علامة استفهام حول تسويق المبدعين لأنفسهم

علامة استفهام حول تسويق المبدعين لأنفسهم

يلعب التسويق دورا كبيرا في عالمنا المعاصر، وبخاصة في دنيا المال
والأعمال، وأصبح له شركات متخصصة، وهذا هو المتعارف عليه، أما أن يكون
التسويق في مجال الأدب والثقافة، وأن يسوق الأديب لنفسه ونتاجه الإبداعي
بشكل أو بآخر فهذا هو الجديد..
كيف ينظر المجتمع والمتلقي إلى هذا المثقف؟
وما هي انطباعات الأوساط الثقافية عن هذا الموضوع؟
وهل هناك شليلة في التسويق لمبدع معين على حساب آخر؟
هذا ما حاولنا الكشف عنه من خلال هذا الموضوع.
في
البداية تقول الشاعرة الدكتورة ثريا العريض: استخدام مصطلح "تسويق" فيه
شيء من الإتهام بالتركيز على الجانب المادي الذي تختص به السوق
الإستهلاكية. إنني أفضل استخدام مفهوم "التعريف" أي تقديم المنتج إلى
المتلقي.
ولا أجد ما يعيب المبدع في محاولة التعريف بإنتاجه وإبداعه
عبر إهداء نسخ إلى الجهات المعنية، مثل الصحافة والملاحق الثقافية
والأدبية، وغيرها من الملاحق المختصة؛ لتعريف المتلقي بالمنتج الإبداعي،
بغض النظر عن جنسه الأدبي.
وهناك خدمة مميزة يقدمها النقاد
والإعلاميون، حيث يلقيون الضوء على ما يرونه يستحق الإشارة إليه أو
الإشادة به، ضمن إطار التعريف بالعمل الإبداعي، أي هم همزة الوصل بين
المبدع والمتلقي الذي يعلمون بما استجد في الساحة. وما يقوم به المبدعون
من إهداء للصحفيين ليس عيبا، بالعكس هم أهدوها إلى حلقة الوصل بينهم وبين
المجتمع.
وهذا لا يعني أن يطلب المبدع من الصحفي أن يكتب عنه أو عما
أهداه مشيدا ومسوقا؛ فمثل هذا الطلب المباشر امتهان للطرفين، لكن يكفي أن
تقدم نسخة من المنتج كهدية إلى من تشاء، والمهدى إليه له حق التقييم
والإختيار لتقديم الأفضل من خلال قراءته لهذا العمل، ولا شك أن المبدع
المميز سيفرض نفسه بشكل أو بآخر.
هناك أيضا أدباء ونقاد وقارئون مختصون
ومهتمون بالشأن الثقافي، وبينهم من يتابع الكتابات الجديدة ويكتب عنها
ويقدمها للمنتديات والمواقع على الإنترنت وهؤلاء يقومون بعمل مميز يخدم
الشأن الثقافي بوجه عام.
مسؤولية الناشر
من جهته يقول الشاعر أحمد
الصالح "مسافر": إذا طبع المبدع عمله على نفقته الخاصة فمن حقه أن يسوق
لنفسه كيفما شاء؛ شريطة ألا يصل إلى مستوى غير مقبول أخلاقيا، فقد تكبد
عناء الطباعة وثمنها الباهظ ومن حقه أن يخفف هذا العبء عن كاهله بعض
الشيء، وبخاصة أن بعض دور النشر قد تتعالى على المبدع إذا كان غير مغروف
نوعا ما.
وقد يهدي المبدع عمله لثلة من الصحفيين أو النقاد البارزين
والأوساط الإعلامية ليس بدافع الكتابة عنه، لكن من باب تعريف الوسط
الثقافي بآخر أعماله الإبداعية، وليس مقبولا من المبدع أن يسعى بشكل حثيث
للكتابة عنه أو كتابة خبر؛ فهذه مسؤولية الناشر وليست مسؤوليته.
أسلوب رخيص
ويقول
الشاعر جاسم الصحيح: أعتقد أن تسويق المبدع لذاته عمل جيد لا بأس به، وإذا
أهدى المبدع بعض نسخ من أعماله إلى الوسط الثقافي، سواء كان في ندوة أو
أمسية شعرية هذا تفضل منه، مشكورا عليه بالطبع.
ولكنني ضد أن يوعز بعض
المبدعين إلى النقاد أو الكتاب ليكتبوا عنهم؛ فهذا أسلوب رخيص وامتهان
بالطبع للمبدع، وأنا شخصيا تربطني علاقات وطيدة بمعظم النقاد والوسط
الثقافي ولم أطلب ولن أطلب من أحد أن يكتب عني؛ لأن هذا الأسلوب مرفوض،
لكن قد يسوق المبدع لنفسه بشكل محترم ومقبول من خلال الصحف أو المسابقات
الثقافية.
ولا أخفيك سرا أن فكرة مشاركتي في مسابقة "أمير الشعراء"
كانت بدافع التسويق الشخصي لي والتعريف بتجربتي على المستوى العربي من
خلال الحضور الإعلامي المميز للقناة والجهة الراعية للبرنامج، بغض النظر
عن أي محفزات أخرى، المهم أن تصل تجربتي إلى الناس.
نماذج جيدة سوقت لنفسها
بينما
يقول القاص خالد اليوسف: بالطبع يحق للمبدع أن يسوق أعماله كما يروق له،
هناك بعض المبدعين يستخدم الوكالات التجارية لتسوق لهم نتاجهم الإبداعي،
وهناك نماذج جيدة استطاعت أن تسوق لنفسها بشكل صحيح، ومن هؤلاء الروائية
رجاء الصانع، والدليل على ذلك أن الوفد الياباني الذي زار المملكة سأل
عنها وعن روايتها؛ وهذا يدل على نجاحها في التسويق لنفسها على النحو
الصحيح.
إذا لم يسوق المبدع لنفسه من يسوق له؟.. وإذا لم يستخدم ذكاءه
الإجتماعي في الإنتشار وتحقيق التواجد على الساحة الثقافية فمن سيقوم بهذا
الدور إن هو تخلى عنه؟.. بالإضافة إلى أن بعض الكتاب منطوون على أنفسهم
ومنزوون ويكرهون الأضواء والشهرة، أو حتى كلمة التسويق أو الإنتشار.. هم
يخلصون فقط لفنهم وإبداعهم.
التسويق والذكاء الإجتماعي ويقول القاص
عبدالحفيظ الشمري: أتصور أن التسويق ليس عن طريق الكتابة فقط، هناك تسويق
عبر الإذاعة والتلفزيون والإنترنت والفضائيات وغيرها من وسائل الثقافية
البصري الحديثة، يجب على المبدع أن يطور أدواته ويسهم بشكل فاعل في إيجاد
حيز كبير له على الساحة الثقافية، وقد يتغافل الإعلام عن دوره أو يهمشه
البعض فواجبه ألا يستسلم.
ونحن نلاحظ المؤسسات الرسمية أو الجهات التي
تتولى إصدارات ثقافية تقوم بجهد كبير في الطباعة، ولا تولي نفس الجهد في
التسويق في أحيان كثيرة؛ مما يجعل المبدع يحس بالقصور ويبدأ هو في تنشيط
هذا الجانب. ومهما كانت نظرة البعض له فهو على حق أن يجد نتاجه في أيدي
الناس. التصور أن من ينجح في لعبة التسويق لنفسه ولنتاجه يتمتع بذكاء
اجتماعي كبير، واستطاع أن يوظفه بشكل بارع