنى قول الإمام مالك "إنه لا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها".[14]
إنّ
التربية في المجتمع تستهدف تغيير الفرد وتغيير المجتمع بما يكفل للإنسان
النهوض والبناء والازدهار، وعلاج أية مشكلة في المجتمع لا يكون دوما
باقتباس الحـل من ثقافـة الغير، فالحـل صحيح في إطاره الاجتماعي، "وينبغي أن نهيئ في بلادنا المحيط اللازم لتطبيق ما نتصور من حلول لمشكلاتنا الاجتماعية".[15]
وبلوغ
المستوى المطلوب يقتضي توجيه الفكر والأعمال عند الفرد وفي المجتمع وفق ما
يفرضه النظام الأخلاقي والدستور الجمالي والتقدم العلمي، وجوهر التوجيه في
الفعل التربوي هو الفعّالية الاجتماعية التي من شأنها تسمح
بصياغة المشكلات صياغة دقيقة ومضبوطة وتحدد المبادئ والغايات وتوظف كافة
الوسائل وجميع السبل وفق إستراتيجية شاملة تسمح بالسير في التاريخ نحو
الحضارة، وإنّ هذه "الشروط النفسية والاجتماعية التي تحرك المجتمعات وتفرض على الأفراد الانسجام مع قانون تلك الحركة بما لديهم من المؤهلات
المكتسبة التي تكوّن ما سميناها المعادلة الاجتماعية أعني المعادلة التي
تحدد فعّاليتهم أمام المشكلات وتعطيهم قيمتهم في المجتمع وفي التاريخ".[16]
من
المشكلات الكبرى التي تواجه أفراد المجتمع المشكلات الاقتصادية، وحل هذه
المشكلات من صميم التجديد الحضاري، والتجديد الحضارة في المجال الاقتصادي
يشترط التغيير الذي يبدأ في النفس ثم ينتقل إلى عالم الاقتصاد، إنّ هذا
التحول " لا
يؤثر في عالم الاقتصاد بنوعية الشيء المصنوع والفكرة الدالة على طريقة
صنعه – ما لم يؤثر في محتوى النفوس ذاتها طبقا للمبدأ القرآني".[17]
وسائر التغيّرات الحاصلة في الحياة الاقتصادية هي في جوهرها تحولات حضارية
تصيب القيّم والأذواق والأخلاق في مجريات التاريخ، وأي تحول في الأذواق
والأخلاق والقيّم والثقافة يمثل مظهرا من مظاهر التجديد الحضاري يؤدي لا
محالة إلى التطور الاقتصادي، ويتجدد الأصل الحضاري للبناء الاقتصادي بأنّ »الاقتصاد ليس قضية إنشاء بنك وتشييد مصانع فحسب، فهو قبل ذلك تشييد الإنسان وإنشاء سلوكه الجديد أمام كل المشكلات".[18]
إنّ الاقتصاد عند "مالك بن نبي" "هو
تجسيم للحضارة على شرط أن نحددها بصفتها مجموعة الشروط المعنوية والمادية
التي تتيح لمجتمع ما أن يقدم جميع الضمانات الاجتماعية لكل فرد يعيش فيه".[19]إنّ
الحضارة تشترط إرادة تحرك المجتمع والشروط المادية، وينتج عن هذا حاصل جمع
الإرادة والإمكان الحضاري يعطينا الاقتصاد باعتباره حسم الحضارة أو صورتها
المحسة، والعلاقات بين الإرادة الحضارية والإمكان الحضاري نسبية، فالعرب
في عهد "الرسول صلى الله عليه وسلم" انطلقوا من الصفر من حيث الإمكان
ونفذت جميع خططها بتفعيل وسائلها وشيدت حضارة لا نظير لها في ذلك العصر"
ونفس التجربة عاشها الألمان بعد الحرب العالمية الثانية، والعلاقة النسبية
بين الإرادة الحضارية والإمكان الحضاري تجعل الإمكان الحضاري منتوج
الإرادة الحضارية باعتبارها عامل إشراف ومراقبة وتنظيم الاقتصاد باعتباره
"التجسيم لإرادة حضارية".[20]هذه الإرادة الحضارية تتحرك بدافع العامل الروحي والفكرة الدينية فتبعث في الإمكان الحضاري الحياة والحركة.
إنّ
البناء الاقتصادي يحصل بفعل الإرادة الحضارية لا بالمال لأنّ المال منفصل
عن العمل ومستقل عنه، والمال يسجن العمل إذا تراكم وتجمع في المنشآت
المصرفية فتتحول طبيعته الاجتماعية، فبعد أن كان وسيلة لتخزين العمل
وإنشائه صار عائقا أمام تحريك رأس المال لإنشاء الأعمال وتنميتها واستثمار
ثروات الإمكان الحضاري، والاعتماد على الاستثمار المالي في الحياة
الاقتصادية دون الاستثمار الاجتماعي يؤدي إلى نتائج ضعيفة وربما فاشلة لأن
النهضة الاقتصادية تتضمن الجانب التربوي الذي يتضمن خطة تنمية تفجر أبعاد
الإنسان النفسية والاجتماعية وتخلصه من عقدة التخلف ومسلماتها الوهمية.
إنّ
علاقة ظاهرة الإنتاج مع ظاهرة الاستهلاك تشكل ظاهرة التوزيع وجميع هذه
الظواهر تعطينا "الديناميكا الاقتصادية" التي تمثل حركة التفاعل بين
المنتج والمستهلك، وأسلوب الاقتصاد يحدد طبقا لكيفية تلبية الحاجة إما على
الإمكان المالي أو على الإرادة الحضارية فإن تقرر حسب هذه الأخيرة قامت
الديناميكا الاقتصادية على مسلمتين: لقمة العيش حق كل فم. والعمل واجب على
كل ساعد. وعليه فالإرادة الحضارية تكشف الإمكان في الاقتصاد - وهو أمر
مقرر في القرآن- كما تضع هذا الإمكان في الإطار الاجتماعي، وتبقى الروح
الدينية ضرورية لكل نهضة اقتصادية وللديناميكا الاقتصادية بحيث يصبح فيها
المال خادما مطيعا للمجتمع يرفع عن الإنسان قيود المادية الماركسية التي
جعلت منه مجرد آلة للإنتاج، بفعل الروح الدينية يقوم التماسك بين القيّم
الاقتصادية والقيّم الروحية الأخلاقية، فتنبني الديناميكا الاقتصادية على
فكرة الواجب وفكرة الحق وفكرة العدل وغيرها، هذه القيم التي لم تقم عليها
ديناميكا الاقتصاد الرأسمالي
ولا ديناميكا الاقتصاد الاشتراكي وقامت عليها ديناميكا الاقتصاد الإسلامي في عهد ما قبل الموحدين.
إنّ
التخطيط الاقتصادي في أي بلد ينبغي أن يراعي ظروف البلد وإمكانياته،
فالواقع الإنساني يفسر على أساس معادلتين لا معادلة واحدة، الأولى
بيولوجية تضع جميع الناس في مستوى واحد دون تمييز فالذي يقدر عليه هذا
الشخص يقدر عليه شخص آخر والثانية اجتماعية تتميز من مجتمع إلى آخر بل
تختلف في المجتمع الواحد من وقت إلى آخر حسب درجة التخلف أو النمو،
والمعادلة الاجتماعية تمثل شرط التجديد الحضاري والاقتصادي بحيث تشكل جملة
العادات والتقاليد التي يفطر عليها الطفل منذ مهده ويحرم منها طفل آخر ولد
في مجتمع لم تتكون فيه معادلة اجتماعية أو فقدها لأسباب تاريخية معينة.
إنّ
النهوض الاقتصادي يشترط دوما الأخذ في الاعتبار الضرورات الداخلية
والضرورات الخارجية، فالفرد يتحرك لدفع طاقات المجتمع على أساس مسلمة "كل فم له الحق في أن يأكل" ومسلمة "العمل واجب على كل ساعد" لتحريك عمليـة الديناميكا الاقتصادية في الداخل ولأجل "الصمود في وجه الزحف الاقتصادي من الخارج".[21]فالمجتمع
في حاجة إلى ضروراته الداخلية مثلما هو في حاجة إلى حلول إقليمية وجهوية
وعالمية، "إن كل وطن مسلم أو غير مسلم يستطيع حل بعض مشكلاته داخل حدوده
مثلا كل ما يتعلق بالعدل والإدارة والأمن. كما يستطيع حل مشكلات أخرى في
نطلق تنظيم جهوي، مثل إنتاج وتسويق البترول بالنسبة للدول العربية لو يتم
اتفاقها بهذا الصدد، ثم هناك مشكلات لا تحل إلا على مستوى عالمي مثل قضية
السلم وتنسيق البريد".[22]
فالتجديد
الحضاري في الميدان الاقتصادي يخص العمل ووسائله وعلاقاته ويظهر في
القطاعات الاقتصادية مثل الزراعة والصناعة والتجارة ويشترط التوجيه القائم
على عوامل روحية وأخلاقية تضمن له النماء والاستمرارية.
يتضح
مما سبق أن مبادئ التجديد الحضاري فكرية روحية ثقافية ومادية اقتصادية،
فيها تظهر قدرة الإنسان على الإبداع ونماء الحضارة وصنع التاريخ، لكن توجد
صعوبات كثيرة تحول دون ذلك عند إنسان ما قبل الحضارة أو إنسان خرج من
الحضارة إذن فما هي موانع التجديد الحضاري؟.













[1] - مالك بن نبي: آفاق جزائرية، ص125.

[2] - مالك بن نبي: مشكلة الأفكار في العالم الإسلامي، ص41.

[3] - مالك بن نبي: شروط النهضة، ص191.

[4] - المرجع السابق: ص 138-139.

[5] - مالك بن نبي: ميلاد مجتمع، ص45.

[6] - المرجع السابق: ص49.

[7] - قرآن كريم: سورة آل عمران، الآية85.

[8] - حديث شريف.

[9] - مالك بن نبي: بين التيه والرشاد،ص98.

[10] - المرجع السابق: ص99.

[11] - مالك بن نبي: مشكلة الأفكار في العالم الإسلامي، ص135.

[12] - مالك بن نبي: ميلاد مجتمع، ص72.

[13] - قرآن كريم: سورة الرعد، الآية 11.

[14] - قول الإمام مالك.

[15] - مالك بن نبي:ميلاد مجتمع، ص97.

[16] - مالك بن نبي: تأملات، ص134.

[17] - مالك بن نبي: المسلم في عالم الاقتصاد، ص59.

[18] - المرجع السابق: ص59.

[19] - المرجع السابق: ص61.

[20] - المرجع السابق: ص63.

[21] - المرجع السابق: ص 98.

[22] - المرجع السابق: ض100.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://readwithus.yoo7.com
 
ميادين التجديد الحضاري في فكر مالك بن نبي
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
»  موانع التجديد الحضاري في فكر مالك بن نبي
»  المدخل إلى موطأ مالك بن أنس
»  حصريــــا| اللعبة المحبوبـه PES6 برابط واحد + افضل مفاجئـة | ثم التجديد 2012

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات اقرأ معنـا :: ˆ~¤®§][©][ عــلوم وثقافـة ][©][§®¤~ˆ :: علوم ومعلومات عامة-
انتقل الى: